الخميس 16-05-2024

وترجل قائد وفارس

×

رسالة الخطأ

راسم عبيدات - القدس

وترجل قائد وفارس
بقلم:- راسم عبيدات
ثمة ألف سؤال وسؤال دار في خلدي،أثناء ذهابي للمشاركة في جنازة هذا القائد التاريخي والوطني،هل ستكون المشاركة في جنازة هذا القائد بحجم تجربته ونضالاته وتضحياته؟؟أم ستقتصر على الرعيل الأول ومن هم على صلة وتواصل معه؟؟،وحاولت جاهداً قبل الوصول الى بيته،أن أجزم بأن جنازته ستكون بحجم نضالاته وتضحياته وتاريخه،وستكون هناك جماهير غفيرة في وداعه،ولكن لا أعرف عندما وصلت الى هناك وشاهدت الحضور،لماذا صدمت وأصابني ذهول؟، وقلت من المسؤول عن التقصير بحق هذا الرفيق والقائد التاريخي؟؟،هل هم رفاقه ام رداءة المرحلة وتعاستها؟أم هما معاً؟؟فقائد بهذا الحجم شاهد على العصر،وعلى كل محطات ثورتنا وقضيتنا والحزب الذي إنتمى إليه،لماذا كل هذا القصور بحقه؟؟ومن هو المسؤول عن القصور في نقل تجربته والتعريف به لشعبنا ولرفاق حزبه وأبناء الثورة الفلسطينية؟؟؟أسئلة ليست صعبة ولا جبرية او تعجيزية،وهي بحاجة إلى إجابات شافية ومعللة،وليس الى إنشاء وخطابات أو تنظير وشعارات...
ابا مثقال كان رمزاً وعنواناً حظي باحترام المجموع الوطني،ليس في منطقة بيت لحم،بل على المستوى الوطني.....لا يهمه لا رتب ولا ألقاب ولا نياشين....كان مسكوناً بهموم الوطن.... لم يفقد اتجاه البوصلة أبداً....في وقت فقد فيه الكثيرون البوصلة والإتجاه،عرفه طريقه إلى السجون منذ كان عمره ستة عشر عاماً،حيث سجنه النظام الأردني عام 1958 لمدة عام بسبب نشاطه في حركة القوميين العرب،ومنذ ذلك الوقت توالت عمليات إعتقاله في سجون أكثر من نظام عربي،وكذلك سجون الإحتلال قضى فيها الفترة الأطول مدة،محكوماً ومسجوناً على ذمة الإعتقال الإداري...كان شديد الحزن والألم على ما وصلت اليه الحالة الوطنية من بعد اتفاق أوسلو،وكذلك ما آلت إليه اوضاع القوى اليسارية..حيث ضاعت التخوم والفواصل ما بين الوطني والمرتزق والمتسلق والمنتفع...وما بين الشريف والجاسوس.. وأبا مثقال رحيله شكل خسارة كبيرة للكل الوطني ولكل المناضلين المخلصين الذين تربوا على الصدق والمبدئية ...الذين صنعوا تاريخهم واحتلوا مواقعهم بنضالاتهم وتضحياتهم..أبا مثقال الوطن يفتقد للمناضلين من أمثالك ...وما زال هناك من يحمل الراية ويسير على الهدي والنهج والخيار..كثيرون من الرفاق الذين عاصروك وعايشوك من اكثر من جيل،من عملوا معك او كانوا ضمن مسؤولياتك،كانوا يشعرون بالراحة والإطمئنان معك والثقة بك،فأنت كنت سيد الشارع والمثال والقدوة للقائد في الميدان،تقف على همومهم وإحتياجاتهم ومشاكلهم،لا تتأفف ولا تتذمر من العمل حتى مع الرفاق الأشبال،او من هم بعمر اولاد اولادك.
أبا مثقال أنت كنت شاهد على العصر في اكثر من مرحلة ومحطة في تاريخ الحزب الذي إنتميت إليه،وفي تاريخ ومسيرة وكفاح شعبنا الفلسطيني في أغلب محطاته،كنت تتألم كما يتألم الكثير من المناضلين الأحرار،الأوفياء الذين لم يلتفتوا الى مصالح خاصة او شخصية،ولم تكن يوماً مرتزقا أو منتفعاً او مناضلاً من اجل منصب او جاه أو مرتبة.
كنت الحضن الدافىء للجميع،عندما تعصف الخلافات بهيئة أو تتوتر او تتشنج العلاقات الوطنية بين أطراف الحركة الوطنية،نتيجة الخلاف على نهج او موقف سياسي،كان الجميع يثق بقدرتك على الحل وتجاوز الأزمة والخلاف من اجل مصلحة الحركة الوطنية والوطن،ومبدئيتك ومواقفك الصادقة والمخلصة،جعلتك اكثر من مرة عرضة للهجوم والنقد بغير حق.
قلائل من هم في سنك وعمرك لم يبرحوا الجبل،ولم يغادروا مواقع الثورة والنضال والكفاح،فحتى لحظة توقف قلبك عن النبض،وأنت تسأل عن الوطن وهمومه،وأنت تسأل وتقول هزمنا،لأننا لا نمتلك قيادة بحجم تضحيات الشعب،هزمنا لأننا عبدة أفراد ومناصب،هزمنا لأننا "عهرنا" الثورة ،وافرغنا المناضلين من محتواهم الثوري،فالثورة لم تعد ثورة،وكذلك هم الثوار،فجل الإهتمام عند عدد لا بأس به من المناضلين والثوار،اصبح الراتب والترقية والرتبة والمرتبة والأوسمة والنياشين.
هزمنا يا أبا مثقال لأننا نتعامل مع المناضلين والثوار،بطريقة المنفعة والإستخدام،هزمنا لأننا لا نقف على هموم أبناء وشعبنا وقضاياهم،ولا نلتفت لأسرهم وعائلاتهم وإحتياجاتهم،ولذلك كثير من المناضلين الذين تحرروا من الأكياس الحجرية،لم يعودوا للعمل أو ممارسة النضال،ولسان الكثيرين منهم يقول:-هل المطلوب مني ان أضحي،لكي يستثمر ويتسلق على نضالاتي وتضحياتي فلان او علان..؟؟.
هزمنا يا أبا مثقال،لأن الكثيرين منا يلوكون الشعارات والجمل الثورية،عن العلاقة بالجماهير والناس،وهم يمارسون السياسة من أبراجهم العاجية،ويتفنون في الوصف والتصنيف وكيل التهم واللغو الفارغ والمزايدات،وفي أرض الواقع لا تجد لهم لا أثرا ولا حضوراً.
أبا مثقال،هزمنا لأننا كثورة وكحركة وطنية بمجموعها يسارها قبل يمينها، ما زلنا نتوهم أن المحافظة على استمرار القيادات – حتى ولو أصبحت عاجزة – نوع من الوفاء،الأمر الذي جعلها تتجمد،وتتحنط،وتتكلس، وتتحول لتقتات بتاريخها، وإنجاز القادة السابقين"،هزمنا لأننا امام جبرية فرعونية في الأحزاب والسلطة،فها هي قضيتنا وثورتنا ومشروعنا الوطني،تمر في اخطر مراحلها،ومن يقرر بشأنها ليس "عواجيز" ولا "عكاكيز" اللجنة التنفيذية،اعلى هيئة في المنظمة،ولا حتى أعضاء اللجنة المركزية في فتح ،او الهيئتين معاً،بل من يقرر بذلك مؤسسة الرئاسة وبعدد لا يزيد عن أصابع اليد الواحدة،حتى ربما المشروع الفلسطيني المقدم لمجلس الأمن الدولي للتصويت عليه من أجل تحديد سقف زمني لإنهاء الإحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة عام /1967،البعض منهم إطلع عليه من خلال الصحف او مواقع التواصل الإجتماعي او الفضائيات غير الفلسطينية،أو لربما همس له به من هو على إطلاع.
أبا مثقال والشهداء أمثاله قبل ان يعودوا يسألون الكثير من هم في مؤسسات وهيئات القيادة الفلسطينية... ماذا قدمتم للثورة والشعب والتنظيمات..؟؟،انا بكل تواضع هذ كشف حسابي سنوات العمر الاجمل سجيناً وطريداً،من البدايات للنهايات لم اكفر لم اتبرأ لم اتململ لم اتذمر كنت دائم العطاء ابا للفقراء وصديق ورفيق كل من يستحق ومن لا يستحق حتى يستحق على هذا ولدت وعلى هذا ترعرعت وعلى هذ شخت وعلى هذا مت.
فكم انت يا أبا مثقال فريدا عنيدا وصديقا لطريق الحق وونيسا لاهله رغم وحشته وقله السائرين فيه.
ابا مثقال انت حيا باقيا فينا لكل هذا... رغم غيابك الجسدي اما غيرك فهم متوحدون مع الطبيعة منذ زمن رغم ارصدتهم وبدلهم وشهاداتهم واوسمتهم ورتبهم والقابهم ونياشينهم وفقط هم بأعين مبصرة ولكن عمي صم بكم ويحتاجون لمن يذكرهم ان مكانهم باطن الارض وليس ظهرها وسيأتي من يذكرهم ممن ربيتهم وغرست فيهم قيم لا تموت .

انشر المقال على: