إسرائيل تسعى لضرب عصفورين بحجر واحد
د. فوزي الأسمر
April 30, 2013
تشير التصريحات الأمريكية ـــ الإسرائيلية المتضاربة في الفترة الأخيرة إلى خــلاف بين الطرفين، على الرغم من الموقف الأمريكي المؤيد تأييدا كاملا لإسرائيل. وهذا الخلاف يصب في عدة جداول لا تلتقي مهما كان طولها، فهي تتدفق بشكل متواز لأنها تتضارب بالمصالح.
فإسرائيل تريد أن توجه ضربـــة للمنشآت النووية الإيرانية، ليس تخوفا من أن يستعمل هذا السلاح ضدها، بل إن حصـــول إيران على مقدرة نووية ينــــزع منها التفـــوق العسكري في المنطقـــة، فكل الحجج التي تقدمها إسرائيل للرأي العام العالمي لكسب تأييده في هذا المجال هي مجرد فرضيات: ربما ستستعمل إيران هذه الأسلحة ضدها، ربما تسقط بأيدي منظمات إرهـــابية، أو تزودها بها، أو ربما تستغلها لفرض سيطرتها على المنطقة وغيرها من الفرضيات.
فنفس هذه الفرضيات سمعناها من جانب إسرائيل أيضا عندما حصلت باكستان على المقدرة النووية، ولكن منطلقها كان يختلف. أقامت إسرائيل الدنيا وأقعدتها بأن القنبلة النووية الباكستانية هي قنبلة إسلامية، تشكل خطرا ليس على إسرائيل فحسب، بل على العالم الغربي كله، إضافة إلى الفرضيات الأخرى: سقوطها بأيدي منظمات إسلامية متطرفة، أو تزويد دول إسلامية أخرى بهذا السلاح، وغيرها من الفرضيات، ولكن شيئا من هذا القبيل لم يحدث.
وعندما اقتنعت إسرائيل بان امريكا ترفض الدخول في صراع عسكري مع إيران، قررت وضع السلاح الكيماوي السوري تحت المجهر، ربما تستطيع من خلاله اقناع واشنطن بضرورة التدخل عسكريا في سورية، وتأمل من وراء ذلك أن تتحرك إيران وبالتالي تضطــــر أمريكا للتعامل معها عسكريا.
ولكن هذه اللعبة الإسرائيلية كانت واضحة، ليس فقط للأمريكيين، بل لوسائل الإعلام الإسرائيلية أيضا. فصدر عن البيت الأبيض المقرر الرئيسي للتحرك العسكري الأمريكي أكثر من تصريح يشكك بصحة المعلومات التي تزودها المخابرات الإسرائيلية لأجهزة المخابرات الأمريكية، من دون أن تتنازل عن مبدأ التدخل عسكريا في حالة حصول واشنطن على معلومات ووثائق مؤكدة، بأن سورية تخطت الخط الأحمر بالنسبة للسلاح الكيماوي. فقد صرح المتحدث الرسمي باسم البيت الأبيض (يوم الجمعة 26/4/2013 ) غاي كارني في مؤتمره الصحافي ‘بأن الرئيس أوباما مستعد لدراسة كافة خيارات الرد الممكنة في حالة تم التأكد أن القوات السورية استخدمت بالفعل السلاح الكيماوي… أو مررته لمنظمات إرهابية’.
بل إن كارني ذهب إلى أبعد من ذلك عندما اشار في ذلك المؤتمر الى أن الولايات المتحدة تعتبر أن جميع مخزون السلاح الكيماوي في سورية ما يزال يخضع لسيطرة القوات المسلحة السورية. وأضاف ‘اولا نعتبر أن بشار الأسد ما يزال يتحكم بكل مخزون السلاح الكيماوي. وثانيا نحن متأكدون أنه هو الذي سيتحمل مسؤولية كيفية استخدام هذا المخزون’.
وتلعب المعلومات التي زودت إسرائيل بها المخابرات الأمريكية قبل حرب العراق عن وجود سلاح القتل الجماعي بأيدى نظام صدام حسين، وتبين في ما بعد أنها كانت ملفقة، حيث لم يعثر على شيء من هذا القبيل حتى يومنا هذا، تلعب هذه المعلومات الدور الرئيسي في التشكك والحظر الأمريكي من المعلومات التي تزودها بها إسرائيل بالنسبة لاستعمال سورية السلاح الكيماوي. وقد لاحظت ذلك صحيفة ‘هآرتس′ ( 26/4/2013 ) فنشر مراسلها في نيويورك مقالا يؤكد ذلك، حمل عنوان ‘سورية والسلاح الكيماوي: حرب العراق لا تزال ترخي ظلالها على تفكير وتقديرات أوباما’.
والربط بين إيران وسورية تناولته الصحـــف العبرية بشكل واضح وصريح. فقد نشر المحلل السياسي في صحيفة ‘هآرتس′ ( 26/4/2013 ) مقالا عنوانه ‘أنها ليست سورية بل إيران’. يقول الكاتب ان الجدل بين إسرائيل والولايات المتحدة بشأن استخدام الرئيس بشار الأسد السلاح الكيماوي، كشف الخلاف بين الدولتين بشأن المشروع النووي الإيراني. وأوضح الكاتب هذا بقوله ‘تدل السرعة التي رد بها وزير الخارجية الأمريكية جون كيري على ما قاله رئيس شعبة الأبحاث في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية إيتي برون بشأن استخدام الكيماوي السوري، يدل على تخوف الادارة الأمريكية من ألا تكتفي إسرائيل بإحراج الرئيس أوباما في الموضوع الكيماوي، بل أن تواصل تحديها لمواقفه بشأن الموضوع النووي الإيراني’.
ورسالة أمريكية ثانية في هذا المجال تصيدتها صحيفة ‘معاريف’ (21/4/2013 ) تقول ان إسرائيل تهدد بالهجوم على إيران لكنها تريد الولايات المتحدة أن تحارب بدلا منها. لهذا السبب يقول كاتب المقال ان الرسالة الأمريكية كانت واضحة حاربوا أنتم ونحن ندعمكم بالسلاح والعتاد.
بل يذهب الكاتب إلى أبعد من ذلك عندما يتحدث عن رزمة السلاح التي حملها معه وزير الدفاع الأمريكي تشاك هيغل إلى إسرائيل. يقول صحيح انها تتضمن أسلحة متطورة جدا على غرار طائرة V-22وهي عبارة عن طائرة عمودية بإمكانها قطع مسافات بعيدة، وكذلك طائرة من طراز KC-135 وهي طائرة تقوم بتزويد الطائرات المقاتلة بالوقود وهي في الجو، إلا أن الكاتب يقول ان هذه الطائرات وغيرها من الأسلحة المتطورة الموجودة في الرزمة لن تحصل عليها إسرائيل قبل سنتين أو ثلاث سنوات، وهذا معناه أنها لن تستطيع شن حرب على إيران قبل ذلك.
يتبين مما جاء أعلاه أن الهدف الرئيسي لإسرائيل هو ضرب عصفورين (سورية وإيران) بحجر واحد (الولايات المتحدة). إلا أن الحذر الأمريكي من الوقوع في فخ إسرائيلي جديد كما حدث في العراق، يمنع الرئيس الأمريكي من التسرع في اتخاذ قرار بشأن الحرب. كما أن الوضع الاقتصادي الأمريكي لا يسمح لها بتحمل اعباء حرب جديدة. كما أن الوضع الميداني في سورية بتفوق الجيش قد يكون حافزا لإسرائيل للقيام بعمليات عسكرية، ولكنها لا تتماشى مع الاستراتيجية الأمريكية، التي تعمل الآن مع روسيا للوصول إلى حل سياسي.