أر
من بين أشياء بات الموظفون الحكوميون مطالبون بها بسبب من تأخر رواتبهم، " تعلم الكذب الأبيض" أمام أطفالهم، و"كتم الغيظ" إذا ما غضب عليهم مقرضوهم بسبب التأخر في سداد الديون، ثم – كما قال أحد الموظفين الظرفاء – الانتظام في صلوات جماعية يدعون فيها للحكومة بـ"التمكين" و "السّداد" ..
الأعراض التي ترافق تأخر الحكومة في تسديد رواتب من تشغلهم لديها، قد تتحول ( أو تحولت بالفعل – من يدري ) إلى مواضيع أبحاث لنيل درجات "الماجستير" و "الدكتوراه" في علم النفس الإجتماعي أو علم الاجتماع السياسي، ذلك أن التوترات الإجتماعية و النفسية التي تصاحب تأخرها أصبحت لافتة بدرجة لم يعد باستطاعة أحد تجاهلها، بما في تلك الأعراض ما يمكن أن يتطور ويحول السلطة إلى "عدو اجتماعي"، كما يقول رئيس دائرة علم الإجتماع في "جامعة بير زيت" الدكتور باهر السقا .
قال السقا لـ"القدس دوت كوم" أن البعد الاجتماعي لغياب الاستقرار عن حياة الموظفين الحكوميين من شأنه أن يترك آثارا مدمرة على حيوات الأسر الملتزمة ماليا و اجتماعيا ؛ فهو يؤدي إلى الشعور بالقلق ويضعف الانتماء لبيئة العمل ، إلى جانب تركه آثارا جمعية، كأن تتحول الحكومة ( بصفتها مشغلة عاجزة عن الإيفاء بالتزاماتها اتجاه من تشغلهم ) إلى عدو اجتماعي يتوجب النضال ضده .
المواطن إياد الشمله من بلد إذنا غرب الخليل ( 35 عاما - أب لـ 3 أولاد ) قال أن تأخر الرواتب أياما أكثر مما يحتمل وضعه المعيشي جعله "غير قادر على رفع رأسه" أمام أصدقاء و معارف اضطر للاستدانة منهم لأجل توفير احتياجات أساسية، ولأجل الوصول إلى مكان العمل، لافتا إلى أن تأخر راتبه دفعه إلى البحث عن "طرق التفافية" بعيدا عن أعين الدائنين، بينما لم تحو ثلاجة المنزل بسبب من ذلك، سوى الماء .
حاول المواطن "الشمله" ، خلال الفترة التي طال فيها انتظار الرواتب – حاول عبثا ترتيب قائمة المستلزمات المطلوبة للمنزل، سيما و أن قائمة المصروفات تتضمن سداد أقساط متراكمة من قروض مستحقة الدفع، ومصروفات للعيد إضافة إلى توفير احتياجات المنزل الأساسية؛ بحيث لم يتبق من راتبه ( بعد تسديده قسطا من قرض لأحد البنوك قيمته 800 شيكل) سوى ألف شيكل فقط، مشيرا إلى أن الأزمة الخانقة التي عاشها خلال الفترة دفعته إلى التوجه للبنك حيث يتسلم راتبه لأجل الحصول على قرض قيمته 100 شيكل فقط؛ بغرض توفير الأدوية اللازمة لطفلته .
تأخر الحكومة في تسديد رواتب موظفيها بصورة متكررة، دفع المواطنة - الأرملة والأسيرة المحررة شفا عجارنة التي تعمل في دائرة الأراضي ( 43 عاما - أم لـ 4 أطفال ) لإيجاد عمل إضافي تتقاضى بموجبه 20 شيكلا مقابل كل 4 ساعات من العمل، موضحة أن المبلغ المشار أليه يكفي فقط مصروفات الجيب اليومية لأطفالها ، فيما يقول مدير الشؤون الادارية في مؤسسة المواصفات و المقايس رائد الحلو ( 37 عاما ) أنه بعد الجهد الذي بذله لـ "التأقلم" مع راتبه بعد تسديده أقساطا شهرية من قرض قيمته 38 ألف دولار ، بات أكثر إرهاقا بفعل تأخر الراتب و وصوله مجزءا، لافتا إلى أن ما يتبقى لعائلته من راتبه "لم يعد يسمن أو يغني من جوع" .
قال رائد الحلو أن وظيفته برتبة مدير لم تشفع له أو تجنبه – بسبب من تأخر الرواتب – لم تجنبه اللجوء إلى عمل إضافي في محطة للوقود براتب 900 شيكل في الشهر، بينما يضطر رامي باجس من محافظة الخليل ، وهو موظف لدى أحد الأجهزة الأمنية، لتغيير الطريق التي يسلكها تجنبا لـ"الإصطدام" بصاحب البقالة الذي يطالبه بتسديد قائمة من الديون مستحقة الدفع، حيث يؤكد الأخير أن تأخر صرف الراتب صار يسبب له "الضغط النفسي"، سيما وأنه يحتاج يوميا مبلغ 60 شيكل كمصروفات لتنقل زوجته الطالبة الجامعية و لطفلتيه، بعمري شهر واحد و ثلاثة أعوام .
في الإطار، أشار الدكتور السقا من جامعة بير زيت إلى أن تكرر تأخر رواتب الموظفين الحكوميين بات يضع وجود السلطة علي المحك، موضحا أن عجزها عن توفير الرواتب لمن تشغلهم في مواعيدها "قد يقوض السلطة على المدى البعيد"، بينما ينجم عن تأخرها شعور بالنقص في القدرات القيادية لدى مواطنين باتوا غير قادرين ( بسبب من تأخر الرواتب ) على توفير الاحتياجات الأساسية لأسرهم .