الجمعة 29-03-2024

مرسي بلا نوايا "مزلزلة"

عدلي صادق

منافع كثيرة، سيوفرها إعلان فوز مرسي بفارق ضئيل، على منافسه شفيق، الذي يدور الحديث في دوائر مصرية واسعة، عن كونه الفائز الحقيقي، لكن الأرجحية أعطيت لمرسي، توخياً للتهدئة، ودفعاً للشر وللتشكيك في نزاهة وحياد الدولة "العميقة". ثم إن لنجاح مرسي، منافع شتى، أقلها معالجة أوهام الزلزلة، لدى صغار "الإخوان" في مصر وغزة وسواهما. وقيل في الأروقة المصرية، إن إعلان الأرجحية لمرسي، سبقته عملية تفاوض على ملامح العمل الرئاسي الجديد، لم يكن الأمريكيون بعيدين عنها. فالعقيدة الأمنية حيال الإقليم، ستظل على حالها، والشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة أعلن عنها خيرت الشاطر بوضوح بليغ. وهذا الأخير، هو صاحب مشروع "النهضة" الانتخابي الذي صاغه لجماعة "الإخوان" وخاض به مرسي سباق الرئاسة. وستكتسب منذ الآن، علاقة رئيس جمهورية مصر العربية بالأمريكيين؛ زخماً جديداً، بحيث ينحصر كل ما نأمله فلسطينياً، من الرئاسة المصرية، ومن أهل "الربيع العربي" برمته؛ في الذهاب الى عملية مضنية، لإعادة صياغة العلاقة مع الأمريكيين، بحيث تقوم هذه العلاقة على قاعدة المصالح والاحترام المتبادل، لكي يصبح معلوماً وواضحاً لكل مراقب، أن العلاقة ليست ذيلية ولا بائسة، بحيث يشبع فينا الأمريكون "لطشاً" وانحيازاً لإسرائيل حين يقفون على يمين اليمين الصهويني، دون أن تتأثر خيارات العرب على أصعدة التعاون الأمني والعسكري وتسهيلاتهما، والسياسة النفطية استخراجاً وتسويقاً وتسعيراً، والشراكة التجارية، والودائع المصرفية وغير ذلك من مجالات. فالأمريكيون حتى الآن، يرفضون أن نتقدم بطلب العضوية في الأمم المتحدة، سواء كان الطلب عبر مجلس الأمن، لعضوية كاملة، أو كان طلب اعتراف بدولة غير عضو. كما يرفض الأمريكيون انضمام فلسطين لأية منظمة دولية، ويمتنعون عن ممارسة أي ضغط لإلزام إسرائيل بوقف التوسع الاستيطاني والعدوان على غزة وخرق كل القوانين الدولية! * * * مرسي، في خطابه الأول بعد الإعلان عن فوزه، لم يعد بشيء فلسطينياً، ولم يأت على ذكر فلسطين. ونخشى أن يكون سخاؤه في الوجهة الفلسطينية هو التماشي مع "حماس" في مشروع لن يؤدي الى غير رمي غزة في حضن مصر، لكي تُرمى الضفة في حضن الأردن ويضيع أمل التحقق الوطني الفلسطيني المستقل، على الأرض الفلسطينية. والحمساويون، يتطلعون الى تحويل غزة الى جغرافيا سياسية مستقلة، وهذا هو سر عملهم سراً وعلانية على إحباط المصالحة. وقد انتشى بعض ناطقيهم بفوز مرسي، الى درجة الحديث عن استمرار المطاردة لفلول مفترضة سموها "فلول أوسلو". لكن منطق الأمور يقضي بأن مرسي سيجد نفسه مضطراً لمطاردة فلول حقيقيين سرقوا سيارات المواطنين المصريين، إدخالاً لها من الأنفاق، ثم جباية ضرائب ورسوم مثلثة وصولاً الى ترخيصها وتبييضها. فالمسروقة منهم، هم من أهل الثورة، ومن تولوا الترخيص والتبييض، هم الفلول. كذلك سيكون مرسي، كراعٍ لمصالح مواطني بلاده واقتصادها وأمنها، مضطراً لمطاردة الفلول المارقة لتجارة الأنفاق والسلاح واللعب في ساحة سيناء. فلينظر كل طرف ـ بلا مؤاخذة ـ في فلوليته، قبل أن يرمي الآخرين بالفلولية! أما الإشارات المبكرة، لتوجهات مرسي، فتتلخص فيما سماه هو نفسه "خطاب السلام". ولن يقبض الشعب الفلسطيني من موزعي الحلوى بمناسبة إعلان فوز المرشح الإخواني؛ زعمهم البائس بعدئذٍ، بأن مسعى السلام مسعيان مختلفان، واحد هو الإخواني الحميد والإيماني، بينما الثاني (أي المسعى لتحقيق التسوية المتوازنة) عند سواهم، خبيث وكافر. ومرسي، على صعيد السياسة الخارجية، لم يترك هامشاً لتوقعات مزلزلة. وفي الجوهر، نحن معه عن قناعة وليس عن نفاق وتمحك، مثلما نحن مع الطرح الحمساوي لو أن ظروف الأمة تساعد على الزلازل المباركة والمظفرة!

انشر المقال على: