الأحد 19-05-2024

القدس ان حكت في محنتها الراهنة...؟!

×

رسالة الخطأ

نواف الزرو

القدس ان حكت في محنتها الراهنة...؟!
* نواف الزرو

قبل اسابيع قليلة، و كما في كل عام، استنفرت الدولة الصهيونية في ذكرى احتلالها للقدس واعلان ضمها، كل طاقاتها الاعلامية والسياسية والاستيطانية لتنتج مشهدا مقدسيا يرتدي زيا صهيونيا تهويديا بالكامل، في محاولة للايحاء والتضليل بان "القدس موحدة عاصمة لدولة اسرائيل الى الابد"، وفي ذلك وبهذه المناسبة، كان نتنياهو قطع في اكثر من مناسبة، بل وفي كل مناسبة لهم، قول كل خطيب فيما يتعلق بوضع المدينة المقدسة ومستقبلها، حينما اعلن ويعلن بمنتهى الوضوح إنه: "لن يقسم القدس"، و"إن إسرائيل دون القدس هي كالجسد دون قلب، وإن قلب إسرائيل لن يقسم من جديد"، مضيفا في حديث له خلال ما يسمى في إسرائيل بـ"يوم القدس": أنه "لن يتخلى عن القدس الموحدة وليس عن محيط الحرم القدسي الشريف"، موضحا: "أشك في أن يكون تنازلنا عن محيط "هار هبيت" (الحرم القدسي) سيؤدي إلى إحلال السلام، لكن سيؤدي إلى مزيد من الحروب الدينية"، مؤكدا: "فقط تحت سيطرة إسرائيل سيعم الهدوء بين الديانات، وأن السلام الدائم يتم مع أمة قوية وإسرائيل دون القدس الموحدة ستكون جسما مع قلب ضعيف للغاية".
والمسألة هنا لدى نتنياهو وكل اركان حكومته وحزبه، ليست اعلامية للاستهلاك العام، وانما هي ايديولوجية استراتيجية حقيقية متزامنة مع حملات متصلة من انشطة التهويد والتزييف لحقائق ومعالم القدس، وهي تتساوق مع ما اطلق عليه لديهم "مسيرات الاعلام في شوارع القدس بمناسبة يوم القدس"، ويشارك فيها عادة أكثر من 20 ألف متطرف يهودي، يقومون باختراق شوارع القدس العتيقة واحيائها العربية التاريخية، في طريقهم إلى حائط البراق "المبكى"، تحت حراسة وحماية أمنية مشددة ، وفي المقابل ينظم عشرات الشبان الفلسطينيين تظاهرات سلمية بالقرب من باب العامود، غير ان قوات كبيرة من شرطة الاحتلال تهرع إلى مكان التظاهرة الفلسطينية، وتطالب المشاركين التفرق بحجة أنها تظاهرة غير مرخصة، وحين لا ينصاعوا تفرقهم بالقوة وتعتقلت منهم العشرات، وتدعي أن شبانا فلسطينيين اشتبكوا مع اليهود المشاركين بالمسيرة السنوية، وألقوا عليهم ما وقعت أيديهم عليه من أشياء، وهرعت قوات كبيرة من الشرطة للفصل بين الشبان اليهود والفلسطينيين. 
الى كل ذلك هناك الكثير الكثير من الاحداث والمشاهد اليومية المتتابعة التي تحكي حكاية المدينة المقدسة ومعاناتها في ظل الموجات المتلاحقة من هجمات آلاف المستوطنين اليهود المتطرفين الارهابيين المحميين بقوات جرارة من الجيش وحرس الحدود والمخابرات والمستعربين.
ولذلك، فان القدس ان حكت وبلا تهويل..فانها تحكي وتتحدث عن مجزرة حضارية نكبوية مفتوحة يقترفها الاحتلال في المدينة المقدسة، التي لا تبعث احوالها اليوم، بعد تسعة وستين عاما ونيف على النكبة ونصف قرن على احتلالها عام 1967، على التفاؤل ابدا، بل انها ربما لا تبقي لدينا شيئا من التفاؤل اذا لم يتحرك العرب بمنتهى الجدية والمسؤولية باتجاه انقاذها.
ففي احدث معطيات المشهد المقدسي: فان وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، غلعاد إردان يعلن:" أن المسجد الأقصى المبارك يقع تحت "السيادة" الإسرائيلية، وأن موقف الأردن من إغلاق الحرم القدسي، "ليس مهما"، ويفرض البوابات الالكترونية والحواجز القمعية على بوابات الحرم القدسي الشريف، وحكومة الاحتلال تصعد اجراءاتها القمعية على اكثر من جبهة، فضلا عن ان" إسرائيل" تعيد قضية القدس إلى الواجهة لتعلن مجدداً أنها "ليست قابلة للتقسيم" وأنها "قلب الشعب اليهودي"، وهو ما يترجم يومياً على الأرض بمزيد من البناء في الأحياء الاستيطانية في المدينة، اقربها واخطرها كان تدشين حي استيطاني جديد في حي رأس العمود العربي في قلب القدس المحتلة بمشاركة عدد كبير من أقطاب حزب "ليكود" الحاكم واليمين المتشدد، في الوقت الذي كانت صادقت الحكومة في جلستها على تخصيص مئة مليون دولار "لتعزيز مكانة القدس" أيضاً في مجالي السياحة والأبحاث الصناعية. وفي تصعيد خطير في ذكرى احتلال القدس، أعلنت مجموعات يهودية متطرفة كعادتها في كل عام، حملة لاقتحام المسجد الأقصى الذي تطلق عليه اسم "جبل الهيكل" ودعت الى القيام بمسيرات الى المسجد الذي تروّج أنه بني فوق الهيكل، واقام آلاف المستوطنين اليهود احتفالات اطلقوا عليها: "يوم أورشليم الموحدة"، وقد جرت مواجهات بينهم وبين المواطنين العرب في القدس، اطلقوا خلالها شعارات مثل: "محمد مات" و"لتحترق قريتكم" و"إذبح العرب" و"الموت للعرب".
اذن، هم يتحركون هناك بمناسبة ما يسمونه "يوم القدس" اي يوم احتلالها عام 67، بل وفي كل مناسبة ومع كل حدث يحدث، كما جرى ويجري مع عملية الجبارين الثلاثة، وهم يسيطرون ويسيرون المسيرات بالاعلام الصهيونية في قلب شوارع القدس، ويجمعون على ابقائها "مدينة موحدة تحت السيادة الاسرائيلية الى الابد"، بل انهم لا يتوقفون لحظة عن تحويل حلمهم وتصريحاتهم الى واقع ملموس ينسف مع الزمن اي احتمال لانسحابهم منها عبر المفاوضات المترنحة..، والمشهد المقدسي في "يوم القدس" لديهم وفي ظل التطورات الاخيرة يحكي لنا الكثير الكثير..! .
اذن، نحن امام معطيات استيطانية تهويدية غزيرة تغرق المشهد المقدسي، ولكنها تنذر الفلسطينيين والعرب والمسلمين بان الانفجارات الدراماتيكية في مدينة القدس آتية، بل ان أهالي القدس والأوقاف والعلماء وفعاليات المدينة يتحسبون من أن التطورات القريبة ستكون صعبة لاسيما على الاماكن المقدسة، حيث أن القوى الدينية الصهيونية المدعومة من قبل حكومة نتنياهو تعد لانتقال نوعي للاعتداء على المسجد الأقصى وقبة الصخرة وساحات وعمائر ومرافق الحرم القدسي الشريف. وليس ذلك بمبالغة، فالحملات التهويدية للقدس جارية على قدم وساق، وعلى مختلف الجبهات، إن على الارض او في الاعلام او في المشاريع والمخططات، او على المستوى الدولي، بل ان عملية التهويد وصلت الى مرحلة متقدمة جدا..!، فالمعارك تتحرك على مدار الساعة من حي الى حي ومن زقاق الى زقاق.. ومن بيت الى بيت.. سواء في داخل البلدة القديمة او خارجها.
فالمدينة المقدسة تتعرض اذن، الى اوسع واخطر حملات المصادرات والتفريغ والتهويد كما يتعرض الحرم القدسي الشريف باقصاه وقبته الى اشد التهديدات الحقيقية التي تنذر بمحوه عن وجه الارض اذا لم يتحرك العرب والمسلمون والمجتمع الدولي لاحباط مخططات وحملات الاحتلال التهويدية التي قد تختطف القدس الى الابد..!!.

انشر المقال على: