الاثنين 29-04-2024

رغم تفكك محيطها.. وضع إسرائيل يتدهور

×

رسالة الخطأ

حلمي موسى

رغم تفكك محيطها.. وضع إسرائيل يتدهور
حلمي موسى
جريدة السفير بتاريخ 2016-01-11

تبدو إسرائيل ظاهريا وفعليا، في الوقت الراهن، وكأنها في أفضل وضع من الناحية الاستراتيجية بسبب ما تراه من تدهور في وضع أعدائها التقليديين في محيطها العاصف. فالدول العربية الرئيسية التي كثيرا ما شكلت في الماضي قاعدة التحالفات ضدها وخصوصا مصر وسوريا والعراق باتت تعاني من أزمات داخلية يصعب الخروج منها. والدول التي دخلت دائرة الصراع ، مثل إيران، وصارت تعتبر خطرا وجوديا دخلت في صراع مع دول عربية كانت سندا لقاعدة التحالفات السابقة فانشغل الجميع بحرب الشيعة والسنة. وطبعا هناك الشقاق والانقســـام الداخلي الفلسطيني الذي صار يهــدد الهوية الوطنية ذاتها. ومع ذلك تجد الدولة العبرية غير راضية عن وضعها لأنها تعيش حتى ضمن هذا الوضع مخاطر بعضها مزمن وبعضها الآخر مستجد. ومن بين أبرز المخاطر المزمنة أنها، ورغم قدرتها أحيانا على إيجاد مصالح مشتركة لها مع أنظمة عربية وقد تخلق أشكالا من التعاون معها، إلا أنها تعجز عن تغيير المزاج الشعبي العربي المعادي لها. وليس صدفة أن أبرز مظاهر العداء لإسرائيل على الصعيد الشعبي تظهر في الدول التي أبرمت اتفاقيات صلح معها وهو ما يتجلى في رفض التطبيع. لكن حتى في الميادين التي يحدث فيها تفكك للدول التي كانت معادية رسميا لها تنشأ حالات، إسلامية أو قومية، تهدد بأنماط من العداء يصعب التعامل معها.
وهذا ما تجده إسرائيل على وجه الخصوص في الحلبة السورية حيث تتفاقم المخاوف من نشوء تنظيمات ستوجه لاحقا سلاحها للدولة العبرية رغم انشغالاتها الراهنة بالاقتتال الداخلي. ورغم أن الميل العام في المنطقة العربية يتجه إلى مزيد من التفاقم والتشرذم إلا أن الاعتقاد الشائع في إسرائيل هو أن العرب يمكنهم في لحظة ما أن يتوحدوا في مواجهتها. ومهما يكن من أمر فإن إسرائيل ضمن قراءتها للمخاطر الراهنة ترى أن الغرب يحاول منع تفاقم الخلاف بين إيران والتحالف العربي السني بزعامة السعودية. وهي لا تنظر بعين الرضى إلى هذه المحاولة وتتمنى فشلها ولكنها في الوقت نفسه لا تستبعد توصل إيران والتحالف العربي إلى نوع من الهدنة وربما المصالحة ولو بعد حين.
ورغم أن الصراع السني الشيعي الذي تأمل إسرائيل أن ينهك أعداءها الطبيعيين يعتبر صراعا استراتيجيا من وجهة نظرها إلا أن الصراعات الأخرى لا تقل أهمية. فما يجري في كل دولة عربية على حدة سواء في لبنان أو سوريا أو العراق أو الأردن أو مصر أو فلسطين وحتى في الدول الأبعد مثل السعودية وليبيا يجذب انتباهها ويدخل في دائرة حساباتها. وهي تخشى أن يكون لهذه الصراعات عواقب كارثية عليها حتى لو كانت ضمن الآثار الجانبية لهذه الصراعات.
على أن الاهتمام الأكبر من جانب إسرائيل والأكثر تأثيرا عليها هو ما يجري في ساحتها الداخلية في الأراضي المغتصبة في العام 48 وأيضا في الأراضي المحتلة في العام 1967. وتقريبا تكاد كل أحلام اليمين في إسرائيل بشأن الدولة اليهودية «على أرض إسرائيل الكاملة تتبدد» من خلال استمرار الرفض الفلسطيني. وما جرى خلال الشهور الأربعة الأخيرة أكبر دليل على ذلك. فاليمين الذي كان رافضا أصـــلا لاتفاقيات أوســــلو وجد نفسه في موضـــع من يدافع عن بعض تجلياتها وخــــصوصا وجود السلطة الفلسطـــينية تحـــسبا لبديل أسوأ. وهذا ما عبر عنه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتــنياهو نفسه.
وبدلا من العمل على تقويض السلطة، كما كان يسعى في الماضي، بات اليوم أقرب إلى منطق الحفاظ عليها وإن يكن ضمن الحدود الدنيا أو حتى بطريقة شكلية. وصار نتنياهو وأغلب اليمين أقرب إلى فكرة التخلي عن الأراضي التي يعيش فيها الفلسطينيون في الضفة الغربية وبشكل يكاد يقترب مما جرى في قطاع غزة. وبديهي أن الهدف ليس مصلحة الفلسطينيين أو إيمانا بوجوب إحقاق الحقوق وإنما للحفاظ على الدولة اليهودية خلف الجدار الفاصل.
غير أن هذا الهدف صار يصطدم بواقع جديد أساسه الجناح الآخر للفلسطينيين على أرضهم في مناطق 48. وقد أظهرت الهبّة الشعبية الأخيرة، أكثر من أي وقت مضى أن إسرائيل أخفقت ليس فقط في تطويع إرادة الفلسطينيين في مناطق 67 وإنما أيضا أخفقت في مناطق 48. وقد شارك فلسطينيون من مناطق 48 في نشاطات الهبة في البداية بمظاهر شعبية ثم بعمليات فردية. وليس صدفة أن العملية التي نفذها الشهيد نشأت ملحم في تل أبيب والتي شلت المدينة ومحيطها لأكثر من أسبوع شكلت عنوانا كبيرا لمخاوف إسرائيلية جديدة.
وإسرائيل ترى أن عملية تل أبيب أعقبت الإعلان عن نجاح الشاباك الإسرائيلي في اكتشاف «خلايا» عدة لتنظيمات إسلامية بينها «داعش» في أوساط فلسطينيي 48. وقادت ظروف اختفاء وإخفاء نشأت ملحم واغتياله بين أبناء عائلته في عرعرة إلى تعزيز الانطباع بأن الوسط العربي يزداد عداء. وتتحدث التحليلات الإسرائيلية إلى أن نشأت ملحم قد يغدو قدوة لشباب كثيرين يسيرون على دربه بهدف إلحاق الأذى بإسرائيل عبر تنفيذ عمليات كالتي أقدم عليها.
والمشكلة الأكبر التي تواجهها الدولة العبرية هي أن الأزمة تتفاقم من دون توفر أفق للحل. وإذا كان اليمين عاجزا عن حل المسألة الفلسطينية وعن تطبيع العلاقات مع الدول العربية وعن المصالحة مع فلسطينيي 48 فإن الأفق ينطوي على مزيد من التطرف. وليس صدفة أن نتنياهو عاد إلى محاولة توحيد اليمين على أرضية العداء لفلسطينيي الداخل. ومن البديهي أن هذه وصفة مجربة لمزيد من التدهور اللاحق.

انشر المقال على: