الأحد 20-04-2025

إختلفت أحلامهم فانتهت بحب البلاد

×

رسالة الخطأ

بقلم : فاتن ضيف الله - القدس

إختلفت أحلامهم فانتهت بحب البلاد بقلم الصحفية : فاتن ضيف الله – القدس "إلى كل من مَرُّوا قبلنا على طريق الحياة وتركوا حصى خلفهم لكي لا نتوه"،-محمد الحسيني- كأن تسقط وانت نائم فيحدث ذلك وجعا خفيا لا تشعر به إلا عقب النهوض عن الأرض، هكذا يقضي أغلب الشباب الثائر حياته بكدمات لا يستفيق على وجعها إلا عقب إنتهاء السقوط، لكن الشباب الفلسطيني لم ينتهي من السقوط، لم تنتهي بعد حسابات على مدى ما يقارب من سبعة عقود ولم ينهض أحد ليجد خدشا، بل وجد جرحا عميقا غائرا لا أحد يعلم متى يلتئم. يختفي الملثم ذو الملامح التي لا يظهر منها سوى عينيه،" الملثم" الذي بقي مقاوما مجهول الهوية مدة طويلة، لكنه يعود حتى وإن تغير شكل نضاله، لتبقى نضالاته شراعا مفتوحا ضد الإستيطان الصهيوني لفلسطين. خالد: لم تكن سنوات عمره القليلة عائقا امام ما يطمح، خط طريقا لقلب البلاد حبا وشغفا، كالطير ينتقل من مكان لآخر لا تفارق الضحكة وجهه الجميل، في الصباح ذاهبا للمدرسة يلقي التحية هنا وهناك يعرفه الجميع من ضجة مرروه التي تعلوها ضحكة مرتفعة، لا أحد يعلم كم يعاني من ويلات التعب والعمل احيانا بعد يوم دراسي، لا احد يعلم ما يفعله بجيبات جنود الإحتلال في ساعات الليل المتأخرة، بداية الإنتفاضة الثانية كانت كفيلة بتغيير حياته، يحمل بحقيبته حجرا ومقلاعا ( خشبة تكون فيها قطعة من المطاط لوصول الحجارة لأقرب منطقة من جنود الإحتلال) إضافة لعلم وكوفية، هي أدوات "خالد" في حرب تقودها الأسلحة المتطورة. في الثاني من نوفمبر من كل عام تعم أرجاء فلسطين مظاهرات تنديدا بذكرى وعد " بلفور الذي وعد من خلاله وزير الخارجية البريطانية أنذاك أرثر بلفور بإقامة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين "، وتكون المظاهرات أعنف اذا تزامنت مع أي احداث قمعية تقوم بها قوات الإحتلال تجاه المواطنين، خرجت مظاهرة لطلاب وطالبات مدرسة القرية، صرخات بشعارات الحرية تدوي في المكان اصوات تتعالى وشعارات تدوي في المكان، تتجه المظاهرة مباشرة لنقطة تمركز قوات الإحتلال أمام مدخل القرية، الصفوف الأمامية أشد ضراوة في المواجهات لقربها من جنود الإحتلالالذين أطلقوا تجاه الطلبة قنابل الصوت وقنابل الغاز المسيل للدموع، من وسط الجموع خرج ملثم شاب،لا يتوانى عن صد هجوم الإحتلال، يحمل بيديه (مقلاعا) إنه "خالد" تبتعد الجموع متيحة له المرور، يهتف بصوت واثق، يتقدم الصفوف يضرب فيصيب، يقفز ويتحرك ويدور وكأنه الكوكب الواثق ومن حوله كل النجوم تشيد بنوره الطاغي، باغته جندي لأول مرة فأصابه برصاصة مغلفة بالمطاط بفخده الأيمن، وقف قليلا ثم استعاد قوته واستطاع بحجره الصغير أن يجبر الجيب العسكري على التراجع وكأنها إرتجفت منه. مقبل غير مدبر يرفض الخنوع هكذا خالد، إرتفع صوت الرصاص، استطاع مساعدة عدد من الجرحى، وعاد للضرب أحد الجنود "بمقلاعه" فأصابه برأسه، مما زاد من حدة المواجهات فأطلق الرصاص بكثافة هذه المرة، وهو ثابت لا يتراجع بصدره العاري. إخترقت رصاصة جسده واستقرت بالقلب، "رصاصة دمدم متفجر" وهو " رصاص يحدث ثقبا صغيرا لدى دخوله الجسم لينفجر داخله مفتتا أعضاءه الداخلية، وهو محرم دوليا)، دخلت الرصاصة وكأنها تعرف الطريق الى قلبه، لم يستطع أحد أن يوقف نزيف قلبه وهو يقول يوجعني قلبي لكن بلادي توجعني أكثر. وفجاة إنتهى كل شيء وقالوا بأن علينا أن نبدأ من جديد، كل شيء حصل بسرعة لدرجة أننا لم نجد مكانا نرمي فيه أحلامنا القديمة، فظلت معنا. إرتقى خالد شهيدا وغيبته رصاصة واحدة عن الحياة، وغاب حلمه بأن يكون مدرسا للغة العربية، ودعته أمه بالورد والدمع، أيعقل أن يكون خالد حقق طموحه في حياة أخرى!! ثائر: "يتوقف مصير كل امة على شبابها" غوتة. إلتحق بكلية الهندسة في الجامعة عقب إنتهاء الإنتفاضة الثانية، لحسن حظه أنه استطاع ذلك رغم عقبات حواجز الإحتلال التي تقطع أوصال البلاد وتمنع وصول الطلبة لأماكن دراستهم في الجامعات أو المدارس، ولعل طلبة الجامعات هم الأسوأ معاملة من قبل الإحتلال، بسبب التفتيش المذل والملاحقات الطويلة لهم، لإنتماهم لأحزاب سياسية تعتبر الأذرع الطلابية للحركات السياسية، فمثلا الشبيبة الطلابية ذراع حركة فتح، كتلة الوحدة الطلابية ذراع طلابي للجبهة الديمقراطية، جبهة العمل ذراع الجبهة الشعبية، الكتلة الإسلامية ذراع حركة حماس، وكذلك الحال مع كافة فصائل المقاومة التي تتغلغل بداخل الجامعات كون الشباب العنصر الأهم في تاريخ النضال الفلسطيني. تغيرت حياة "ثائر" عقب إلتحاقه بأحد الاحزاب السياسية، أصبح يتقدم صفوف الطلبة في المهرجانات التي تقام لإحياء ذكرى الشهداء او المناسبات الوطنية، وعلى مقاعد الدراسة يحصد اعلى العلامات، إيمانا منه أن العلم والنضال يسيران بالتوازي لتحقيق الإستقلال، يقول والده إنه كان يحلم بفلسطين حرة ويعد مخططات لبناء هندسي يليق ببيته بعد الحرية. إندلعت مواجهات امام مدخل الجامعة بين الطلبة وجنود الإحتلال، احتدت المواجهات واتسعت ليصل بعض من شبان القرى التي تحيط بالجامعة كما هو الحال في وقت اي هجوم يهب الجميع للدفاع والمواجهة. وصل خمسة شبان"ملثمين"، ثائر وأربعة من زملائه، ما أن صرخ عاشت فلسطين حتى تعالى صوت الرصاص، فأصيب عشرات الطلبة إختناقا بالغاز المسيل للدموع و بالرصاص المطاطي، إتخذ الملثمون الخمسة أماكن متفرقة، وأصبحت قناصة الجنود مقابلة لهم تماما، تطلق الرصاص فتصيب شبابا بعمر الورد لتنهي حياتهم. رصاص كثير إستقر في أجساد الشبان الثلاثة فارتقوا شهداء وبقي إثنين، أحدهم نفذت ذخيرته فوقع بالأسر، الآخر كان ثائر " يحاول أن يحمي الشهداء من الإعتقال فالجنود يخطفون أجساد الشهداء لإحتجازها كنوع من الإذلال والإمعان في قهر الأهالي لتكون الحسرة حسرتان"، يواصل ضرب الرصاص، لكن سرعان ما إخترقت رصاصة كتفه الأيسر والثانية إستقرت بعموده الفقري، وإنتهى القتال. سنوات ثائر الثلاثة التي لم يكملها بالجامعة، بقيت معلقة بين جدران غرفته، يعاني من شلل نصفي، لا يقفز لا يعلو صوته فرحا او غضبا، صامتا أغلب الوقت، لم يكمل حلمه بالتحرر أو بالهندسة التي يحب، وبقيت أحلامه تغفو تحت عين أمه التي شاهدته يخرج من بيته شامخا قويا ليعود غير قادر على الوقوف مجددا، عزاؤها أنه يتنفس وقلبه ينبض بحب الوطن، لا يريد ان ينسى ما كان عليه قبل العذاب ليخط على كراسة مذكراته مقولة غسان كنفاني الأحب على قلبه: " إني لا أريد أن أنسى، رغم كل العذاب الذي يحمله التذكر ". نادر: الثانية والنصف صباحا أصوات طرق قوية على الباب تكاد تخلع جدران المنزل، الإضاءة قوية جدا صوت محركات الجيبات العسكرية، ينذر ان الزائر غير مرغوب فيه، جنود مدججون بكافة أنواع السلاح والكلاب البوليسية، يعيثون فسادا في البيت ليتم تكسير ما فيه، أصوات الاطفال الباكية خوفا تنذر بخوف أكبر. "نادر" أنهى قبل عامين دراسته الجامعية إستطاع أن يجد عملا مناسبا ليساعد والده على حمل نفقات العائلة التي تتكون من 7 أفراد،لم يكن يحلم بأكثر من مكان آمن يسكن فيه دون وجع الحياة وجبروت الإحتلال. رصاصة واحدة إنطلقت من جنود الإحتلال أمام أحد الحواجز العسكرية، ليرتقي شهيدا، فأكل الحزن قلبه ولم يعد يقوى على الكتمان، يخرج في المساء ليعود مع بزوغ الفجر، إستطاع بطريقة ما أن يحصل على سلاح وأجاد التدرب على استخدامه. في أحد ليالي الشتاء الباردة خرج نادر من بيته عقب إقتحام جيبات الإحتلال للمخيم، حمل سلاحه وتوجه نحو جنود الإحتلال،تناقلت محطات التلفزة العبرية اكثر من مرة تعرض جيباتها العسكرية لوابل من الرصاص أثناء اقتحامها المخيم، كان إخفاء إصابة أحد جنودها طريقة يتبعها الإعلام العبري، لكن أهالي المخيم يعلمون جيدا أن "الملثم نادر" ضربته لا تخيب وأن رصاصاته صائبة. بطريقة ما تم التعرف على هوية "نادر" القناص الذي أرعب الجنود لفترة تتجاوز ستة أشهر، ولم يتمكنوا لمرة واحدة من إصابته، يختفي أحيانا ثم يعود من مكان جديد بكل خفة، قناص بدقة فائقة، استطاع إصابة تسعة جنود بجروح مختلفة. تحول نادر من نسر طليق الى معتقل داخل زنازين الإحتلال لا يرى الشمس، ولا يحلق مرتفعا بالسماء، لا شيء يبقيه حيا سوى الأمل ليخرج الى النور من جديد، حكم على "الملثم" بالسجن لمدة 20 عاما سيتقن خلالها فن الإنتظار وبروحه الحرة تعمق إيمانه بالنضال لأجل الحرية حتى لو كلفه ذلك حريته، يحفر على جدران سجنه ما اتقنه قبله المناضلون أمثال مانديلا ويقول"إذا خرجت من السجن في نفس الظروف التي اعتقلت فيها فإنني سأقوم بنفس الممارسات التي سجنت من أجلها".

انشر المقال على: