الثلاثاء 30-04-2024

روايات النساء حول هزيمة 1967: درس الفاعلية

×

رسالة الخطأ

د. فيحاء عبد الهادي

روايات النساء حول هزيمة 1967: درس الفاعلية
د. فيحاء عبد الهادي

ازداد إحساس النساء بالمسؤولية بعد عام 1967؛ فسعين إلى تطوير مشاركتهن السياسية، والإضافة إليها.
أدركن أن التدريب على الإسعافات الأولية، وعلى استخدام السلاح، بشكله الأوَّلي؛ قد ساعدهن على التصرف أثناء المظاهرات، وعلى إخفاء السلاح، وتهريبه، وعلى معالجة الجرحى، منذ أول أيام الاحتلال، وعرفن أن تطوير قدراتهن، وتنمية معارفهن، في مجالات العمل السياسي كافة، والإضافة إليها؛ سوف تجعلهن أكثر فاعلية.
شاركت النساء في العمل العسكري، بعد عام 1967، وخاصة في قطاع غزة، وذلك بسبب تأثير التدريب العسكري، الذي تلقته الفتيات، في قطاع غزة، ضمن مادة الفتوّة، ما قبل عام 1967، ما ساهم في تهيئتهن للمشاركة في العمل العسكري، ما بعد عدوان عام 1967.
تحدَّثت كل من: «زينب الغنيمي»، من مدينة غزة، و»عائشة نعيم»، من مخيم جباليا، عن التحاقهما بجيش التحرير الفلسطيني، منذ عمل جيش التحرير في قطاع غزة، ويظهر من شهادتهما أن التدريب العسكري، كان للشباب والشابات، من خلال فرق الكشافة، في المدرسة، وزهرات منظمة التحرير، مثلما جاء في شهادة «زينب»، أو من خلال الفتوّة، في المدارس الثانوية، مثلما جاء في شهادة «عائشة»، ويتبيَّن من خلال الشهادتين، إيمان قوي بدور المرأة في العمل السياسي، مما يظهر وعياً نسوياً مبكراً، كما يتبيَّن من شهادة «عائشة» أنها تدرَّبت على أعمال التمريض، بالإضافة إلى تدريبها العسكري:
«في الـ 65، قطاع غزة بهذه الفترة نهض سياسياً بطريقة ملفتة، كنت في فريق الكشافة في المدرسة، كنت 12 سنة، وكنا لساتنا زهرات، بسمُّونا زهرات منظمة التحرير، وكانت مكاتب المنظمة منتشرة في كل مكان، والتجنيد شرف وواجب».
«من الـ 65 كان عنا جيش «أحمد الشقيري»، جيش التحرير الفلسطيني، وكان الشباب الفلسطيني يتطوَّع ويتدرَّب وبدون ما حدن يدعيه، يمكن كانوا يروحوا شبابنا يتخانقوا ليروحوا، بهاي الفترة، كنت في 66 – 67 بالمرحلة الثانوية، شاركت بالتدريب العسكري بما يسمى الفتوّة، وعملت دورات تمريض، تعلمنا على الرماية، مو بس أنا؛ عدد كبير جداً من الفتيات والشبان».
*****
ويتبيَّن من شهادات النساء في قطاع غزة، أن النساء لم يكتفين بما تلقينه من تدريب أيام المدرسة؛ بل طالبن بدورات عسكرية متقدمة، وبممارسة العمل العسكري، أسوة بالرجال. هذا ما يتبيَّن من مقابلة «عائشة نعيم»، التي قامت بأول عملية عسكرية، ضد الاحتلال الإسرائيلي، في قطاع غزة، دون تكليف من تنظيمها، مبرِّرة ذلك، بأنها عندما طالبت بالتدريب المتقدِّم، استعداداً لخوض العمليات العسكرية؛ قوبل طلبها بالسخرية، اعتقاداً من رفاقها أنها غير جادة في طلبها:
«بـ 68 إحنا عملنا كمرأة كان مقصور على طباعة المناشير، توزيعها، توصيل الرسائل، أنا من ضمن الناس اللي احتجَّت على عمل المرأة هاد، وإنه العمل اللي بشتغله الشبّ أنا فيني أشتغله متله، وأحسن منّه، وطالبت بالتدريب العسكري، وطبعاً على ضوء إصراري، قابلت المسؤول العسكري «بلال الأسمر»، كان فيه رفاقنا، أول كانت عدم ثقة، إنه إنتِ حتقدري تعملي؟! خليها تنشوف، والله غير بكره تسكت وتخاف لحالها! هيك كانت نظرة شبابنا».
«أنا باحتكاكي مع الشباب؛ كنت أعرف كل كبيرة وزغيرة عن الأسلحة، أنا اللي كنت أخزّن الأسلحة مع الرفاق المسؤولين والقيادة، أول عملية عسكرية يوميتها كانت من دون تكليف، يعني عشان أثبت لرفاقتنا المسؤولين إنه المرأة مو أقل من الشبّ، وإنها فيها تعمل اللي ما بعمله الشبّ».
وفي الوقت الذي تدرَّبت النساء في قطاع غزة، على السلاح والتمريض، من خلال فرق الكشافة، والفتوَّة، في المدارس؛ كان على النساء في الضفة الغربية أن يطالبن بإلحاح بالتدريب؛ مما يدلّ على وعيهن بالخطر الذي يتربَّص بالبلاد، وبأهمية دور النساء، في الدفاع عنها.
هذا ما يتبيَّن من شهادة «عواطف عبد الهادي»، من جنين:
«في الستينات، في أواسطها: اليهود هاجموا جنين، قبل الاحتلال، وصرنا نطالب بالتدريب على السلاح، وبعد تجاهل الطلب مرات، وبعد إلحاحنا؛ جابوا لنا جندي، واتدرَّبنا بعد الدوام بعد العصر، في المدارس».
كما اعتبرت «سحاب شاهين»، من نابلس، أن معرفة المرشدات القائدات بالإسعافات الأولية، جعلتهن يتمكنَّ من ممارسة ما تعلَّمنه، لمعالجة جرحى الجيش الأردني، منذ أول أيام الاحتلال الإسرائيلي، عام 1967.
من خلال شهادات النساء، يظهر أثر العدوان، على ازدياد المشاركة السياسية والعسكرية للمرأة الفلسطينية.
ركَّزت النساء بعد عام 67، على دحر الاحتلال الإسرائيلي، عبر العمل العسكري، ثم أدركت أن العمل العسكري يحتاج فكراً سياسياً يوجهه، فتوجهت إلى العمل التنظيمي. ومن خلال تنظيمها؛ شاركت في المظاهرات السياسية، ونقلت الرسائل، والسلاح، وكتبت المنشورات السياسية، ووزَّعتها، وعملت ضمن التنظيمات الفدائية السرية، هذا ما نتبيَّنه من خلال شهادة «فيروز رباح عرفة»، من مدينة غزة، التي أرَّخت، من خلال شهادتها، لبداية المشاركة السياسية للنساء، بعد عام 1967، وعملهن ضمن خلايا مختلطة:
«بعد الـ 67 كنا نركِّز على العمل المسلح، العمل السياسي مش كثير كنا مركزين عليه في بداية تشكيل المنظمات الفلسطينية، فبعد ذلك صار الاهتمام بالعمل السياسي، لأنه ما بينفعش ثورة بدون عمل سياسي، ما بينفع، بيصير العمل السياسي من خلال خلايا تنظيمية، والتحريض ضد الاحتلال، ومن خلال العمل المسلح تشكلت الخلايا التنظيمية وطبعاً الغالبية في البداية كانت مع رجال».
ومن الملاحظ أن مفهوم العمل السياسي لدى النساء، يشمل العمل النقابي، والعسكري:
«عمل نقابي، عمل عسكري، وعمل سياسي طبعاً»، كما جاء ضمن شهادة «مي سالم كيلة، من بيرزيت.
*****
آمنت النساء الفلسطينيات بقدرة الشعب الفلسطيني على الاستفادة من دروس الهزيمة إذا استعدَّ وبادر وناضل، واستخدم قدراته، وطاقات أبنائه، نساء ورجالاً، وأعمل العقل والحكمة، بجانب الإيمان بعدالة قضيته. وتعلمت النساء أن بإمكانهن صناعة الحدث؛ وليس المشاركة فيه فحسب. عبَّرت «رشيدة عبد الحميد عبيدو»، من القدس، عن ذلك بقولها:
«تعلمت كيف إنه ممكن يكون صنع الحدث حقيقة، إيش هو صنع الحدث. اتعلمت، بنقدر نحرِّر وطنّا، بنقدر إحنا نصنع الأحداث، وإنه إحنا إذا صمّمنا بنقدر إنه نحقق أهدافنا».

انشر المقال على: