استاذة علوم سياسية مصرية: "دحلان" على خطى "ماكرون" نحو المصالحة الفلسطينية
القاهرة - كتبت منى مكرم عبيد*: ما جرى فى أوروبا مؤخرا بفوز إيمانويل ماكرون فى الانتخابات الرئاسية الفرنسية بمثابة زلزال سياسى بكل المعايير، خاصة أنه وصل إلى هذا المنصب من حركة «إلى الأمام»، وهى حركة وليدة وخارج الأحزاب التقليدية المعروفة، حيث تحمل أفكارا مختلفة وقاعدة اجتماعية تسعى لإنهاء الاحتكار السائد للأحزاب والتجمعات السياسية التقليدية.
تذكرت ذلك وأنا أتابع تصريحات محمد دحلان، رئيس جهاز الأمن الوقائى الفلسطينى السابق فى غزة، عن أنه تم التوصل إلى اتفاق لتقاسم السلطة مع حركة حماس للمرة الأولى، فى خطوة نحو خلخلة الأزمة الفلسطينية داخليا، وهو ما يمهد لحل الصراع الفلسطينى - الاسرائيلى الذى دام عقودا، بالتماشى مع الاهتمام بمشكلات المواطنين، سواء بقطاع غزة أو فى الضفة.
وبلا شك، يعد دحلان مدخلا مناسبا لحل المشكلة المعقدة والتى تفاقمت منذ 2007، بعد ظهور سلطتين سياسيتين وتنفيذيتين، إحداهما تحت سيطرة حركة فتح فى الضفة الغربية، والأخرى تحت سيطرة حركة حماس فى قطاع غزة، وذلك بعد فوز حركة حماس فى الانتخابات التشريعية فى مطلع عام 2006، وهو ما عقد من المشهد الفلسطينى وأغلق نوافذ كانت محل آمال عديدة لأهل فلسطين خاصة، والعرب عامة، ولكن تأتى الرياح بما لا تشتهى به السفن، وتمزقت القضية بفعل الانقسام الداخلى ومزيد من المعاناة، وخاصة لأهل غزة.
كثيرا ما التقى طلبة فلسطينيين يدرسون فى أشهر الجامعات الأمريكية والأوروبية، وآخرها العام الماضى خلال حصولى على منحة معهد ماساتشوسيتس للتكنولوجيا فى بوسطن (The Massachusetts Institute of Technology MIT)، وجدتهم غير متحمسين للصراع والانقسام الداخلى الحالى بين فتح وحماس، ويرون أى تشكيل حركة جديدة أو بزوغ تيار مختلف يسمح بتهيئة الظروف وتغيير الواقع للأفضل، وترحيبهم للانضمام إلى أى تيار جديد بعيدا عن فتح أو حماس يحمل هموم القضية الفلسطينية دون حسابات سياسية ضيقة، ومن ثَمّ أعتقد أن الاتفاق الذى أجراه دحلان يعد مدخلا مهما للحل وإنهاء الخلافات الداخلية، بل المساهمة فى تغييرات إقليمية كبيرة لحل القضية، تشارك فيها مصر والسعودية والإمارات.
فتواجد دحلان فى غزة يسمح بوقف الدعم الذى تحصل عليه الجماعات الإرهابية فى سيناء عبر الأنفاق مع غزة، كذلك السماح بفتح معبر رفح وغيره من المعابر بشكل طبيعى كما كان يحدث قبل 2005، التزاما بالاتفاقيات المعنية بالمعابر والتى لم تلتزم بها حماس من قبل، وبسببها زادت معاناة أهل غزة، وهو ما يؤدى أيضا إلى مزيد من المشروعات التنموية داخل القطاع لتخفيف العبء عن كاهلهم.
وسبق أن دعا دحلان سائر الفصائل الفلسطينية إلى تجاوز كل الخلافات الداخلية لاتخاذ اللازم من أجل الاستعداد لمباراة خارجية مع الاحتلال الإسرائيلى، مع تأكيده على أهمية الدور الذى تقوم به مصر لحل الانقسام كوسيط بين فتح وحماس، لذا الفرصة مواتية الآن لغلق صفحة الماضى والانفتاح على المستقبل بآمال عريضة لاحتواء كثير مما يرون أن القضية الفلسطينية تاهت بين خلافات فتح وحماس.
واعتقد أن هناك جيلا كاملا من الشباب تم تجاهله هذه الحقبة الممتدة طوال سنوات الانقسام والحصار، والجميع الآن بات بحاجة لمن يوفّر له فرصة للاندماج فى قضيته العادلة، وتصحيح مسارات حالت دون الوصول بالقضية لمسارها الطبيعى، وبالتالى الفرصة متاحة الآن إذا نجحت القاهرة فى تخفيف حدة الرفض التى يقودها الرئيس الفلسطينى عباس أبومازن وطىّ خلافات الماضى، من أجل مصلحة القضية وشعبها والبدء فى خطوات جادة نحو السلام العادل والشامل بعيدا عن التصريحات التى تزيد من الانقسامات، واستبعاد غالبية الشعب الفلسطينى من المشاركة فى حل قضيتهم، فى ظل احتكار عناصر فتح وحماس فقط مفاتيح الحل دون أى خطوات ملموسة على أرض الواقع.
هل يستجيب القادة هؤلاء لصوت العقل وإعلاء المصلحة الوطنية فوق الخلافات الشخصية الضيقة؟.. دعونا ننتظر.
برلمانية مصرية سابقة وأستاذ العلوم السياسية
*عن المصري اليوم