الخميس 21-11-2024

ارهاصات ما قبل مدريد و أوسلو

×

رسالة الخطأ

غسان أبو نجم

ارهاصات ما قبل مدريد و أوسلو غسان أبو نجم الخميس 12 يناير 2023 | 07:49 ص الحوار الأكاديمي عندما قررت القيادة المتنفذة في منظمة التحرير الفلسطينية المشاركة في اجتماعات مؤتمر مدريد لم يكن القرار مفاجأة لأحد فكل القيادات الفلسطينية كانت على علم بذلك وساهم البعض منها في صياغة ورقة العمل المقدمة للمؤتمر وما حصل هنا لم ينسحب على لقاءات اوسلو واتفاقاته التي شكلت اخطر مشروع لتصفية القضية الفلسطينية فاقت خطورته وعد بلفور فهي من جهة انتقلت من وعد إلى اعتراف فعلي باحتلال الأرض ومن قيادة فلسطينية يفترض انها تمثل الشعب الفلسطيني وهنا مكمن الخطورة التي شكلها اتفاق اوسلو. لم يكن مؤتمر مدريد أو اتفاقات اوسلو أبناء غير شرعيين بل هما النتيجة الطبيعية لسياسات التفريط التي انتهجها اليمين الفلسطيني وبعض من يدعون اليسار وجاءت نتيجة لسلسلة من اللقاءات والحوارات العلنية والسرية بين قيادات فلسطينية واخرى صهيونية بدأت في أواخر السبعينات وبداية الثمانيات وكان الحوار الأكاديمي بداية هذه الحوارات فما هو الحوار الأكاديمي وكيف بدء؟ لقد عمد اليمين الفلسطيني الذي تشكل من شرائح طبقية متعددة إلى أحكام سيطرته على منظمة التحرير الفلسطينية والتفرد بقراراتها لضمان تحقيق مصالحه وكان في سلم أولوياته حينذاك تحرير فلسطين وإقامة الدولة الفلسطينية العتيدة التي ستلبي مصالحه الطبقية وصارع مع باقي فصائل العمل الوطني الفلسطيني المحتل الصهيوني وتصدى للعديد من محاولات السيطرة على القرار السياسي الفلسطيني والتهديد المستمر للبندقية الفلسطينية والشرعية الفلسطينية وكان ياسر عرفات يشكل الرمز والقاسم المشترك لكافة أجنحة هذا التيار الذي تشكل من بيروقراطيين و كمبرادور وبرجوازية وطنية ومقاولين سياسيين وشريحة واسعة من المثقفين الليبراليين وخليط من اليساريين والاسلام السياسي وهذه تركيبة طبيعية لهذا التيار الذي لا يمتلك نظرية علمية ونهج نظري واضح فغلبت عليه اللقاءات المصلحية الطبقية التي تمثلت بتيارات سياسه وازلام وطنية وجماعات تنظيميه ولكن ما كان يميز هذا التيار ما قبل مدريد و أوسلو سيادة التيار الوطني بقيادة ياسر عرفات الذي شكل صمام الأمان لهذا التيار وتحكم بقراراته عبر السيطرة الكاملة على موارد منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح التي شكلت التعبير السياسي لهذا الخليط الطبقي مما جعل القرار السياسي مرتبط بشخص عرفات. عاشت هذه الاتجاهات المختلفة داخل هذا التيار حالة من تناقض المصالح عكست نفسها على الموقف السياسي داخل حركة فتح تعلقت بالارتباطات السياسية والتمويلية بالأنظمة العربية ودول إقليمية ودولية التي كانت تدفع هذه الاتجاهات نحو اعتماد سياسة متوازنة ومعتدلة تجاه العدو الصهيوني خاصة بعد حرب ايلول وحرب المخيمات وحصار البندقية المقاومة مما دفع بعض أجنحة اليمين الفلسطيني للبحث عن وسائل وطرق اسرع لإنهاء الصراع الفلسطيني الصهيوني ومحاولات بعض الأجنحة داخل الحركة لتصدر المشهد وحصار تيار عرفات الذي ظل قويا بسب ارتباط التمويل بعرفات الذي سعى جاهدا للحفاظ على التفرد ولكن سرعان ما بدء عرفات بالبحث عن وسائل للتواصل مع الكيان الصهيوني تحت ضغط دولي واقليمي وضغط بعض أجنحة فتح التي بدأت تشكل خطرا حقيقيا على سلطته. شرع التيار المتنفذ في منظمة التحرير الفلسطينية البدء بتنازل التدريجي عن الثوابت الوطنية وفتح قنوات اتصال سرية وعلنية مع الكيان الصهيوني تحت مسميات متعددة تحت ضغط إقليمي ودولي وبما ينسجم مع قصر النفس التي غلبت على قيادته التي بدأت تلهث خلف الحلول المرحلية فأوعزت للجناح الليبرالي الغارق بالعقلية الامريكية وشخصيات أكاديمية لها ارتباطات مع الإدارة الأمريكية للبدء سرا بإجراء حوارات مع اكاديميين ومثقفين صهاينة لجسر الهوة بين (الشعبين) كما ادعي لاحقاً وتم إختيار ١١ شخصية فلسطينية من أساتذة الجامعات منهم حنان عشراوي وسري نسيبه وجورج جقمان وليز تراكي وبعض الشخصيات الاقتصادية ذات الارتباط بالإدارة الامريكية مثل شارلي شماس مدير مؤسسة متين وكانت هذه الشخصيات مرتبطة بفيصل الحسيني وتتلقي دعما سريا من قيادة منظمة التحرير الفلسطينية وتقدم تقريرها لياسر عرفات وكانت اهم أهدافها اولا ان الصراع الفلسطيني الصهيوني لا يحل بالصراع المسلح بين الطرفين وإنما بالحوار والطرق الدبلوماسية والسياسية ثانيا ولأن هناك هوة بين طرفي النزاع يجب جسرها وان الحوار بين اكاديميين من الطرفين سيسجر هذه الهوة. ثالثا ان الأرض تتسع لعيش طرفي الصراع ضَمن دولتين تتعاون مستقبلا لبناء منطقة زاهرة وواحة في الشرق الأوسط رابعا سيتولي المتحاورون مهمة خلق رأي عام بين الطرفين للعيش المشترك وغيرها من التفصيلات التي تسقط الصراع والعنف بين الطرفين وقد نجح الوفد الصهيوني وتحديدا يوسي بيلين الموجه العام للوفد الصهيوني في صياغة مفاهيم سياسية شكلت لبنة اتفاقات اوسلو لاحقًا. لقد دعمت الإدارة الامريكية هذا الشكل من الحوارات ومولتها ودفعت بمجموعة من اعضاء الحوار الأكاديمي إلى واجهة العمل السياسي لاحقا ولكن ولأن الشارع الفلسطيني الذي لم يكن مهيأ لمثل هذه الحوارات من جهة وفطنة وقوة اليسار الفلسطيني في تلك الفترة افشلت هذا الحوار واصدرت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بيانا يكشف حيثيات وشخصيات ومكان انعقاد هذه اللقاءات حيث كانت تتم في الجامعة العبرية في القدس وجامعة (بار ايلان ) في الداخل المحتل مما اضطرها للتوقف وبدورها تخلت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية عن هذا الوفد وان تتبرأ منها بعد أن تم تعرية شخصيات ومهمات هذا الفريق الذي سمي حينها عصابة (الأحد عشر). لقد شكل هذا الشكل من الحوارات واللقاءات كما غيره من المحاولات التي سأكتب عنها لاحقا الارهاصات الأولى لأوسلو وملحقاته ومهدت الطريق أمام بروز اتجاهات سياسية داخل التيار المتنفذ تلهث وتتسابق للحوار مع الكيان الصهيوني وتقديم المزيد من التنازلات المجانية التي دفعت بالقضية الفلسطينية للمزيد من التعقيد والتشتت والضياع.

انشر المقال على: