الجمعة 26-04-2024

"سلام نتنياهو" الذي غرق في العقبة

×

رسالة الخطأ

محمد محفوظ جابر

"سلام نتنياهو" الذي غرق في العقبة محمد محفوظ جابر كشفت صحيفة هآرتس الاسرائيلية عن وثيقة نقلها قبل نصف سنة رئيس الحكومة الاسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى رئيس المعارضة الاسرائيلي يتسحاق هرتسوغ لحثه على إقامة حكومة وحدة. وهذه الوثيقة هي "مبادرة سلام" تم بحثها في مؤتمر قمة عقدت في شباط (2016) في العقبة بمشاركة وزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وملك الأردن عبدالله الثاني ،والمعروف لكل متابع سياسي أن "الليكود" بزعامة نتنياهو لهم أطماع كبيرة في الاراضي الأردنية ولا تخلو مناسبة لهم من التعبير عن اطماعهم في الأردن ضمن مقولة "لنهر الأردن ضفتان هذه لنا وتلك لنا أيضاً" وهذا يشكك من حيث المبدأ في نوايا نتنياهو تجاه السلام، وأن ما تم في العقبة من حوار هو تكتيك صهيوني له أهدافه التي تخدم سياسة نتنياهو في المنطقة وأولها تمرير الوقت خلال فترة حكمه دون أن يسجل عليه أنه قدم تنازلاً من أجل السلام. ولا بد أن نسجل أن الطرف الفلسطيني لم يكن موجوداً في مؤتمر القمة في العقبة بل أن جون كيري كان قد التقى محمود عباس في عمان قبل انعقادها بساعات وهذا يعني أن الطرف الفلسطيني صاحب القضية الرئيسي هو طرف مهمش تم اهماله على طريق عمان _ العقبة وأن هذه المعاملة بحد ذاتها هي احد خيارات نتنياهو بفرض ما يراه مناسباً لفكره الصهيوني على الطرف الفلسطيني دون الاعتراف به أنه طرف أساسي في الصراع القائم، كما أن هذا الاهمال هو وسيلة ضغط على رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ليقدم ما تبقى لديه من تنازلات بعد كل الذي قدمه دون الحصول على شيء. وفي قراءة سريعة لمضمون الوثيقة نجد أنها ولدت ميتة غرقا في مياه العقبة عندما تم الاتفاق الرباعي عليها في قمة شباط، وهذه بعض النقاط المهمة: أولاً: تتضمن الوثيقة "حل الدولتين" لشعبين والاعتراف المتبادل، ولأن رؤية نتنياهو ان لا مكان لدولتين بين النهر والبحر وهو يقصد لا مكان لدولة فلسطينية في هذه المنطقة وقد تأكدت هذه الفكرة في تصريحات رئيس الولايات المتحدة الجديد ترامب فإن قبول نتنياهو بها يعني أنها كانت مجرد تكتيكاً لاستعطاف موقف المعارضة الاسرائيلية ممثلة بزعيمها الصهيوني يتسحاق هرتسوغ. ثانياً: "تنظر اسرائيل نظرة ايجابية إلى مبادرة السلام العربية وترحب ببدء المحادثات مع الدول العربية حول هذه المبادرة بهدف العمل معاً ودفع حل الدولتين وارساء سلام شامل في المنطقة". "المبادرة العربية" التي يرفضها نتنياهو جملة وتفصيلاً تسجل هذه الوثيقة اعترافه بها مما يتناقض مع موقفه الرسمي الحقيقي بها ولكن النص ايضاً يتحدث عن ترحيب "اسرائيل" ببدء المحادثات مع الدول العربية حولها وهذا يعني توجيه البوصلة العربية اتجاه التطبيع مع العدو الصهيوني ولذلك يصبح مطلوباً من مصر والأردن أن تلعبا دوراً هاماً بدفع الدول العربية باتجاه الحوار مع "اسرائيل"، وهذا ايضاً هو تكتيك لخدمة أهداف نتنياهو. * لماذا تراجع نتنياهو إذن؟؟ أولاً: لأن هدفه المخفي وراء هذه القمة هو افشال مؤتمر باريس الذي تلعب فيه فرنسا الدور الرئيسي وإعادة شعلة الماراثون التفاوضي إلى يد امريكا في مواجهة فرنسا. ورغم انعقاد مؤتمر باريس إلا أنه لم يشارك نتنياهو فيه وبقي المؤتمر مشلولاً. ثانياً: تسليم الوثيقة للمعارضة هو ورقة ضغط على نتالي بينت حليفه الرئيسي بأنه قد يغير تحالفاته خاصة وأن يتسحاق هرتسوغ رئيس المعارضة لديه طموح لتحالف واسع يمتد من اليسار إلى اليمين، وقد استطاع نتنياهو أن ينسحب بسرعة من التزامه بالوثيقة ليتسحاق هيرتسوغ بحجة أنه لا يريد تفجير الصراع مع حليفه بينت ،نستنتج من ذلك أن مشروع نتنياهو للسلام لم يكن سوى تكتيكاً لخدمة اغراضه والوثيقة الموقعة في العقبة لم تكن سوى حبر على ورق غرقت في مياه العقبة فزال حبرها.

انشر المقال على: