الاثنين 29-04-2024

ظاهرة نسوية حليمة محمد الحاج محمد: الدخول إلى حيز الذاكرة

×

رسالة الخطأ

د. فيحاء عبد الهادي

ظاهرة نسوية حليمة محمد الحاج محمد: الدخول إلى حيز الذاكرة
د. فيحاء عبد الهادي
05 نيسان 2015

ضمن رؤية عميقة تربط بين الماضي البعيد والماضي الأقرب والحاضر، ومن خلال تنظيم ندوة سياسية تثقيفية، يوم 26/3/2015؛ أحيت جامعة فلسطين التقنية خضوري/ دائرة الدراسات والتنمية المجتمعية، ذكرى استشهاد «عبد الرحيم الحاج محمد»/ القائد العام للثورة الفلسطينية الكبرى: 1936-1939، بالإضافة إلى إحياء ذكرى معركة الكرامة، ويوم الأم والمرأة الفلسطينية.
أضاءت الندوة على محطات سياسية بالغة الأهمية في حياة الشعب الفلسطيني، في دعوة إلى استخلاص الدروس والعبر، وأهمها: قدرة الشعب الفلسطيني، رجالاً ونساء، على النهوض، والاستمرار بالثورة، رغم كل الصعوبات والمحن، منذ عام 1936، وأهمية الثقة بالقدرة على الانتصار.
*****
ساهمت المرأة الفلسطينية فترة الثلاثينيات في العمل السياسي، بشكل رئيس في المدينة والريف، وبينما تركَّز دور المرأة المدينية، في العمل السياسي؛ تركَّز دور المرأة الريفية في العمل العسكري.
وبالنسبة لمشاركة المرأة الفلسطينية في ثورة 1936م؛ تبينت مشاركة واسعة وفاعلة ضمن هذه الثورة.
جمع هذا الدور ما بين المرأة المدينية والريفية، في الحقل السياسي، نقل أخبار عن تحركات الجيش، كانت تعرفها المرأة المدينية وتنقلها إلى المرأة القروية. أمّا المرأة القروية فكان لها مصادرها المباشرة من الثوار، الذين تنقل الطعام والسلاح إليهم، كما تحدث الرواة عن رمي الحجارة على الباصات، التي تقل البريطانيين، ونثر المسامير، في طريق عجلات جنودهم.
ولعبت المرأة القروية دوراً سياسياً اجتماعياً عسكرياً، وإن كان الدور العسكري، هو الأبرز في عملها. عملت في السياسة، من خلال التحريض، والتموين، والمشاركة الفاعلة في إضراب 1936م، وعملت في الحقل العسكري، من خلال نقل السلاح، وإخفائه عن عيون الجيش، وحافظت على السلاح، وتدربت على استخدامه، وحملته، وشاركت في المعارك المسلحة.

من أسماء النساء اللواتي احتللن موقعاً مميزاً، في ذاكرة النساء والرجال، «حليمة محمد الحاج محمد» بالإضافة إلى كونها شقيقة قائد ثورة 36، حملت من السمات الشخصية والأفعال؛ ما جعلها تستقر في ذاكرة الأجيال. تلك المرأة الشجاعة، التي كانت تصنع المشاعل للثوار، وتعطيها لهم كي يأخذوها إلى البيارات، ويحرقوا ما أقامه الصهاينة على أرضهم. لم تكن تعمل وحدها، كانت تعمل معها «أم أشرف فضة»، وكثيرات لكن شخصيتها القيادية جعلتها الشخصية الأبرز، عند الحديث عن عمل المرأة الجريء، في تلك الفترة التاريخية.

«كانت تنقل الأسلحة أول شي تحت الملاية، بعدين كانت تنقلها بواسطة ثوار، تودّيهم بعد ما بقين مخبّيات عندها، كانت تخبيهم في الخوابي، خابية مبنية من طين إلها فتحة، بقوا يحطّوا فيها قمح وشعير ذرة، لمّا بدهم يقيموا الذرة يقيموا الزطمة تبعت الخابية، ينزّلوه كلّه، فكانت هي تحطّهم فيه».

«بقى كل إشي كان يتم بأمرها، راحت على الشام عدة مرات قابلت الحاج «أمين الحسيني»، قابلت «عزت دروزة»، قابلت شخصيات كثيرة، هي راحت لحالها. بعد ما استشهد أخوها، راحت على أساس تقلّهم: «عبد الرحيم» ما مات، يعني إنّه لازم يتمّه القتال، مش يعني هو راح إنه لازم توقفوا! هذا اللي حكت لنا اياه، كانت قوية، يعني الحقيقة هي بالنسبة للنسوة في هداك الوقت شخصيتها قوية جداً، والكل كان يحترمها، والكلّ كان يهابها».
« كانوا دائماً يجوا على الدار بدري الصبح قبل الفجر، كانوا يضايقوها ويضايقوا الّلي بالدار كلهم، وهي مكنتش تهتم فيهم، يعني يضايقوها يدفعوها؛ متهتمش فيهم. يقولوا لها: بدنا «عبد الرحيم»، وينه؟ أنا بعرفش وينه! روحوا دوّروا عليه! بعدين في الأخير هدموا الدار تبعيتنا وهي كانت موجودة، إجوا أهل البلد كلهم صاروا ينقلوا أغراض الدار، أبعدوهن عن الدار شوي، نقلت أشياء كثيرة من الدار أبعدتهن، بعدين نسفوا الدار الإنجليز، مَهتمتش فيهم! بدكم تنسفوا انسفوا! مرة ثانية انبنت مرة ثانية الدار، برضه هدموها الإنجليز قبل ما نسكنها».
وبالإضافة إلى شجاعتها، ورباطة جأشها، وقوة شخصيتها، ووطنيتها؛ تميزت الحاجة حليمة ب بالحنكة والقدرة على تدبير أمور حياتها المعيشية، فمارست التجارة، كي تستطيع تربية أبناء شقيقها القائد، بعد وفاة زوجه:
«حتى تربي أولاد أخوها؛ كانت تشتغل في التجارة، تشتري قماش، تجارة عادية، تبيع وتشتري بالتجارة. آه، تجارة عادية، في البيت عندها، تروح على نابلس على المحلات تجيب وتبيع».

وتحفظ الذاكرة الشعبية النسائية، دور الحاجة حليمة، في نقل جثة القائد «عبد الرحيم الحاج محمد» بعد استشهاده، لدفنه في بلده ذنابة، متحدية قرار الإنجليز، بمنع دفنه في بلده، رغم أنهم دفنوه في احتفال عسكري، اعترافاً منهم بشجاعته:
«على كل هناك عملوله احتفال عسكري! إجا قائد القوات البريطانية الفلسطينية في هداك الوقت، عملوله احتفال عسكري، دفنوه في احتفال عسكري، رفضوا انهم يودّوه على ذنابة، على بلده».
«آه بالليل خفية من الإنجليز، الحاجة حليمة طلعت هي وبعض الثوار على قرية صانور (شمال فلسطين) حفروا القبر وجابوا الجثة».
وتؤكد الحاجة نجيّة برهم، من قرية رامين/ طولكرم، خروج الحاجة حليمة إلى صانور، وتدبيرها مع رفاق القائد، إعادة جثة القائد، ودفنها حيث يجب أن تدفن:
«نقله أهل بلدنا وأخته، أخته حليمة أجت أخذته، أخته أجت هون أخذوا الجمل من هونا إله هو جمل، طلعت معهم على صانور تمشي مشي (بتأكيد) مشي».

وتتحدث النساء، عن الحاجة حليمة، ما يؤكد اشتراكها في العمل المسلح: «آه تطخّ على الإنجليز، مهو أخوها الأُخري يطخّ وهي تطخّ».

يذكِّرنا الموقف الأسطوري للحاجة «حليمة»، التي أصرَّت على إخراج جثة شقيقها، بمساعدة رفاقه الثوار، لدفنه في بلده ذنّابة، متحدية قرار السلطات البريطانية، التي منعت ذلك؛ بموقف «أنتيجون» الأسطوري، التي أصرت على دفن شقيقها، ونبشت قبراً له بأظافرها، متحدية قرار عمها الظالم «كريون» بترك جثته في العراء.
هو موقف المرأة/ المقاومة، عبر العالم، المرأة التي ترفض الظلم والطغيان، وتتحدى، على المستوى الشخصي والمستوى العام، مهما كانت العواقب تقرر وتنفذ، وتثبت أن الحقَّ يمكن أن ينتصر؛ بل يجب أن ينتصر، مهما طال الزمن.

انشر المقال على: