الجمعة 29-03-2024

لا لحل الدولتين

محمد خضر قرش – القدس

لا لحل الدولتين

محمد خضر قرش – القدس

منذ ان تقدمت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بمبادرتها الشجاعة والجريئة المتعلقة بالنقاط العشر عقب حرب أكتوبر الوطنية عام 1973 والتي تضمنت احداها " إنشاء سلطة وطنية على أي شبر أو قطعة محررة من أرض فلسطين كمحطة نحو تحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني."وقد طرحت للمناقشة والتصويت عليها ومن ثم إقرارها في المجلس الوطني في دورته ال 12 في شهر حزيران من العام 1974 وقد تحول من مجرد مبادرة لتنظيم فلسطيني إلى برنامج وطني يخص شعب فلسطين ومنظمة التحرير. ومنذ ذلك التاريخ والشعب الفلسطيني وقواه المادية العسكرية منها والسياسية تناضل من اجل تحقيق الهدف المنوه عنه. وكان من الممكن للبرنامج آنف الذكر ان يرى النورويحقق نجاحا وخاصة بعد سلسلة من العمليات العسكرية النوعية التي شهدتها الأرض الفلسطينية مثل عمليات ترشيحا (معالوت) وطبريا وعين زيف وبيسان وسافوي والطائرة الشراعية بالإضافة الى النضالات الجماهيرية التي توجت بالانتفاضة الباسلة في الشهر الأخير من عام 1987، ولولا التحولات الدراماتيكية المفاجئة وغير المتوقعة التي حدثت على المشهد والخارطة السياسية العربية ابتداء بالحرب الاهلية في لبنان عام 1975 وزيارة الرئيس المصري الأسبق أنور السادات الى فلسطين المحتلة في نوفمبر من العام 1977 وما تبعها من توقيع اتفاقية كامب ديفيد المشؤومة والتي أدت إلى خلخلت النظام العربي برمته ومهدت لشرعية الاغتصاب الإسرائيلي وشرَعنة مستوطناته واجازت الاعتراف الرسمي بالاحتلال وفتحت الأبواب على مصراعيها للتدخل الاستعماري في الوطن العربي والسيطرة على ثرواته، بالإضافة إلى بدءالحرب العراقية الإيرانية في شهر سبتمبر من العام 1979 بعد سقوط نظام شاه ايران إلى الحرب العدوانية الظالمة على العراق في يناير 1991 وسقوط النظام الوطني في العراق فيما بعد إثر الاجتياح الكامل لأرضه عام 2003،ممهدة الطريق نحوولوج مرحلةالانحطاط وظهور قوى الظلام والإرهاب من داعش واخواتها.وبالعودة إلى موضوعنا محل البحث فإن مشروع حل الدولتين لم يعد قائما وفقد كل مقومات الدولة وأسسها  بسبب رفض إسرائيل لها رغم توقيعها اتفاقية أوسلو. فإذا كانت التطورات العربية السابقة للاتفاقية المذكورة أبقت الآمال إلى حد معقول وخاصة بعد مؤتمر مدريد إلا أن توقيع أصحاب القضية على اتفاقية اوسلوا وما صاحبها من ضعف وتشتت الفلسطينيين وإدارة النظام العربي ظهرة لهم والتسابق على التطبيع وتوقيع الاتفاقيات المنفردة مع الكيان الإسرائيلي، اغلق الباب تماما امام الحل السياسي باتجاه حل الدولتين وخاصة في ظل استمرار بناء المستوطنات ومصادرة الأرض. فقد استباحت قوات الاحتلال كل المناطق المسماة " ألف" وحاصرت – وما زالت بالطبع- قطاع غزة ولم تبق أرض متصلة ومتواصلة بريا وبشكل مباشر بدون أنفاق(تحت الأرض) وجسور (فوق الأرض) وجدران عنصرية مانعة وعازلة لحرية الحركة ومقيدة لعمليات التنمية وبالأخص القطاع الزراعي وطرق التفافية طويلة تنهك وتستنزف المواطنين الفلسطينيين ماليا وزمانيا. فبات مشروع الدولة الوطنية المستقلة كما أُقرَ ووقع عليه في أوسلوا،ليس أكثر من كانتونات ومعازل مفصولة عن بعضها البعض. لقد ألقت سلطات الاحتلال بعرض الحائط بكل الاتفاقيات التي وقعت عليها هي ومعها الدول الدائمة العضوية في مجلس الامن الدولي وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول العربية (الأردن ومصر). كان الاتفاق ينص في البداية على انسحاب قوات الاحتلال من الضفة الغربية والقطاع بعد مرور الفترة الانتقالية المحددة ب 5 سنوات. لكن سلطات الاحتلال لم تلتزم ببنود ومكونات وعناصر الاتفاقيةوالغتها عمليا وميدانيا وواقعيا ولم تعد معنية ببنودها.

"حيثيات لا لحل الدولتين "

لم تبق سلطات الاحتلال أرضا لإقامة الدولة الفلسطينية عليها. فالجدار العنصري لوحده يصادر 10% من مساحة الضفة الغربية ويقسمها ويفصل بين القرى وأراضي المواطنين،بالإضافة إلى سيطرة قوات الاحتلال على منطقة الغور وعلى الحدود الأردنية الفلسطينية وتمنع الفلسطينيين من استثمارها أو البناء عليها وعلى كل المنطقة المسماة" C "والتي تبلغ مساحتها 62% من مساحة الضفة الغربية المقدرة بنحو 5860 كلم مربعا. فلو كانت إسرائيل معنية بتطبيق اتفاقية أوسلو وبحل الدولتين فعلا، لامتنعت عن إقامة المستوطنات منذ اتفاقية كامب ديفيد التي وقعها السادات مع إسرائيلولتوقفت عن التعامل مع كل الضفة الغربية وكأنها منطقة C ومصادرة الأرض. فقد بات اجتياح المناطق" أ" بما في ذلك مراكز المدن والمؤسسات الاقتصادية والمصرفية يتم بشكل شبه يومي.  وللتأكيد على ما سبق، فإن عدد المستوطنين عام 1972 بلغ 1200 فقط ارتفع إلى 4400 عام 1977 وهو العام الذي زار به السادات إسرائيلوإنهاء حالة الحرب بين البلدين مما أدى إلى قفز عددهمبعد ذلك إلى 66.5 ألف عام 1988 وعند توقيع اتفاقية أوسلوا عام 1993 كان عدد المستوطنين عند حدود 116.3 ألف. عدا ما يسمى البؤر الاستيطانية والتي تقدر ب 116 بؤرة. وقد كثفت إسرائيل من حملة الاستيطان المسعورة بعد ذلك فارتفع إلى 184 ألفا عام 2000 ثم إلى 371 ألفا عام 2014 وقفز إلى 470 ألف مستوطن منتصف عام(2016). أما فيما يتعلق في القدسالمحتلة فقد بلغ 6.9 ألف مستوطن عام 1972 ارتفع الى 33.3 الاف عام 1977 لكنه قفز إلى 144 الفا عام 1993 (عام توقيع اتفاقية اوسلوا) ثم إلى 170 الفا في العام 2000 وحاليا 210 الاف (2016). والسمة المميزة لموضوع الاستيطان انه يزداد يوميا ولا يتوقف وقد أطلق عليه تعبير "تسمين المستوطنات" الناجمة عن الزيادة الطبيعية حسبادعاء سلطات الاحتلال، أما فيما يتعلق بعدد المستوطنات فيبلغ حاليا 145 مستوطنة في الضفة و15 في القدس.ولغرض المقارنة فحسب فإن عدد المستوطنين في الضفة الغربية والقدس بلغ نحو 260 الفا عام 1993 قفز إلى 680 الفا حاليا، أي بنسبة زيادة بلغت 161%. ويشكل المستوطنون حاليا 24% من عدد الفلسطينيين في الضفة الغربية. والمشكلةوبالأدق المعضلة التي نعاني منها أن المفاوض الفلسطيني يعلم ويدرك تماما كل هذه التحولات والتغيرات الديموغرافية ويعلم تمام العلم ايضا أنه لم يعد هناك مجالا لحل الدولتين ورغم ذلك يتفاوض. فالضفة الغربية باتت مقطعة ومخرومة مثل الجبنة السويسرية كما قال الرئيس جورج بوش الأبن. ليس هذا فحسب بل أن الرئيس ابومازن نفسه أفضى وسرب للمحيطين به أكثر من مرة بأنه لا يرى في الأفق أي حل لمشروع الدولتين. وقد أكد الرئيس ما سلف يوم الاحد الماضي، امام مجموعة من اعضاء الكنيست الإسرائيلي حين قال لهم "أنه التقى مع مسؤولين امريكيين أكثر من 20 مرة، ولكنه ما زال لا يعلم ما هي خططتهم لمفاوضات السلام، وقال ان “الفوضى تعم” الإدارة الاميركية الحالية “فهو لم يسمع خلالها أي التزام اميركي رسمي بموضوع حل الدولتين وفقا لنص الاتفاقية التي وقعت في حديقة البيت الأبيض نفسه وأضاف " انهم لم يفصحوا عما يريدون.وقد جاء الرد سريعا من الناطقة باسم وزارة الخارجية الأميركية "هيذر نويرت" بتصريح غريب جدا وغير مسبوق حيث ذكرت" أن مجرد قولها انها تدعم حل الدولتين يعتبر ذلك انحيازا لصالح طرف " المقصود الفلسطيني. وهناك نقطة في غاية الأهمية فحواها، ان المستوطنات في الضفة الغربية باتت أكثر امانا من تل ابيب وحيفا وبتاح تكفا وبقية المدن الإسرائيلية،مما شجع الحكومة والمستوطنين معا لتكثيف الاستيطان وزيادته وتسمين المستوطنات، بعكس ما كان سائدا في مستوطنات قطاع غزة والتي كانت تشهد مواجهات شبه دائمة بالإضافة إلى كلفة حمايتها والتي تحولت إلى عبء أمنىومالي حقيقي على المؤسسة العسكرية والموازنة العامة الإسرائيلية مما دفعها لإخلاء المستوطنات وهدمها.فميدانيا لم تعد هناك أي فرصة لإمكانيه مشروع حل الدولتين لانعدام الأرض المتصلة والمتواصلة بدون أنفاق وجسور وطرق التفافية وجدران عنصرية. فطول الجدار الذي يتلوى كالأفعى في الضفة الغربية سيبلغ 770كلم عند اكتماله،منه 145 كلم محيط في القدس الشرقية عاصمة دولة فلسطين!  وختاما نقول ان من يسعى ويطالب بحل الدولتين ويتفاوض لتطبيقها فهو فعلا يقول نعم للمعازل والكانتونات والحكم الجهوي الإداري البلدي المحدود الصلاحية. لقد سعت وعملت إسرائيل طيلة العقدين الماضيين على إفراغ حل الدولتين من مقوماتها كليا وافراغ السلطة من محتواها. وهذا ما صرح به عاموس يادلين رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية في لجنة الخارجية والدفاع في الكنيست حينما غادر موقعه عام 2010.يتوجب علينا ان نبدأ بالتغريد خارج السرب والمألوف. فمشروع حل الدولتين لم يعد قائما وليس له أي مقومات للحثيات سالفة الذكر، فكل المؤشرات تقول بأننا نتجه نحو دولة الابارتهد الواحدة. مما يستدعي بالضرورة اتباع وسائل نضالية جديدة شبيه بتلك التي كانت تمارس في دولة جنوب افريقيا ووقف التفاوض.من واجب اللجنة التنفيذية أن تعلن وتصارح شعبها بأن مشروع حل الدولتين فشل ولم يعد قائما وقد اغلق نهائيا وتم وأده من قبل إسرائيل نفسها. كما يتوجب عليها ان تعلن بوضوح عن اغلاق وفشل الحلول السياسية مع الاحتلال ولم تعد ممكنة أو متاحة لا ميدانيا على الأرض ولا توجد رغبة أو استعداد إسرائيلي للتفاوض بشأنها.

انشر المقال على: