"أشكال ووسائل النضال في السياق الفلسطيني".. محور نقاش ندوة غسان كنفاني
ناقشت ندوة غسان كنفاني الفكريّة، والتي تعقدها "بوابة الهدف الإخبارية" بصورة دوريّة، أشكال ووسائل النضال في السياق الفلسطيني، بالتزامن مع "مسيرات العودة" والحراك الشعبي الواسع الذي تخوضه الجماهير في قطاع غزّة، وما يُرافقه من فعاليات متنوعة في مجالات الفن والثقافة وغيرها، انطلقت في يوم الأرض 30 مارس ومن المقرر أن تستمر حتى يوم النكبة الفلسطينية 15 مايو.
استضافت الندوة، التي انعقدت يوم الاثنين من هذا الأسبوع، كلًا من المحامي والباحث صلاح عبد العاطي وهو عضو اللجنة القانونية التابعة لمسيرة العودة، إضافة للناشط أحمد أبو ارتيمة من غزّة، أحد مؤسسي ومُنسقي مسيرة العودة، وعضو لجنة التنسيق الفصائلي في محافظة نابلس شمال الضفة المحتلة ماهر حرب. وأدار اللقاء الكاتب السياسي والصحفي هاني حبيب.
وفي افتتاحية الندوة أشار حبيب إلى تنوّع أساليب ووسائل النضال على مرّ تاريخ القضية الفلسطينية، ما بين الكفاح المسلّح والوسائل السلمية، مُتوجّهًا بعدّة تساؤلات ومحاور لضيوف اللقاء، باستحضار المشهد الحالي ومسيرة العودة، حول جدوى الأشكال اللاعنفية أو السلمية للنضال ضدّ الاحتلال، وكيفيّة جمع الأطر الفلسطينية كافة من فصائل وفعاليات شعبية وجهات أخرى، على هذا الشكل من النضال، إضافة لتطرّق الندوة إلى الإنجازات التي حققتها مسيرة العودة، وكيفيّة البناء عليها من أجل ديمومة تأثيرها واستمرار إنجازاتها.
وفي مداخلته، قال الناشط أبو ارتيمة إنّ مسيرة العودة نبعت من شعور جمعي بخطرٍ محدقٍ بالقضية الفلسطينية، من صفقة ترامب ومشاريع تصفية قضية اللاجئين وحق العودة بما تتعرض له الأونروا، إضافة لاصطدام المصالحة بحائط مسدود بلا أفقٍ يُمكّن من تحقيقها، كما نبعت الفكرة من انسداد الأبواب أمام الخيارات الأخرى، في ظلّ المُقيِّدات أمام استخدام المقاومة المسلحة الآن، وكذلك ما لحق بخيار المفاوضات من فشل مُدوٍ. إلى جانب رغبة الجماهير بالخروج من حالة الانتظار السلبي إلى المبادرة والخيارات الإبداعية في مواجه الاحتلال.
ولفت إلى أنّ خيار الحراك الشعبي في مسيرة العودة يُعد أقل تكلفة وأكثر تأثيرًا، ويُمكن أن تُشارك فيه كل قطاعات الشعب، بخلاف نهج المقاومة المسلحة التي تتميّز بأنّها تكون قصيرة الأمد وتُمارسها شريحة بعينها، كما أنّه أسلوبٌ يُمكن اللجوء إليه في وقت اختلال موازين القوى. وأبرز ما يُحققه أسلوب النضال السلمي كمسيرة العودة هو حرمان دولة وجيش العدو من الاستقرار والمُضي بدون دفع ثمن.
وبيّن أبو ارتيمة أنّ هذه الأسباب كافة هي التي مكّنت من إقناع فصائل العمل المسلّح بالفكرة، التي ترتكز على الشكل السلمي للنضال.
وأشار إلى أنّ فلسفة النضال السلمي تقوم على أساس جعل أنشطة الحياة العادية عنصر استنزاف للاحتلال، فما تقوم به الجماهير شرق غزّة يتنوّع بين الدبكة وزراعة الأشجار ورسم الجداريات، والرحلات العائلية والمدرسية لميادين العودة والنظر، إضافة لأهمية مقاطعة الاحتلال في مختلف المجالات.
وحول مدى سيطرة اللجنة التنسيقية لمسيرة العودة على فعل الجماهير، قال أبو ارتيمة "إنّ ما يحدث الآن هو حالة شعبية، بمعنى أنها غير خاضعة لمركزية لجان التنسيق والمتابعة، وعلينا ألا نقلق كثيرًا طالما أن الجماهير هي من تختار وُجهتها وأساليب نضالها، فالثورات تعدل نفسها بنفسها".
من جهته، نوّه صلاح عبد العاطي إلى أنّ القوانين الدولية تحمي كافة أشكال النضال ضدّ الاحتلال، السلميّة والمسلحة بمختلف وسائلهما. ولفت إلى أنّ "المقاومة اللاعنفية أو السلمية لم تصبح بعد إستراتيجية متكاملة لدى الشعب الفلسطيني".
وعن دور السلطة الفلسطينية في مسيرة العودة، قال عبد العاطي "كُنا نعتقد أن السلطة ستتقاطع معنا، إلّا أنّها حاولت منعنا، عبر العقوبات وفرض مزيدٍ منها، والتجيير، بإطلاق الاتهامات لجهة محددة بأنها من تقف خلف الحراك الشعبي. وانتقد التأخير غير المبرر من قبل السلطة في إحالة ملفات جرائم الاحتلال للمحكمة الجنائية الدولية.
وتطرّق عبد العاطي إلى جهود اللجنة القانونية لمسيرة العودة في دحض الرواية الصهيونية، فكان الردّ على استهداف المتظاهرين السلميين بأنّهم لم يُشكّلوا أي خطرٍ على جنود الاحتلال، على الرغم من ضرورة إدراك أنّ القانون الدولي يكفل للشعب المحتل حقّه في الكفاح المُسلّح، كما ردّت اللجنة على الروايات المتعلّقة بتأثير حرق الإطارات على البيئة والصحة العامة، وما تزامن من مطالبات بإنهاء الحراك، إذ طالبت اللجنة وشددت على أنّ الأولى هو إنهاء الاحتلال وتنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة بحقوق الشعب الفلسطيني.
ولفت إلى أنّ مسيرة العودة نجحت بمساحة كبيرة، وأظهرت الصورة الشعبية، وجددت التأكيد على أنّ المقاومة هي نهج حياة، وتمكّنت من لفت اهتمام المجتمع الدولي الذي أدان بصورة واسعة استهداف المتظاهرين، كما أنّ الحراك الشعبي في غزّة يُساهم في عرقلة صفقة القرن. مُشيرًا إلى أنّ الاعتقاد بأنّ الحراك الحالي سيُحقق عودة الشعب الفلسطيني على الفور هو وهم، فما حققته مسيرة العودة من إعادة إحياء للقضيّة وغيرها من النجاحات ذات الصلة، تحتاج للبناء عليها واتّباع ما يضمن ديمومتها. ولهذا كان تشكيل الائتلاف القانوني من فلسطينيين وعرب وأجانب، وهو يعمل بكفاءة وقدرة. وفق ما أوضحه المحامي عبد العاطي.
وطالب عبد العاطي القيادات الفلسطينية بعقد مجلس وطني توحيدي، والارتقاء لمستوى خطورة المرحلة، والإسراع باستعادة الوحدة، ودعم مسيرة العودة التي تُشكّل رافعة للنضال الوطني، داعيًا كل الأطراف لمدّها إلى كل التجمعات الفلسطينية في العالم. وضرورة الاتفاق على إستراتيجية نضال وطنيّة تستخدم كل الأساليب.
وفي مداخلته، قال ماهر حرب إنّ مواجهة الاحتلال تأخذ طرقًا متباينة وتراعي خصوصيّة وظروف الاحتلال في كل منطقة. وعن مسيرة العودة قال إنّها "شكل نضالي مبدع". مُؤكّدًا أهمية تزامنها مع ذكرى النكبة الفلسطينية، التي تأتي في ظل احتكام حلقات المؤامرة ضدّ القضية الفلسطينية والمخططات الهادفة لتصفيتها والإجهاز على حقّ العودة المقدس.
وعن التحوّلات في أشكال النضال الفلسطيني، رأى حرب إنّ مختلف الفصائل مارست كل أساليب النضال، إلا أنّ السياق الفلسطيني شهِد سياسات وأفكار مُشوّهة، رفضت فكرة المقاومة بالمطلق، وكان هذا بفعل اتفاق أوسلو وما تضمنّه وما تبعه من تداعيات.
ولفت إلى أنّ كل أسلوب نضالي له مُحدداته ومميزاته، فما يُمكن أن يُناسب مرحلة ما قد يكون غير ملائمٍ في مرحلة أخرى، مُنوّهًا إلى أنّه في كل المراحل يجب علينا فهم الاحتلال وإدراك مكامن قوّته وضعفه حتى نتمكن من إيلامه وإيقاع أكبر الخسائر به.
وقال إنّ أحد أشكال النضال هو الوحدة الوطنيّة، مشيدًا بموقف الجبهة الشعبية التي رفضت المشاركة إلى في مجلس وطني توحيدي يضمّ الكل الفلسطيني.
وعن الفعاليات التي تُخطط الجماهير في الضفة المحتلة تنظيمها بالتزامن مع ذكرى النكبة، قال إنّه يجري التحضير لمسيرات ووقفات ومهرجانات وطنيّة عدّة لإحياء ذكرى النكبة وتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه. مُشيرًا إلى أنّ الاحتلال زاد من وضع العراقيل أمام هذا الحراك، أحد هذه العراقيل كان تحذير أصحاب الحافلات وشركات النقل وإخطارهم بعدم المشاركة في نقل المشاركين في الفعاليات والمسيرات.
ونوّه إلى أنّه ستكون هناك دعوة لإضراب عام وشامل في محافظة نابلس على وجه الخصوص يوم 14 مايو، كما يجري التحضير لمسيرة مركزية تجوب محافظات الضفة المحتلة.