محمد مرسي على خطى حسني مبارك. هكذا بدا المشهد السياسي في مصر بعد أسبوعين على بدء أزمة الإعلان الدستوري. الرئيس «الإخواني»، وبعد تآكل شرعيته في مليونية «الإنذار الأخير» أمس الأول، وإمعانه في تجاهل مطالب القوى الثورية في إلغاء القرارات الديكتاتورية الأخيرة وسحب المسودة الخلافية للدستور الجديد، عمد إلى ارتكاب ما يمكن وصفه بـ«موقعة الجمل الثانية»، حيث هاجم الآلاف من ميليشيات «الإخوان المسلمين» المعتصمين السلميين أمام قصر الاتحادية الرئاسي في مصر الجديدة، مشعلاً بذلك فتيل فتنة جديدة في الشارع المصري.
وبات من شبه المؤكد، بعد الدماء التي سالت أمام قصر الاتحادية والشوارع المحيطة به، أن شعرة معاوية التي سعى البعض للحفاظ عليها أملاً بحل سياسي للأزمة، وهو ما تبدّى مساء يوم أمس في الاستقالات التي قدّمها عدد من مستشاري الرئيس المصري، وفي المواقف التي صدرت عن قياديي «جبهة الإنقاذ الوطني»، الإطار الجامع للقوى الثورية والمدنية، والتي حمّلت مرسي مسؤولية ما يجري محذّرة من «حرب اهلية».
وهاجم الآلاف من ميليشيات «الإخوان»، ظهر أمس، بشكل منظّم مقر اعتصام القوى الثورية أمام قصر الاتحادية، حيث حطّموا الخيام، واعتدوا على المعتصمين بالضرب، ما أسفر عن إصابة العشرات بجروح وكدمات وحالات اختناق، فيما وردت أنباء غير مؤكدة عن استشهاد متظاهرين على الأقل.
وروى شاهد عيان لـ«السفير» أن مؤشرات هجوم «الإخوان» بدأت منذ ليل أمس الأول، عندما انسحبت قوى سياسية من الاعتصام، وتوجه مناصروها إلى ميدان التحرير، ما أدى إلى انخفاض ملحوظ في عدد المعتصمين أمام قصر الاتحادية، بعدما بلغ عددهم في ذروة التحرك قرابة المئة وخمسين ألفاً.
وأضاف «في هذا الوقت، علمنا أن الإخوان يحشدون للتوجه إلى القصر، إذ نشر موقع الإخوان تصريحات للمتحدث الرسمي باسم الجماعة محمد غزلان يدعو فيها إلى الاحتشاد أمام القصر وحماية شرعية وهيبة الدولة»، علماً بأن صفحات رسمية تابعة لـ«الإخوان» على مواقع التواصل الاجتماعي نشرت بياناً يدعو مناصري الجماعة إلى «النفير العام»، ولكن سرعان ما سحب من التداول.
وتابع أنه في الساعات الأولى من صباح أمس، «بدأت أعداد قليلة من أنصار مرسي في التجمع أمام سور القصر الرئاسي، وأخذوا يطلقون الهتافات ضد المعتصمين... وما إن ردد المعتصمون هتاف (سلميّة... سلميّة)، حتى بدأ عدد من مناصري مرسي في التصاعد، وعمدوا إلى شن الهجوم على الثوار، مستخدمين العصي والحجارة، واعتدوا عليهم بالضرب بالأيدي، الأمر الذي جعل المعتصمين يهربون في اتجاه نادي هليوبوليس، محاولين دخوله والاحتماء فيه».
وأشار الشاهد إلى أن «أنصار مرسي لاحقوا المعتصمين، وضربوا العديد منهم، ما أدى إلى إصابة العشرات بجروح قطعيّة في الرأس وكسور في العظام، كما عكف جزء آخر منهم على تحطيم خيام المعتصمين ومحتوياتها، وتحطيم محطات البث الفضائية التي كانت قد ركبت في جوار قصر الرئاسة».
وكانت صلاة العصر إيذانا بتحرك شباب «الإخوان» بشكل منظّم من مسجد عمر بن عبد العزيز المجاور لقصر الاتحادية بهدف الهجوم على المعتصمين.
وقال شهود عيان إن مناصري «الإخوان» تحركوا في جماعات، وكانوا يحملون أكياساً بلاستيكية سوداء، اتضح في ما بعد أنها مليئة بالهراوات.
وطالت اعتداءات مناصري «الإخوان» ـ الذين كانوا يحملون رايات إسلامية ويرددون هتافات من بينها «قوة... إيمان... مرسي بيضرب في المليان» - عدداً من الصحافيين والإعلاميين، من بينهم مراسل قناة «أون تي في» الزميل أحمد خير، الذي أصيب بجرح قطعي في رأسه، والمحرر في وكالة «أونا» للأنباء الزميل كريم فريد، الذي احتجزه أنصار مرسي لنحو ساعتين، واعتدوا عليه بالضرب. وقال فريد عقب ابتعاده عن خاطفيه «كسروا الكاميرا وضربوني عندما رأيتهم يسرقون محتويات خيام المعتصمين».
كذلك تعرضت الزميلتان رشا عزب ونوارة نجم والناشط الحقوقي مالك عدلي للاعتداء من قبل مناصري «الإخوان»، الذين احتجزوا أيضاً عدداً من المعتصمين في إحدى الخيام في شارع المير غني، واعتدوا عليهم بالضرب المبرح.
وعقب ابتعاد المتظاهرين من محيط القصر الرئاسي، شرع أنصار مرسي في مسح العبارات الاحتجاجية ورسوم الـ«غرافيتي» التي خطها المعتصمون على أسوار القصر، وكانوا يرفعون لافتات كتب عليها «ننظف السور من آثار الأنجاس».
وفور ورود أنباء عن أن مرسي سيصل عند الباب الرئيسي للقصر، انتظم مناصروه في سلاسل بشرية للترحيب به عند البوابة، فيما تولت قوات الحرس الجمهوري تنظيمهم، وتأمين ممر لسيارات الموكب. كما انتشرت حافلات تنقل أنصار مرسي من المحافظات في الشوارع المحيطة بمنطقة القصر والطرق المؤدية إليه.
الجدير بالذكر أن قرار «الإخوان» بالتوجه إلى قصر الاتحادية جاء بعد اجتماع عقده مكتب الإرشاد، ودعا خلاله أعضاء الجماعة إلى التظاهر لتأييد مرسي. كما أعطى مكتب الإرشاد أوامره بالاعتصام أمام الاتحادية حتى يوم غد، والتنسيق مع كل القوى الإسلامية لتنظيم تظاهرة «مليونية» عند القصر تأييداً لقرارات مرسي والاستفتاء على الدستور الجديد.
وقرر مكتب الإرشاد أيضاً إعلان حالة الاستنفار في صفوف الجماعة لحماية مقراتها على مستوى الجمهورية. يذكر أن محتجين أحرقوا، يوم أمس، ثلاثة مقرات لـ«الإخوان» في الزقازيق والاسماعيلية والسويس.
وقال نائب رئيس «حزب الحرية والعدالة» عصام العريان إن «الشعب سيتدفق إلى الميادين وقصر الاتحادية لحماية الشرعية».
وعلى الجانب الآخر، قررت القوى الثورية الدعوة إلى تنظيم تظاهرات في ميدان التحرير، وأمام المقر الرئيسي لـ«الإخوان» في منطقة المقطم، وكذلك العودة إلى قصر الاتحادية مرة أخرى.
وأصدرت القوى الثورية والسياسية المعتصمة في ميدان التحرير وقصر الاتحادية بيانا أدانت فيه ما أقدمت عليه جماعة «الإخوان المسلمين». واعتبرت هذه القوى أن «الإخوان» تحولوا من جماعة سياسية إلى «قوة إرهاب واستبداد تمارس عنفها ضد جماهير الشعب المصري وقواه الثورية»، محمّلة مرسى «المسؤولية الكاملة عن أحداث العنف».
في هذا الوقت، عقد قياديو «جبهة الإنقاذ الوطني»، أمس، مؤتمراً صحافياً ربطوا فيه الحوار بسحب الإعلان الدستوري وتأجيل الاستفتاء على الدستور الجديد.
وقال رئيس «حزب الدستور» محمد البرادعي إن جبهة الإنقاذ «مستعدة للحوار الوطني الجدي إذا ألغي الإعلان الدستوري وتم تأجيل الاستفتاء على الدستور»، مضيفاً أن «أي فصيل سياسي أو أي نظام لن يستطيع أن يحرمنا من حقوقنا وواجباتنا أو يعصف بمستقبل هذا البلد».
من جهته، قال الأمين العام السابق للجامعة العربية عمرو موسى «نحن يد واحدة ونتحدث بصوت واحد دفاعا عن مصر واستمرارا لثورتها ولسنا مع فرض الدستور او تقسيم الشعب المصري وفرض دستور غير متفق عليه»، مشيراً إلى أن «مواد الدستور بها عوار ولن يؤخذ بقوله خلال عضويته في اللجنة التأسيسية».
أما رئيس «التيار الشعبي» حمدين صباحي فقال «سنواصل نضالنا بموقف موحد حتى إسقاط الإعلان الرئاسي الاستبدادي، ولن نسمح بالتصويت على دستور لم نشارك فيه». وأضاف أن سفك الدماء أمام قصر الرئاسة «يعني فقدان مرسي لشرعيته». وقال صباحي إن «مرسي يدفع مصر إلى انقسام قد يؤدي الى حرب أهلية».
وفي مؤشر إلى أن احتمالات الحل السياسي للأزمة بدأت تضيق، أعلن ثلاثة من أعضاء الهيئة الاستشارية للرئيس المصري أنهم استقالوا بسبب الأزمة التي فجّرها الإعلان الدستوري.
وقدم سيف الدين عبد الفتاح وأيمن الصياد وعمرو الليثي استقالاتهم، ما يرفع الى ستة عدد أعضاء الطاقم الرئاسي الذين استقالوا بسبب أزمة الإعلان الدستوري.
وقال الصياد إن الاستقالات قدمت قبل أسبوع، موضحاً أن المستشارين الثلاثة حاولوا على مدى أسبوع ايجاد حل لكنهم فشلوا.
في المقابل، قال نائب الرئيس المصري محمود مكي، خلال مؤتمر صحافي، إن «لا عدول عن موعد الاستفتاء على مشروع الدستور». وأضاف أنه «على ثقة تامة في تحقيق انفراج في الأزمة إن لم يكن في غضون الساعات المقبلة، فسيكون في الأيام القليلة المقبلة»، لافتاً إلى أن «الرئيس تعهد لي بعدم استخدام الإعلان الدستوري الذي ترفضه القوى السياسية المعارضة». وأضاف مكي أن «التظاهرات والتظاهرات المضادة لن تحل أزمة مصر».