الأحد 28-04-2024

نتنياهو يزداد تطرفاً وهو يصارع للبقاء

×

رسالة الخطأ

حلمي موسى

نتنياهو يزداد تطرفاً وهو يصارع للبقاء
حلمي موسى
15-02-2016 02:05
جريدة السفير
يحتار الكثير من المعلقين الإسرائيليين كيف أن تدهور الوضعين الأمني والاقتصادي لعموم الإسرائيليين لم يدفع حتى الآن نحو خروجهم في تظاهرات كبيرة ضد استمرار هذه الأوضاع. ويرى بعضهم أن سبب عدم حدوث ذلك يعود أصلا إلى وجود اليمين في الحكم بشكل مهيمن وإلى عجز المعارضة عن حث الشارع على الخروج. ويجد البعض في جانب من هذا الواقع نعمة لأن استمرار التذمر من أداء اليمين سيدفع لاحقا نحو التغيير خصوصا أنه الأفق لا يبدي حلحلة سياسية قريبة في ظل ازدياد مظاهر المقاطعة والغضب العالمي من إسرائيل.
وما يزيد الطين بلة في نظر البعض هو أن اليمين الذي طالما اشتهر بغلاظة لسانه وتهديداته الشديدة يجد نفسه مضطرا هنا وهناك للانحناء أمام العاصفة. هذا حدث مع الأميركيين بعد الاتفاق النووي بين القوى لعظمى وإيران والذي عملت إسرائيل بفظاظة من أجل إفشاله وهو ما يحدث الآن مع الاتحاد الأوروبي بعد إجراءاته ضد المستوطنات. فأحداث سياسية مع قوى كبيرة ونافذة يعيد وضع الإسرائيليين أمام واقعهم خصوصا لجهة حدود القوة التي يمتلكون. وربما أن مخاوف بعض الخبراء الإسرائيليين تتعاظم في ظل ما ينطوي عليه مسرح عمليات المستقبل من غموض ومخاوف بسبب الحرب السايبرية. فمثل هذه الحرب لا تحتاج لأن تجمع قوى تغير ميزان القوة وصار بمقدور بضع قراصنة انترنت أن يلحقوا أضرارا بالغة بمنشآت حيوية في أي دولة.
وإلى جانب ذلك تزداد المخاوف من انفجار الوضع في الضفة والقطاع في ظل انسداد آفاق التسوية. ويعتقد كثيرون في المؤسسة السياسية والعسكرية الإسرائيلية أن أخطار مثل هذا الانفجار سوف تكون فادحة رغم أن الظروف الإقليمية باتت أفضل لإسرائيل. وتتجه أنظار الإسرائيليين بشكل خاص إلى ما يجري في الساحة اللبنانية من تعاظم نفوذ وقوة حزب الله وإلى ساحة قطاع غزة حيث الخــوف من صدام عسكري واسع. ولا يعود الخوف الإسرائيلي إلى قوة كل من الطرفين وإنما أصلا إلى مدى قدرة كل من حماس وحزب الله على إلحاق الضرر بإســـرائيل لأطول فترة. فالحـــروب مع هاتين القوتين كانت الأطول: عدوان تموز 2006 والذي زاد عن شهر وعدوان صيف 2014 على غزة وزاد عن خمسين يوما. وأفــلح كل من حزب الله وحـــماس على التوالي في شل مناطق واسعة في شمال فلسطين وجنوبها وصولا إلى وسطـــها ما أثـــقل على اقتصاد ومعنــــويات الإسرائيليين خصـــوصا في ظل انعـــدام القدرة على تحقـــــيق انتصارات حاســـمة وسريعة كما كان الحال في الماضي.
وليس صدفة والحال هذا أن يتعمد نتنياهو إعلان استراتيجية تقوم على أساس تحصين إسرائيل بتغليفها بجدار أمني مكثف لحماية ما يعتبره «فيلا وسط الغابة». وفي هذا الشأن استخدم تعبير حماية إسرائيل من «الحيوانات المفترسة» الساعية إلى نهشها. وبديهي أن استراتيجية نتنياهو هذه تنبع من نظريته بأن الترهيب هو أسهل الطرق للوصول إلى قلب الناخب ودفعه للتصرف بغرائزية. وربما لهذا السبب عمد رئيس المعارضة اسحق هرتسوغ إلى مهاجمته في البطن الرخوة قائلا: «وعدت بأنك السيد أمن، وأنك قوي ضد الإرهاب، ووعدت بالقضاء على حماس، وعدتنا بتلال وجبال. فبم أوفيت؟ صفر. نحن في ذروة انتفاضة ثالثة مع عشرات القتلى ومئات الجرحى... وأنت لا تتحرك. أنت مشلول من الخوف. أنت غير مبادر. أنت فقط تراهن على الوقت، والوقت يعمل لغير صالحنا».
كما أن زعيمة «ميرتس» اليسارية حملت على نتنياهو معتبرة أنه «طوال سنوات يبث لنا مشهداً جوالا لصفر زعامة وجبن، يعرض علينا وجوب مواجهة الحيوانات المفترسة وإحاطة أنفسنا بجدران وعوائق تعني أيضا ضم 150 ألف فلسطيني في المنطقة ج. وحكومتك تواصل الإعلان عن تأييدها لحل الدولتين في حين ليس فيها وزير واحد يؤيد شخصيا هذا الحل».
ولكن اشتداد المعارضة لنتنياهو ليست قصرا على هؤلاء وما يمثلون بل إنها انتقلت لليمين ولأوساط الجمهور اليميني. وهذا ما بدأ يتجلى مؤخرا ليس فقط في أفيغدور ليبرمان ونفتالي بينت من «إسرائيل بيتنا» والبيت اليهودي على التوالي وإنما أيضا من وزراء ليكوديين. وثمة من يرى أن قرار المحكمة المركزية بتغريم نتنياهو وزوجته مبلغا كبيرا من مالهما الشخصي جراء إدانتهما بإساءة معاملة مستخدمين في بيتهما قد يكون بداية النهاية لنتنياهو. فالمسألة تسيء شعبيا لنتنياهو الطامح للفوز بولاية أخرى لرئاسة الحكومة. ونظرا لمعرفته بميول الجمهور نحو اليمين في الدولة العبرية فإنه صار ينافس ليس فقط المهووسين داخل حزبه وإنما أيضا الأشد تطرفا في معسكر اليمين.
وما العداء الذي يظهره نتنياهو تجاه العرب في إسرائيل خصوصا أعضاء الكنيست من التجمع الديموقراطي إلا أحد أساليب تعزيز قدرته على كسب تأييد اليمين للبقاء في الحكم. فإسرائيل تحت حكم نتنياهو صارت أكثر فاشية من أي وقت مضى في تعاملها مع العرب لكنها أيضا تغدو أقل ديموقراطية في تعاملها مع معارضي حكمه حتى من اليهود. ويذهب البعض إلى أن نتنياهو سلم الكثير من المفاتيح للأحزاب الحريدية في التعليم وللأحزاب اليمينية في الإعلام ولوحوش الرأسمالية في الاقتصاد ما خلق واقع مثيرا للخوف في أكثر من مجال.
كل ما يجري في الدولة العبرية هذه الأيام يوحي بأن لا مكان لمعارضة جدية وأن الأمور تتجه إلى ما يعرف بأتوقراطية الرأسمالية حيث السعي للحفاظ على استقرار اقتصادي ومصالح أمنية يتغلب على كل اعتبار آخر.

انشر المقال على: