الاستيطان يبتلع الضفة والقدس وعباس يراهن مجدداً على مجلس الأمن
تعيش مدينة القدس المحتلة، حالة غير مسبوقة في تسارع عمليات التهويد، وهدم المنازل وسحب هويات مواطنيها، وممارسات قمعية من الاحتلال، تتبعها الحكومة اليمينية المتطرفة ومستوطنوها الإرهابيون، بهدف تغيير معالم المدينة المقدسة، وإجبار سكانها على تركها، ضمن مخططات التهويد المستمرة التي تُصرف عليها أموال ضخمة، في وقت لا يزال فيه الرئيس الفلسطيني محمود عباس يراهن على وضع "مشروع قرار يدين الاستيطان" على طاولة مجلس الأمن الدولي خلال زيارته إلى مقر الأمم المتحدة في نيويورك في 21 من أبريل الحالي.
الرئيس عباس الذي لا يزال يراهن على مجلس الأمن، يدرك تماماً أن خطواته ستُغضب الداعمين لـ"إسرائيل"، وستدفع الولايات المتحدة الأمريكية، لاستخدام حق النقض "الفيتو" ضده، وإجباره مجدداً بالعودة بخُفيّ حُنين، كما حدث في العام 2011، للمشروع المماثل الذي قدمه الفلسطينيين بالمجلس.
مصدر فلسطيني رفيع المستوي تحدث لـ "بوابة الهدف"، عن أن مشروع الرئيس عباس قُدّم لأعضاء مجلس الأمن كمسودة هذا الأسبوع.
وانتقد المصدر خطوات عباس وقال "بدلاً من التعويل مجدداً على فشل سابق يجب إعطاء أهمية أكبر للتصدي لمخططات إسرائيل الاستيطانية في مدن الضفة الغربية والقدس المحتلة على وجه الخصوص، عبر دعم الانتفاضة التي انطلقت مطلع أكتوبر الماضي بالأساس نتيجة الممارسات الإسرائيلية القمعية العنصرية ضد الفلسطينيين".
واتهم المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، الرئيس الفلسطيني بالتقصير الواضح والمُمنهج تجاه دعم مدينة القدس مالياً.
وذكر المصدر لـ "بوابة الهدف" أن "أقل من 1% هي نسبة ما تصرفه السلطة الفلسطينية، من موازنتها السنوية، لصالح مدينة القدس، في حين تصرف أموال ضخمة على تنقلات قادتها بين العواصم الأوربية لحشد الدعم السياسي المزيف للقضية الفلسطينية".
ووصف المصدر ما يصل من دعم مالي فلسطيني رسمي لمدينة القدس المحتلة بـ "الفتات"، وقال إنه "يعادل 22 إلى 25 مليون شيكل إسرائيلي، بينما يصل المدينة فعلياً أقل من 7 إلى 8 مليون شيكل أي ما يعادل 2 مليون دولار".
وتابع "باقي المبلغ لا يُعرف أين يذهب، وأن ذاك المبلغ يُشكل فتات بالنسبة لما تحتاجه القدس، خاصة وأنه في الطرف الآخر توجد آلة إسرائيلية ضخمة تدعم التهويد والاستيطان بمليارات الشواكل".
وخاطب المصدر الرئيس عباس، قائلاً "يجب أن تعرف أن بلدية القدس الإسرائيلية ميزانيتها لوحدها 6 مليارات ونصف المليار شيكل إسرائيلي، تُسخرها لتنفيذ المشاريع الاستيطانية، وما تقدمه سلطتك تحصله واحدة من المؤسسات الأهلية الفلسطينية العالمية في القدس كتمويل لإحدى مشاريعها الصغيرة".
وفي الوقت الذي يُتهم فيه الرئيس عباس بالتقصير في دعم مدينة القدس مالياً، يُطلّ عبر تصريحات متلفزة، يُؤكد فيها ملاحقة أجهزته الأمنية لأطفال وشبان انتفاضة القدس، وهي تصريحات يُحاول من خلالها الرئيس الضغط على المجتمع الدولي لإجبار "إسرائيل" على الجلوس مجدداً على طاولة المفاوضات برعاية دولية.
هدم 523 مسكناً ومنشأة فلسطينية منذ بداية العام الجاري
بينما لا يزال الرئيس عباس، منشغلاً بالحديث عن سراب عقد مؤتمر دولي لإعادة إحياء عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين عبر المبادرة الفرنسية، هدم الاحتلال الإسرائيلي 523 مسكناً ومُنشأة فلسطينية بالضفة الغربية والقدس المحتلة منذ بداية العام الجاري، منها 188 مسكناً تأوي 1270 مواطناً.
وأكد مركز أبحاث الأراضي التابع لجمعية الدراسات العربية، في تقرير جديد له أن الاحتلال وضع قيوداً على البناء الفلسطيني؛ لمنعه من التوسع بوضع إجراءات وصعوبات أمام البناء في المناطق المصنفة "ج" بحسب اتفاق أوسلو، مشيراً إلى أن محافظة نابلس شمال الضفة، شهدت أعلى نسبة هدم (58 مسكناً)، تليها محافظة القدس (41 مسكناً)، ثم الخليل جنوب الضفة (33 مسكناً)، بينما توزعت النسب الأخرى على باقي المحافظات.
وكشف التقرير أن الاحتلال هدم 335 منشأة تستخدم للزراعة وتربية الأغنام ومرافق أخرى ومنشأة صناعية، موضحاً أن عمليات الهدم بالضفة والقدس تضاعفت العام الحالي ثلاثة أضعاف مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، حيث هدم 190 مسكنا ومنشأة.
ويبرر الاحتلال هجمته على البناء الفلسطيني بكونه غير قانوني استناداً لاتفاق أوسلو الموقع بين منظمة التحرير الفلسطينية في سبتمبر/أيلول 1993، حيث تم تقسيم الضفة الغربية إلى ثلاثة مناطق "أ" و"ب" و"ج". وتمثل المناطق "أ" 18% من مساحة الضفة، وتسيطر عليها السلطة الفلسطينية أمنيا وإداريا، أما المناطق "ب" فتمثل 21% من مساحة الضفة وتخضع لإدارة مدنية فلسطينية وأمنية "إسرائيلية".
وتخضع المناطق المصنفة "ج" -وتشكل 61% من مساحة الضفة- لسيطرة أمنية وإدارية "إسرائيلية"، مما يعني ضرورة موافقة سلطات الاحتلال على أي مشاريع أو إجراءات فلسطينية فيها.
المختص في شؤون الاستيطان، عبد الهادي حنتش، قال لـ"بوابة الهدف": كنا نقول إن العام الماضي هو الأكثر استيطاناً، ولكن اليوم نؤكد أن 2016 شهد ارتفاعاً في نسبة الاستيطان، في مدن الضفة الغربية عموماً والقدس خصوصاً.
وبات المستوطنون يستخدمون أسلوباً جديداً لمصادرة أراضي الفلسطينيين لصالح التوسع الاستيطاني في مدن الضفة الغربية والقدس، يعرف بـ"الاستيطان الهادئ"، الذي يعتبر الأخطر، حيث يجري دون الإعلان عنه بشكل رسمي من حكومة الاحتلال، وغالباً ما يقوده مستوطنون متطرفون وأصحاب سلطة في الحكومة الصهيونية، ولا يتحدث عنه أحد مطلقا، ولا تذكره وسائل إعلام الاحتلال، وهو أسلوب يضاف لأسلوب "الاستيطان المعلن" من قبل حكومة الاحتلال والذي اتسع بشكل ملحوظ منذ بداية العام الحالي.
وتغض حكومة الاحتلال الطرف عنه أثناء البناء فيه كبؤر، عندما تصبح البؤر جاهزة تبدأ الحكومة بالاعتراف بها وتمنحها كافة الخدمات وتضمها للمستوطنات لإرضاء المستوطنين.
في نهاية الشهر الماضي، صادق ما يسمى "المجلس القطري الإسرائيلي للتنظيم والبناء"، على المخطط الاستيطاني الخطير لجمعية "العاد" الاستيطانية المعروف باسم "مجمع كيدم"، والمنوي إقامته على مدخل حي وادي حلوة ببلدة سلوان، مقابل المسجد الأقصى المبارك.
ويهدف "مجمع كيدم" لإقامة مبنى سياحي من 5 طوابق (9 آلاف متر مربع) يستخدمه علماء دائرة "الآثار الإسرائيلية"، إضافة لقاعات مؤتمرات وغرف تعليمية، ومواقف لسيارات السياح والمستوطنين، إضافة لاستخدامات سياحية، ومحلات تجارية، ومكاتب خاصة لجمعية "العاد".
ويعد هذا المخطط الاستيطاني مقدمة لتنفيذ العديد من المخططات الاستيطانية الأخرى، التي تستهدف هذا الحي ومحيط المسجد الأقصى المبارك، لتفريغ مدينة القدس من سكانها الأصليين وإغراقها بالمستوطنين.
بدوره ذكر مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، زيد الحموري، أن أكثر من 20 ألف منزل مقدسي مهدد بالهدم، بفعل تراكم أوامر الهدم عبر السنوات، بحجة عدم وجود ترخيص بناء.
وأشار الحموري خلال حديثه لـ"بوابة الهدف"، إلى أن الاحتلال يعمل بجد على تغيير طابع حياة المواطنين الفلسطينيين في القدس المحتلة، بالتزامن مع تغيير حقائق متعلقة بالأماكن، مبيناً ان التمادي "الاسرائيلي" في الانتهاكات نابع من شعورها بعدم المحاسبة دولياً.
"أتوقع أن يشهد المستقبل القريب تغييرا إسرائيليا واسعا وملحوظا بمدينة القدس لإنهاء الطابع العربي الفلسطيني، وأي متابع لمدينة القدس يرى تلك التغيرات على الأرض، التي تهدف لأن تصبح القدس عاصمة للشعب اليهودي" حسب الحموري، الذي شدّد على أهمية دعم صمود الوجود الفلسطيني داخل المدينة المقدسة، وتفادي مخططات الاحتلال لتفريغ المدينة من سكانها.
إلى ذلك أقرت الحكومة الصهيونية، التي يقودها بنيامين نتنياهو، 180 مخططا استيطانيا جديدا، سيجري تنفيذها، خلال العام الحالي، بهدف إنشاء بؤر استيطانية جديدة، لفصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها، وفقاً لحديث غسان دغلس، مسئول ملف الاستيطان في شمال الضفة المحتلة.
وأوضح دغلس خلال حديثه لـ"بوابة الهدف"، أن تلك المخططات سينجم عنها بناء ثلاث بؤر استيطانية جديدة، تربط البؤرتان الموجودتان مسبقا، وهما "غوش عتصيون"، المقامة على أراضي جبل الخليل إلى الجنوب مباشرة من مدينة القدس المحتلة وبيت لحم، في الضفة الغربية، و"معاليه أدوميم"، التي تقع على بعد 7 كيلومترات شرق القدس، ومحاذية لبلدتي أبو ديس والعيزرية.
وكمثال قدّمه دغلس، على المناطق التي تنوي "إسرائيل" بناء بؤر جديدة فيها، قال "يوجد مجموعة من المستوطنات المتباعدة في منطقة جنوب نابلس والسارية واللبد، ستصبح تجمع للمستوطنات، ثم بؤرة ثالثة، إضافة إلى مجموعة مستوطنات أرئيل، المقامة على أراضي مدينة سلفيت الفلسطينية، أيضا ستصبح بؤرة رابعة، وفي جبل الخليل ستقام بؤرة خامسة".
وأشار دغلس إلى أن كل بؤرة من الخمسة، تضم ما يزيد عن 18 مستوطنة داخلها، الأمر الذي سيكون عائقا جديدا أمام عملية السلام في حال جلس الطرفين الفلسطيني والصهيوني، على طاولة المفاوضات المتوقفة بسبب التوغل الاستيطاني، موضحاً أنه في حال العودة للمفاوضات سيكون الحديث عن تفكيك بؤر استيطانية، وليس مستوطنات كما كان بالسابق، وهو ما سترفضه "إسرائيل" بالمطلق.
وأكد أن حكومة الاحتلال تسارع الوقت في تنفيذ مخططاتها من أجل فرض حقائق جديدة، على الأرض الوقع، في وقت تستخدم فيه القوة المفرطة في قتل الفلسطينيين خلال عمليات مصادرة أراضيهم، لصالح الاستيطان.
وكثيرا ما انتقد الفلسطينيون المنخرطون في عملية السلام مع "إسرائيل"، وأطراف دولية كالأمم المتحدة، والمملكة والاتحاد الأوروبي، وفرنسا، وواشنطن وجود المستوطنات الحالية وقيام "إسرائيل" بالتوسع المستمر فيها وبناء بؤر استيطانية جديدة باعتبارها عقبة أمام عملية السلام، لكن بدون اتخاذ أي رد فعل قوي تجاه "إسرائيل".
وكشف دغلس، عن تعالي أصوات داخل حكومة الاحتلال للسيطرة على المنطقة (C)، والتي تشكل نسبة 61% من مساحة الضفة الغربية، وتخضع أمنياً للاحتلال.
وأضاف "عدد سكان الخرب القديمة قليل، لكنهم يحمون مئات الآلاف من الدونمات، فمثلاً خربة الطويل عدد سكانها 80 فلسطيني لكنها يحمون ما يزيد عن 80 ألف دونم."
وكانت حركة السلام الآن "الإسرائيلية"، كشفت عن ارتفاع كبير في البناء الاستيطاني، خلال العام 2015 داخل المستوطنات التي تطلق عليها إسرائيل مسمى "المستوطنات المنعزلة"، وكذلك فيما يسمى البؤر الاستيطانية "غير الشرعية" وبغطاء من الحكومة "الإسرائيلية".