السبت 27-04-2024

وثيقة كامبل السرية و تفتيت الوطن العربي

×

رسالة الخطأ

حركة القوميين العرب

وثيقة كامبل السرية و تفتيت الوطن العربي

مؤتمر لندن

الموضوع : دراسات فكرية
انعقد مؤتمر لندن أو ما يسمى بمؤتمر كامبل بنرمان الذي دعا إليه حزب المحافظين البريطاني سرا في عام 1905 واستمرت مناقشات المؤتمر الذي ضم الدول الاستعمارية في ذاك الوقت وهي: بريطانيا، فرنسا، هولندا، بلجيكا، اسبانيا، إيطاليا، حتى عام 1907 وفي نهاية المؤتمر خرجوا بوثيقة سرية سموها " وثيقة كامبل" نسبة إلى رئيس الوزراء البريطاني آنذاك هنري كامبل بانرمان.

وتوصلوا إلى نتيجة مفادها : "إن البحر الأبيض المتوسط هو الشريان الحيوي للاستعمار! لأنه الجسر الذي يصل الشرق بالغرب والممر الطبيعي إلى القارتين الآسيوية والأفريقية وملتقى طرق العالم ، وأيضا هو مهد الأديان والحضارات" والإشكالية في هذا الشريان هو أنه كما ذكر في الوثيقة : " ويعيش على شواطئه الجنوبية والشرقية بوجه خاص شعب واحد تتوفر له وحدة التاريخ والدين واللسان".

أبرز ما جاء في توصيات المؤتمِرون في هذا المؤتمر والذي شارك فيه سياسيون ومفكرون وباحثون والذي استمر لمدة عامين كما ذكرنا ما يلي:

1. إبقاء شعوب هذه المنطقة مفككة جاهلة متأخرة.

وعلى هذا الأساس قاموا بتقسيم دول العالم بالنسبة إليهم إلى ثلاث فئات:

الفئة الأولى : دول الحضارة الغربية المسيحية (دول أوروبا وأمريكا الشمالية واستراليا) والواجب تجاه هذه الدول هو دعم هذه الدول ماديا وتقنيا لتصل إلى مستوى تلك الدول

الفئة الثانية : دول لا تقع ضمن الحضارة الغربية المسيحية ولكن لا يوجد تصادم حضاري معها ولا تشكل تهديدا عليها (كدول أمريكا الجنوبية واليابان وكوريا وغيرها) والواجب تجاه هذه الدول هو احتواؤها وإمكانية دعمها بالقدر الذي لا يشكل تهديدا عليها وعلى تفوقها

الفئة الثالثة: دول لا تقع ضمن الحضارة الغربية المسيحية ويوجد تصادم حضاري معها وتشكل تهديدا لتفوقها (وهي بالتحديد الدول العربية بشكل خاص والإسلامية بشكل عام) والواجب تجاه تلك الدول هو حرمانها من الدعم ومن اكتساب العلوم والمعارف التقنية وعدم دعمها في هذا المجال ومحاربة أي اتجاه من هذه الدول لامتلاك العلوم التقنية

2. ومحاربة أي توجه وحدوي فيها.

ولتحقيق ذلك دعا المؤتمر إلى إقامة دولة في فلسطين تكون بمثابة حاجز بشري قوي وغريب ومعادي يفصل الجزء الأفريقي من هذه المنطقة عن القسم الآسيوي والذي يحول دون تحقيق وحدة هذه الشعوب الا وهي دولة إسرائيل واعتبار قناة السويس قوة صديقة للتدخل الأجنبي وأداة معادية لسكان المنطقة

فصل عرب آسيا عن عرب أفريقيا ليس فقط فصلاً مادياً عبر الدولة الإسرائيلية، وإنما اقتصادياً وسياسياً وثقافياً، مما أبقى العرب في حالة من الضعف. واستمر تجزئة الوطن العربي وإفشال جميع التوجهات الوحدوية إما بإسقاطها أو تفريغها من محتواها، ولا يعني هذا الأمر بالضرورة تدخلاً إسرائيلياً وإنما هو مصلحلة لوجود إسرائيل من جهة وللتعاون بينها وبين القوى الخارجية الطامعة بالعرب من جهة ثانية. أقدمت الأتفاقية إلى الحد من نهوض العرب ومنعهم من التقدم وامتلاك العلم والمعرفة وذلك من خلال سياسات الدول المتقدمة التي تمنع عن العرب وسائل ولوج العلم وامتلاك إمكانية تطويره والمساهمة في إنتاج المعرفة. إن من أسباب حالات العداء والمنازعات الرئيسة بين الدول العربية الصراع مع إسرائيل والموقف من هذا الصراع ودور القوى الخارجية في دفع هذه الدولة أو تلك لاتباع سياسات تتعارض مع مواقف دول أخرى، مما يشكل سبباً جوهرياً للتوترات العربية. وحتى مشاكل الحدود بين بعض الأقطار العربية يمكن أن تعزى إلى العامل الخارجي في معظمها.
في عام 1905 دعا حزب المحافظين البريطاني سرّاً إلى عقد مؤتمر يهدف إلى إعداد استراتيجية أوربية، لضمان سيادة الحضارة الغربية على العالم، وإيجاد آلية تحافظ على تفوق ومكاسب الغرب الاستعماري إلى أطول أمد ممكن.

ولما كان حزب المحافظين خارج الحكم، فقد قدم فكرة الدعوة إلى عقد المؤتمر إلى رئيس حزب الأحرار: هنري كامبل بنرهان" رئيس الوزارة البريطانية آنذاك.

لم يكن "كامبل" بعيداً عن هذه الفكرة، فقد كان مولعاً بفلسفة التاريخ، وكان معنياً بأن تبقي بريطانيا على امبراطوريتها التي تمتد من أقصى الأرض إلى أقصاها . دعيت إلى المؤتمر الدول الاستعمارية كافة وهي:

بريطانيا، فرنسا، هولندا، بلجيكا، إسبانيا، إيطاليا، البرتغال . شارك في المؤتمر فلاسفة ومشاهير المؤرخين وعلماء الاستشراق والاجتماع والجغرافية والاقتصاد، إضافة إلى خبراء في شؤون النفط والزراعة والاستعمار.

ويمكن إيراد أسماء بعض المشاركين:

البروفيسور جيمس: مؤلف كتاب "زوال الامبراطورية الرومانية"

البروفسور لوي مادلين: مؤلف كتاب: "نشوء وزوال امبراطورية نابليون"

الأساتذة: لستر وسميث وترتخ وزهروف.

افتتح "كامبل" المؤتمر بكلمة مطولة جاء فيها:

"إن الامبراطوريات تتكون وتتسع وتقوى ثم تستقر إلى حدٍّ ما ثم تنحل رويداً رويداً ثم تزول والتاريخ ملئ بمثل هذه التطورات وهو لا يتغير بالنسبة لكل نهضة ولكل أمة، فهناك امبراطوريات : روما، أثينا، الهند والصين وقبلها بابل وآشور والفراعنة وغيرهم.

فهل لديكم أسباب أو وسائل يمكن أن تحول دون سقوط الاستعمار الأوروبي وانهياره أو تؤخر مصيره ؟

وقد بلغ الآن الذروة وأصبحت أوروبا قارة قديمة استنفدت مواردها وشاخت مصالحها، بينما لا يزال العالم الآخر في صرح شبابه يتطلع إلى المزيد من العلم والتنظيم والرفاهية، هذه هي مهمتكم أيها السادة وعلى نجاحها يتوقف رخاؤنا وسيطرتنا.."

وبالنظر إلى ضخامة الدراسات وأوراق العمل المقدمة إلى المؤتمر، تشكلت لجنة للمتابعة سميت بلجنة الاستعمار.

نظمت اللجنة "استفتاءات شملت الجامعات البريطانية والفرنسية التي ردّت على التساؤلات المطروحة، بأجوبة مفصلة شملت اتصالات اللجنة المفكرين والباحثين وأصحاب السلطة في حكومات الدول الغربية إضافة إلى كبار الرأسماليين والسياسيين.

أنهت اللجنة أعمالها في العام 1907 وقدمت توصياتها إلى المؤتمر. خرج المؤتمر بوثيقة سرّية سميت "وثيقة كامبل" أو "تقرير كامبل" أو توصية مؤتمر لندن لعام 1907". (د.سلطان الجاسم فلسفة التاريخ ص62)

التقرير استراتيجي بكل معنى الكلمة ولمّا يزل معتماً عليه فلم ينشره مصدروه ولم يفرج عنه بشكل نهائي وقد مضى قرابة قرن على إصداره.

تحدث بعض الباحثين عن الإفراج عن التقرير، فالأستاذ محمد حسين هيكل – المعروف بدقة مصادره – أورد في كتابه "المفاوضات السرّية وإسرائيل" التوصية النهائية للتقرير تحت عنوان: " وصية بنرمان."

"والباحث المحامي انطون سليم كنعان أشار إلى التقرير في محاضرة له بعنوان "فلسطين والقانون" ألقاها سنة 1949 في كل من جامعتي فلورينو وباريس، وقد استند في معلوماته إلى مصادر إيطالية

وقد نشر اتحاد المحامين العرب المحاضرة ضمن منشوراته التي غطت أنشطة مؤتمره الثالث الذي انعقد في دمشق 21-25 أيلول 1957 ص 457-489

وقد أشار إلى التقرير الدكتور مسعود الضاهر (أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر في الجامعة اللبنانية) وردود الفعل العربي عليه وذلك ضمن بحثه المنشور في مجلة "البحث التاريخي "السورية العدد7 لعام 2003 .

وقد أشار الدكتور جاسم سلطان في كتابه "إدارة فلسفة التاريخ" إلى الإفراج عن التقرير لمدة أسبوعين فقط ثم أعيد خوفاً من آثاره الممتدة.

إلاّ أن أهم المراكز البحثية التي نشرت التقرير هي وزارة الإرشاد القومي في مصر إذ تضمن ملف وثائق فلسطين من عام 637م- إلى عام 1949 التقرير تحت عنوان: توصية مؤتمر لندن المسمى مؤتمر كامبل سنة 1907:

وفيما يلي نص التوصية:

"إن إقامة حاجز بشري قوي غريب على الجسر البري الذي يربط أوروبا بالعالم القديم ويربطهما معاً بالبحر الأبيض المتوسط بحيث يشكل في هذه المنطقة وعلى مقربة من قناة السويس قوة عدوة لشعب المنطقة وصديقة للدول الأوروبية ومصالحها. هو التنفيذ العملي العاجل للوسائل والسبل المقترحة".

وبالرغم من وفرة المصادر التي تؤكد صدور هذا التقرير أو هذه الوثيقة، إلا أن عدم الإفراج عنه بشكل نهائي كما أشرنا، جعل بعض المؤرخين والباحثين يشكك وجوده فعلاً أم أنه من إبداع الخيال، وكان من المفترض أن تقوم مراكز الأبحاث الفلسطينية والموسوعة الفلسطينية، بدراسته والحديث عنه، وهذا الذي لم يتحقق.

والبحث الذي نحن بصدده، يعرض إلى الوثيقة كما وردت في المصادر المتعددة، ومناقشتها استناداً إلى المنظومات القيمية للغرب، بخلفياتها التاريخية وأصولها الفلسفية، كما يتعرض إلى الممارسات الاستعمارية للغرب قبل وخلال السياق الزمني الذي أعدّت فيه هذه الوثيقة. "

وثيقة كامبل

"الوثيقة هي استراتيجية أوروبية لضمان سيادة الحضارة الغربية وطول أمدها: لذلك فهي ترى العالم من خلال ثلاث مساحات:

المساحة الأولى: تتكون من الوحدات التي تقع في المنظومة المسيحية الغربية، وتقرر الوثيقة أن من واجب بريطانيا تجاه هذه المساحة من الحضارة – على أي حالٍ من الأحوال- ألا تكون السيادة على العالم خارج إطارها. أي أن هذه المنظومة الحضارية هي التي تسيطر على العالم ويظل زمام الأمور بيدها.

فإذا كانت أي حضارة لا شك ستنتهي بحسب نظرة فلسفة التاريخ – فإنها يجب أن تضمن أن وريث هذه الحضارة من نفس المساحة ومن جوهر المنظومة الغربية.

المساحة الثانية: وهي الحضارة الصفراء التي لم تتناقص مع الحضارة الغربية من الناحية القيمية لكنها قد تختلف معها في حساب المصالح.

وهذه الحضارة يمكن التعامل معها والتعاطي معها تجارياً ويمكن غزوها ثقافياً لهشاشة منظوماتها القيمية ومن ثم فالتعامل معها يعتمد على الجانب المصلحي للكتلة المسيحية الغربية من العالم.

أما المساحة الثالثة: فهي البقعة الخضراء أو الحضارة الخضراء فهذه المساحة من الأرض، تحتوي على منظومة قيمية منافسة للمنظومة الغربية، صارعتها في مناطق كثيرة وأخرجتها من مناطق كثيرة ومن واجب الحضارة الغربية المسيحية أخذ احتياجاتها وإجراءاتها لمنع أي تقدم محتمل لهذه المنظومة الحضارية أو إحدى دولها لأنها مهددة للنظام القيمي الغربي.

وفي الإجراءات التي تتخذ مع هذه المساحة الثالثة (الحضارة التي تتناقص مع الغرب) تقترح هذه الوثيقة ثلاثة إجراءات رئيسية:

أولاً: حرمان دولة المساحة الخضراء من المعرفة والتقنية أو ضبط حدود المعرفة.

ثانياً: إيجاد أو تعزيز مشاكل حدودية متعلقة بهذه الدول.

ثالثاً: تكوين أو دعم الأقليات بحيث لا يستقيم النسيج الاجتماعي لهذه الدول ويظل مرهوناً بالمحيط الخارجي". (د.سلطان الجاسم فلسفة التاريخ ص62 وما بعدها)

لم تأت "وثيقة كامبل" من فراغ، فالغرب الاستعماري كان يعدّ لاطروحة تمثل مراجعة شاملة لتاريخه وتاريخ العالم وعلاقاته الصدامية المستمرة مع العرب والمسلمين.

الوثيقة تمثل مراجعة نقدية للمفاهيم العلمية والمعرفية والقيمية التي بنى عليها تفوقه وذلك من أجل الاستمرار في بناء قدراته وتجاوز أزماته ووضع القواعد المستقبلية للتعامل مع الشعوب الأخرى في العالم حتى تبقى تحت سيطرته ونفوذه وفي حقل تأثيره المعرفي.

كانت أبرز الدراسات المطروحة على جدول أعمال المؤتمر منصبة على تفحص اللحظات الحاسمة في الصدام مع شرقنا العربي الإسلامي والتحولات الحاسمة الكبرى في منظوماته القيمية ونوجز ذلك فيما يلي:

أولاً: في حملات الفرنجة (الصليبيين):

خاض الغرب تحت رايات الشعارات الدينية المضللة أشرس الحملات في محاولة منه للسيطرة على عالمنا الغني باءت في محصلتها النهائية إلى الفشل وكانت اللحظة الحاسمة فيها عند أسوار عكا.

"الزمان: كان قبل سبعمئة سنة، بالضبط في صباح 18 مايو/ أيار 1291 ميلادية.

المكان: مدينة عكا بأسوارها الدهرية ، حيث انتصر الجيش المملوكي الإسلامي وألقى في البحر آخر جندي فرنجي" (شاكر مصطفى : حكاية الصليبيات في ثلاثة تواريخ : الجمعية التاريخية 1991 ص142)

الغرب على لسان المتحدثين بالمؤتمر، يرفض العودة إلى الشرق، تحت هذه الشعارات، ولايريد التكرار للمشهد الفاجعة بالنسبة إليه.

ثانياً: في البحث عن إسرائيل القديمة:

" ما إن تلاشت أصداء آخر حملة صليبية على بلاد الشام ومصر حتى عاد الغرب بدءاً من القرن السابع عشر يعدّ العدّة لغزو المنطقة بأفكار جديدة أخطرها على الإطلاق : فكرة إعادة اليهود. هذه الفكرة وجدت غذاءها الفكري في النظرية الألفية . أخذت هذه النظرية اسمها من كلمة "خلياس" اليونانية بمعنى ألف.

(الدكتور صالح حمارنة-الجمعية التاريخية 1991 ص21)

تتمحور هذه النظرية حول عودة وتملك المسيح أورشليم بعد الألف".

من هذه الفكرة، وفكرة مكملة لها، أراد منها لوثر وتلاميذه أن يضعوا حداً للتفرقة العنصرية ضد اليهود أعاد طرح المسألة طرحاً لاهوتياً من خلال السؤال: ما موقع اليهود في المشروع الإلهي؟

المركزية الأوروبية وجدت في هذه الأفكار حصان طروادة من أجل غزو الشرق بذريعة تنطلي على الكثير ممن لا علم لهم بالتاريخ ومجرياته. وهكذا بدأ الغرب بتوظيف أدواته المعرفية وأهمها الاستشراق من أجل البحث عن "إسرائيل القديمة" بوصفه مشروعاً معرفياً يؤسس لطور جديد للحضارة الغربية يرتكز على قراءة حرفية لنصوص التوراة.

هذه القراءة الحرفية تربط اليهود بأرض فلسطين على أنهم ورثة الوعد الإلهي، ومن ثم فالمسألة التي تدّعى هي الصهيونية بمعنى العودة إلى فلسطين بمفهوم متعصب يحلّ دولة إسرائيل محل إله إسرائيل.

لقد كانت هذه القراءة نقيض وجهة نظر المذهب الرسمي للكنيسة بحسب القديس أوغسطين في القرن الخامس الميلادي من أن ما ورد في العهد القديم بشأن مملكة الله إسرائيل قائم في السماء وليس على الأرض، ومن ثم فإن القدس وصهيون ليسا مكانين محددين على الأرض للسكان اليهود أو السكن لليهود ولكنهما مكانان سماويان مفتوحان أمام كل المؤمنين بالله.

وثيقة كامبل باعتمادها فكرة إقامة الحاجز البشري الغريب من اليهود على أرض فلسطين، تكون قد التقت عبر لحظة حاسمة أخرى، في التأسيس لتحول الغرب إلى منشئٍ لمنظومة قيمية جديدة تستثمر اليهودية وإسرائيل، من أجل أغراضه الاستعمارية والأهم من ذلك انجراف مراكز السلطة في الغرب إلى الحديث عن اليهودية وإسرائيل على أنها منشأ الحضارة الغربية ومصدرها الأخلاقي.

لذلك كان استكشاف مصر وإقامة دولة إسرائيل على أرض فلسطين عنواناً لأول غزو غربي يقوم به نابليون عام 1799 ميلادية، ولغرض السيطرة على طرق العبور إلى الشرق.

ثالثاً: بناء القدرات وتجاوز الأزمات:

تداول مؤتمر كامبل مراجعة شاملة لقضايا النهوض العلمي والتقدم في المعرفة بالتأكيد على التوجهات الفكرية الداعية إلى التحول إلى العقلنة (ديكارت ، فولتير) وإحلال الإنسان في الموقع المركزي الكوني.

لكن بالمقابل أوجب على الحضارة الغربية أخذ الاحتياطات والإجراءات لمنع أي تقدم محتمل ليقعتنا الخضراء – لأنها تهدد منظومته الحضارية الغربية.

و باتباع الغرب لمنهاج تاريخي محرف، وتفسير مغلوط للأحداث والمكونات والتراث، واجه العالم خلال قرون عديدة، قوانين جائرة عصفت بموارده وأمنه الاجتماعي والحضاري.

وأبرز هذه القوانين:

1- قانون التفوق وهو ما كرسته العنصرية بما يسمح بتقسيم البشر وتصنيفهم إلى سادة وعبيد، وأن الجنس الأبيض الذي يشكل الساده حمله الله عبء الرسالة الحضارية.

2- قانون المصلحة ويعني أنه ليس هناك من ثوابت قيمية وإنما هناك مصالح، فما يخدم الاستعمار في لحظة يجب التمسك به وإذا تعارض مع المصلحة في لحظة أخرى فلا بأس من تركه.

3- قانون السيطرة ويعني التحكم وفرض الإرادة بما يخدم المصلحة وانعكست هذه القوانين على الشرق استعماراً وحشياً مقيتا لأن الشرق في حكم الغرب، "ينتمي إلى عرق محكوم لذلك ينبغي له أن يُحكم".

لكن أخطر ما تداوله مؤتمر كامبل، مفهوم الوعي النقدي الضدي كامتداد لحقل المعرفة والعقلنة.

هذا المفهوم أخذ مساره في حقل فلسفة التاريخ على شكل رؤية لبناء المجتمعات ونمو الحياة البشرية، أخذ بها هيجل (1770م – 1831م) وتتلخص في أن كل المجتمعات تحتاج إلى أن تجدد أفكارها، وأن تجد الأفكار حرّية واسعة تستطيع فيها أن تمارس دورها في تطوير المجتمعات من خلال الأفكار المتناقضة وصراع الأفكار الذي يولد الأفكار الجديدة ويحقق نمو الحياة البشرية. هذا المفهوم يسمح بتداوله في المجتمعات الغربية لكنه خط أحمر ومحرم على المجتمعات الأخرى في شرقنا لاسيما شرقنا العربي والإسلامي.

"وهكذا تمكن الغرب من خلال ممارسته لهذا المفهوم وامتلاكه لثنائية المعرفة والسلطة من تجاوز أزماته المستمرة من ديكارت وحتى اليوم" بينما استمر الشرق في تراجعه النسبي وغير قادر على إدارة أزماته وهذا ما جعل "الثقافة الغربية متسلطة داخل أوروبا وخارجها على حدٍّ سواء".

رابعاً: العمل على استمرار تأخر المنطقة وتجزئتها إلى دول متناحرة وخلق دولة إسرائيل:

أهم ما واجه لجنة الاستعمار التي انبثقت عن مؤتمر كامبل تعقيدات العلاقات الدولية في مطلع القرن التاسع عشر، وأبرزها الوضع المضطرب لمنطقة شرق وجنوب البحر المتوسط المحكوم في معظم أجزائه من قبل الدولة العثمانية.

هذه المنطقة تشكل وحدة جغرافية للوطن العربي من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي، ووحدة تاريخية عريقة بلغة ودين مشترك، إضافة إلى ثقافة حضارية واحدة.

فمع انحسار السيطرة العثمانية على أقاليم المنطقة العربية وبروز الحركة القومية التركية، تنامت الحركات القومية الداعية إلى استقلال كل قومية على حده.

وفي ظل هذه التعقيدات، انطلقت شعارات الثورة العربية وتصاعدت الأصوات الداعية إلى الوحدة العربية وإلى امتلاك العرب لثرواتهم الطبيعية ومواردهم البشرية.

دقت لجنة الاستعمار ناقوس الخطر، فالوضع خطير ويهدد مصالح الدول الاستعمارية وكانت بريطانيا أكبر هذه الدول وأكثرها خشية من المستقبل.

كان حلّ إقامة دولة إسرائيل لليهود، مشروعاً اعتمدته المركزية الأوروبية منذ القرن السابع عشر على خلفية قراءة حرفية للعهد القديم تربط اليهود بأرض فلسطين على أنهم ورثة الوعد الإلهي، واستثمار هذه الدولة محفزاً متقدماً للغرب في هذه المنطقة، قد لاقي المعارضة من معظم التجمعات اليهودية الأوروبية لأن المصالح اليهودية كانت مع الاندماج في المجتمعات الأوروبية التي وفرت لهم ذلك خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.

أما يهود الدولة العثمانية فقد حصلوا على حقوقهم كافة إضافة إلى الرعوية العثمانية، وتمتعت جالياتهم في كافة أنحاء الدولة برخاء اقتصادي، كان له أثر بالغ، في رفض دعوة نابليون لهم بالتوجه إلى فلسطين لإقامة دولة إسرائيل لكن المستجدات الجديدة في الدولة الروسية في أعقاب أحداث عام 1882م وتعرض ملايين اليهود إلى الطرد وامتداد عمليات الطرد لتشمل بولونيا ومعظم الدول الأوروبية الشرقية، والقيود التي فرضتها الدول الأوروبية للحيلولة دون تسرب كثيف لليهود إليها، طرح على القيادات اليهودية قضية التفتيش عن وطن خاص باليهود.

الوضع اليهودي المستجد، مع وضع الدولة العثمانية في حالة الاحتضار، وضع لجنة الاستعمار أمام هذه المتغيرات والمستجدات.

أعادت لجنة الاستعمار دراسة ملفات نابليون وبالمرستون وذررائيلي الذين نادوا بإقامة كيان يهودي على أرض فلسطين يشكل حاجزاً بشرياً يعمل لخدمة الاستعمار، وكان قرارها متوافقاً مع الحل الذي نادى به أباطرة الاستعمار، وعودة لتطبيق وتنفيذ المشروع الذي نادت به، المركزية الأوروبية منذ القرن السابع عشر. وفيما يلي النص الذي اعتمد من قبل لجنة الاستعمار في هذا السبيل:

"على الدول ذات المصلحة أن تعمل على استمرار تأخر المنطقة وتجزئتها وإبقاء شعوبها مضللة جاهلة متناحرة وعلينا محاربة اتحاد هذه الشعوب وارتباطها بأي نوع من أنواع الارتباط الفكري أو الروحي أو التاريخي وإيجاد الوسائل العملية القوية لفصلها بعضها عن بعض وكوسيلة أساسية مستعجلة ولدرء الخطر توصي اللجنة بضرورة العمل على فصل الجزء الافريقي من هذه المنطقة عن جزئها الآسيوي وتقترح لذلك إقامة حاجز بشري قوي وغريب بحيث يشكل في هذه المنطقة وعلى مقربة من قناة السويس قوة صديقة للاستعمار عدوة لسكان المنطقة."

وهكذا يمكن اعتبار الجغرافية السياسية التي نشأت وفقاً لقانون إعادة تقسيم العالم ضمن مصالح المشروع الامبريالي الغربي قبل الحرب العالمية الأولى وبعدها، متوافقة مع نصوص وثيقة كامبل.

"فقد كان الرأي الغربي مجمعاً على عدم السماح للعرب وبوادر اليقظة عليهم حين التحرر من العثمانيين بأن يستعيدوا وحدتهم أي أن يعودوا إلى وضعهم الطبيعي في التاريخ لئلا تضر عودتهم هذه بالمجال الحيوي القادم لأوروبا". (د.فايز عز الدين شؤون سياسية دمشق 4/10/2007)

وبالتالي فقد نقض الاتفاق المبرم مابين الشريف حسين ومكماهون القاضي بعدم إبرام أي صلح إلا إذا كان ضمن شروطه: تحقيق حرية الشعوب وخلاصها.

عادت المركزية الأوروبية في صورتها الجديدة تعتبر أرض الوطن العربي، أرض عدو تجري عليه اتفاقيات توزيع الغتائم مما نقرؤه في اتفاقية سايكس بيكو (التسوية التاريخية) والتي جاءت كاستمرار وأول التطبيقات العملية لوثيقة كامبل.

أسس وعد بلفور 2/11/1917 قاعدة الحاجز البشري القوي الغريب على أرض فلسطين، دولة يهودية عدوة للعرب وصديقة وشريكة للغرب ومصالحه.

انصبت المناقشات خلال مؤتمر فرساي مابين أول كانون الثاني إلى 28 حزيران من عام 1919 على اختيار نظرية أو قاعدة تقام عليها أسس الهيمنة والسيطرة الغربية على العالم، وكانت تسميات الشرعية الدولية والقانون الدولي، وفي اختيار الوسائل الكفيلة باستمرار سيطرة الغرب على العالم وفقاً لوثيقة كامبل، اختيرت الوسيلة والاسم للاستعمار الجديد فأطلقوا عليه اسم الانتداب.

وقد نصت المادة 22 من الميثاق على أنواعه وطريقة تطبيقه وأهدافه التي صُنفت طبقاً للنظرية الداروينية في تسلسل الشعوب وقد كُرم العرب بإبقائهم وديعة مقدسة في عنق الحضارة الغربية، فالشعوب الأوروبية كاليونان مثلاً أعطيت الاستقلال والشعوب العربية وضعت تحت الانتداب أما الشعوب الإفريقية فقد أبقيت مصفدة بالسلاسل وتحت الاستعمار.

وقد تابع مجلس الحلفاء الأعلى التابع لمجلس عصبة الأمم إصدار القرارات التي أفضت إلى تهويد فلسطين وتجزئة الوطن العربي إلى كيانات إقليمية متعددة، وذلك ضمن نصوص الاتفاقات والمعاهدات التي صدرت عن المؤتمرات المتلاحقة سان ريمو 25/4/1920، سيفر 10/8/1920 لوزان 24/7/1923.

وبصدور القرار 181 تاريخ 29/11/1941 القاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية وإلغاء السيادة العربية على القدس، تكون منظمة الأمم المتحدة قد أكملت مسيرة الغرب الطويلة باتجاه التأسيس لدولة صهيونية، هي الجدار البشري القوي الغريب، قاعدة متقدمة للاستعمار، يزرع التجزئة ويبقى العرب في وضع مفكك جاهل متناحر.

• نشرت في مجلة "البحث التاريخي" التي تصدرها الجمعية التاريخية السورية

العدد رقم 10 لعام2008

ويمكن إيراد أسماء بعض المشاركين:

البروفيسور جيمس: مؤلف كتاب "زوال الامبراطورية الرومانية"

البروفسور لوي مادلين: مؤلف كتاب: "نشوء وزوال امبراطورية نابليون"

الأساتذة: لستر وسميث وترتخ وزهروف.

افتتح "كامبل" المؤتمر بكلمة مطولة جاء فيها:

"إن الامبراطوريات تتكون وتتسع وتقوى ثم تستقر إلى حدٍّ ما ثم تنحل رويداً رويداً ثم تزول والتاريخ ملئ بمثل هذه التطورات وهو لا يتغير بالنسبة لكل نهضة ولكل أمة، فهناك امبراطوريات : روما، أثينا، الهند والصين وقبلها بابل وآشور والفراعنة وغيرهم.

فهل لديكم أسباب أو وسائل يمكن أن تحول دون سقوط الاستعمار الأوروبي وانهياره أو تؤخر مصيره ؟

وقد بلغ الآن الذروة وأصبحت أوروبا قارة قديمة استنفدت مواردها وشاخت مصالحها، بينما لا يزال العالم الآخر في صرح شبابه يتطلع إلى المزيد من العلم والتنظيم والرفاهية، هذه هي مهمتكم أيها السادة وعلى نجاحها يتوقف رخاؤنا وسيطرتنا.."

وبالنظر إلى ضخامة الدراسات وأوراق العمل المقدمة إلى المؤتمر، تشكلت لجنة للمتابعة سميت بلجنة الاستعمار.

نظمت اللجنة "استفتاءات شملت الجامعات البريطانية والفرنسية التي ردّت على التساؤلات المطروحة، بأجوبة مفصلة شملت اتصالات اللجنة المفكرين والباحثين وأصحاب السلطة في حكومات الدول الغربية إضافة إلى كبار الرأسماليين والسياسيين.

أنهت اللجنة أعمالها في العام 1907 وقدمت توصياتها إلى المؤتمر. خرج المؤتمر بوثيقة سرّية سميت "وثيقة كامبل" أو "تقرير كامبل" أو توصية مؤتمر لندن لعام 1907". (د.سلطان الجاسم فلسفة التاريخ ص62)

التقرير استراتيجي بكل معنى الكلمة ولمّا يزل معتماً عليه فلم ينشره مصدروه ولم يفرج عنه بشكل نهائي وقد مضى قرابة قرن على إصداره.

تحدث بعض الباحثين عن الإفراج عن التقرير، فالأستاذ محمد حسين هيكل – المعروف بدقة مصادره – أورد في كتابه "المفاوضات السرّية وإسرائيل" التوصية النهائية للتقرير تحت عنوان: " وصية بنرمان."

"والباحث المحامي انطون سليم كنعان أشار إلى التقرير في محاضرة له بعنوان "فلسطين والقانون" ألقاها سنة 1949 في كل من جامعتي فلورينو وباريس، وقد استند في معلوماته إلى مصادر إيطالية

وقد نشر اتحاد المحامين العرب المحاضرة ضمن منشوراته التي غطت أنشطة مؤتمره الثالث الذي انعقد في دمشق 21-25 أيلول 1957 ص 457-489

وقد أشار إلى التقرير الدكتور مسعود الضاهر (أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر في الجامعة اللبنانية) وردود الفعل العربي عليه وذلك ضمن بحثه المنشور في مجلة "البحث التاريخي "السورية العدد7 لعام 2003 .

وقد أشار الدكتور جاسم سلطان في كتابه "إدارة فلسفة التاريخ" إلى الإفراج عن التقرير لمدة أسبوعين فقط ثم أعيد خوفاً من آثاره الممتدة.

إلاّ أن أهم المراكز البحثية التي نشرت التقرير هي وزارة الإرشاد القومي في مصر إذ تضمن ملف وثائق فلسطين من عام 637م- إلى عام 1949 التقرير تحت عنوان: توصية مؤتمر لندن المسمى مؤتمر كامبل سنة 1907:

وفيما يلي نص التوصية:

"إن إقامة حاجز بشري قوي غريب على الجسر البري الذي يربط أوروبا بالعالم القديم ويربطهما معاً بالبحر الأبيض المتوسط بحيث يشكل في هذه المنطقة وعلى مقربة من قناة السويس قوة عدوة لشعب المنطقة وصديقة للدول الأوروبية ومصالحها. هو التنفيذ العملي العاجل للوسائل والسبل المقترحة".

وبالرغم من وفرة المصادر التي تؤكد صدور هذا التقرير أو هذه الوثيقة، إلا أن عدم الإفراج عنه بشكل نهائي كما أشرنا، جعل بعض المؤرخين والباحثين يشكك وجوده فعلاً أم أنه من إبداع الخيال، وكان من المفترض أن تقوم مراكز الأبحاث الفلسطينية والموسوعة الفلسطينية، بدراسته والحديث عنه، وهذا الذي لم يتحقق.

والبحث الذي نحن بصدده، يعرض إلى الوثيقة كما وردت في المصادر المتعددة، ومناقشتها استناداً إلى المنظومات القيمية للغرب، بخلفياتها التاريخية وأصولها الفلسفية، كما يتعرض إلى الممارسات الاستعمارية للغرب قبل وخلال السياق الزمني الذي أعدّت فيه هذه الوثيقة. "

وثيقة كامبل

"الوثيقة هي استراتيجية أوروبية لضمان سيادة الحضارة الغربية وطول أمدها: لذلك فهي ترى العالم من خلال ثلاث مساحات:

المساحة الأولى: تتكون من الوحدات التي تقع في المنظومة المسيحية الغربية، وتقرر الوثيقة أن من واجب بريطانيا تجاه هذه المساحة من الحضارة – على أي حالٍ من الأحوال- ألا تكون السيادة على العالم خارج إطارها. أي أن هذه المنظومة الحضارية هي التي تسيطر على العالم ويظل زمام الأمور بيدها.

فإذا كانت أي حضارة لا شك ستنتهي بحسب نظرة فلسفة التاريخ – فإنها يجب أن تضمن أن وريث هذه الحضارة من نفس المساحة ومن جوهر المنظومة الغربية.

المساحة الثانية: وهي الحضارة الصفراء التي لم تتناقص مع الحضارة الغربية من الناحية القيمية لكنها قد تختلف معها في حساب المصالح.

وهذه الحضارة يمكن التعامل معها والتعاطي معها تجارياً ويمكن غزوها ثقافياً لهشاشة منظوماتها القيمية ومن ثم فالتعامل معها يعتمد على الجانب المصلحي للكتلة المسيحية الغربية من العالم.

أما المساحة الثالثة: فهي البقعة الخضراء أو الحضارة الخضراء فهذه المساحة من الأرض، تحتوي على منظومة قيمية منافسة للمنظومة الغربية، صارعتها في مناطق كثيرة وأخرجتها من مناطق كثيرة ومن واجب الحضارة الغربية المسيحية أخذ احتياجاتها وإجراءاتها لمنع أي تقدم محتمل لهذه المنظومة الحضارية أو إحدى دولها لأنها مهددة للنظام القيمي الغربي.

وفي الإجراءات التي تتخذ مع هذه المساحة الثالثة (الحضارة التي تتناقص مع الغرب) تقترح هذه الوثيقة ثلاثة إجراءات رئيسية:

أولاً: حرمان دولة المساحة الخضراء من المعرفة والتقنية أو ضبط حدود المعرفة.

ثانياً: إيجاد أو تعزيز مشاكل حدودية متعلقة بهذه الدول.

ثالثاً: تكوين أو دعم الأقليات بحيث لا يستقيم النسيج الاجتماعي لهذه الدول ويظل مرهوناً بالمحيط الخارجي". (د.سلطان الجاسم فلسفة التاريخ ص62 وما بعدها)

لم تأت "وثيقة كامبل" من فراغ، فالغرب الاستعماري كان يعدّ لاطروحة تمثل مراجعة شاملة لتاريخه وتاريخ العالم وعلاقاته الصدامية المستمرة مع العرب والمسلمين.

الوثيقة تمثل مراجعة نقدية للمفاهيم العلمية والمعرفية والقيمية التي بنى عليها تفوقه وذلك من أجل الاستمرار في بناء قدراته وتجاوز أزماته ووضع القواعد المستقبلية للتعامل مع الشعوب الأخرى في العالم حتى تبقى تحت سيطرته ونفوذه وفي حقل تأثيره المعرفي.

كانت أبرز الدراسات المطروحة على جدول أعمال المؤتمر منصبة على تفحص اللحظات الحاسمة في الصدام مع شرقنا العربي الإسلامي والتحولات الحاسمة الكبرى في منظوماته القيمية ونوجز ذلك فيما يلي:

أولاً: في حملات الفرنجة (الصليبيين):

خاض الغرب تحت رايات الشعارات الدينية المضللة أشرس الحملات في محاولة منه للسيطرة على عالمنا الغني باءت في محصلتها النهائية إلى الفشل وكانت اللحظة الحاسمة فيها عند أسوار عكا.

"الزمان: كان قبل سبعمئة سنة، بالضبط في صباح 18 مايو/ أيار 1291 ميلادية.

المكان: مدينة عكا بأسوارها الدهرية ، حيث انتصر الجيش المملوكي الإسلامي وألقى في البحر آخر جندي فرنجي" (شاكر مصطفى : حكاية الصليبيات في ثلاثة تواريخ : الجمعية التاريخية 1991 ص142)

الغرب على لسان المتحدثين بالمؤتمر، يرفض العودة إلى الشرق، تحت هذه الشعارات، ولايريد التكرار للمشهد الفاجعة بالنسبة إليه.

ثانياً: في البحث عن إسرائيل القديمة:

" ما إن تلاشت أصداء آخر حملة صليبية على بلاد الشام ومصر حتى عاد الغرب بدءاً من القرن السابع عشر يعدّ العدّة لغزو المنطقة بأفكار جديدة أخطرها على الإطلاق : فكرة إعادة اليهود. هذه الفكرة وجدت غذاءها الفكري في النظرية الألفية . أخذت هذه النظرية اسمها من كلمة "خلياس" اليونانية بمعنى ألف.

(الدكتور صالح حمارنة-الجمعية التاريخية 1991 ص21)

تتمحور هذه النظرية حول عودة وتملك المسيح أورشليم بعد الألف".

من هذه الفكرة، وفكرة مكملة لها، أراد منها لوثر وتلاميذه أن يضعوا حداً للتفرقة العنصرية ضد اليهود أعاد طرح المسألة طرحاً لاهوتياً من خلال السؤال: ما موقع اليهود في المشروع الإلهي؟

المركزية الأوروبية وجدت في هذه الأفكار حصان طروادة من أجل غزو الشرق بذريعة تنطلي على الكثير ممن لا علم لهم بالتاريخ ومجرياته. وهكذا بدأ الغرب بتوظيف أدواته المعرفية وأهمها الاستشراق من أجل البحث عن "إسرائيل القديمة" بوصفه مشروعاً معرفياً يؤسس لطور جديد للحضارة الغربية يرتكز على قراءة حرفية لنصوص التوراة.

هذه القراءة الحرفية تربط اليهود بأرض فلسطين على أنهم ورثة الوعد الإلهي، ومن ثم فالمسألة التي تدّعى هي الصهيونية بمعنى العودة إلى فلسطين بمفهوم متعصب يحلّ دولة إسرائيل محل إله إسرائيل.

لقد كانت هذه القراءة نقيض وجهة نظر المذهب الرسمي للكنيسة بحسب القديس أوغسطين في القرن الخامس الميلادي من أن ما ورد في العهد القديم بشأن مملكة الله إسرائيل قائم في السماء وليس على الأرض، ومن ثم فإن القدس وصهيون ليسا مكانين محددين على الأرض للسكان اليهود أو السكن لليهود ولكنهما مكانان سماويان مفتوحان أمام كل المؤمنين بالله.

وثيقة كامبل باعتمادها فكرة إقامة الحاجز البشري الغريب من اليهود على أرض فلسطين، تكون قد التقت عبر لحظة حاسمة أخرى، في التأسيس لتحول الغرب إلى منشئٍ لمنظومة قيمية جديدة تستثمر اليهودية وإسرائيل، من أجل أغراضه الاستعمارية والأهم من ذلك انجراف مراكز السلطة في الغرب إلى الحديث عن اليهودية وإسرائيل على أنها منشأ الحضارة الغربية ومصدرها الأخلاقي.

لذلك كان استكشاف مصر وإقامة دولة إسرائيل على أرض فلسطين عنواناً لأول غزو غربي يقوم به نابليون عام 1799 ميلادية، ولغرض السيطرة على طرق العبور إلى الشرق.

ثالثاً: بناء القدرات وتجاوز الأزمات:

تداول مؤتمر كامبل مراجعة شاملة لقضايا النهوض العلمي والتقدم في المعرفة بالتأكيد على التوجهات الفكرية الداعية إلى التحول إلى العقلنة (ديكارت ، فولتير) وإحلال الإنسان في الموقع المركزي الكوني.

لكن بالمقابل أوجب على الحضارة الغربية أخذ الاحتياطات والإجراءات لمنع أي تقدم محتمل ليقعتنا الخضراء – لأنها تهدد منظومته الحضارية الغربية.

و باتباع الغرب لمنهاج تاريخي محرف، وتفسير مغلوط للأحداث والمكونات والتراث، واجه العالم خلال قرون عديدة، قوانين جائرة عصفت بموارده وأمنه الاجتماعي والحضاري.

وأبرز هذه القوانين:

1- قانون التفوق وهو ما كرسته العنصرية بما يسمح بتقسيم البشر وتصنيفهم إلى سادة وعبيد، وأن الجنس الأبيض الذي يشكل الساده حمله الله عبء الرسالة الحضارية.

2- قانون المصلحة ويعني أنه ليس هناك من ثوابت قيمية وإنما هناك مصالح، فما يخدم الاستعمار في لحظة يجب التمسك به وإذا تعارض مع المصلحة في لحظة أخرى فلا بأس من تركه.

3- قانون السيطرة ويعني التحكم وفرض الإرادة بما يخدم المصلحة وانعكست هذه القوانين على الشرق استعماراً وحشياً مقيتا لأن الشرق في حكم الغرب، "ينتمي إلى عرق محكوم لذلك ينبغي له أن يُحكم".

لكن أخطر ما تداوله مؤتمر كامبل، مفهوم الوعي النقدي الضدي كامتداد لحقل المعرفة والعقلنة.

هذا المفهوم أخذ مساره في حقل فلسفة التاريخ على شكل رؤية لبناء المجتمعات ونمو الحياة البشرية، أخذ بها هيجل (1770م – 1831م) وتتلخص في أن كل المجتمعات تحتاج إلى أن تجدد أفكارها، وأن تجد الأفكار حرّية واسعة تستطيع فيها أن تمارس دورها في تطوير المجتمعات من خلال الأفكار المتناقضة وصراع الأفكار الذي يولد الأفكار الجديدة ويحقق نمو الحياة البشرية. هذا المفهوم يسمح بتداوله في المجتمعات الغربية لكنه خط أحمر ومحرم على المجتمعات الأخرى في شرقنا لاسيما شرقنا العربي والإسلامي.

"وهكذا تمكن الغرب من خلال ممارسته لهذا المفهوم وامتلاكه لثنائية المعرفة والسلطة من تجاوز أزماته المستمرة من ديكارت وحتى اليوم" بينما استمر الشرق في تراجعه النسبي وغير قادر على إدارة أزماته وهذا ما جعل "الثقافة الغربية متسلطة داخل أوروبا وخارجها على حدٍّ سواء".

رابعاً: العمل على استمرار تأخر المنطقة وتجزئتها إلى دول متناحرة وخلق دولة إسرائيل:

أهم ما واجه لجنة الاستعمار التي انبثقت عن مؤتمر كامبل تعقيدات العلاقات الدولية في مطلع القرن التاسع عشر، وأبرزها الوضع المضطرب لمنطقة شرق وجنوب البحر المتوسط المحكوم في معظم أجزائه من قبل الدولة العثمانية.

هذه المنطقة تشكل وحدة جغرافية للوطن العربي من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي، ووحدة تاريخية عريقة بلغة ودين مشترك، إضافة إلى ثقافة حضارية واحدة.

فمع انحسار السيطرة العثمانية على أقاليم المنطقة العربية وبروز الحركة القومية التركية، تنامت الحركات القومية الداعية إلى استقلال كل قومية على حده.

وفي ظل هذه التعقيدات، انطلقت شعارات الثورة العربية وتصاعدت الأصوات الداعية إلى الوحدة العربية وإلى امتلاك العرب لثرواتهم الطبيعية ومواردهم البشرية.

دقت لجنة الاستعمار ناقوس الخطر، فالوضع خطير ويهدد مصالح الدول الاستعمارية وكانت بريطانيا أكبر هذه الدول وأكثرها خشية من المستقبل.

كان حلّ إقامة دولة إسرائيل لليهود، مشروعاً اعتمدته المركزية الأوروبية منذ القرن السابع عشر على خلفية قراءة حرفية للعهد القديم تربط اليهود بأرض فلسطين على أنهم ورثة الوعد الإلهي، واستثمار هذه الدولة محفزاً متقدماً للغرب في هذه المنطقة، قد لاقي المعارضة من معظم التجمعات اليهودية الأوروبية لأن المصالح اليهودية كانت مع الاندماج في المجتمعات الأوروبية التي وفرت لهم ذلك خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.

أما يهود الدولة العثمانية فقد حصلوا على حقوقهم كافة إضافة إلى الرعوية العثمانية، وتمتعت جالياتهم في كافة أنحاء الدولة برخاء اقتصادي، كان له أثر بالغ، في رفض دعوة نابليون لهم بالتوجه إلى فلسطين لإقامة دولة إسرائيل لكن المستجدات الجديدة في الدولة الروسية في أعقاب أحداث عام 1882م وتعرض ملايين اليهود إلى الطرد وامتداد عمليات الطرد لتشمل بولونيا ومعظم الدول الأوروبية الشرقية، والقيود التي فرضتها الدول الأوروبية للحيلولة دون تسرب كثيف لليهود إليها، طرح على القيادات اليهودية قضية التفتيش عن وطن خاص باليهود.

الوضع اليهودي المستجد، مع وضع الدولة العثمانية في حالة الاحتضار، وضع لجنة الاستعمار أمام هذه المتغيرات والمستجدات.

أعادت لجنة الاستعمار دراسة ملفات نابليون وبالمرستون وذررائيلي الذين نادوا بإقامة كيان يهودي على أرض فلسطين يشكل حاجزاً بشرياً يعمل لخدمة الاستعمار، وكان قرارها متوافقاً مع الحل الذي نادى به أباطرة الاستعمار، وعودة لتطبيق وتنفيذ المشروع الذي نادت به، المركزية الأوروبية منذ القرن السابع عشر. وفيما يلي النص الذي اعتمد من قبل لجنة الاستعمار في هذا السبيل:

"على الدول ذات المصلحة أن تعمل على استمرار تأخر المنطقة وتجزئتها وإبقاء شعوبها مضللة جاهلة متناحرة وعلينا محاربة اتحاد هذه الشعوب وارتباطها بأي نوع من أنواع الارتباط الفكري أو الروحي أو التاريخي وإيجاد الوسائل العملية القوية لفصلها بعضها عن بعض وكوسيلة أساسية مستعجلة ولدرء الخطر توصي اللجنة بضرورة العمل على فصل الجزء الافريقي من هذه المنطقة عن جزئها الآسيوي وتقترح لذلك إقامة حاجز بشري قوي وغريب بحيث يشكل في هذه المنطقة وعلى مقربة من قناة السويس قوة صديقة للاستعمار عدوة لسكان المنطقة."

وهكذا يمكن اعتبار الجغرافية السياسية التي نشأت وفقاً لقانون إعادة تقسيم العالم ضمن مصالح المشروع الامبريالي الغربي قبل الحرب العالمية الأولى وبعدها، متوافقة مع نصوص وثيقة كامبل.

"فقد كان الرأي الغربي مجمعاً على عدم السماح للعرب وبوادر اليقظة عليهم حين التحرر من العثمانيين بأن يستعيدوا وحدتهم أي أن يعودوا إلى وضعهم الطبيعي في التاريخ لئلا تضر عودتهم هذه بالمجال الحيوي القادم لأوروبا". (د.فايز عز الدين شؤون سياسية دمشق 4/10/2007)

وبالتالي فقد نقض الاتفاق المبرم مابين الشريف حسين ومكماهون القاضي بعدم إبرام أي صلح إلا إذا كان ضمن شروطه: تحقيق حرية الشعوب وخلاصها.

عادت المركزية الأوروبية في صورتها الجديدة تعتبر أرض الوطن العربي، أرض عدو تجري عليه اتفاقيات توزيع الغتائم مما نقرؤه في اتفاقية سايكس بيكو (التسوية التاريخية) والتي جاءت كاستمرار وأول التطبيقات العملية لوثيقة كامبل.

أسس وعد بلفور 2/11/1917 قاعدة الحاجز البشري القوي الغريب على أرض فلسطين، دولة يهودية عدوة للعرب وصديقة وشريكة للغرب ومصالحه.

انصبت المناقشات خلال مؤتمر فرساي مابين أول كانون الثاني إلى 28 حزيران من عام 1919 على اختيار نظرية أو قاعدة تقام عليها أسس الهيمنة والسيطرة الغربية على العالم، وكانت تسميات الشرعية الدولية والقانون الدولي، وفي اختيار الوسائل الكفيلة باستمرار سيطرة الغرب على العالم وفقاً لوثيقة كامبل، اختيرت الوسيلة والاسم للاستعمار الجديد فأطلقوا عليه اسم الانتداب.

وقد نصت المادة 22 من الميثاق على أنواعه وطريقة تطبيقه وأهدافه التي صُنفت طبقاً للنظرية الداروينية في تسلسل الشعوب وقد كُرم العرب بإبقائهم وديعة مقدسة في عنق الحضارة الغربية، فالشعوب الأوروبية كاليونان مثلاً أعطيت الاستقلال والشعوب العربية وضعت تحت الانتداب أما الشعوب الإفريقية فقد أبقيت مصفدة بالسلاسل وتحت الاستعمار.

وقد تابع مجلس الحلفاء الأعلى التابع لمجلس عصبة الأمم إصدار القرارات التي أفضت إلى تهويد فلسطين وتجزئة الوطن العربي إلى كيانات إقليمية متعددة، وذلك ضمن نصوص الاتفاقات والمعاهدات التي صدرت عن المؤتمرات المتلاحقة سان ريمو 25/4/1920، سيفر 10/8/1920 لوزان 24/7/1923.

وبصدور القرار 181 تاريخ 29/11/1941 القاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية وإلغاء السيادة العربية على القدس، تكون منظمة الأمم المتحدة قد أكملت مسيرة الغرب الطويلة باتجاه التأسيس لدولة صهيونية، هي الجدار البشري القوي الغريب، قاعدة متقدمة للاستعمار، يزرع التجزئة ويبقى العرب في وضع مفكك جاهل متناحر.

______________

مجلة البحث التاريخي - العدد التاسع - الجمعية التاريخية السورية في حمص
إسرائيل وأحلام تفتيت الوطن العربي

مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات
Image
إسرائيل وتفتيت العالم العربي.. حلم لا يزال قائما
الكتاب الذي بين أيدينا ليس الكتاب الأول للدكتور أحمد سعيد نوفل، الأستاذ في قسم العلوم السياسية بجامعة اليرموك في الأردن. فقد نُشرت له دراسات حول "الوطن العربي والتحديات المعاصرة"، و"مصر.. الحل السياسي وآثاره"، و"مستقبل قضية القدس من المنظور الإسرائيلي"، وغيرها.

والكتاب الجديد الذي صدر عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في إبريل/ نيسان 2007، تحت عنوان: "دور إسرائيل في تفتيت الوطن العربي"، يحاول فيه الدكتور نوفل أن يثبت من خلال دراسة أكاديمية موثقة خطورة المشروع الصهيوني، وأنه يتعدى فلسطين ليمس الأمن القومي للبلدان العربية، وأن هذا المشروع غير معني فقط بإنشاء دولة يهودية في فلسطين، وإنما يعنى أيضا بإضعاف العالم العربي وتمزيقه وتجزئته وإبقائه في دائرة التبعية والتخلف.

مطامع التقسيم قديمة

وينقسم الكتاب إلى أربعة فصول، يتحدث الفصل الأول عن المطامع الصهيونية في تمزيق العالم العربي، وهو يربطها بالمصالح الاستعمارية الغربية، إذ إن توحيد اليهود في دولة واحدة ومضمونة البقاء، لا يتحقق إلا بتمزيق المحيط العربي والإسلامي في دويلات مجزأة.

ويعود المؤلف إلى الخلفيات التاريخية للمشروع الصهيوني في فلسطين ويربط ذلك بالخلفيات الدينية والثقافية والإستراتيجية والسياسية الغربية وخصوصاً الفرنسية والبريطانية. ويشير إلى دعوة نابليون بونابرت عام 1799 لليهود بالعودة إلى فلسطين، وكيف تطور الاهتمام البريطاني بفلسطين من مواجهة محمد علي ومشاريعه في الوحدة في الفترة 1831-1840، إلى وثيقة كامبل بنرمان عام 1907 التي تحدثت عن إنشاء حاجز بشري قوي وغريب في المنطقة التي تربط آسيا بأفريقيا، بحيث يكون معادياً لأهل المنطقة، ومعتمدا على الغرب، وصولا إلى وعد بلفور عام 1917 بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.

ثم يتحدث عن خلفيات الدعم الأمريكي للكيان الإسرائيلي وإلى أي مدى بلغ التطابق الإستراتيجي في المخططات والمشاريع بينهما. ويعرض الكاتب للمشروع الخطير الذي اقترحه المؤرخ الصهيوني الأمريكي الشهير "برنارد لويس" ونشرته مجلة إكسكيوتف إنتلجنت ريسيرش بروجكت (التي تصدرها وزارة الدفاع الأمريكية) في يونيو 2003، حيث اقترح لويس تقسيم الشرق إلى أكثر من ثلاثين دويلة إثنية ومذهبية لحماية المصالح الأمريكية وإسرائيل، ويتضمن المخطط تجزئة العراق إلى ثلاث دويلات، وإيران إلى أربعة، وسوريا إلى ثلاث، والأردن إلى دويلتين، ولبنان إلى خمس دويلات، وتجزئة السعودية إلى عدة دويلات... إلخ. ويرى برنارد لويس أن كل الكيانات ستشلّها الخلافات الطائفية والمذهبية، والصراع على النفط والمياه والحدود والحكم، وهذا ما سيضمن تفوق إسرائيل في الخمسين عاما القادمة على الأقل.

إسرائيل وفلسفات التفوق العرقي

وتوقف المؤلف عند الرؤية الصهيونية الإسرائيلية للعرب والتي تأثرت بفلسفات التفوق العرقي، حيث تم تصوير الإنسان اليهودي الأوروبي بأنه "متفوق" على العربي "المتخلف"، وأنه متحضر قياسا بالعربي "المتوحش"، حتى أن هرتزل ذكر أن "قيام دولة صهيونية في فلسطين، يشكل عنصرًا أساسيًّا ومهما من عناصر مواجهة الروح الوحشية بأشكالها المختلفة السائدة في آسيا ومقاومتها". وتناول المؤلف الأدبيات اليهودية الموجودة في التوراة المحرفة والتلمود والتي تتحدث عن التفوق والتميز اليهودي، وعن احتقار الآخرين، وكيف أن الصهيونية تعدُّ العربي ممثلا للأغيار (الجوييم أو غير اليهود) الذين وصفوا في الأدبيات الصهيونية بأنهم "ذئاب، قتلة، متربصون باليهود، معادون أزليون للسامية".

ويتتبع المؤلف الأطروحات الصهيونية حول العرب بعد إنشاء الكيان الإسرائيلي وكيف يعكسها الإعلام الإسرائيلي ومناهج التعليم في المدارس. ويذكر مثلا دراسة أجراها دانيال بارتال الأستاذ في جامعة تل أبيب وشملت 124 كتابا مدرسيا، حيث وجد وصف العربي بأنه "قاسٍ، ظالم، مخادع، جبان، كاذب، متلوّن، خائن، طماع، لص، مخرّب، قاتل...". ولاحظ المؤلف أن هذه النظرة لم تتغير حتى بعد أن دخلت إسرائيل في عملية التسوية مع مصر والأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية.

ويناقش المؤلف في الفصل الثاني موقف "إسرائيل" والحركة الصهيونية من الأقليات في الوطن العربي. حيث سعت "إسرائيل" إلى تضخيم مشكلة الأقليات العرقية والدينية واستغلالها ضد أي مشروع وحدوي، وحضّها على التمرد والانفصال.

وحسب المؤلف، فإن العرب يشكلون 88% من سكان العالم العربي، أما الأقليات الأخرى فتتوزع على الأكراد والبربر والزنوج والتركمان، وهناك أقليات دينية مسيحية ويهودية. ويذكر المؤلف أن 91% من سكان العالم العربي من المسلمين (84% منهم من السنة)، و5% من مجمل السكان من العرب المسيحيين. ويلاحظ أن الجميع يتحدث العربية ويشعر بانتمائه الحضاري والثقافي للمنطقة.

إسرائيل تريد المنطقة دويلات مجزأة

ويتناول المؤلف الكثير من الأقوال والكتابات والدراسات الإسرائيلية المبنية على أساس "شد الأطراف ثم بترها"، بمعنى مد جسور العلاقة مع الأقليات، ثم جذبها خارج النطاق الوطني، ثم تشجيعها على الانفصال. وأبرز هذه الدراسات تلك الدراسة الإستراتيجية التي وضعها عوديد ينون، وقدمها لوزارتي الخارجية والدفاع الإسرائيليتين، ونشرت في فبراير 1982. ويرى ينون أن اتفاق كامب ديفيد مع مصر كان "خطيئة ارتكبتها إسرائيل"، وذكر أن إصلاح ما تسبب به الاتفاق من ضرر لإسرائيل يأتي من خلال السعي الحثيث لتجزئة مصر إلى أربع دويلات: قبطية في الشمال وعاصمتها الإسكندرية، ونوبية عاصمتها أسوان في الجنوب، ومسلمة عاصمتها القاهرة، ورابعة تحت النفوذ الإسرائيلي. وتحدث ينون عن تقسيم لبنان إلى سبعة كانتونات، والسودان إلى ثلاثة، وسوريا إلى أربعة. ودعا إلى تفتيت العراق لأن قوته تشكل على المدى القصير خطرا أكبر من أي خطر على إسرائيل. كما تحدث ينون عن تفتيت الخليج، وإذابة الأردن. وتجدر الإشارة إلى أنه في عام 1985 صدر كتاب عن رئاسة أركان الجيش الإسرائيلي، يتضمن المخططات نفسها التي جاءت في دراسة ينون.

وتحدث المؤلف عن المساعي الإسرائيلية في ضرب العراق وتفتيته، ودورها في تشجيع ومساندة أمريكا في التخطيط وفي الهجوم على العراق وإسقاط النظام الحاكم في ربيع 2003، ثم يعود ليستعرض بشكل أكثر تفصيلا المشاريع الإسرائيلية لتفتيت سوريا ولبنان والجزائر والسودان والخليج العربي، كما تطرق المؤلف إلى الحديث حول مشروع الشرق الأوسط الكبير، ومحاولات إسرائيل من خلاله اختراق المنطقة، وتذويب هويتها، والهيمنة الاقتصادية عليها.

ويناقش المؤلف في الفصل الثالث موقف الحركة الصهيونية وإسرائيل من الوحدة العربية. ويذكر أن الفكر الصهيوني القائم على إنشاء دولة إسرائيل الكبرى ذات الهوية اليهودية النقية يستلزم بقاءها الأقوى والمتفوق حضاريا في المنطقة، ويستلزم إعادة تعريف المنطقة العربية، وتقديم مشروع الوحدة العربية باعتباره مشروعا يستهدف إبادة غير العرب على الأراضي التي تسكنها الشعوب العربية.

ونبّه المؤلف إلى أن الموقف الصهيوني الإسرائيلي من الوحدة العربية يتلاقى عضويا مع الاستعمار الغربي، ويتسم بخلفية دينية تؤمن بالتفوق اليهودي على الجانب العربي، كما ينبع من اعتقاد إسرائيل بخطورة مشروع الوحدة العربية على وجودها واستمرارها.

ويستعرض المؤلف موقف إسرائيل من الوحدة بين مصر وسوريا 1958-1961، وشعورها بالخطر عليها بسبب ذلك. ويلاحظ المؤلف أن موقف إسرائيل من العرب في مرحلة التسوية لم يتغير، وأنها غير مؤهلة ولا مستعدة لتغيير موقفها، وأن مفهوم إسرائيل للتسوية يستند أساسا إلى ضمان أمنها، وبناء علاقات طبيعية مع الدول العربية، مع حرمان الفلسطينيين من معظم أرضهم وحقوقهم، بما في ذلك حقهم في العودة إلى الأرض التي طردوا منها عام 1948. كما ينبه المؤلف إلى أن إسرائيل لم تغير إستراتيجيتها في ضمان التفوق العسكري وهزيمة الدول العربية مجتمعة في أي حرب محتملة، وامتلاكها للسلاح النووي. ويشير إلى أنه في عام 2003 كان معدل الإنفاق العسكري الإسرائيلي بالنسبة لعدد السكان هو 1499 دولارا للشخص الواحد، بينما كان 34 دولارًا للشخص الواحد في مصر، و150 دولارًا في الأردن، و89 دولارًا في سوريا.

ويشرح المؤلف في الفصل الرابع الإمكانات والقدرات العربية التي تؤهلها لمواجهة المشروع الصهيوني الإسرائيلي، ويستعرض القدرات الاقتصادية العربية والإمكانات البشرية والعسكرية. ويفرد مبحثا خاصا حول أهمية فلسطين في الصراع مع الكيان الإسرائيلي، كما يفرد مبحثًا آخر حول الرفض العربي للتطبيع مع إسرائيل، ويشير إلى اتساع حملات مقاطعة البضائع الإسرائيلية والأمريكية، وإلى فشل إسرائيل في اختراق المجتمعات والشعوب العربية، وأن القطاعات الشعبية لا تزال تعد إسرائيل عدوها الأكبر والأخطر، ويتوقع المؤلف أن تستمر حالة العداء هذه ضد إسرائيل لأنها كيان قائم على الظلم واغتصاب حقوق الآخرين.

أخيرا، يتميز كتاب الدكتور نوفل بأنه يجمع بين دفتيه المئات من المعلومات والأدلة الموثقة حول المواقف والبرامج والأنشطة الصهيونية لتفتيت الوطن العربي. وربما يجد المؤلف من يعترض على دراسته بأن المشروع الصهيوني لا يستهدف العرب وحدهم، وإنما يستهدف المسلمين أيضا، ومشروع النهضة الإسلامية في المنطقة.

وعلى أي حال، فلا يجب أن يكون في الأمر تعارض لأن العرب بشكل عام هم مسلمون، وهم المحيط الطبيعي الملاصق لفلسطين والمستهدف أولا بالتجزئة والإضعاف. والمؤلف بشكل عام لا ينكر الخلفيات الدينية لدى الصهاينة، كما لا ينكر مخاطر المشروع الصهيوني على العالم الإسلامي، لكنه حاول تخصيص بحثه وتركيزه على المنطقة العربية.

تذكروا يا أولي ........ الا لباب لعل الذكرى .....؟؟؟ وثيقة المسنر كامبببببل

نشر بتاريخ : الأربعاء 14-04-2010 07:06 مساء
اتمنى ان يكون عام الفان وعشرة اخر الانقسامات والانقلابات في عالمنا العربي وخاصة ما يجري على الساحة الفلسطينية ...؟!!... ما هي وثيقة كامبل عند عودتي من الشتات الى ارض الوطن عام 1995وتحملي المسؤلية في هيئة التوجيه السياسي . عملت مفوض سياسي فييها قرءت مجموعة من الوثائقالتي تهم القضية الفلسطينية من بينها وثيقة كامبل التي جاءت بعد مؤتمر دام سنتان .
لقد أوصى مؤتمر كامبل بنرمان (المنعقد سراً في لندن خلال الفترة 1905 ـ 1907م)، ومن أجل ضمان مصالح الغرب في منطقتنا بعد إسقاط الدولة العثمانية الإسلامية دعا حزب المحافظين البريطاني سرا إلى مؤتمر يهدف إلى إيجاد آلية تحافظ على تفوق ومكاسب الدول الاستعمارية إلى أطول أمد ممكن وقدم فكرة المشروع لحزب الأحرار الحاكم آنذاك وكان الذي يرأس الحكومة هو هنري كامبل بنرمان
وبموجبه عقد المؤتمر الذي ضم الدول الاستعمارية في ذاك الوقت وهي: بريطانيا، فرنسا، هولندا، بلجيكا، اسبانيا، ايطاليا، البرتغال حيث استمرت مناقشات وجلسات المؤتمر لمدة سنتين؟؟!!
وفي نهاية المؤتمر 1907م خرجوا بوثيقة سرية سموها " وثيقة كامبل" نسبة إلى رئيس الوزراء البريطاني آنذاك هنري كامبل
وتوصلوا إلى نتيجة مفادها : "إن البحر الأبيض المتوسط هو الشريان الحيوي للاستعمار! لأنه الجسر الذي يصل الشرق بالغرب والممر الطبيعي إلى القارتين الآسيوية والأفريقية وملتقى طرق العالم ، وأيضا هو مهد الأديان والحضارات"
والإشكالية في هذا الشريان هو أنه كما ذكر في الوثيقة : " ويعيش على شواطئه الجنوبية والشرقية بوجه خاص شعب واحد تتوفر له وحدة التاريخ والدين واللسان".
ما الذي سيفعلونه لضمان سيطرتهم على البحر الأبيض المتوسط؟
أبرز ما جاء في توصيات المؤتمِرون في هذا المؤتمر والذي شارك فيه سياسيون ومفكرون وباحثون والذي استمر لمدة عامين كم ذكرنا ما يلي:
1. إبقاء شعوب هذه المنطقة مفككة جاهلة متأخرة.
وعلى هذا الأساس قاموا بتقسيم دول العالم بالنسبة إليهم إلى ثلاث فئات:
الفئة الأولى : دول الحضارة الغربية المسيحية (دول أوروبا وأمريكا الشمالية واستراليا) والواجب تجاه هذه الدول هو دعم هذه الدول ماديا وتقنيا لتصل إلى مستوى تلك الدول
الفئة الثانية : دول لا تقع ضمن الحضارة الغربية المسيحية ولكن لا يوجد تصادم حضاري معها ولا تشكل تهديدا عليها (كدول أمريكا الجنوبية واليابان وكوريا وغيرها) والواجب تجاه هذه الدول هو احتواؤها وإمكانية دعمها بالقدر الذي لا يشكل تهديدا عليها وعلى تفوقها
الفئة الثالثة: دول لا تقع ضمن الحضارة الغربية المسيحية ويوجد تصادم حضاري معها وتشكل تهديدا لتفوقها (وهي بالتحديد الدول العربية بشكل خاص والإسلامية بشكل عام) والواجب تجاه تلك الدول هو حرمانها من الدعم ومن اكتساب العلوم والمعارف التقنية وعدم دعمها في هذا المجال ومحاربة أي اتجاه من هذه الدول لامتلاك العلوم التقنية
2. ومحاربة أي توجه وحدوي فيها.
ولتحقيق ذلك دعا المؤتمر إلى إقامة دولة في فلسطين تكون بمثابة حاجز بشري قوي وغريب ومعادي يفصل الجزء الأفريقي من هذه المنطقة عن القسم الآسيوي والذي يحول دون تحقيق وحدة هذه الشعوب واعتبار قناة السويس قوة صديقة للتدخل الأجنبي وأداة معادية لسكان المنطقة وطبعا كان إقامة إسرائيل هو الخيار الأنسب (هل فهمت الآن ما هو الدور الأساسي لدولة إسرائيل)
طبعا تم الانتهاء من الوثيقة سنة 1907م وبعدها تحدث ثلاثة أحداث خطيرة:
1- اتفاقية سايكس بيكو في سنة 1916م
2- الحرب العالمية الأولى في سنة 1917م
3- وعد بلفور أيضا سنة 1917م
والآن هل فهمت ما هو دور إسرائيل في المنطقة؟ ولماذا دخلت إسرائيل منطقة سيناء؟ وما الذي تسعى إليه مستقبلا؟
وهل فهمت لماذا تدعم الدول الغربية أي اتجاه للانفصال في الدول العربية والإسلامية؟ كدعم الانفصال الكردي مثلا وهل فهمت لماذا يتم إشغال الناس والدول عن العلوم والمعرفة التقنية بأمور أخرى؟ ولماذا يتم ملاحقة العلماء في العراق مثلا أو محاربة البرنامج النووي الإسرائيلي؟ وهل استوعبت أهمية الوحدة والتقدم التقني بالنسبة إلينا نحن العرب والمسلمين؟ ربما أن معرفة خبايا هذه الوثيقة قد أجابت استفسارات كثيرة في أذهاننا.
اصبح لدينا في العصر الحالي .
ما يعرف بالاستعمار الجديد. حيث الغزو الاعلامي. اضافة الى تحويل فكرنا الى مزبلة ترمى فيها الافكار القديمة . كنظرية ميكيافيلي التي هي سارية المفعول .الحكومات العربية ميكيافيلية . اضافة الى زرع افكار خطيرة مثلا ان الغرب مرتبط بالرقي والازدهار في كل ما يقوم به ولوا لم يكن كذلك .لذلك نمعن في تقليده
فكان أن أصدر الغرب (في عام 1917م) وعد بلفور بمنح اليهود الصهاينة وطناً قومياً في فلسطين، وكان أن رعى الغرب إنشاء كيان صهيوني قائم على الاستيطان في فلسطين، لكي يجهض (أولاً بأول) أي محاولة للوحدة والنهضة في منطقتنا المستهدفة دائماً، وكان أن دأب الغرب على دعم ذلك الكيان الصهيوني، مادياً ومعنوياً، ليكون متفوقاً على كل دول المنطقة، مجتمعة، وفي كل مجال، وبحيث قدر الدعم المادي لذلك الكيان بأكثر من عشرة ملايين دولار يومياً.
وعلى صعيد الحرب اقدم هذا الكيان بعمل الحروب التالية .
1 / حرب ال 48
2 / حرب ال 67
3 / حرب ال 67
4 / حرب ال 73
5 / الاجتياح الصهيوني عام 1978
6 / احتلال لبنان عام 1982
7 / حرب 2006 للقضلء على حزب الله
8 / حرب 2008 و 2009 على غزة
والان تعد العدة لشت حرب على سوريا وايران حاولو أنتفهمول الرابط بين هذه الأحداث وبين ما جاء في وثيقة كامبل وهل فهمتم لماذا تدعم الدول الغربية أي اتجاه للانفصال في الدول العربية والإسلامية؟ كدعم الانفصال الكردي مثلا وهل فهمت لماذا يتم إشغال الناس والدول عن العلوم والمعرفة التقنية بأمور أخرى؟ ولماذا يتم ملاحقة العلماء في العراق مثلا ؟ وهل استوعبت أهمية الوحدة والتقدم التقني بالنسبة إلينا نحن العرب والمسلمين؟ ربما أن معرفة خبايا هذه الوثيقة قد أجابت استفسارات كثيرة في أذهاننا.
قال تعالى ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين"الانفال/46 و يقول سبحانه وتعالى : " ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق "
اخي الكريم انظر كيف تفكر دول الشر والكفار منذ امد في قتالنا لتعرف ان جميع الدول الاسلاميه و حكامها حاليا هم من ضمن المشروع الاستعماري لمحاربة الثورة الفلسطينية منذ ولادنها لقد أوصى مؤتمر كامبل بنرمان (المنعقد سراً في لندن ، ومن أجل ضمان مصالح الغرب في منطقتنا بعد إسقاط الدولة العثمانية الإسلامية.
فيما ينشغل العالم بمتابعة يوميات الحرب الاميركية على الارهاب في افغانستان، يغتنم القادة الاسرائيليون هذا الانشغال ليمعنوا في طمس القضية الفلسطينية من خلال ارهابهم اليومي المنظم، الذي يمارسونه في حق الشعب الفلسطيني. ولان ما يجري في العالم هو نتيجة لطمس حقوق الشعوب، تنبغي العودة الى جوهر الصراع، ولا سيما في منطقة الشرق الاوسط في ظل تعنت الكيان الاسرائيلي ورفضه الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة، وحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة والعيش في هذه الدولة.
ففي خضم الاحداث المتلاحقة دولياً، مع ما يحكى عن اعادة تحريك المفاوضات بين الحكومة الاسرائيلية والسلطة الفلسطينية، يبرز التناقض في مواقف المسؤولين الاسرائيليين: منذ تولي اول رئس على النحو التالي بن غوريون .. مائير، غولدا الوكالة اليهودية .. دايان، موشي عصابة ستيرن.. بيجن، مناحيم الهاجانا .. رابين، إسحاق جوش إمونيم.. بيريز، شمعون تي إن تي .. شامير، إسحاق.. هيرزل، ثيودور.. بنجامين، نيتانياهو ... بن جوريون، ديفيد.. باراك، إهود.. ويزمان، حاييم .. بنايمين بن اليعايزر .. هيرزوج، حاييم .. ارئيل شارون إشكول، ليفي.. عمرام متسناع..ونتن ياهو كلهم يقولون ان فكرة المفاوضات على اقامة دولة فلسطينية ليست واقعية، رافضاً عودة فلسطينيي الشتات، فيما يعلن وزير خارجيته شمعون بيريس انه يؤيد اقامة دولة فلسطينية، ولكن منزوعة السلاح ومن دون جيش، لضمان التعايش السلمي بين الفلسطينيين والاسرائيليين! وتأتي قضية اللاجئين الفلسطينيين محطة اهتمام مركزية وقد اصبحت مأساة انسانية، مع ما لها من تأثير ديموغرافي عبر المناطق الجغرافية، التي تمس القضية والتي نزح اليها شعب فلسطين منذ بداية القرن العشرين المنصرم في عملية تهجير وافراغ متعمد لارض عربية.
وكان للاحداث التي تمس اللاجئين العديد من الابعاد والحسابات السياسية، بالاضافة الى المؤامرات التي حيكت بأسوأ النيات المرتبة من الصهاينة، ومن يدعمهم في الدول الغربية وغيرها من الدول في المنطقة.
ونظرا الى ما لهذه الوصمة البشعة على البلاد العربية من اثر سلبي، وبالاخص في هذه الاثناء التي يتم فيها تناول موضوع انشاء الدولة الفلسطينية وقضية اللاجئين للمرة الاولى في شكل مباشر، تبدو مسيرة ما يقرب من مئة عام من الاحداث التي دلت على رغبات اكيدة في افراغ تلك القضية من مضمونها، من خلال عمليات التوطين في الدول المجاورة للكيان الصهيوني، فكانت العراق ودول الخليج، بالاضافة الى الاردن وسوريا ولبنان، مطمعاً للصهاينة لتوطين اللاجئين فيها ليطوى، بالتالي، هذا الملف نهائياً.
وعد بلفور وخلفياته
في تشرين الثاني من عام 1917 صدر وعد بلفور، وهو الوعد الذي تعهدت الحكومة البريطانية من خلاله أمرين اثنين:
1- بذل افضل المساعي والجهود من اجل اقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين.
2- عدم السماح بأي اجرء يلحق الضرر بالحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين نتيجة انشاء الكيان الجديد.
غير انه سرعان ما بدت استحالة التوفيق بين هذين الامرين: انشاء دولة للكيان الصهيوني على الارض الفلسطينية، والوصول الى اهداف هذه الدولة وغاياتها، بما تتضمنه من استيطان وتهويد، والمحافظة في الوقت عينه على الحقوق المدنية والدينية للعرب الفلسطينيين المقيمين على ارضهم، كما نص الوعد المذكور.
ومع تسارع الاحداث، وصولاً الى حرب عام 1948 وما ترتب على هذه الحرب من نتائج خطيرة، برزت قضية اللاجئين الفلسطينيين كإحدى اهم نتائج اعلان الكيان الصهيوني قيام دولته. واعتبرت هذه القضية، مع مرور الزمن، بأبعادها السياسية والانسانية واحدة من اهم مفاصل النزاع العربي مع الكيان الصهيوني، نتيجة الاضرار البالغة التي نجمت منها، سواء على الانسان او الارض الفلسطينيين، وعلى امتداد حقبة زمنية طويلة تقارب نصف قرن.
فاللاجئون، الذين كانوا بضع مئات من الالوف عام ،1948 اصبح عددهم اليوم اكثر من اربعة ملايين، مشتتين في مختلف اصقاع الارض، تجمع بعضهم في مخيمات، وتأقلم بعضهم الآخر في المجتمعات التي عاشوا فيها. ورغم ادعاءات السياسيين والمؤرخين الصهاينة بأن مسؤولية تشريد الفلسطينيين في حرب 1948 تقع على عاتق الدول العربية، لأن اللاجئين تركوا وطنهم بناء على طلب من هذه الدول، الا ان القادة الصهاينة حاولوا البحث دائماً عن مخرج لهذه الازمة من دون الاعتراف بذنب تشريد شعب من ارضه، اضافة الى التأكيد على عدم السماح بعودة هذا الشعب الى موطنه الذي اخرج منه.
وتوافق الموقف الغربي من ايجاد حل لهذه المشكلة مع الموقف الاسرائيلي وسرعان ما بدأت تظهر على الساحة السياسية سيناريوهات ومشاريع هادفة الى ايجاد حل لهذه المشكلة بما يتفق مع الموقف الصهيوني الثابت، وهو عدم عودة اللاجئين.
ومما كتبه الرئيس الاميركي ريتشارد نيكسون الى غولدا مائير، رئيسة وزراء الكيان الصهيوني، في تموز 1970 في هذا الموضوع: "ان بلادي لن تضغط لحمل اسرائيل على قبول حل لمشكلة اللاجئين". ومنذ ذلك التاريخ وقبله والادارات الاميركية المتعاقبة، ومعها الدول الغربية، تتجاهل حق العودة الذي اقرته الامم المتحدة في قرارها الرقم 194 في عام 1947 والذي كان اعتراف اسرائيل به شرطاً عالمياً كأساس للسماح للكيان الصهيوني بالانضمام الى الامم المتحدة.
كما تبين ميل الدول العربية او خارجها، اذا اقتضت الضرورة في شكل يتناقض مع القرار .194 وتجدر الاشارة هنا الى ان عدداً من هذه المشاريع والافكار المتعلقة بهذه القضية تم بحثها وتداولها حتى قبل قيام دولة الكيان الصهيوني ونشوء مشكلة اللاجئين اصلاً. فقد ادرك المشروع الصهيوني في وقت مبكر من تعامله مع القضية الفلسطينية، اهمية تجزئة القضية والشعب الفلسطيني وتفتيتهما من اجل الوصول الى اهدافه وغاياته في الاستيطان والتهويد. وتضمنت هذه المشاريع مبادئ اساسية مثل: توطين الفلسطينيين في اماكن يفضل ان تكون بعيدة عن موطنهم الاصلي، تقديم قروض لتعويضهم، وايجاد فرص عمل امامهم، ودمجهم في البنية الاجتماعية والاقتصادية للدول المضيفة. وتم التخطيط لذلك كله في اطار عملية "الترانسفير" او الترحيل. وكانت الدول المجاورة (سوريا، الاردن، لبنان، والعراق) هي التي تم طرحها في مشاريع اعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين. ونبدأ بالملف العراقي الذي بذل الكيان الصهيوني وحلفاؤه الجهود تلو الاخرى لتطبيق هذا المشروع هناك.
العراق كوطن بديل من جملة المشاريع التي طرحت لاستيعاب اللاجئين، مشروع توطين الفلسطينيين المهجرين جميعهم او بعضهم في العراق، اذ ما لبثت هذه الفكرة التي تداولها عدد من زعماء الحركة الصهيونية، ان تحولت الى مشروع، ومن ثم الى مطلب يتقدم به الكيان الصهيوني الى قادة الدول الغربية: بريطانيا وفرنسا في مرحلة مبكرة، والولايات المتحدة لاحقاً، بهدف تلقي المساعدات والدعم من هذه الدول لتنفيذ الترحيل.
ومن الوثائق المتعلقة بهذا الموضوع، المذكرة التي بعث بها بن غوريون، وزير الكيان الصهيوني، الى اجتماع لجنة الاعمال الصهيونية المنعقدة في بريطانيا بتاريخ 17/12/1937 والتي ناشد خلالها البريطانيين، الذين كانوا يستعمرون العراق، المساعدة على ترحيل الفلسطينيين الى هناك.
ومما جاء في المذكرة: "سنعرض على العراق عشرة ملايين جنيه فلسطيني في مقابل توطين 100 الف عائلة عربية من فلسطين. لا نعلم ما اذا كان العراق سيقبل هذا الاقتراح، لو كانت المسألة تختص بالعراق وحده فقد يصغي الينا، يحتاج العراق الى استيطان عربي اوسع...".
ومن الوثائق السياسية للكيان الصهيوني التي عبّرت عن المشروع، ما ورد في يوميات يوسف فايتس مدير دائرة الاراضي التابعة للصندوق القومي للكيان الصهيوني، واحد زعماء الاستيطان اليهودي الناشطين، اذ ذكر في يومياته في تاريخ 20/12/1940 ما يأتي:
"يجب ان يكون واضحاً لنا تماماً انه لا توجد هناك حلول وسط، ولا توجد طريقة اخرى سوى ترحيل العرب من هنا الى البلدان المجاورة. يجب ترحيلهم جميعاً، يجب ان لا نبقي على اي قرية او قبيلة، يجب ان يكون الترحيل الى العراق وسوريا وشرق الاردن، يجب رصد الاموال لهذا الغرض... ستكون البلاد قادرة على استيعاب الملايين من اخواننا وتحل بذلك المسألة اليهودية".
تعاظمت مشكلة اللاجئين الفلسطينيين بعد حرب ،1948 التي نجم عنها تشريد حوالى 940 الف فلسطيني، كما ورد في تقرير الامين العام للامم المتحدة الموجّه الى الدورة الرابعة للجمعية العامة في حزيران ،1949 نتيجة العمليات الارهابية، وقد استمرت عملية اخراج الفلسطينيين مدة عشرين شهراً، ابتداءً من كانون الاول ،1947 نتيجة العمليات الارهابية، وحتى تموز .1949 وكان الاعتقاد السائد لدى المهجّرين ان رحيلهم مؤقت، وانهم سيعودون الي بيوتهم وارضهم خلال اسابيع، خاصة بعد الجهود التي بذلتها الامم المتحدة والهيئات الدولية وضغوطها المتواصلة على الكيان الصهيوني لحمله على السماح بعودة كل اللاجئين او قسم كبير منهم. وتوّجت الجهود الدولية بإصدار القرار 194 عن الامم المتحدة في 11/12/.1948 ويتضمن هذا القرار الحق القانوني للاجئين في العودة. غير ان الكيان الصهيوني اوضح للمجتمع الدولي، وفي شكل قاطع ونهائي، ان عودة اللاجئين الفلسطينيين الى ارضهم لن تتحقق ابداً.
بعد حرب 1948 نشط الكيان الصهيوني، مدعوماً من عدد كبير من الدبلوماسيين الغربيين في الشرق الاوسط، في ابراز البدائل والمشاريع الهادفة الى حل قضية اللاجئين وتوطينهم في الدول العربية وبصورة منتظمة، وتقديم العديد من الخيارات، من ضمنها التوطين في العراق. واوضح رئيس البعثة الدبلوماسية الاميركية في جدة، في تقريره الذي رفعه الى حكومته، رأيه في حل هذه المشكلة، ومما جاء في التقرير:
"... نظراً الى ضرورة استبعاد امكان اعادة اللاجئين الى الكيان الصهيوني، يجب التخطيط لاعادة توطينهم في الدول العربية وبخاصة العراق، وربما في سوريا".
ورأى ديبلوماسيون بريطانيون كبار، ان العراق اولاً، ومن ثم سوريا، هما افضل دولتين عربيتين لتوطين اللاجئين الفلسطينيين في صورة دائمة ونهائية، اذ قال احد المسؤولين في دائرة شؤون الشرق الأوسط البريطانية في القاهرة: "توجد في العراق وسوريا موارد كافية لتغطية حاجات عدد من السكان يبلغ اضعاف السكان الحاليين في هاتين الدولتين، كما ان سرعة تطوير العراق مرهونة بزيادة عدد سكانه".
غير ان المشاريع والافكار التي قالت باعتبار العراق المكان الامثل لاستقبال اللاجئين وتوطينهم لم تنجح، كما كان يأمل الكيان الصهيوني والديبلوماسيون الغربيون. واقتصر تمركز الاعداد الكبيرة منهم في: الضفة الغربية، الاردن، سوريا، لبنان، لاسباب عدة بينها: قرب هذه المناطق من موطنهم الاصلي، اعتقاد اللاجئين بقرب عودتهم الى موطنهم، اضافة الى الصلات الاجتماعية التي تربط اهالي هذه المناطق بجزء كبير من اللاجئين المشردين، ومبادرات حكومات هذه الدول الهادفة الى التخفيف عن اللاجئين الوافدين اليهم وتقديم المساعدات العاجلة لهم الى ان يتم ايجاد حل لهذه المشكلة وفي شكل عادل.
اما العراق، فلم يصل اليه في البداية سوى عدد قليل من اللاجئين. ففي نهاية شهر تموز 1948 كان يوجد فيه حوالي 200 لاجئ، ومع نهاية شهر تشرين الثاني من العام اياه بلغ عددهم نحو خمسة آلاف. وكان معظم هؤلاء من لاجئي منطقة الكرمل، والتي تضم قرى: جبا، عين غزال، اجزم، وهي مناطق كانت تحت سيطرة الجيش العراقي قبل احتلالها من قوات الكيان الصهيوني خلال مرحلة الهدنة.
بن غوريون وتقسيم المنطقةلم يتردد الموقف الصهيوني الرسمي في طرح مشاريع تهدف الى اعاددة ترتيب المنطقة وتعديل حدود الدول وتغيير جغرافيتها وتركيبتها الديموغرافية، لغايات من ضمنها البحث عن آليات وبدائل جديدة يتم من خلالها الوصول الى حل دائم لمشكلة اللاجئين، وابعادهم الى بلد عربي غير متاخم لحدود فلسطين، ومن ضمن هذه المشاريع الفكرة التي تقدم بها بن غوريون، وعرضها على رئيس الوزراء الفرنسي غي موليه في 22/10/.1956
وتطرق موشي دايان، وزير الدفاع الاسرائيلي، الى تفاصيل هذا المشروع في مذكراته "قصة حياتي"، فيما عرضه بن غوريون بالصيغة التالية: "ان الاردن لا يملك مقومات الدولة المستقلة القابلة للحياة، لذلك يقتضي تقسيمه، ويجب الحاق المناطق الواقعة شرقي نهر الاردن بالعراق، مقابل تعهده باستقبال اللاجئين الفلسطينيين وتوطينهم في وسط البلاد، بينما يصبح القسم الغربي من الاردن تابعاً لاسرائيل.
وكان بن غوريون يهدف من وراء هذا المشروع، بالاضافة الى تطبيق الذهنية الاستعمارية الشبيهة بذهنية سايكس - بيكو القادرة على تغيير جغرافية الدول وحدودها، الى ايجاد حل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في الاردن وسوريا ولبنان والضفة الغربية، وترحيلهم الى بلد عربي غير مجاور لفلسطين، وتوطينهم وسط العراق لا في اطرافه، باعتبار ان مساحة العراق وثروته النفطية وبعده عن حدود الكيان الصهيوني تسمح باستيعاب اعداد كبيرة من اللاجئين. غير ان هذا المشروع لم ينجح لتعارضه مع مشروع الرئيس الاميركي ايزنهاور، الذي اعتبر اعادة الجزء الاكبر من اللاجئين الفلسطينيين الى مناطقهم التي هجروا منها عام ،1948 هي الحل العادل لقضيتهم، واعتمد بذلك على دراسة ريتشارد كراوت، التي تضمنت النقاط التالية:
المرحلة الأولى: اعادة 100 الف لاجئ من عام 1956-.1957
المرحلة الثانية: اعادة 100 الف لاجئ من عام 1959 وحتى عام .1960
توطين 160 الفاً في الجزيرة السورية.
توطين 125 الفاً في الاردن.
ونتيجة ضغط ايزنهاور، وافق الكيان الصهيوني مبدئياً على عودة 100 الف لاجئ، غير انه ما لبث ان اعلن رفضه هذا المشروع وكل مشروع يتضمن عودة اللاجئين او قسم منهم الى اماكنهم التي اخرجوا منها.
وثائق بريطانية سرية افرجت وزارة الخارجية البريطانية عام 1986 عن وثائقها السرية العائدة الى عام ،1955 وتتضمن هذه الوثائق المراسلات التي اجرتها الحكومة البريطانية مع سفاراتها في منطقة الشرق الأوسط، وفي شكل خاص مع سفارتها في بغداد، وقسم التطوير في المكتب البريطاني في بيروت، وتبودلت في هذه المراسلات الاقتراحات المتعلقة باستيعاب العراق لمزيد من اللاجئين الفلسطينيين وتوطينهم. ومن ابرز هذه الوثائق الرسالة التي بعث بها قسم التطوير في المكتب البريطاني في بيروت الى السفارة البريطانية في بغداد في 25/4/1955 في شأن امكان ايجاد عمل للاجئين الفلسطينيين في العراق. وقد بعثت السفارة في بغداد برسالة جوابية في هذا الموضوع جاء فيها:
"لقد ناقشنا مع السيد بيغوت، ممثل وكالة الغوث في العراق، وجهة النظر المتعلقة بامكان ايجاد عمل للاجئين في العراق، وخرجنا بما يأتي:
- ان الامكانات العراقية في هذا المجال جيدة ومحبذة، فهناك اعمال تطويرية كثيرة قيد التنفيذ، كما ان هناك مجالاً كبيراً في فرص العمل. ومن المحتمل ان تزداد هذه الفرص خلال السنين المقبلة. صحيح ان الاجور ليست مرتفعة جداً، وانها لا تجذب العمالة من الخارج، الا انه يمكن تعديلها لان هناك ميلاً كبيراً الى حدوث ارتفاع في الاجور نظراً الى النقص في اليد العاملة.
- بالرغم من ان احتمالات فرص العمل للاجئين جيدة، الا ان هنااك مشكلة نابعة من وضع اللاجئين الفلسطينيين في العراق. فالحكومة العراقية، كغيرها من الحكومات العربية الاخرى، التزمت علناً معارضة التوطين الدائم للاجئين خارج فلسطين. وما زالت هذه المعارضة قوية جداً لدى بعض السياسيين. ومن الممكن ان يؤدي اي تطبيق للتوطين الى اضطراب عام. لذلك، فان اي حكومة عراقية ستتصرف بحذر حيال السماح للاجئين بالبقاء في العراق.
ولكن بالرغم من ذلك، فانه منذ ان الغيت تأشيرة الدخول، يستمر تدفق الفلسطينيين القادمين الى العراق، ولم تضع الحكومة العراقية اي عراقيل امامهم لايجاد العمل ووفرت لهم التقدم بطلب الجنسية اذا ما ارادوا ذلك.
صحيح ان العراق، ولاسباب سياسية، لن يكون قادراً في الوقت الحاضر على استيعاب الاعداد الكافية من اللاجئين، الا ان حاجته الى مزيد من العمال ستؤدي الى تزايد في تدفق اللاجئين. اننا لا ننظر الى العراق من زاوية ما يمكن ان يوفره في المدى القصير، وانما تطلعنا اليه سيكون على المدى البعيد، باعتباره المكان القادر على استيعاب اللاجئين اكثر وأكثر ودمجهم في الحياة، ومن المحتمل هضمهم وامتصاصهم الى الابد. وهذا ما يعتقده بيجوت. اما بالنسبة الى اقتراحكم قيام وكالة الغوث بتقديم النصح للاجئين في شأن فرص العمل فور وصولهم الى بغداد، فاننا نعتقد ان مثل هذا الاقتراح ليس حكيما، حتى لا تظهر وكالة الغوث وكأنها طرف في ذلك.
من هنا، فان اقامة وكالة خاصة ومدعومة من "الاونروا" يمكن ان تكون اكثر فائدة في هذا المجال.
لذلك لا بد من دراسة امكان تأسيس وكالة توظيف خاصة، تعمل في شكل تجاري من دون ان تظهر اي علاقة علنية مع "الاونروا". فمثل هذه الفكرة يمكن ان تكون ناجحة".
أميركا أفرغت المشكلة يجمع مختلف الاطراف السياسية والدينية في اسرائيل على رفض مبدأ حق العودة للاجئين الفلسطينيين الى ارضهم. وتنظر الحكومة الاسرائيلية الى هذا الملف على انه قنبلة بشرية موقوتة، وعامل تهديد لديموغرافية المجتمع الصهيوني. ومنذ انطلاق عملية السلام والحكومات الاسرائيلية المتعاقبة، مدعومة من الولايات المتحدة، تمارس سياسة ضغط تهدف الى حمل الدول العربية على قبول اللاجئين كمواطنين دائمين عندها.
وتنبه المراقبون الى حملة الترويج لمشاريع وسيناريوات متعددة تقودها اسرائيل والولايات المتحدة لايجاد حل دائم لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين.
ويتم عرض هذه المشاريع في مختلف وسائل الاعلام اضافة الى اوراق العمل التي تقدم في مؤتمرات وندوات دولية او اقليمية، او من خلال تصريحات لمسؤولين سياسيين، او باحثين اكاديميين.
ومن جملة المشاريع التي تم احياؤها مجددا المشروع الصهيوني القديم الجديد، المتعلق بتوطين الفلسطينيين في العراق، بعد دمج الاخير وادخاله في مشروع اعادة تأهيل العراق وفك الحصار عنه مقابل الموافقة على هذا المشروع.
وعادت أخيرا الى الواجهة الاعلامية انباء عن لقاءات سرية عبر تقرير نشرته صحيفة "الاوبزرفر" البريطانية الصادرة في 21/5/2000 عن المفاوضات السرية الجارية بين العراق والكيان الصهيوني، جاء فيه: "ان الرئيس صدام حسين اتخذ خطوة مذهلة للسلام مع الغرب بعد 15 شهرا من المفاوضات السرية مع الحكومة الاسرائيلية".
وورد في التقرير تكر

مع التقدير لما أتى في المقالة فهي لا تعبر بالضرورة عن رأي حركة القوميين العرب
29/8/2010
حركة القوميين العرب
E-mail: arab.n.m@gmail.com
الموقع الإلكتروني: www.alkawmiyeenalarab.net
Haraket Alkawmeyeen Alarab

انشر المقال على: