"إسرائيل" ترصد حسابات أردنية في انتقادات الملك للاحتلال
للوهلة الأولى، بدت تصريحات ملك الأردن، عبد الله الثاني، التي انتقد فيها بشدة الممارسات الإسرائيلية داخل الحرم القدسي، وكأنها تعبر عن أزمة حقيقية في العلاقة بين عمان وتل أبيب. لكن سرعان ما تبين أن كبار المسؤولين الإسرائيليين تعاملوا معها على أساس أنها تأتي في إطار حسابات الملك الداخلية، ولا تؤثر على طابع العلاقة الاستراتيجية بين الجانبين. ودعا وزير "استيعاب المهاجرين وشؤون القدس"، القيادي في حزب الليكود، زئيف إلكين، إلى "عدم التأثر" بتصريحات الملك، واصفاً إياها بأنها تأتي لخدمة أجندته الداخلية. ونقل موقع صحيفة "يسرائيل هيوم" أمس السبت، عن إلكين قوله إن تصريحات عبدالله الثاني تمثل "مجرد ضريبة كلامية فقط" لاحتواء غضب الشارع الأردني. وتنقل الصحيفة، المقربة من ديوان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، عن مصادر رسمية في تل أبيب قولها إن الملك أقدم على هذه التصريحات لأن "الإشراف" على الأماكن المقدسة في القدس يعد "أهم مصادر الشرعية" لنظام الحكم الملكي في عمان.
وأضافت المصادر أن الملك هدف من خلال هذه التصريحات للتأثير أيضاً على نتائج الانتخابات البرلمانية التي ستجري في الأردن قريباً، معتبرةً أنه يهدف من خلال مهاجمة إسرائيل إلى سحب البساط من تحت أقدام الإسلاميين وعدم السماح لهم باستغلال موضوع الأقصى في تحقيق مكاسب مهمة في هذه الانتخابات. لكن هذه المصادر ترى أنه يجب إبداء "حساسية كبيرة من أجل الحفاظ على العلاقة" مع نظام الحكم في الأردن، التي "تمثل ذخراً استراتيجياً لإسرائيل على المستوى الأمني والإقليمي". وعددت المصادر الفوائد الاستراتيجية التي تحققها تل أبيب بسبب وجود نظام الحكم الحالي في عمان، مشيرة إلى أن هذا النظام "أعفى إسرائيل من استثمار موارد بشرية وعسكرية هائلة في تأمين الحدود مع الأردن، التي تعد الأطول بين الحدود مع الدول العربية الأخرى".
ولفتت المصادر إلى حقيقة أن الأردن في عهد نظام الحكم الملكي بات يمثل منطقة عازلة تقلص فرص اشتعال الجبهة الشرقية. وتابعت أن هناك "تعاوناً أمنياً واستخباراتياً وثيقاً" بين عمان وحكومة إسرائيل في كل ما يتعلق بالتهديد الذي تمثله التنظيمات الإسلامية الجهادية.
فضلاً عن ذلك، أشارت المصادر إلى العوائد الاقتصادية للعلاقة مع الأردن، الذي يسمح لإسرائيل بتصدير منتوجاتها وبضائعها عبر أراضيه لدول في الخليج، ناهيك عن أن اتفاق تصدير الغاز "الإسرائيلي" للأردن سيضيف مليارات من الدولارات لخزانة دولة الاحتلال، وفق المصادر.
في هذا السياق، شددت المصادر على أن تل أبيب غير معنية بإحراج نظام الحكم في عمان بسبب ما يجري في الأقصى، مشيرةً إلى أن كلاً من إسرائيل والولايات المتحدة تبديان قلقاً كبيراً إزاء مصير نظام عبدلله الثاني، لا سيما بسبب طابع التوازنات الديمغرافية داخل الأردن. وأكدت أن تل أبيب وواشنطن تتشاطران القلق من حقيقة أن القبائل البدوية، التي تمثل مصدر تأييد النظام، تمثل 30 بالمائة من الأردنيين الذين يشكلون قوام المؤسستين الأمنية والعسكرية في عمان، في حين يمثل الأردنيون من أصول فلسطينية الأغلبية.
لكن هذه الاعتبارات لم تكن كافية بالنسبة لبعض المسؤولين الصهاينة لعدم الرد على الملك، وقد سارع العديد منهم لتوبيخه. وقال رئيس لجنة الخارجية والأمن في البرلمان، الجنرال آفي ديختر، إن إسرائيل لن تسمح بتحول القدس إلى "مكة أخرى للمسلمين". ونقلت صحيفة "ميكور ريشون" في عددها الصادر أول من أمس الجمعة، عن ديختر قوله إن "هناك من يحاول بحجة الدفاع عن الأقصى توسيع سيطرة المسلمين في الحرم، وهذا ما لن نسمح به".
في هذه الأثناء، دعت جماعات يهودية متطرفة لوضع حد للتدخل الأردني في الحرم القدسي. وطالب أحد أبرز قادة مجموعة "الهيكل"، أرنون سيغل، بطرد أفراد الشرطة الأردنية من الحرم وإعادة النظر في السماح ببقاء مؤسسة الأوقاف الإسلامية في القدس. وفي مقال نشرته صحيفة "ميكور ريشون" في عددها الصادر الخميس الماضي، حمل سيغل على موظفي الأوقاف الإسلامية الذين يتم تعيينهم من قبل الأردن بسبب "مجاراتهم الخطاب الفلسطيني الإسلامي المتطرف، ما يزيد الأمور تعقيداً في المكان بأسره". وزعم سيغل أن وجود عناصر الشرطة الأردنية، الذين يصل عددهم إلى 500 عنصر "لا يبعث على الارتياح بالنسبة لليهود والسياح الأجانب". وتساءل سيغل عن "الحكمة" في مواصلة إسرائيل السماح ببقاء مؤسسة الأوقاف الإسلامية في القدس، مع أن دولاً عربية وإسلامية قد ألغت هذه المؤسسة.