17/6/1930
" الثلاثاء الحمراء"-قصة بدأت ولم تنته...!
*نواف الزرو
بدأت قصة الأبطال الثلاثة عندما اعتقلت القوات البريطانية مجموعة من الشباب الفلسطيني التي هبت لنجدة المسجد الأقصى فكانت شرارة الثورة عندما نظم مجموعة من المستوطنين مظاهرة ضخمة بتاريخ 14 آب 1929 بمناسبة ما يسمونه " ذكرى تدمير هيكل سليمان " وأتبعوها بمظاهره أخرى في اليوم الذي يليه يوم 15 آب في شوارع القدس وصولاً إلى حائط البراق ما يسمونه اليهود " حائط المبكى " وهناك رفع اليهود العلم الصهيوني وأخذوا ينشدون النشيد القومي الصهيوني وشتموا المسلمين، وكان اليوم الذي يليه يوم 16 آب هو يوم جمعة وصادف ذكرى المولد النبوي الشريف، فهب المسلمون للدفاع عن حائط البراق حتى لا يقوم اليهود بالاستيلاء عليه، فكان الصدام نتيجة حتمية بين المسلمين واليهود في مختلف المناطق الفلسطينية .
لجأت سلطات الاستعمار البريطاني الى استخدام أقسى أنواع القمع والتنكيل ضد الشعب الفلسطيني، وأصدر المندوب الإنجليزي آنذاك "تكانسلور" أوامره باعتقال المئات من الشعب الفلسطيني وأصدر حكمًا بإعدام عشرين فلسطينيًا، وتم تنفيذ الحكم فورًا في ثلاثة منهم، هم فؤاد حجازي، عطا الزير، محمد جمجوم، وحاول قادة العرب منع إعدامهم ولكن إنجلترا أصرت على ذلك وتم التنفيذ في 21 محرم سنة 1349هـ-1930 م-).
كان ذلك في يوم الثلاثاء السابع عشر من حزيران/1930...!
وفي السابع عشر من حزيران من كل عام تطل علينا ذكرى اعدام أبطال ثورة البراق -عطا الزير ومحمد جمجوم وفؤاد حجازي- في سجن عكا، ففي ذلك اليوم "قامت سلطات الاستعمار البريطاني بإعدام الأبطال الثلاثة الذين سطروا ملحمة استشهادية تستحضرها الاجيال جيلا بعد جيل.
كتبوا قصيدة عشق الوطن والقضية والحق بالجسد والدم والروح...
تحدوا الموت وتمردوا على السجان وأعواد المشانق...
كانوا ينشدون في غياهب معتقلهم:
يا ظلام السجن خيم..اننا نهوى الظلاما
ليس بعد الليل ..الا فجر بدر يتسامي
وعندما حكم عليهم بالاعدام..لم يربكهم هذا الخبر..بل قالوا:
اذا كان اعدامنا يهز اليهود والانجليز فليضي كل شباب فلسطين في ارواحهم..
سمحوا لهم أن يكتبوا رسالة في اليوم السابق لموعد الأعدام وقد جاء في رسالتهم:
"الآن ونحن على ابواب الابدية، مقدمين ارواحنا فداء للوطن المقدس، لفلسطين العزيزة، نتوجه بالرجاء الى جميع الفلسطينيين، الا تنسى دماؤنا المهراقة وارواحنا التي سترفرف في سماء هذه البلاد المحبوبة وان نتذكر اننا قدمنا عن طيبة خاطر، انفسنا وجماجمنا لتكون اساسا لبناء استقلال امتنا وحريتها وان تبقى الامة مثابرة على اتحادها وجهادها في سبيل خلاص فلسطين من الاعداء وان تحتفظ باراضيها فلا تبيع للاعداء منها شبرا واحدا، والا تهون عزيمتها وان لا يضعفها التهديد والوعيد، وان تكافح حتى تنال الظفر.
ولنا في آخر حياتنا رجاء الى ملوك وامراء العرب والمسلمين في انحاء المعمورة، الا يثقوا بالاجانب وسياستهم وليعلموا ما قال الشاعر بهذا المعنى: "ويروغ منك كما يروغ الثعلب". وعلى العرب في كل البلدان العربية والمسلمين ان ينقذوا فلسطين مما هي فيه الآن من الآلام وان يساعدوها بكل قواهم. واما رجالنا فلهم منا الامتنان العظيم على ما قاموا به نحونا ونحو امتنا وبلادهم فنرجوهم الثبات والمتابعة حتى تنال غايتنا الوطنية الكبرى... واما عائلاتنا فقد اودعناها الى الله والامة التي نعتقد انها لن تنساها، والآن بعد ان رأينا من امتنا وبلادنا وبني قومنا هذه الروح الوطنية وهذا الحماس القومي، فاننا نستقبل الموت بالسرور والفرح الكاملين ونضع حبلة الارجوحة مرجوحة الابطال باعناقنا عن طيب خاطر فداء لك يا فلسطين، وختاما نرجو ان تكتبوا على قبورنا: "الى الامة العربية الاستقلال التام او الموت الزؤام وباسم العرب نحيا وباسم العرب نموت".
وحين حل يوم الاعدام شنقا...
كانوا يتسابقون نحو الشهادة..
محمد جمجوم يزاحم عطا الزير ليسبقه الى الشهادة غير أبه بالموت ..
وعطا الزير يطالب بأن ينفذ به الحكم دون قيود، ولما رفض الاستعمار البريطاني ذلك حطم قيده وتقدم نحو المشنقة.
عزف ثلاثتهم سيمفونية عشق أبدي لفلسطين، وسطروا ملحمة عز نظيرها..
فكانوا رمزاً وعنواناً للتحدي والفداء و للشجاعة والإقدام.
اطلقوا عليها "الثلاثاء الحمراء"...
سطرها ابطالها الثلاثة بشجاعتهم واستشهاديتهم وروحيتهم الجهادية العظيمة..
كانوا القدوة والبداية في ملحمة فلسطينية مفتوحة في مواجهة الاستعمارين البريطاني والصهيوني...
حفظتها وتوارثتها الاجيال جيلا بعد جيل...
وكأنهم استشهدوا بالامس القريب فقط...!
فالذي يجري في هذه الايام تماما كالذي كان يجري في ايامهم، بل على نحو اخطر واخطر...!
وحائطهم-البراق- الذي انتفضوا من اجله واستشهدوا –شنقا- فداء له، يئن في هذه الايام تحت انياب بلدوزر التهويد الصهيوني.
نستحضرهم...
ونستحضر حكايتهم دائما فهم "ابطال الثلاثاء الحمراء" الخالدة....!
وقصتهم بدأت ولما تنته...!