السبت 04-05-2024

صدور الكتاب الموسوعي "أطلس الصحافة العربية الفلسطينية ١٩٠٧ _ ١٩٩٣"

×

رسالة الخطأ

موقع الضفة الفلسطينية

صدور الكتاب الموسوعي "أطلس الصحافة العربية الفلسطينية ١٩٠٧ _ ١٩٩٣"

الأربعاء 15 مارس 2023 | 07:51 ص

صدر مؤخرًا عن مركز الأبحاث، في رام الله، الكتاب الموسوعي "أطلس الصحافة العربية الفلسطينية ١٩٠٧ _ ١٩٩٣" من تحرير المؤرخ اليساري الفلسطيني عبد القادر ياسين، الذي كتب أيضًا خمسة من فصول الكتاب الثلاثة عشر، بينما غطى الفصول الثمانية الباقية كتاب من سوريا و مصر وفلسطينيين في داخل الوطن وخارجه وهم: الراحل علي الخليلي، منى أسعد، د. إلهام شمالي، انشراح عاشور، محمد كريم، الراحل غسان الشهابي، صلاح عبد الرءوف، عادل عشماوي.

هنا نضع بين أيدي القرّاء تقديم مدير مركز تطوير الإعلام في جامعة بيرزيت، د. عماد الأصفر للكتاب.

تقديم:

يغطي هذا الأطلس مسيرة نحو مئة عام من الصحافة العربية الفلسطينية في فترات شديدة الحسم، بليغة الوقع والأثر، على وطننا الصغير فلسطين وعلى عالمنا العربي أيضًا، فمن إصابة الدولة العثمانية بالوهن إلى محاولات إنهاضها مرورًا بالحرب العالمية، وامتدادا إلى الانتداب البريطاني وصولًا إلى النكبة، فالنكسة واحتلال كامل الأراضي الفلسطينية، وحتى زوال بعض مظاهر هذا الاحتلال البغيض والمجرم عن بعض الأجزاء من وطننا الحبيب.

طوال هذه المراحل الصعبة ظلت الصحافة الفلسطينية مرتبطة أشد الارتباط بالحركة الوطنية ووفية لتطلعات شعبها بالحرية والوحدة، ولقد دفعت كل صحيفة وكل صحفي نصيبه من الألم والهم والتعب في سبيل تحقيق هذه التطلعات والتثقيف بما ينبغي عمله والتبشير بما سيكون عليه الحال، ولا زال - وبكل حسرة - هذا هو واقع صحافتنا اليوم، رغم كل التطورات في شتى المجالات، لقد تغيرت الوجوه وتغيرت الأدوات والأشكال، أصبح بعضها أكثر التباسًا وخداعًا ولكن الحقيقة على الأرض ما زالت كما هي احتلال ومقاومة.

احتلال يستهدف الأرض وما في باطنها من مياه وخيرات، والإنسان بما يحمله من معنويات ويختزنه من ثقافة وتاريخ، والسماء بما فيها من ترددات وأمواج، ومقاومة تسعى بكل ما أوتيت لمواجهة هذا كله، وللصحافة نصيبها الدائم والثابت والمتقدم في هذا الصراع الطويل.

لقد أبدع الأساتذة - بارك الله جهدهم- في تتبع ورصد وتوثيق وتحليل صحافتنا الصادرة في هذه المراحل، ورغم صعوبة ذلك بسبب غياب أو قلة المصادر وانقطاع الأجيال وغياب التوثيق واستيلاء الاحتلال الإسرائيلي على كثير من المكتبات والأرشيفات، فلقد تمكنوا من الإحاطة بأبرز المحطات وأغلبية الصحف وأفلحوا في تعريفنا بالصحافيين الأفاضل من جيل المؤسسين، تاركين لنا مرجعًا مهمًا يمكننا من مواصلة البحث في ثنايا هذه الصحف لاستجلاء واقع الحياة في تلك الأيام، سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا وثقافيًا.

جهد مشكور يذكرنا بجهود الأمير اللبناني شكيب أرسلان لإنجاز مدونته المعنونة "أحداث العالم العربي ووقائعه حسب التسلسل الزمني من 1800 إلى 1950"، التي ترصد بالسنوات والأماكن، وأسماء أصحاب الامتياز ورؤساء التحرير، في صدور 222 صحيفة في فلسطين قبل النكبة.

جهد حميد يذكرنا بجهود فيليب دي طرازي لإنجاز كتابه الموسوعي "تاريخ الصحافة العربية" الذي وصفه بأنه ثمرة شغل جدي استغرق أكثر أوقاته، بل أهم شطر في حياته، حيث قضى أربعًا وأربعين سنة في إعداد مواده، وتنظيم فهارسه، وتمحيص محتوياته. ولبلوغ هذه الأمنية جمع الرجل شتى الصحف العربية من أول عهد الصحافة العربية حتى سنة إصدار كتابه.

جهد شاق يذكرنا بجهود الإسرائيلي يعقوب يهوشع المبذولة لإنجاز كتبه الثلاثة عن تاريخ الصحافة العربية في فلسطين: يغطي الكتاب الأول صحافتنا قبل الحرب العالمية الأولى، والكتاب الثاني قبل الحرب العالمية الثانية، أما الثالث فيغطي مرحلة ما قبل النكبة ثلاث حروب وثلاثة كتب، تم تحرير الأول عام 1974 بعد حرب الغفران الرمضانية، أو أكتوبر التشريني، والثاني عام 1981 بعد اجتياح الليطاني، والثالث بعد اجتياح لبنان وحصار بيروت.

لقد لحق الكثير من الزيف والتضليل بتاريخنا، ولحق التشويه بكثير من قيادات فلسطين في الحقب السابقة، ويمكن لإعادة كتابة تاريخنا استنادًا للمصادر غير الرسمية التي تركتها دواوين الحكومات وقوى الاستعمار وحركات الاستشراق أن تعيد الأمور إلى نصابها وأن تعطينا صورة أوضح وأصدق عن تاريخ شعبنا.

ولعل في مقدمة هذه المصادر الصحف، لأنها متنوعة بحيث تغطي رؤى أكثر من طرف سياسي، ولأن الخطأ الذي قد تقع فيه صحيفة ما، سيجد توضيحًا منها أو تصويبًا من صحيفة أخرى، ولأن أي تشويه قد يطال شخصية اعتبارية سيجد ردًا منه، وفوق هذا وذاك يمكن لمتابعة الصحف الساخرة وتلك المتخصصة والصادرة عن المدارس، وكذلك إعلانات الصحف أن تعطينا صورة حقيقية عن النشاط الاقتصادي والثقافي والفني والاجتماعي للشعب الفلسطيني.

لقد انشغل الباحثون لفترة طويلة في رصد كل ما هو سياسي، ولقد كان هذا الانشغال ولا زال مبررًا، إلا أن ارتباط السياسي بما عداه كبير جدًا، وهو ما يوجب علينا الانشغال في دراسة بقية جوانب الحياة في فلسطين العثمانية والانتدابية والاحتلالية لاستخراج العبر وإعلاء شأن النماذج البطولية والريادية في كافة المجالات.

فعلى سبيل المثال سيجد المتتبع لأحوال فلسطين عبر الصحافة أن كافة حملات مقاطعة البضائع الصهيونية كانت ولا تزال تفشل للأسباب ذاتها التي فشلت فيها أول حملة مقاطعة عام 1929، وسيجد أيضًا أن انتفاضتنا وإضرابنا الكبير انتهيا بوعود وبضمانات عربية، ما زالت تصدر بين حين وآخر، لتنهي موجات كفاحنا المتتالية، وسيجد أيضًا أن مصاعب تأسيس نقابة صحافية تحمي المهنة ومنتسبيها ما زالت بين مد وجزر منذ عام 1928.

ولعل من نافل القول: إن صحافتنا كانت منذ بدايات الانتداب البريطاني، وما زالت تتصدى للإعلام الصهيوني، وخاصة الصادر باللغة العربية، بطرق غير موفقة تبقيها في دائرة الدفاع ورد الفعل لا في موقع صاحب الرسالة الذي يريد إيصالها إلى الجميع بمختلف اللغات وأنسب الطرق.

ينبغي التذكير هنا أن اليهود في فلسطين امتلكوا المطابع مبكرًا، ما سهل عليهم إصدار الصحف، وبحسب المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار" كانت أول الصحف العبرية الصادرة في فلسطين هي: "هلفنون" وتبعتها صحيفة "حفتسيلت" وكانتا تصدران مرة على الأقل أسبوعيًا في العام 1863.

بعد هذا التاريخ بـ 13 عامًا صدرت صحيفة " القدس الشريف" وكانت رسمية عثمانية تصدر باللغتين العربية والتركية، وتطبع في المطبعة المأمونية التي أقيمت في القدس عام 1876، مرة كل شهر في أحسن الأحوال، لنشر القرارات والفرمانات العثمانية فقط.

لم يفلح الفلسطينيون في الحصول على أذونات لإصدار صحف عربية داخل فلسطين في تلك الفترة، ولكن الصحفي إبراهيم زكا المولود في حيفا عام 1870 نجح في إنشاء صحيفة فلسطينية في الإسكندرية عام 1902، وسماها جريدة "النفير العثماني".

ونقلها إلى فلسطين عام 1908 سنة صدور الدستور العثماني الذي وسع نطاق الحريات، وصار اسمها "النفير"، ولقد تميزت هذه الصحيفة بكونها الصحيفة العربية الأولى التي ضمت ملحقًا باللغة العبرية باسم "هشوفار"، فهل كان ذلك نتاج تعاون وتعايش أم لمصالح اقتصادية فقط، أم سعيا للوصول إلى الجمهور العربي والتأثير فيه؟

لا ينبغي الاكتفاء بقراءة التاريخ مرة واحدة ومن مصدر واحد. يجب قراءته عدة مرات، ومن عدة مصادر ويجب أن يكون هناك زمن معتبر بين قراءة وأخرى. أن تقرأ تاريخ فلسطين وأنت شاب تنهض وتسير جنبا إلى جنب مع ثورة واعدة، يختلف تماما عن قراءتك له وأنت كهل تستصعب النهوض والسير، فيما ترتد ثورته إلى الوراء.

أن تعاود قراءة التاريخ، يعني أن تخضعه لتجاربك المتراكمة، ولمعارفك المضافة، وستجد عندها ملامح وإشارات مهمة تكن تستوقفك، وأن تعاود قراءته من مصدر جديد تنظر إليه من زاوية جديدة لم تكن قد وقفت عندها لتمعن النظر المشهد، وفقط عندما تضع المشهد مكانه وسياقه يمكنك إدراك التاريخ، مشاهدةً ولمسًا وإحساسًا وتذوقًا، لتشكل فهما يمكنك من محاكمة أحداثه وشخوصه.

يقول المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي: إن دراسة المجتمعات أوسع من دراسة الدول والنظم التي حكمتها.

وتقول الدكتورة خيرية قاسمية: إنه لا يجب النظر إلى السير الذاتية والمذكرات الشخصية نظرة أدبية فقط، فهي أيضًا مصدرًا لكتابة التاريخ، لأنها مرآة لصاحبها تحكي جوانب تجاربه وترتبط بها عواطف نفسية ومشاعر عاطفية وتعطي صورًا واقعية الحياة، ولكن طبعًا بعد معرفة قيمة هذه المذكرات وحدودها والتدقيق فيها، لأن أصحابها قد يكونون معنيين بتلميع وتبرئة أنفسهم.

ويدعو رئيس جامعة بيرزيت بشارة دوماني إلى إعادة كتابة تاريخ فلسطين بمنهج مغاير؛ منهج مؤنسن يعيد الإنسان محور التاريخ، ويعيد كتابة التاريخ من أسفل إلى أعلى مما كتبه الناس، وليس مما نشره المُستعمِر، فالنظر إلى الفلسطيني كضحية أو بطل مقاوم ليس كافيًا.

تاريخنا كما وردت أحداثه في الصحف مورد مهم، لأنه يشتمل على الرسمي الموثق بيانات وقرارات ومواقف، وعلى مختلف آراء النخب، حيث كان أيامها لكل صوت تقريبًا، جريدة تنطق باسمه، أو ينطق من خلالها بما يريد، ولن تعدم وجود روایات شفوية ستكون أهم، لأنها أقرب زمنيًا ومكانيًا، ولأن رواتها كانوا لا يزالون أحياء ويتحدثون عن أحياء أيضًا؛ ذاكرتهم حاضرة لم يشوشها الزمن، وصادقة لم تتغرب ولم يمت مجايلوها.

الصحف أيضا ومن خلال أخبارها المحلية الصغيرة اجتماعية وثقافية واقتصادية وأخبار محاكم وإعلانات حكومية وتجارية، تضع الأمر مهما كانت خطورته في سياقه الحقيقي وحجمه الطبيعي، وتسمح لك برؤية عناصر الخلطة ثم التفاعل والعوامل وصولًا إلى النتائج.

مرة أخرى جزيل الشكر للأساتذة الباحثين، وجزيل الشكر أيضًا لمركز الأبحاث في منظمة التحرير على عنايته بجهدهم وسعيه لنشره، وهذه دعوة إلى إنجاز مزيد من الأبحاث والدراسات وإلى الاعتناء أكثر فأكثر بنظام لأرشفة حاضرنا قبل أن تختلط الروايات والأوراق ويطاله النسيان.

انشر المقال على: