أوباما وغطرسة نتنياهو
بقلم : د. فوزي الأسمر
الأسلوب الذي يتبعه مؤخرا بنيامين نتنياهو في تعامله مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما ،يشير إلى محاولة صهيونية جديدة ، حيث يحاول من خلالها الخروج من دائرة التأثير الأمريكي ، إلى حالة فرض موقف على القيادة الأمريكية تقوده إسرائيل .
فهذا الموقف جاء ليرد على المقولة المنتشرة في إسرائيل منذ قيامها ، عندما تقرر إسرائيل إتخاذ خطوة ويدور نقاش حولها ، يترأس موقف المعارضين الإسرائيليين المقولة المشهورة أن " الولايات المتحدة لن تسمح " . بمعنى أن لواشنطن الكلمة الأخيرة في كل التحركات الإسرائيلية ، على الرغم من ان الأمور تبدو عكس ذلك.
من هذا المنطلق يجب أن نقيم تصرفات القيادة الإسرائيلية مع المسؤولين الأمريكيين الذين زاروا تل ــ أبيب في الفترة الأخيرة ، خصوصا زيارة وزير الدفاع الأمريكي ،ليون بانيته ، والذي خرج محبطا من لقاءاته مع نتنياهو ووزير الحرب الإسرائيلي إيهود براك .
فقد شن نتياهو هجوما كاسحا على موقف الرئيس أوباما في تعامله مع الموضوع النووي الإيراني قائلا :" إنه لم يعد في الإمكان التعامل مع هذا الموضوع بالطرق الدبلوماسية أو العقوبات المفروضة كما تريد الإدارة الأمريكية " ( معاريف 2/8/2012 ) . وتبع ذلك تصريح نتنياهو أن إسرائيل لن تستشير أحدا في حالة إتخاذ قرارات حاسمة بالنسبة لهذا الموضوع .( هآرتص 5/8/2012 ) .
وبدأت الصورة تأخذ طابعا أكثر حساسية بالنسبة للرئيس أوباما والحزب الديمقراطي ، عندما زار المرشح الجمهوري لمنافسة أوباما في إنتخابات الرئاسة القادمة ، ميت روميني، إسرائيل ، حيث كان مواقفه أثناء الزيارة مثيرة للسخرية وعدم الإحترام ، خصوصا عندما تبين أنه حضر إلى إسرائيل للحصول على مبالغ طائلة لحملته الإنتخابية ، قدمها له البليونير اليهودي ، لدين أدلسون .
وتحمس نتنياهو من موقف روميني ، وبدأ يطلق تصريحات تتعلق بصورة غير مباشرة بمجرى الإنتخابات الأمريكية ، مما أجبر أوباما أن يرسل تحذيرا واضحا لنتنياهو قائلا " لا تتدخل في الإنتخابات الأمريكية " .
ولم يكتف أوباما بهذا التحذير ، فسرب البيت الأبيض تصريحات للصحفيين الإسرائيليين العاملين في واشنطن كان آخرها أن الرئيس أوباما :" يغلي غضبا معربا عن عدم تفهمه لتصرفات نتنياهو والتي وصفها بأنها إجرامية من الناحية السياسية "( معاريف 2/8/2012 )
فرغم الإبتزاز المالي والعسكري الإسرائيلي ممثلا بالمساعدات الضخمة التي قدمتها إدارة أوباما لإسرائيل ، ورغم العقوبات الجديدة الصارمة التي أقرها الكونغرس الأمريكي( يوم 2/8/2012 ) ضدّ إيران بهدف إقناع إسرائيل ، إلا أن نتنياهو أصرعلى الإستمرار في تحدي أوباما بالنسبة للموضوع الإيرانى ، ووجد فيه بأنه سيف مسلول على رقبة الرئيس الأمريكي ، في محاولة من نتنياهو جر الولايات المتحدة إلى مغامرة عسكرية . ولكن القيادة العسكرية والسياسية الأمريكية ترفض كليا مثل هذه المغامرة ، إضافة إلى أن الشعب الأمريكي، حسب إستطلاعات الرأي العام ، يعارض بشدة أن تقوم أمريكا بأي مغامرة عسكرية ويدفع في تجاه سحب القوات الأمريكية من أفغانستان .
ففلسفة نتنياهو بالنسبة للموضوع النووي الإيراني يتلخص في معادلة تقول : إذا قامت إسرائيل بتوجيه ضربة عسكرية للمواقع النووية الإيرانية ، وتقوم إيران من ناحيتها بالرد على ذلك ، وقد يحدث ردها خسائر جسيمة ، لن تستطيع الولايات المتحدة أن تقف على الحياد . فالقيادة الإسرائيلية تعرف أن هجومها على المنشآت النووية الإيرانية لا يمكن أن ينجح بدون تدخل عسكري أمريكي ، بمعنى آخر جر الولايات المتحدة إلى التدخل في الحرب.ولكن رفض إدارة أوباما الإنسياق وراء مخططات نتنياهو زادت من صعوبة الوضع بالنسبة للقيادة الإسرائيلية .
ولكن نتنياهو زاد من تحديه حيث صرح بصورة واضحة أنه :" إذا أقيمت لجنة تحقيق بالنسبة للهجوم على المنشآت النووية الإيرانية فإنني سأقف وأقول أنني أتحمل كل المسؤولية شخصيا " ( هآرتص 5/8/2012 ) .
فهذا الموقف أدى إلى إرتفاع أصوات كثيرة في إسرائيل تعارض مخططات نتنياهو ، من بينها مقال عنوانه " الأوامر " ( هآرتص 7/8/2012 ) ولعل المقطع التالي من المقال يعطي صورة واضحة :" يجب أن نقول بصراحة ووضوح . ليس لأي قائد الحق بأن يرسل جيش الدفاع الإسرائيلي ، ويشكل خطر الموت على المدنيين والعسكريين ، إلى حرب لا يمكن الإنتصار بها بقوتنا الذاتية . ولا يوجد حق لأي شخص أن يقامر بحياة الإسرائيليين . بالنسبة لمشاركة الولايات المتحدة في الحرب يمكن التوصل إليها عن طريق إتفاق وتنسيق مسبقين ، وعن طريق سياسة هادئة تسمح في تنفيذ ذلك . وكل حكومة تفشل في إتباع هذه الفرضية ،لا تستطيع أن تجر الولايات المتحدة إلى الحرب ، إلا إذا قدمت قرابين إسرائيلية كثيرة " .
لم يكن الوضع ليصل إلى مثل هذه الحالة لو إتخذت الولايات المتحدة موقفا حاسما من التصرفات الإسرائيلية , ولم تكتف بإصدار البيانات ضدّ تصرفات إسرائيل وغطرستها . فمثلا فشلت مقولة " الولايات المتحدة لن تسمح" بالنسبة لبناء المستعمرات اليهودية على الأراضي الفلسطينية المحتلة ، وفشلت في وضع حد للإستلاء على الممتلكات الفلسطينية ،وفشلت في جعل إسرائيل تقديم تنازلات للفلسطينيين من أجل العودة إلى مائدة المفاوضات وبالتالي أفشلت مهمة المبعوث الأمريكي جورج ميتشل .
فتصرفات إسرائيل اليوم فتحت نافذة جديدة ، تستطيع من خلالها الإدارة الأمريكية ، مدعومة من القيادة العسكرية الأمريكية ، وشريحة كبيرة من الشعب الأمريكي ، وضع ضغط حقيقي على إسرائيل ، مؤكدة أن لأمريكا مصالح تتناقض مع ما تطلبه إسرائيل . لقد حان الوقت لأن تقف أمريكا قائدة وليست مقودة