لجنة أممية تدعو" إسرائيل" إلى تنفيذ فوري لفتوى لاهاي
دعت اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف الحكومة الإسرائيلية إلى التنفيذ الفوري والتام لفتوى المحكمة بتفكيك نظام الجدران والأسوار والحواجز الذي أقيم في الضفة الغربية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، وتقديم التعويضات لجميع الفلسطينيين الذين تضرروا من جرّاء تشييد الجدار.
جاء ذلك خلال اجتماعها اليوم الأربعاء لإحياء ذكرى إصدار محكمة العدل الدولية في 9 تموز/يوليه 2004 فتواها التاريخية بشأن الآثار القانونية الناشئة عن تشييد جدار في الأرض الفلسطينية المحتلة.
وقالت اللجنة إن استمرار تجاهل إسرائيل للنتائج التي خُلص إليها في الفتوى بعد انقضاء عشر سنوات على صدورها، إلى جانب انتهاكاتها الممنهجة والمتعمدة للقانون الدولي، كلها أمور تقوّض ما تبقى من ثقة بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
وبينت أن هذه التصرّفات تعرقل أي مساع للتوصّل إلى تسوية شاملة وعادلة ودائمة لقضية فلسطين تقوم على أساس وجود دولتين - دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة ومتصلة جغرافيا وقابلة للحياة، عاصمتها القدس الشرقية، تعيش جنبا إلى جنب مع إسرائيل في سلام وأمن على أساس حدود عام 1967.
وأكدت النتائج التي خُلص إليها في فتوى عام 2004، ومنها أن الجدار الذي بدء بتشييده من قِبل إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، في عام 2003 في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك في القدس الشرقية وحولها، يتعارض والنظام المرتبط به مع القانون الدولي.
كما أكدت أن إسرائيل ملزمة بإنهاء انتهاكاتها للقانون الدولي ووقف أعمال تشييد الجدار وهدم ما بُني منه، وأن إسرائيل ملزمة أيضا بجبر جميع الأضرار الناشئة عن تشييد الجدار، وهو ما أعيد تأكيده في قرار الجمعية العامة دإط-10/17، الذي أنشأت الجمعية العامة بموجبه 'سجل الأمم المتحدة للأضرار الناشئة عن تشييد الجدار في الأرض الفلسطينية المحتلة'، كما خلصت المحكمة أيضا إلى أن إقامة المستوطنات الإسرائيلية في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، تمثل خرقا للقانون الدولي.
وأعادت اللجنة تأكيد ما خلصت إليه المحكمة من أن جميع الدول ملزمة بعدم الاعتراف بالوضع غير القانوني الناجم عن تشييد الجدار، وبعدم تقديم أي عون أو مساعدة على الإبقاء على الوضع الناجم عن تشييد هذا الجدار؛ وأن جميع الدول الأطراف في اتفاقية جنيف الرابعة ملزمة بكفالة امتثال إسرائيل للقانون الإنساني الدولي.
وكررت طلب المحكمة إلى الجمعية العامة ومجلس الأمن أن ينظرا في ما يجب اتخاذه من إجراءات إضافية لإنهاء الوضع غير القانوني الناشئ عن تشييد الجدار وعن النظام المرتبط به.
وشددت على أن هذه الفتوى ذات الحجية التي صدرت عن المحكمة قد وفرت إطارا قانونيا دوليا مهما منطبقا على الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية، وقد كشفت المحكمة بجلاء في فتواها هذه الارتباط القائم بين الجدار وسياسات الاستيطان غير القانوني التي تتبعها إسرائيل، ودعت الجهات الفاعلة المسؤولة إلى الوفاء بالتزاماتها بموجب قواعد وأحكام القانون الدولي.
وأشارت إلى الحكومة الإسرائيلية تدعي أن تشييد الجدار كان تدبيرا أمنيا مؤقتا
، غير أن المحكمة أشارت إلى أن إسرائيل لم تكن بحاجة إلى اختيار ذلك المسار الذي رسمته للجدار لكي تحقق أهدافها الأمنية، وأن تشييد الجدار يشكل ”إخلالا من جانب إسرائيل بالتزامات شتى واجبة عليها بمقتضى القانون الإنساني الدولي الساري وصكوك حقوق الإنسان“، فالقسم الأعظم من مسار الجدار، أو 86% منه، يقع داخل الضفة الغربية، لا على طول خط هدنة عام 1949 (الخط الأخضر/حدود ما قبل عام 1967).
وبينت أن المحكمة أشارت إلى أن مسار الجدار قد اختير بحيث يحيط بالقسم الأكبر من المستوطنات الإسرائيلية في الأرض الفلسطينية المحتلة، وهي مستوطنات غير قانونية بموجب القانون الدولي، وبالتالي فإنه يمثل تماديا في ارتكاب الانتهاكات.
وقالت إنه بعد مرور عشر سنوات على إصدار محكمة العدل الدولية فتواها، لم يتحسن الوضع. فإسرائيل مستمرة في تجاهلها الصارخ للفتوى وأعمال تشييد الجدار ما زالت مستمرة، ما يؤدي إلى مصادرة مزيد من الأراضي والممتلكات الفلسطينية وتشريد آلاف المدنيين الفلسطينيين، ويتسبب في تقويض شديد لاتصال الأراضي الفلسطينية وعزل للقدس الشرقية المحتلة وغيرها من المدن والبلدات الفلسطينية.
ووفقا للمخططات الإسرائيلية، سيبلغ إجمالي طول الجدار في حال إكماله 712 كيلومترا، وهو ما يفوق ضعفي طول الخط الأخضر، وقد أُنجز قسم من الجدار يبلغ طوله نحو 443 كيلومترا ويتألف من حوائط خرسانية وأسوار وخنادق وأسلاك شائكة وممرات رملية ونظم للمراقبة الإلكترونية، ويجري تشييد قسم آخر بطول 72 كيلومترا.
وأضاف أن الجدار ليس سوى عنصر واحد من عناصر النظام الأوسع للقيود الشديدة التي تفرضها إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، على حرية تنقل السكان الفلسطينيين المدنيين في الضفة الغربية. ويوجد حاليا ما يزيد على 600 من حواجز الإغلاق التي تعوق حركة الفلسطينيين داخل الضفة الغربية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن نظام الطرق الذي تشيده إسرائيل بالاقتران مع الجدار والمستوطنات هو نظام تفريقي بصورة متزايدة، فهناك طرق تقطع مسافات تقاس بمئات الكيلومترات في الضفة الغربية يقيَّد سفر الفلسطينيين عليها أو يُحظر تماما، بينما يُسمح للإسرائيليين بالسفر عليها بحرية. ويحظر كليا على الفلسطينيين الدخول إلى ثلث الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية المحتلة، دون تصريح خاص صادر عن الجيش الإسرائيلي.
وقالت إن هذه القيود الصارمة المفروضة لا تشكل انتهاكا للحق في حرية التنقل فحسب، بل إن تأثيرها الفعلي يمتد إلى منع السكان الفلسطينيين من التمتع بطائفة واسعة من حقوق الإنسان الأخرى، بما في ذلك الحق في العمل، وفي الصحة، وفي التعليم، وفي العيش بمستوى لائق، وفي التنمية. فالمزارعون يُمنعون من الوصول إلى حقولهم، ومن ممارسة حقهم في كسب الرزق. والأطفال يُمنعون من الوصول إلى المدارس، والطلاب يواجهون قيودا في اختيار الجامعة التي يلتحقون بها. والمرضى يُمنعون من الوصول إلى المستشفيات، وبالتالي يُحجب عنهم الحق في التمتع بأعلى مستوى صحي يمكن بلوغه. وما زالت الأسر الفلسطينية، ولا سيما أسر اللاجئين البدو، تجبر على ترك ديارها وأراضيها، ذلك أن مسار الجدار يخترق تجمّعاتها، فتستولي السلطة القائمة بالاحتلال على أراضيها وممتلكاتها. ويفتقر الفلسطينيون حاليا إلى وسيلة يُعتدّ بها للانتصاف القانوني أو غير القانوني الفعّال تعينهم على محنتهم.
وأعربت اللجنة عن تقديرها لكيانات منظومة الأمم المتحدة العاملة على أرض الميدان لما قامت به على إثر التطورات التي استجدّت في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، من تقديم للمساعدات إلى الشعب الفلسطيني وتوثيق للآثار السلبية الشديدة المترتّبة على الجدار والمستوطنات وما اقترن بذلك من سياسات إسرائيلية تقييدية.
كما أعربت اللجنة في هذا الصدد عن تقديرها للعمل الذي يقوم به سجلّ الأمم المتحدة للأضرار، داعية إلى الإسراع بتنفيذ ولايته.
وأكدت من جديد إدانتها لجميع السياسات والتدابير غير القانونية من جانب إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، بما في ذلك الاستمرار في تشييد الجدار وتوسيع المستوطنات، وشن الغارات العسكرية على المناطق المدنية، والاستخدام المفرط للقوة ضد المتظاهرين الفلسطينيين، والمداهمات، واعتقال الفلسطينيين واحتجازهم، وإساءة معاملة الأسرى والمعتقلين، واستئناف فرض الحصار الخانق على قطاع غزة.
وأعربت اللجنة عن شديد أسفها لبقاء مجلس الأمن صامتا حيال المسألة الحرجة المتمثلة في تشييد إسرائيل للجدار، ولامتناعه في السنوات الأخيرة عن اتخاذ إجراءات لإدانة انتهاكات إسرائيل المستمرة للقانون الدولي ووضع حد لهذه الانتهاكات، خاصة عندما يتعلق الأمر بتوسيع المستوطنات غير القانونية وببناء الجدار.
ودعت مجلس الأمن إلى اتخاذ إجراء عاجل وحازم لحمل إسرائيل على وقف انتهاكاتها للقانون الدولي.
وعلاوة على ذلك، دعت اللجنة المجتمع الدولي إلى اتخاذ تدابير لمحاسبة إسرائيل على أعمالها وحمل السلطة القائمة بالاحتلال على الكفّ عن ارتكاب الانتهاكات واختيار طريق السلام.
وقالت إن على الدول الأطراف في اتفاقية جنيف الرابعة التزام أكّدت عليه المحكمة بكفالة امتثال إسرائيل للقانون الإنساني الدولي. ويلزم اتخاذ إجراءات ملموسة على الصعد السياسي والدبلوماسي والاقتصادي.
وأضافت أنه من شأن الاعتراف بدولة فلسطين ودعم سبل احتكام فلسطين إلى المعاهدات الدولية أن يشكل خطوة هامة على صعيد إعمال حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، وكذلك فإن ضمان ألا يكون لمؤسسات وشركات الأعمال أي صلات بالشركات المتربحة من الاحتلال، بما في ذلك التربُّح من المستوطنات والجدار، من شأنه أن يشكل خطوة هامة على صعيد إعمال القانون الدولي.
وأشادت اللجنة بالمبادئ التوجيهية التي اعتمدها الاتحاد الأوروبي في هذا الصدد لحظر تمويل المستوطنات، كما أشادت بسائر التدابير التي تتخذها الدول لمحاسبة إسرائيل على ما ترتكبه من انتهاكات في هذا الصدد.
وقالت إنه يلزم اتخاذ المزيد من الخطوات النشطة من جانب المجتمع الدولي والحكومات والمنظمات الدولية والبرلمانيين والمجتمع المدني من أجل إنقاذ الحل القائم على وجود دولتين وفقا لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة ولمبادئ مدريد ومبادرة السلام العربية، كما يلزم تقديم المساعدة إلى الشعب الفلسطيني لكي يتمتع بحقوقه في العدالة والحرية والسلام، وهي من الحقوق غير القابلة للتصرف.