التطبيع حين يلبس ثوب التضامن
الجدل حول التطبيع العربي مع المحتل الصهيوني يتزايد برفقة زيادة مضطردة لمحاولات التطبيع، بما يوحي أنّ هُناك من يسعى بجدية لكسر ما تبقى من إرادة فلسطينية وعربية على عزل ومواجهة المشروع الصهيوني.
هذا الجدل يبدو أنّه يأتي لخلق الغطاء النظري والأخلاقي لمحاولات التطبيع، والمساعي المتزايدة للتقارب مع الكيان الصهيوني من جانب حكومات وجهات عربية متعددة، واللافت أن أبرز الحجج المقدمة في هذا الجدل مؤخراً هو أن الزيارات التطبيعية تأتي تضامناً مع الفلسطينيين ودعماً لصمودهم.
وإزاء ذلك لا بأس في معاودة تشريح هذه الذريعة وتفكيكها، أولاً لجهة فهم الوضع في فلسطين وثانياً لجهة تفكيك مواقف الأطراف المتحمسة للتطبيع تحت هذه الذريعة. ففلسطين منذ الاحتلال الصهيوني لها يعاني أهلها من قيود على الحركة كجزء من معاناتهم مع عملية الإبادة المعنوية والمادية الصهيونية لهم، وفي هذا الإطار تنصب سلطات الاحتلال نفسها بقوة القهر والطغيان، كجهة وحيدة مخولة بتحديد من يدخل لفلسطين ومن يغادرها، وكذلك أين ومتى يسمح لكل فرد على هذه الأرض بالحركة.
الإقدام على الدخول لفلسطين لغرض غير الاشتباك مع المحتل، وبتصريح منه، هو إقرار أولاً بأحقية المحتل في تحديد الحركة بفلسطين، واستفادة من امتياز يقدمه الاحتلال لزائر عربي يُشرعن الاحتلال بزيارته، كونه قد جاء دون أي إجبار أو قهر مثل ذلك الذي يقع على الفلسطينيين، والقول بان في الاستفادة من امتياز احتلالي هو نمط من التضامن مع الفلسطينيين ما هو إلّا محض خطأ كبير إن لم نقل خطيئة، هذا ناهيك عن الاتضاح الفعلي لنوايا هذه الزيارات وكونها فعلا تتخذ من التضامن مع الفلسطينيين مجرد جسر ومطية يتذرعونها للتقارب مع الاحتلال ومع المشروع الصهيوني في إطار إعادة الاصطفاف بالمنطقة.
"الخطاب الفني في الأغنية الفلسطينية يجب أن يتغير". هذا ما قاله الفنان التونسي صابر الرباعي في مؤتمره الصحفي بمدينة " روابي" احد اكبر مشاريع التطبيع الفلسطيني الصهيوني المشترك، والذي شارك بمهرجان فيها ضمن زيارة تمت بتصريح وتنسيق من الاحتلال، حين يصل الرباعي او غيره لفلسطين بهذه الطريقة ويقدم مراجعته الناقدة للأغنية الفلسطينية وطبيعتها التحريضية الوطنية بغض النظر عن نواياه من وراء ذلك، فإن المحصلة من الزيارة تكون هي أن عليكم أن تتعايشوا مع وجود هذا الاحتلال وتتظاهروا أن حياتكم طبيعية في ظله.
وبالمثل إن زيارة اللواء السعودي أنور عشقي لفلسطين المحتلة والتي تخللها لقاءات عدة مع مسئولين صهاينة بالتأكيد لم تكن بغرض التضامن مع فلسطين أو أهلها بل عدوانا عليها ومساندة لعدوها.
شعب فلسطين كان ولا زال يرفض التعايش مع هذا الاحتلال، ولن يعتبر في يوم من الأيام أن حياته طبيعية في ظله وتحت سطوة قهره، والواجب تجاه هذا الشعب المحاصر المقهور الصامد المقاتل، هو إسناده في معركته مع الاحتلال، وبذل كل جهد عربي لكسر الحصار عنه وتمكينه من الانتصار، وحينها أهلا وسهلا بكل قلب عربي حر على أرض فلسطين.