إجماع قانوني وسياسي.. الرئيس عباس ينقلب على القانون!
أجمعت مجموعة من الشخصيّات القانونيّة والسياسيّة والأكاديميّة، بالإضافة لعدة فصائل فلسطينيّة، على عدم مشروعية تشكيل المحكمة الدستورية العليا، من قبل الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، في الوقت الحالي.
جاء ذلك خلال لقاءٍ حواريّ مفتوح، عقدته الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، مساء الخميس، في مدينة غزّة، لبحث مدى قانونيّة تشكيل المحكمة الدستورية العليا في هذا الوقت، حيث حضره ثلةٌ من القانونيين والسياسيين، بالإضافة لممثلين عن عدة فصائل فلسطينيّة.
وكان الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، قد أصدر مرسومًا رئاسيًا بتشكيل المحكمة الدستورية العليا، يوم الجمعة الماضي، في مدينة رام الله، وقد عيّن عدة شخصياتٍ قانونيّة ودستورية قضاةً في المحكمة، والذين أدوا اليمين الدستورية يوم الثلاثاء الماضي.
المحكمة الدستورية قانونيًا
يأتي تشكيل المحكمة الدستورية العليا كأمرٍ هامّ، وتعتبر قضيةً هامّة، على رأس القضايا الوطنيّة، والتي تؤثر على كافة المجالات الإداريّة والسياسيّة والقانونيّة في فلسطين. وهذا ما عبّر عنه الدكتور موسى أبو ملّوح، مبينًا أنّ "الحدث الآن خطير". والذي دعا لضرورة الحوار وإيجاد آلية لتكون هذه المحكمة حريصة على سيادة القانون والحفاظ عليه.
وبيّن أبو ملوح، خلال كلمته في اللقاء، أنّ قرارات الرئيس عباس التي أصدرها "بقانون"، لا تستند إلى القانون، ذلك أنّ "من صلاحيات الرئيس إصدار قرارات بقوانين في حالة الضرورة فقط، والتي لا تحتمل التأخير". مضيفًا أنّ تعديلات قانون المحكمة الدستورية عام 2014 و 2012، غير قانونيّة، وهي مسائل تحتمل التأخير.
وأوضح أنّ هذا التشكيل يأتي في ظلّ سيطرة السلطة التنفيذيّة على المحكمة والقضاء، وهذا ما لا تقبله أيّ دولة، فلا وجود للفصل بين السلطات. معتبرًا أنّ هذا التشكيل يجعل من "السلطة القضائية أداةً في يد السلطة التنفيذية، وهذا أمرٌ خطير". حسب تعبيره.
أمّا نائب نقيب المحامين الفلسطينيين، صافي الدحدوح، فقد بيّن أنّ تشكيل المحكمة يأتي كسببٍ لوجود الانقسام الفلسطيني، قائلًا:" نحن في قطاع غزة سريعين في القوانين والتشريعات، وفي المحافظات الشمالية نحن كذلك، نتصارع من هو يحقق إنجازا قانونياً، هو ليس إنجازا قانونيا للطرفين".
ودعا الدحدوح، الرئيس الفلسطيني إلى التوجّه لإنهاء الانقسام، كأولويّة قبل تشكيل المحكمة الدستورية. والتي رأى فيها ضرورة ملّحة للشعب الفلسطيني، وذلك بسبب "تعطل محكمة العدل العليا في عملها الدستوري، سواء في قطاع غزّة والضفة".
وتكمن المشكلة الأساسيّة أنّ الوضع الفلسطيني كاملًا يبدو غير شرعيًا، وغير قانونيًا، كما يراه المحامي يونس الجرو، والذي أوضح أنّ "النظام الأساسي غير مطبق، كما أنّ قرارات الرئيس غير دستوريّة، وقرارات المجلس التشريعي غير قانونيّة، نظرًا لانتهاء ولايته".
وطالب الجرو، بضرورة تحقيق المصالحة الفلسطينيّة، والتي رأى فيها تحقيقًا لكافة القوانين، ضيفًا أنّ الأمر الواقع يطلب ضرورة المصالحة، لتطبيق كافة القوانين.
لم يكن رأي الأستاذ صلاح عبدالعاطي بعيدًا عن غيره من القانونيين، والذي شنّ هجومًا لاذعًا على النظام القانونيّ الفلسطينيّ، مبينًا العديد من الإشكاليات والأخطاء في تأسيسه وتطبيقه.
واتهم عبد العاطي الرئيس الفلسطيني بتشكيل محاكم "على مقاسه"، حيث سيذهب مستقبلًا إلى القضاء على السلطة التشريعية من خلال المحكمة الدستورية العليا، والتي ستعتبر سلطة عليا، تقرّ بعدم صلاحية أو دستورية الهيئات والسلطات.
وطالب بضرورة إلغاء قرار تشكيل المحكمة الدستورية العليا، وعمل مراجعة شاملة للحقوق والحريات، وإخضاع مثل هذا القرار للتوافق الوطنيّ، مبينًا أنّه "لم يأتي بأي إجماع وطني، إنما جاء في ظلّ تفرّد الرئيس عباس في القرار".
وسلّط عبدالعاطي الضوء على آلية تشكيل المحكمة، والتي ستكون أداةً في يد الرئيس عباس، قائلًا إنّ "القضاة عينوا من قبل الرئيس، والمشهد سيكون صعب جدًا إلا إذا استبدلنا النظام السياسي"، مطالبًا بضرورة الضغط لإنهاء الإنقسام وعودة السلطة للناس.
استنكار ورفض سياسي
الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، استنكرت قرار الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بتشكيل المحكمة الدستورية العليا.
وقال الدكتور رباح مهنا، عضو المكتب السياسي للجبهة، أنّ هذا القرار "بشكله وبآلية اتخاذه، خطأ كبير، يعمل على تعزيز الانقسام الفلسطيني".
كما استنكر مهنا، قيام سلطات حركة حماس في قطاع غزّة، بمنع بعض القضاة من غزّة بالسفر إلى رام الله لأداء اليمين الدستورية، مبينًا أنّ "هذا الخطأ لا يعالج باستمرار إصدار القوانين".
ودعا مهنا إلى ضرورة التصدي لكافة الأخطاء، سواء الأخطاء التي ترتكب من قبل السلطة في الضفة المحتلة، أو من سلطات حركة حماس في غزّة.
من جانبها، عبّرت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، عن رفضها لتشكيل المحكمة الدستورية العليا، معبرةً أنّ هذا التشكيل يأتي لخدمة أجندة حزبية بامتياز، تزامنًا مع اختيار نائب عام جديد وتشكيل لجنة انتخابات مركزية، وعدة أمور لا علاقة لها بالقانون.
وقال النائب عن حركة حماس، محمد فرج الغول، خلال اللقاء، إنّ هذه الخطوة "تعتبر خطوة تمزيقية لوحدة الشعب، وانقلاب عليه، ويدمر المصالحة الفلسطينية، خصوصًا بعد لقاءات الدوحة و القاهرة.
وبيّن الغول أنّ هذه القرارات تخدم حزب دون الآخر، وتنتهك القانون الأساسي، مبينًا أنّ الخطورة تكمن في "عدم رغبة الرئيس ببقاء القائمين على محكمة العدل العليا.
وأضاف أنّ الرئيس عباس "يشكل محكمة على مقاس وطريقة حزبية كما يريدها". مضيفًا " هذه المراسيم استباقية لتمرير حزبية". وأضاف أنّ المحكمة ستطعن بالانتخابات وتحكم بعدم دستوريتها إذا لم تفوز جهة معيّنة تريدها في الانتخابات.
وحول ولاية المجلس التشريعي، قال الغول إنه "قانونيًا تمتد ولاية المجلس التشريعي حتى يأتي مجلس غيره، ولا يمكن مقارنة ولايته بولاية الرئيس".
وبيّن أن حماس غير متمسكة بالمجلس التشريعي، مؤكدةً دعوتها لإجراء انتخاباتٍ تشريعية وانتخابات مجلس وطني ورئاسة.
المحكمة وتعديلات قانونها
يذكر أنّ المحكمة الدستورية العليا تعتبر من أهم السلطات في الدولة، وأعلاها، وأعلى المحاكم، وأهمها حيث أنها ستراقب كيفية أداء وعمل السلطة الوطنية الفلسطينية وأداء وعمل المجلس التشريعي المنتخب وأداء وتطبيق القوانين ومدى دستوريتها بل إنها تعتبر الحاكم القانوني الفعلي في بلاد الديموقراطية في حال غياب الرئيس لأي سبب كان وهي صاحبة اليد الطولى في إرساء العدالة فيها.
وكان الرئيس الفلسطيني قد قام بعدة تعديلات على قانون المحكمة الدستورية، في عام 2012، وعام 2014، عبّر قانونيّون أنّ هدفها تغوّل السلطة التنفيذية على المحكمة وآلية تشكيلها.
ومن ضمن التعديلات " لأول مرة يكون الرئيس قادرًا على تغيير أعضاء المحكمة الدستورية كلّ أربعة سنوات، حيث يسمح القانون بالتغيير مرة واحدة فقط".