الخميس 25-04-2024

مصر : العمود الفقري

×

رسالة الخطأ

د. فوزي الأسمر

مصر : العمود الفقري
بقلم : د. فوزي الأسمر

كانت مصر ، ولا تزال، تشكل العمود الفقري للوطن العربي على جميع المستويات .ولهذا جاء الإهتمام الكبير لمجريات ما يحدث فيها من تطورات سياسية وعسكرية وإجتماعية وطبعا إقتصادية . وشكلت الإنتخابات الأخيرة تحولا تاريخيا في حياة مصر فهي الأولى من نوعها ، وهي تعبير عن تغيير أساسي في حياة الشعب المصري.
ولم يكن حدوث مثل هذا التغيير ممكنا بدون قيام الشباب المصري بثورته المجيدة يوم 25كانون الثاني / يناير التي أطاحت بالنظام الفاسد وقادته ، ومهدت السبيل لتحول جذري في حياة الشعب المصري . فقد جاءت هذه الثورة بالخطوات الأولى للديمقراطية ، مما فتح المجال أمام تنظيمات كانت قائمة إستغلالها والوصول إلى سدة الحكم مستغلة عدم التنظيم ، وفقر التجربة لدى شباب الثورة . ولكن المهم بالأمر كان البدء بالخطوات الأولى وتثبيت حقيقة الإنتخابات ، إســـتـــعــدادا للمستقبل.
وبغض النظر عن المجموعة الحاكمة ، إلا أن هناك ثوابت تاريخية تتعلق بمصر ودورها عربيا وإقليميا ودوليا . فهي بمثابة العمود الفقري لكل تحركات تجري خصوصا في منطقتنا العربية . ولهذا فإن الرئيس محمد مرسي ، سيواجه تحديات كبيرة وكثيرة ، ولا يمكن التعامل معها من منطلق حزبي وفكري ضيق ، فهذا معناه العودة إلى أسس النظام السابق.
فالوضع الداخلي يتربع على قمة أولويات أي رئيس في مصر . هناك التحدي الإقتصادي ، فلقمة العيش هي الأساس لكل إنسان . والسيد مرسي لم يتقدم لناخبيه ببرنامج إقتصادي مفصل وواضح ، ولم يناقش السبل التي سيتبعها للسيطرة على الوضع الإقتصادي المتدهور في البلاد . ومن ثم تثبيت الأمن الداخلي في أعقاب الإنفلات الذي واكب التطورات الأخيرة . إضافة إلى التحديات الإجتماعية والصراع الذي قد ينجب نتيجة الأفكار الإجتماعية المتناقضة ، وهو تحدي يحتاج رؤية واقعية و إلى جرأة وأصرار ، ومواقف تتماشى مع طبقات الشعب المصري بكامله.
وهناك التحديات السياسية الإقليمية منها والعالمية ، فعلى الرغم من الخطاب الذي ألقاه الرئيس المنتخب مرسي في أعقاب فوزه في الإنتخابات ، إلا أن هذا الخطاب لم يعط أية تفاصيل واضحة للسياسة التي سيتبنها الرئيس الجديد ‘ إذا ما إستثنينا قوله أن مصر ستحترم كل الإتفاقيات الدولية الموقعة معها . وقد يكون هناك من يقول أنه قد يكون سابق لأوانه التحدث عن أية تفاصيل ، ولكن الشعب المصري أطاح بالنظام الفاسد ليس فقط بسبب الفساد والوضع الإقتصادي ، بل أيضا بسبب المواقف السياسية التي تبناها ذلك النظام ، والتي جعلت معظم المصريين يشعرون بالإحتقار الذاتي .فقد كان من المهم بمكان أن يشير الرئيس مرسي إلى بعض النقاط التي توحي بأن الأمور لن تعود إلى ماكانت عليه إبان النظام الفاسد.
وهناك معادلات كثيرة ضمن هذه التحديات الإقليمية ، وفي مقدمتها ، في رأيي ، القضية الفلسطينية التي مهما حاولت كل القوى المعادية ، بما فيها قوى عربية ، إدراجها في المرتبة الثانية من الأولويات (على سبيل المثال يعتقد الأستاذ تركي السديري رئيس تحرير جريدة الرياض السعودية أن الخطر الأساسي الذي يهدد الخليج هو الخطر الإيراني وليس الإسرائيلي ، فمن حقه أن يفكر بهذا الأسلوب ، ولكن قوله أن إسرائيل لم تتدخل بالخليج ولا تشكل تهديدا مستقبليا عليه ، فهذا أمر مختلف . ويكفي أن نشير إلى إحتلال إسرائيل لجزيرتين سعوديتين هي :تيران وصنافير المحتلتين منذ عام 1967 لنعرف أن لإسرائيل أطماع في تلك المنطقة أيضا ).فقد برهن قادة الربيع العربي أن القضية الفلسطينية تشكل أحد الأسس في إستراتيجيتها الإقليمية.
والموقف من إسرائيل يلعب دورا أساسيا بالنسبة للشعب المصري ، فرغم كل الحساسيات التي تشمل هذا الموضوع ، إلا أن ذلك لا يعفي الرئيس مرسي من وضع بعض النقاط على الحروف تؤكد أنه لن ينتهج السبيل الذي إنتهجه النظام السابق في العلاقات مع إسرائيل ، خصوصا بالنسبة لبيع الغاز الرخيص ، وبالنسبة لبعض بنود إتفاقية كامب ديفيد التي لم تنفذها إسرائيل ، وبالنسبة لقطاع غزة وغيرها من الأمور. هذه المواقف مهمة في ترسيخ السياسة الإقليمية المصرية . ويساعدها على العودة إلى موقعها القيادي القومي العربي والإقليمي على حد سواء.
فإسرائيل رغم موقفها المعلن أنها :تحيي التحرك الديمقراطي الذي طرأ على مصر ، إلا أن مواقفها غير المعلنة تشير إلى غير ذلك . فقد نشرت صحيفة " معاريف " ( 25/6/2012 ) على أثر فوز حــــزب " الحرية والعدالة " الذي يمثل وجهة نظر حركة الإخوان المسلمين ، تقول أن :"هناك تخوفات كبيرة لدى المؤسستين السياسية والأمنية من تداعيات إنتخاب مرسي ، وذلك على الرغم من تأكيده في خطاب الفوز الذي ألقاه بعد إعلان نتائج الإنتخابات ، أن مصرستحترم جميع الإتفاقيات الدولية التي وقعتها . وعلى ما يبدو فإن هذه التخوفات تتعلق بما يمكن أن يحدث على المدى البعيد لا على المدى القصير.
وأشارت صحيفة " هآرتص " ( 25/6/2012)أن مسؤولين أمنيين إسرائيليين رفيعي المستوى :" يؤكدون في الأحاديث المغلقة أنه في حالة إقدام مصر في ظل رئاسة مرسي على تغيير سياستها العامة ، فإن إسرائيل ستواجه مشكلات أمنية أصعب بكثير من المشكلات التي تواجهها مع حزب الله في لبنان والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة . وسيجبرها هذا الأمر تخصيص ميزانيات هائلة لتغيير الإستعدادات العسكرية على الجبهة الجنوبية.
لقد شكل خروج مصر من معادلة التطورات في المنطقة إلى إضعاف الخطاب القومي العربي،وفتح المجال أمام الدول الكبرى وإسرائيل لإستغلال الأمور وتسخيرها لمصالحها وهيمنتها . كما فتحت المجال أما التعصبات الطائفية والمذهبية وأشعلت نيران التعصب القبلي والعشائري . لقد برهن هذا الضعف أن في مقدوره جر البلاد وقادتها إلى متاهات التبعية والرضوخ لمطالب تتناقض مع المصلحة الوطنية والقومية وبالتالي الوصول إلى ما وصل إليه النظام السابق.
ويبقى السؤال : كيف ستتعامل مصر بقيادة محمد مرسي مع هذه التحديات ؟
2012-06-29

انشر المقال على: