الاثنين 06-05-2024

لم يبقَ إلا الانتفاضة الثالثة

×

رسالة الخطأ

إلياس سحّاب

لم يبقَ إلا الانتفاضة الثالثة
بقلم: إلياس سحّاب

لم تبقِ الأوضاع الراهنة لشعب فلسطين ما يفعله، ليمنع وقوع التصفية الكاملة والنهائية سياسياً واجتماعياً للقضية، سوى أن يتحرك بنفسه في انتفاضة ثالثة، تتجاوز تماماً الانتفاضتين الأوليين، وتعبر عن نفسها بهبة فلسطينية شعبية عارمة ضد الكيان الصهيوني، في الأراضي المحتلة عام 1948، وتلك المحتلة عام 1967.
وما لم تقم هذه الانتفاضة الثالثة بقوة وزخم كاملين، فإن الحركة الصهيونية المعبر عنها بدولة «إسرائيل» من جهة، وبجحافل المستوطنين الوحوش من جهة ثانية، ماضية في الانقضاض على عرب الضفة الغربية والقدس، حتى تهجيرهم، كما حدث في العام 1948، أو إخضاع من بقي منهم إلى عملية استتباع كاملة للكيان الصهيوني الذي يسيطر هذه المرة على كامل التراب الفلسطيني. وهذا مصير واضح على أكثر من صعيد:
1- دولياً: حصل في المجتمعات المدنية في أوروبا وأمريكا اللاتينية بالذات، في السنوات الأخيرة تفهم لأعماق المأساة الفلسطينية وضرورة حلها حلاً إنسانياً مقبولاً وعادلاً، إلا أن هذا التفهم لا أثر له على صعيد أنظمة تلك الدول (خاصة الأوروبية)، الماضية في تقديس أمن «إسرائيل»، مهما ارتكبت حتى في الأراضي التي يعتبرها القانون الدولي نفسه محتلة (1967).
2- عربياً: ومع أن قضية فلسطين ما زالت على الصعيد الشعبي، هي قضية العرب الأولى بين المحيط والخليج، فإن معظم الأنظمة العربية قد أكملت منذ سنوات طويلة انخراطها في فلسفة كامب ديفيد، التي ملخصها إقامة علاقات مع «إسرائيل»، دون فرض أي حل عادل لقضية فلسطين.
3- فلسطينياً: أصبح من الواضح أن السلطة في رام الله، التي تعتبر قانونياً الممثل الشرعي لمن تبقى من عرب فلسطين، قد أعلنت عن الإفلاس الكامل لاتفاقيات أوسلو التي وقعت منذ أكثر من عشرين عاماً، دون طرح أي بديل جدي، سوى أحلام ملاحقة «إسرائيل» في الأوساط الدولية، الحانية كلها على «إسرائيل»، وعلى الحركة الصهيونية. أما أهلنا في قطاع غزة، فإن تجاربهم المتكررة مع الاحتلال «الإسرائيلي»، لم تسفر حتى الآن إلا عن تدمير كامل للقطاع في كل جولة، حتى أصبح إعمار القطاع همهم الأول.
في مقابل هذه الأوضاع البائسة دولياً وعربياً وفلسطينياً، تمضي «إسرائيل» في تحريك جحافلها الاستيطانية المتوحشة، لمجزرة جديدة ضد من تبقى من عرب في القدس والضفة الغربية، هدماً للبيوت وحرقاً للأحياء، وإخضاعاً لا إنسانياً لحرية الأسرى الفلسطينيين في أن يصوموا عن الطعام متى أرادوا.
إن هذا الوضع، بحالته الراهنة، وبجميع تفاصيله، هو الحلم الذي تريد الحركة الصهيونية استمراره، إلى أن تستكمل عملية طرد العرب في نكبة ثانية موازية لنكبة عام 1948، أو الإخضاع والاستتباع الكامل لمن تبقى منهم صامداً على أرض فلسطين.
إنها جولة مصيرية من جولات القضية الفلسطينية، لم يعد عرب فلسطين يملكون إزاءها سوى التحرك الشامل، من البحر إلى النهر، في انتفاضة عصيان مدني في جميع المجالات على سلطة الاحتلال «الإسرائيلي»، وفي عملية تحد مفتوح لا يتوقف إلا بفرض الحل العادل للقضية من جذورها في العام 1948. ولا أعتقد أن الأوضاع في الضفة الغربية والقدس، بعيدة عن هذا الحل الذي لم يبق لعرب فلسطين سواه.

انشر المقال على: