الناصرة-“رأي اليوم”- من زهير أندراوس:
يبدو أنّ التطبيع العربيّ مع إسرائيل بات القاعدة، في حين باتت مُقاطعة هذه الدولة المارقة بمثابة الاستثناء. والأمر لا يقتصر على أنظمةٍ عربيّةٍ، تُصنّف في إسرائيل بالدول العربيّة السُنيّة المُعتدلة، بل تعدّى ذلك، وأصبحت البعثات الإعلاميّة من الدول العربيّة، التي لا تُقيم علاقاتٍ دبلوماسيّةٍ، إلى دولة الاحتلال، أمرًا عاديًا للغاية، والأخطر من ذلك، أنّه خلافًا للماضي غيرُ البعيد، فإنّ الزيارات الإعلاميّة العربيّة إلى إسرائيل باتت تتّم بصورةٍ علنيّة، وأنّ الصحافيين العرب، الذي يصلون إلى تل أبيب، يُوافقون على نشر صورهم في المواقع الرسميّة للدولة العبريّة، وتحديدًا على صفحات التواصل الاجتماعيّ من فيسبوك وتويتر.
صفحة إسرائيل بالعربيّة، هي الصفحة الرسميّة بالعربيّة لدولة إسرائيل، على موقع تويتر. ومن نوافل القول إنّ الصفحة، التي يصل عدد متابعيها إلى حوالي مائة ألف، تُعنى بتحسين صورة إسرائيل في الوطن العربيّ. وهذه الصفحة هي واحدة من صفحاتٍ إسرائيليّة رسميّةٍ عديدةٍ على مواقع التواصل الاجتماعيّ، التي بأسلوبٍ سلسٍ وخبيثٍ تسعى لاجتذاب المُواطنين في الوطن العربيّ، وإقناعهم بأنّه خلافًا لما ترّبوا عليه، فإنّ الدولة العبريّة، هي دولة سلام وتقدّم اقتصاديّ وتكنولوجيّ، وما إلى ذلك من صفاتٍ، تُضفي على هذه الدولة المارقة بامتياز، صفة النعجة البريئة.
وقد أعلنت وزارة الخارجية الإسرائيليّة أن صحافيين من المغرب وتونس والجزائر يزورون إسرائيل بدعوة من وزارة خارجيتها من أجل التعرف على إسرائيل الحقيقية، ونشرت الخبر عبر صفحتها على موقع “تويتر”، متضمنًا صورًا لمجموعة من الصحافيين في إسرائيل، مع إبراز مسجد قبة الصخرة في خلفية اثنتين من هذه الصور.
ومن خلال متابعة هذه الصفحات يتبيّن أنّ المسؤولين عنها، يبذلون جهودًا جبارّةً في إقناع العربيّ بتغيير قناعاته وأفكاره ومبادئه، ويستخدموا لتحقيق هذه الهدف المنشود نظريات علم النفس وعلم الاجتماع، فعلى سبيل الذكر لا الحصر، نشرت صفحة “إسرائيل بالعربيّة” على تويتر ما يلي: “يعيش يهود البحرين بوئامٍ مع محيطهم العربيّ، وهكذا الأقليات في إسرائيل لها حريتها وحقوقها. يحيا التعايش ويسقط الإرهاب”. وغنيُ عن القول والجزم أيضًا إنّ هذا النشر يتناقض جوهريًا مع الحقائق على أرض الواقع، إذْ أنّ الفلسطينيين، الذي كُتب عليهم العيش في موطنهم فلسطين، وليس في دولتهم إسرائيل، يتعرّضون لأبشع أساليب وأنواع التفرقة العنصريّة، والتي توجّتها إسرائيل أخيرًا في تشريع قانون منع رفع الأذان في البلدات، والمدن والمجمعات والقرى الفلسطينيّة الواقعة داخل ما يُطلق عليه الخّط الأخضر.
ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أنّ هذه الصفحات والمواقع الاجتماعيّة، تمتنع عن نشر أيّ مادّةٍ عن الاحتلال الإسرائيليّ للأراضي العربيّة منذ عدوان العام 1967، هذا الاحتلال الوحشيّ، الذي يقوم يوميًا بالإعدامات الميدانيّة، الاعتقالات الإداريّة، إذلال الفلسطينيين على الحواجز العسكريّة المُنتشرة كالنار في الهشيم بالضفّة الغربيّة المُحتلّة.
وهذا يؤكّد المؤكّد ويُوضّح المُوضّح: إسرائيل المارقة بامتياز والمعربدة مع علامة الجودة، باتت تتعامل مع الأمّة العربيّة الممزّقة والمفكّكة والمفتّتة بازدراء بادٍ للعيان، ولمَ لا؟ فالأمّة تمُرّ في أحلك الظروف، وبالتالي فإنّ إطلاق العنان للهجة التصعيديّة هو تحصيل حاصل.
مع ذلك، يُمكن القول، وطبعاً لا الجزم، إنّ هذه الدولة المدعومة من الولايات المتحدّة الأمريكيّة وموبقاتها في الوطن العربيّ، تخوض حربًا نفسيّةً ضدّ العرب من محيطهم إلى خليجهم، في محاولة غير مكشوفة لكيّ الوعي العربيّ، بأنّ جيشها لا يُقهر، وعندما تتمكّن، وإمكانيات النجاح واردةً جدًا، في استباحة واحتلال العقل العربيّ، فإنّ مهمتها في شنّ العدوان تلو العدوان تتحوّل إلى مهمة سهلة للغاية، ذلك أنّ المعنويات في أيّ حربٍ، هي من أحد أهّم العوامل في الحسم العسكريّ على أرض المعركة، والحرب، كما قال القائد العسكريّ الألمانيّ كلاوزوفيتش، هي استمرار للسياسة، ولكن بأساليب أخرى.
علاوة على ذلك، تُشكّل الحرب النفسيّة بين إسرائيل والفلسطينيين بشكلٍ خاصٍ، والأمّة العربيّة بشكلٍ عامٍ، عاملاً مركزيًا في الصراع الدائر بين الطرفين منذ أكثر من مائة عام. وللتدليل على ذلك، نُورد ما قاله الحاخام يريتس رون في اجتماع سريّ نظّمه اليهود في عام 1869 في سويسرا: “إذا كان الذهب هو القوّة الأولى في العالم، فإنّ الصحافة هي القوّة الثانية. ولكنّها لا تعمل من غير الأولى، وعلينا بواسطة الذهب أنْ نستولي على الصحافة، وحينما نستولي عليها نسعى جاهدين لتحطيم الحياة العائليّة والأخلاقيّة والدين والفضائل الموجودة لدى البشريّة عامّة”، على حدّ تعبيره.
ولا تألو إسرائيل جُهدًا في تجنيد الأجهزة الأمنيّة في حربها النفسيّة، فعلى سبيل الذكر لا الحصر، تُعتبر الوحدة 8200، التابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش (أمان)، تُعتبر من أكثر الوحدات تطورًا من الناحية التقنيّة والتكنولوجيّة، ولها نشاطات واسعة في حروب الإنترنيت والشبكات، وقد انضم إليها الآلاف من العقول الإسرائيليّة منذ إنشائها نظرًا لشهرتها الواسعة، حيث تعمل على ضمان التفوق النوعيّ لإسرائيل من خلال عمليات دفاعيّة أوْ هجوميّة في الفضاء الإلكترونيّ. وبحسب موقع (Defense News) فإن إسرائيل قامت منذ العام 2003 بتجنيد آلاف الشباب من طلاب الثانوية في هذه الوحدة، وهم الذين يقومون اليوم عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ بإدارة الحرب ضدّ العرب، المشكلة، على ضوء ارتفاع عدد الزيارات للوفود العربيّة إلى دولة الاحتلال، الزيارات العلنيّة وتلك السريّة، أنّ إسرائيل تستخدم العرب في حربها النفسيّة ضدّ العرب، وهذه ليست فقط مشكلة، هذه معضلة بحسب جميع المقاييس.