الاثنين 20-05-2024

مساهمة المرأة الفلسطينية في ثورة 1936

×

رسالة الخطأ

د. فيحاء قاسم عبد الهادي

مساهمة المرأة الفلسطينية في ثورة 1936
بقلم: د. فيحاء قاسم عبد الهادي

لا يذكر التاريخ المدوَّن الكثير عن مساهمة المرأة الفلسطينية في ثورة 1936م، لكن التاريخ الشفوي يمدنا بمعلومات ثرية عن هذه المساهمة، نستقيها ممن عاصروا تلك الفترة التاريخية من النساء والرجال. وتأتي شهادة الحاجة "سناجق محمد أسعد برهم" ـ التي قضت في رامين/ طولكرم في السادس والعشرين من آب، من العام 2012 ـ لتؤكد هذه المشاركة، وتضيف إليها.
* * * * *
لم ينكر التاريخ المدون مشاركة المرأة في ثورة الـ 1936م، كما لم ينكر مشاركتها في الحياة الاقتصادية والزراعية، لكن بعض المصادر التي اعتمدت على التاريخ الشفوي اعتبرت أن مشاركة المرأة كانت هامشية، ولم يسجل لها سوى دور واحد من أدوار المشاركة، من خلال الكثير من المصادر، وهو الدور التمويني؛ ما استلزم بحثاً متعمقاً حول طبيعة المشاركة، وتقصي أدوار النساء المختلفة، مما لم يرد في صفحات التاريخ المدوَّن. بالإضافة إلى اتباع منهج التأريخ ذي المنظور النسوي الذي يستفيد من إمكانية أسلوب المقابلة الثري، والذي يتيح للباحثات والباحثين، أن يسألوا الرواة، عن معنى المصطلحات التي يستخدمونها، في تقييمهم لعمل النساء، كما يتيح لهم أن يسبروا غور الرواة؛ ليصلوا إلى المناطق المسكوت عنها.
وتأتي شهادة الحاجة "سناجق محمد أسعد برهم"، ضمن مشروع التأريخ الشفوي للمرأة الفلسطينية منذ الثلاثينيات، الذي بادرت إليه إدارة المرأة/ وزارة التخطيط، عام 1998-1999، لتؤكِّد ما جاء في التاريخ المدوَّن، حول الدور التمويني للنساء، ولتضيف إلى هذا الدور أدواراً فاعلة أخرى.
* * * * *
أدركت المرأة الريفية أهمية السلاح، في الدفاع عن الأرض الفلسطينية، وربطت مبكراً بينه وبين الحياة الكريمة الحرة؛ ما دعاها إلى أن تحافظ عليه، وتحميه بجسدها وجسد أولادها؛ الذين هم أعز ما تملك. ساهمت في نقل السلاح وإخفائه، إلى تنظيفه، وتزييته، وتعبئته، إلى التدرب على استخدامه، إلى حمله والمشاركة في استخدامه، أسوة بالرجال.
تشهد الحاجة "سناجق برهم"، على قوة وجرأة وذكاء والدتها، التي أخفت سلاح زوجها، عن عيون العساكر البريطانيين، غير آبهة بالعواقب:
"البلد ملانة عسكر، وأبو عباس بقى مروِّح، والسلاح راميه على المصطبة، السلاح والفشك والجميع على المصطبة. أمي خبَّته، زقَّته. زبَّلت ها الطابون. وقعدت. أجوا الصبح عادي، قال لها: يالله، إنت بيروح على الجامع، قالت له: أنا بروحش، أنا ختيارة وقاعدة هون، قال لها: كيف ختيارة وبتروحيش؟! قالت له: أنا قاعد في باب داري، أنا ختيارة وبقدرش. قال لها: قلت لك روحي. بقتش تخاف لا من الإنجليز ولا من اليهود! كل الناس رحلت إلا أمي، أمي ما رحلت، ظلتها في الدار وقتها (تحرس السلاح)".
كما حفظت ذاكرة الحاجة "سناجق"، أسماء بعض النساء، اللواتي كن لا يكتفين بنقل الأسلحة وإخفائها وتنظيفها والتدرب عليها؛ بل يحملن السلاح، ويشاركن في المعارك.
من بين هذه الأسماء؛ يبرز اسم "حليمة محمد الحاج محمد"، الذي احتلَّ موقعاً مميزاً، في ذاكرة النساء والرجال، الذين تحدثوا عن مشاركة النساء السياسية، في الثلاثينيات:
"آه تطخّ على الإنجليز، مهو أخوها لاخري يطخّ وهي تطخّ. درَّبوها على السلاح يعني. علَّمها أخوها. علَّمتها الثورة. مَ أخوها رئيس الثورة"بالإضافة إلى كونها شقيقة القائد العسكري لثورة عام 1936؛ حملت "حليمة محمد الحاج محمد" من السمات الشخصية والأفعال، ما جعلها تستقر في ذاكرة الأجيال.
تلك المرأة الشجاعة، التي كانت تصنع المشاعل للثوار، وتعطيها لهم كي يأخذوها إلى البيارات، ويحرقوا ما أقامه الصهاينة على أرضهم. لم تكن تعمل وحدها، كانت تعمل معها "أم أشرف"، و"فضة"، وكثيرات؛ ولكن شخصيتها القيادية، جعلتها الشخصية الأبرز، عند الحديث عن عمل المرأة الجريء، في تلك الفترة التاريخية.
تروي الحاجة "سناجق"، عن دور الحاجة "حليمة"، في نقل جثة القائد "عبد الرحيم الحاج محمد"، بعد استشهاده، لدفنه في بلده ذنابة، متحدية قرار الإنجليز، بمنع دفنه في بلده:
."الحاجة حليمة اللي قالت لهم روحوا احفروا القبر طلعوا الجثة وجيبوها"
وتؤكد الحاجة "سناجق"، خروج الحاجة "حليمة" إلى صانور، وتدبيرها مع رفاق القائد، إعادة جثة القائد الشهيد، ودفنها حيث يليق بها أن تدفن:
"نقله أهل بلدنا وأخته. أخته أجت هون لَـ "أبو الراجح". أخذوا الجمل من هونا. خايفين الإنجليز ياخذوه. طلعت معه. حملوه على الجمل، وجابوه على بلدنا. ميَّلوه في الدار العتيقة شوية، وحماوه برضه، طفشوا فيه، مرقوا فيه على ذنابة تهريب. وقالوا: يا ناس، اقبروه قبل الصبح. الإنجليز بتقتحم البلد، وتاخذه منا. بحشوا له في الليل، ودفنوه، وبعدين، دريت البلد كلها.
* * * * *
."آه بس حليمة، حليمة راحت معهم على الوفد لأنها زلاّميّة، وبقت صغيرة في السن"
ربطت الحاجة "سناجق"، بين الرجولة، وطيش الشباب، وحمل السلاح؛ حين أطلقت صفة زلاّمية، على الحاجة "حليمة"، التي حملت السلاح، وقاتلت إلى جانب الرجال؛ لكنا حين ندقِّق في شهادتها؛ نلاحظ وعياً فطرياً عميقاً لأهمية الدور السياسي للنساء، واعترافاً بقدراتهن اللامحدودة، على العمل جنباً إلى جنب، مع الرجل، للدفاع عن الوطن، والانتصار لحريتهن وحرية شعبهن.
الحاجة "سناجق"، سوف تبقى إسهاماتك، وإسهامات نساء جيلك؛ في الذاكرة الشعبية الجماعية للشعب الفلسطيني، ولشعوب العالم التي تناضل من أجل الحرية.

انشر المقال على: