الجمعة 03-05-2024

هذه قصّتي الشاعر والقاص: عماد الدين التونسي

×

رسالة الخطأ

الشاعر والقاص: عماد الدين التونسي

هذه قصّتي الشاعر والقاص: عماد الدين التونسي الْعُمْرْ يِجْرِي وَ الْحَيَاةْ تُفُوتْ.. بين الأمس واليوم، مسار عتيق المفاهيم لخّصته امثلة ترجمت خبرة المرء طوال تعايشه تحت السّلطة الأخلاقية . كانت أمي فيها مفاتيح كلمات لفهم الذات البشرية. أمي التي لم تدرس في المدرسة الكثير لكنها إن تكلّمت أقنعت وإن سئلت أجابت وأفحمت. بالأمس كانت لقاءاتها بنسوة الحي في احتفالية "العُولة" لتجهيز الكسكسي تنافسية من نوع خاص لا مجال فيها للمقارنة بتلك البرامج وإن صحّ تسميتها بذلك وأقصد ستار أكاديمي أو ذو فيس أو غيرها للتناوب على "التّكسْكيس" على نغمات ضرب الغرابيل و فواصل الزغاريد ..كانت حبات الكسكسي تزيد وتين النبض عزفا منفردا يتوازى مع كلمات أمّي عميقة المعاني .. بالأمس كنت ذاك الطفل ذو الخمسة أعوام، متسمرا على عتبات البيت أنتظر أيامي كإنتظار عودة أبي ! أقضي ساعات طوال أجوب في خيالاتي أحاول جاهدا تفسير ولو القليل مما تردده والدتي ..من حكم فيها من الرّمزية والإيحاءات التي تلخّص تجربة في الحياة وأعلن بين نفسي إنتصاراتي بفهمها أو أدّعي ذلك بين الكرّ والفرّ أسعى لجمع ذخيرة عمري بين يدي وقودا وتصبرا أمام الإنتظار الذي بات روتينا أعتدته وبات رفيق الفرص والأحلام والأماني التي لا تنتهي ولا تشيخ مع العمر الذي ليس بيدي..العمر الذي غنّته والدتي:"العمر يجري و الحياة تفوت.."! بالأمس كنت طفلا بربيع عمري السادسة أنتظر دوري للتسّجيل في قوائم التلامذة المقبولين في المدرسة! كان يوما خريفيا ما زلت أحس بنسماتها تداعب وجنتاي توترا وخجلا من مقابلة الناس! لا زلت أذكر دمعاتي التي سكبتها خوفا من وهم المجهول الذي رحت أتوغّل فيه منذ ذلك الحين..بين اللعب والكرتون، و بين الكرسات والكتب.. أنكب عليها بالأقلام والألوان لتبيان ما تبوح به أمي حين الغفلة دون كلل ولا ملل مخبئا في ذاكرة أعوامي أعظم رحلات الإنتصار على الذات، مسجلا أقصى درجات النجاح بالطموح والإتقاد! كانت قائمة الإصدقاء تكبر وتطول كلما كبرت عاما من ربيع العمر المنقضي على عجل! كما يكبر حلمي بفهم دندنات والدتي الرائعة وهي تقول :"وأيّام عمري حزنها مبّيت.."! بالأمس خطت أناملي أول قصصي ، فإنذهل معلمي من مهاراتي رغم بساطتها! ليته كان لي أن أخبئها حتى عامي هذا! كانت أوراقا أخيطها بكتاب صغير، أكتب وأرسم وألون فيها كل الأحلام الجميلة و أعيد كتابة ما تمليه عليا من أحرفها المنقوشة داخل قفصي الصدري :"يا عُزْوة الْغالِين..ضاع الصُّوت * * *يُوم الْمنايا..دُونْك.ُم عيِّت.."! بالأمس توجت في قسم السّادسة بالتفوّق، بالحفل الجميل الذي أعدته المدرسة للتكريم! بالأمس همس لي أحد معلمي بأن نتيجة إمتحاناتي على مستوى المدينة ممتازة.. بالأمس قبلت بالمعهد الأعلى لتكوين المعلمين وبدأت رحلة الجد تعلو وتيرتها، زينة الأيام في قلوبنا رغم مرارتها ! وبين دموع وسجود شكر إستقبلت أفضل خبر مفرح لي! كان خبرا كفيلا بإعطائي الثقة والإصرار لأستقل رحلتي الحقيقية مع الأيام في مغامرة الإلتحاق بكلية العلوم الإنسانية و الإجتماعية أو ما إعتاد الطالب تسميتها بكلية 9أفريل شعبة تاريخ ،ليزداد طموحي أكثر لفك طلاسم كلمات سيدة الْعِبارات وهي ترفع راية صوتها:" وُدّك تُمُوت ليّا بغِيت تمُوت* * * بِاللّهِ ما تِبْكي ..على ميّت.."! بالأمس كان يومي الأول في قسمي كعمل دائم بعد رحلة طويلة من تحصيل العلم والدراسة، كان الحال رمضان ! أذكر أول يوم لي في المدرسة والمعهد و الجامعة! تتشابه البدايات كثيرا لدي برهبتها وغموض ما ترنو إليه مع مرور الأيام.. فإتسعت دائرة المعارف وضاقت قائمة الأصدقاء كثيرا! الإحتكاك الحقيقي مع الحياة هناك قد بدأ.. كنت زمن السكوت أردّدها :"ناري على عُمري مشى بالسلة * * * كل يوم زي الزرع ينقص حله!" بالأمس وجدتني أتذكر حلمي في حلقة عائلية تحضنني و عائلتي المصغّرة لأقرّر نقطة الإنطلاق أو العودة للكتابة بشغف وحماس فبدأت..عدت! قررت وعدت! بعد أن حلمت كبرت، خدلت وجبنت، تألمت وتعلمت، بكيت وضحكت، أقبلت على الحياة وأدبرت، نضجت في إنتظار اليوم! لأسئلني: أين قضي العمر مني؟ من سرق من؟ أهي الأيام سرقت عمري على غفلة مني؟ أمّ هو العمر سرق الأيام معه على عجلة منه لينقضي؟ إيه أيتها الأيام لو أن لي بك قوة! اليوم وفقط أحتاجها جدا ،أمّي وهي تعيد أغانيها فوق منبر الدنيا ترددها في زمن الطهارة ،أمي التي أعتبرها قاموسا من الأمثلة والعبر الخالدة ،خلود صوت الحق الثابت فينا. اليوم فقط فهمتك يا أم الحكايا يا تراتيلي المؤجّلة ..مع تقدمك في السّن وأنا أجول في أركان بيتنا مع أطفالي من ركن لآخر أتذكر صولاتك جلساتك يا حرف وجودي يا كنز أيامي .. أمّي ليست الأيّام ماعشت بل الأيّام ما تعلمتها منك سابقا ولاحقا، حفظك الله ..! عماد الدين التونسي

انشر المقال على: