الثلاثاء 16-04-2024

ناريمان خورشيد: الدخول إلى حيز الذاكرة الجماعية

د.فيحاء قاسم عبد الهادي

ناريمان خورشيد: الدخول إلى حيز الذاكرة الجماعية
بقلم: د.فيحاء قاسم عبد الهادي

قوية الشخصية، ومحاربة شرسة، وخطيبة ميدانية، وقائدة طيارة جريئة، تلك هي المناضلة الفلسطينية "نريمان نهاد خورشيد"، التي ولدت العام 1927، في يافا، وعاشت فيها حتى عام 1948، حيث انتقلت للعيش في القاهرة، وبقيت فيها حتى يوم وفاتها، في 18 شباط 2014، وارتبط اسمها مع اسم شقيقتها "مهيبة خورشيد" بتأسيس وقيادة المنظمة السرية "زهرة الأقحوان"، عام 1947.
عملت "نريمان خورشيد"، سكرتيرة، في شركة في تل أبيب شركة: ICI، وهي شركة للصناعات الكيماوية.
كانت نقطة التحول في حياتها، حادثة المنشية، حيث شاهدت من نافذة منزلها هجوم الصهاينة على حافلة باص في الشارع، وتنكيلهم بالركاب. وعند عودتها من عملها ذات يوم، شاهدت عمارة سكنية قد هدمها الصهاينة، على بعد خطوات من مكان عملها في تل ابيب، فانتابها الحماس، وألقت خطاباً حماسياً مؤثراً:
"يا لهول الفاجعة، ماذا أرى؟! ماذا حل بالبلاد العربية؟! حقاً إنها فاجعة عظيمة يعجز عن وصفها اللسان والقلب".
وعندما عادت في اليوم التالي إلى عملها، وجدت خطاب الفصل ينتظرها. أخبروها أن السبب هو الخطاب الناري الذي ألقته بالأمس، وقد تنكروا لإخلاصها في عملها، وحرموها من مستحقاتها.
عادت إلى البيت، وبدأت العمل، مع شقيقتها المناضلة "مهيبة نهاد خورشيد"، لتحويل الجمعية الخيرية، التي أسَّستاها، إلى منظمة للعمل العسكري، بعد الحوادث التي هزت وجدانهما، حيث أحسَّتا أنهما لا تستطيعان الوقوف مكتوفتي الأيدي، أمام مقتل الأطفال والنساء وجميع الأبرياء من الشعب الفلسطيني، وأنه لا بديل عن العمل العسكري، لتحقيق هذا الهدف.

*****
شكل التقصي عن المنظمة السرية، التي عرفت بـ "زهرة الأقحوان"، هدفاً من أهداف البحث الذي أجرته إدارة المرأة/ وزارة التخطيط، لتقصي المشاركة السياسية للمرأة الفلسطينية منذ الثلاثينيات.
لم تكن المنظمة مجهولة؛ لكن دورها في العمل السياسي، لم يكن واضحاً، ولم يكن مكتملاً، وجد تضارب في تحديد طبيعة عملها.
ذكرت بعض المصادر أنها فرقة نسائية للتمريض، تجندت عضواتها لمرافقة الثوار، وإمدادهم بالتموين والأسلحة، وذكرت مصادر أخرى أنها فرقة عسكرية، دون أن توضح طبيعة الدور العسكري، ونسبت قيادتها إلى رجل، كما تختلف المصادر في تسمية مؤسستي المنظمة، فهما جهينة وعربية خورشيد، حيناً، وهما دون اسم حيناً.
وهناك مصدر تاريخي واحد ذكر الاسم الصحيح لإحداهما: مهيبة خورشيد.
ومن خلال البحث والتقصي، وإجراء مجموعة مقابلات متنوعة، وتدقيق الروايات المختلفة، ضمن منهج التاريخ الشفوي؛ استطعنا استكمال الناقص، وتوثيق دور المنظمة، كما تم التأكد من أسماء مؤسستي المنظمة: "مهيبة خورشيد"، و"ناريمان خورشيد".
صحيح أن نشاط "زهرة الأقحوان" بدأ إنسانياً، يهتم بالوحدة ما بين الأديان، وبمساعدة الطلبة الفقراء بشكل غير مباشر؛ لكن دورها تطور إلى ممارسة العمل السياسي، بمفهومه الواسع، حيث اشتمل على العمل العسكري المنظم، وأعمال التمريض، وضمّت المنظمة النساء والرجال.
تتحدث "ناريمان خورشيد" عن انضمام اثنتي عشرة عضوة إليهما، بعد نشر أهداف المنظمة ما بين آنسات يافا:
"انضممت إلى أختي، ونشرنا الدعوة بين آنسات الطبقة المستنيرة في يافا، فانضمت إلينا اثنتا عشرة فتاة عربية، وقررنا مهاجمة الهاغانا في مواقعهم ومخابئهم وبنفس أسلحتهم، وتهيأت لنا الفرصة لنتسلح بالمدافع الرشاشة والبنادق والذخيرة، بعد أن تعلمنا إطلاق النار واستخدام السلاح".
كما تتحدَّث "مهيبة خورشيد"، عن انضمام رجال عرب وأجانب إلى الجمعية، ويتبين من شهادتها أن الجمعية بأكملها، قد تحولت إلى العمل العسكري.
ومن الواضح أن مستعمرة بيت يام؛ قد أصبحت هدفاً، منذ مقتل الطفل الفلسطيني على يد سكان المستعمرة.
وصفت "مهيبة خورشيد"، واحدة من المعارك، ضد قادة الصهاينة:
"سمعنا أن القيادة بدها تجتمع في (بيت يام)، قريبة من يافا، كيف بدي أعمل؟ قلت للعرب: إجمعوا الليلة أكثر من 30 عرق شجر، جابوا تقريبا 100 عود. غرزناهم في الرمل بين يافا وبين بيت يام. بعد العشا سمعنا ضرب من بيت يام علينا، والعيدان دول يجي عليهم رصاص؛ يوقعوا، وبعدين صار سكوت، قلت لهم: استنوا. لما شافوا إنه مفيش حركة، واللي كانوا واقفين مهاجمين مفيش حد؛ قال لك: ماتوا العرب كلهم؛ تقدّموا تقدموا.. اشتغلوا فيهم، إنزلوا فيهم؛ نزلوا طخ طخ، قتلوا كل اللي تقدموا".
كما روت "ناريمان خورشيد" أحداث معركة أخرى، اشتركت فيها مجموعة من عضوات المنظمة:
"اشتبكت ورفيقاتي مرة في معركة حامية، مع فرقة قوية من رجال العصابات، واستمر القتال طويلاً بالقنابل اليدوية، والمدافع الرشاشة والبنادق، حتى نفدت ذخيرتنا، بعد أن أفنينا منهم عدداً كبيراً، فلما نفدت الذخيرة، بدأ من بقي مهاجمتنا بالقنابل اليدوية، وأصابني بعض الشظايا وأغمي علي، وكدت أقع اسيرة في يدهم. ولكن الله سلم! فقد كان عدد من المجاهدين العرب على مقربة منا، فعز عليهم أن أقع أسيرة، وأسرعوا لنجدتي".

*****
وفي شهر نيسان عام 1948؛ سافرت المناضلة إلى لبنان، لزيارة عمها الذي يقيم هناك، وهو "عزت باشا خورشيد"، هناك قابلت أحد الصحافيين الأجانب، وعندما علم أنها العربية المجاهدة "نريمان خورشيد"؛ أهداها منظاراً كي تستخدمه في المعارك، حين العودة إلى وطنها فلسطين، وأهداها مسدساً أيضاً، تخلصت منه بعد ذلك.
لم تستطع العودة إلى يافا، بعد تطهير المدينة عرقياً في 28 نيسان 1948، وتهجير أهلها، سافرت من لبنان إلى مصر، والتقت شقيقتها في القاهرة. تقدمت في 25/7/1948 للالتحاق بمعهد طيران امبابة؛ بناء على الاتفاق مع زملائها الثوار، استعداداً لاستئناف القتال ضد الصهاينة. وصل عدد المتدربات معها إلى عشرين فتاة، وأتمت تدريبها بتفوق ملحوظ.
عملت، بعد ذلك، في شركة الأسمدة العضوية في القاهرة، في الفترة من 1/1/1949 حتى 14/5/1949، تعرفت خلالها على زوجها، الذي طلب منها ترك العمل، والتفرغ للبيت والأولاد.

*****
يا بنة يافا/ يا بنة فلسطين،
ما تزال صرختك التي أطلقتها عام 1947؛ تدوَّي، وتدعو للنضال.
نعدك بأن نحمل الرسالة بأمانة، ونستمر، حتى نحقق حلم العودة.
وسوف تبقى مساهمتك السياسية، ومساهمة الرائدات الفلسطينيات؛ هدياً للشعب الفلسطيني بأسره، في نضاله لنيل الحرية.

انشر المقال على: