الاثنين 29-04-2024

رشيدة حسن محمد الفضيلات: «وكتابُها بيتٌ وحقلٌ في رُبا منشيةٍ وعِراقِها»

×

رسالة الخطأ

فيحاء عبد الهادي

رشيدة حسن محمد الفضيلات: «وكتابُها بيتٌ وحقلٌ في رُبا منشيةٍ وعِراقِها»
فيحاء عبد الهادي
2022-01-14
«إلى أمي أيضًا/ هي أمُّنا/ هي أمُّ كلِّ الناسِ/ كلِّ الخالدين/ من الفدائيين والشهداءِ/ أمُّ الأنبياء/ وأمُّ غابات/ وأنهارٍ/ مزيجٌ من حكايةٍ وخرافةٍ/ تمشي على ساقينِ/ من وجعٍ وموسيقى/ ومن ماءٍ ونار».عمر شبانة
----
رحلت رشيدة فضيلات يوم 20 كانون الأول 2021، وبقيت حكايتها وحكاية قريتها المهجّرة ترنّ في أذن كل من سمع منها شخصيًا، أو قرأ قصتها في كتاب «ذاكرة حية»، أو سمعها على لسان الحكواتية «سالي شلبي»، ضمن عرض الحكي «خير يا طير»، أو على لسان «فاتن خوري» ضمن مسرحية «ميرمية».
حين روت «رشيدة الفضيلات» حكايتها منذ الطفولة؛ تعرَّفنا على «عراق المنشية»؛ خيرات أرضها؛ صبرها ومشمشها/ قمحها وشعيرها/ فولها وحمّصها، كما تعرّفنا على شبابها المقاوِم قبل عام 1948- خالها «محمد عيد» الذي قاوم الإنجليز، واعتقل مع مجموعة من المناضلين مدة ستة أشهر، ثم أعدموا جميعاً دون محاكمة – والمقاوِم عام 1948؛ حين قاوم نساؤها ورجالها التطهير العرقي لقريتهم، يداً بيد مع الجيش المصري الباسل: «ما قِدروش يفوتوها، مِن مَرَّة ما قِدروش يفوتوها عراق المنشية».
حكت عن احتلال القرية بعد هدنة رودس، عام 1949؛ حين خرج الجيش المصري بموجب الهدنة من القرية، ودخلت القوات الصهيونية. روت ما حدث بحسِّ نقديّ عال؛ أدانت توقيع الهدنة الذي أتاح للقوات الصهيونية تطهير القرية عرقيًا، وهدمها بأكملها، وتشريد أهلها، وإقامة مستعمرة «كريات غات» على أنقاضها: «كان فيه مقاومة كبيرة، إحنا سلَّمنا من الهدنة «.
وتباهت بصمود عراق المنشية، التي قاومت بضراوة لمدة عشرة شهور، عام 1948.
تحدّثت عن تصدّي أهالي القرية نساء ورجالاً؛ للقوات الصهيونية المعتدية، بعد خروج الجيش المصري:
«ذيبة «أم رباح»، مرة «عبد القادر الفضيلات»، كانت تقعد بين الاكياس - اللي تركها الجيش المصري بعد ما انسحب، وحطّوها ع ظهر الدار - تقعد وتشوف من وين الطّخ بيجي؟ من وين الضرب بيجي؟ لما تشوف جوزها تعب تقول له: انزل إنت وأنا بَطلَع مَطرَحك، هو ينزِل مرَّة وهي تِنزِل مرَّة. كل نسوانّا هناك كانوا يقاوِمِن. ولا فيه تدريب ولا إشي! يقاوموا، يقاوموا، زلام ونسوان».
وروت بمرارة وأسى عن قريتها التي لم تستطع أن تصمد أكثر؛ بعد أن تعرَّضت لقصف متواصل برّاً وجوّاً، وبعد أن تخلّت عنها الدول العربية
*****
روت رشيدة رحلة تهجيرها القاسية من عراق المنشية إلى بيت أمّر، إلى مخيم العرّوب، إلى الكرامة، إلى الزرقاء، إلى مخيم البقعة، حيث عاشت وأبناؤها وأحفادها، حتى رحيلها.
لم تستسلم لليأس؛ رغم الظروف القاهرة التي عاشتها أسوة بكلّ المهجّرين، والظروف القاهرة التي عانت منها على الصعيد الشخصي: «ظلّينا في المخيم، صرت أروح ع الحطب وأروح ع المدرسة، تقول لي: ليش يا ست «رشيدة» غايبة؟ أقول لها: بقيت في الحطب، تقول: اسمعي، يا إمّا حطب يا إمّا مدرسة! كانت بداية التعليم في بلدنا، وكانت معلمة اسمها الست «زكية» صارت تقرّينا، والأستاذية يقرّوا الاولاد، يعطوهم عن كل طالب كيلو طحين، بس صبروا والله وصمدوا، صبروا وصمدوا، وصاروا يقروا الاولاد.
ساووا محل خياطة يعلّموا البنات خياطة، قالت أمي: روحي تعلّمي لك الخياطة يا «رشيدة» شويّة، بلاش هالمدرسة، رُحت، علّمونا ييجي الأواعي مقصوصات وجاهزات؛ بس إحنا نخيّطهن على إيدينا، غرزة ماكينة، تعلّمنا، علّمونا ع السّياخ».
تزوّجت رشيدة مرتين، كان زواجاً ناجحاً في المرّة الأولى، وكان تعيساً في المرّة الثانية:
«أبو عمر، هظاك قعدت أربع سنين معاه، والله بقى كويّس ومليح، الثاني «أبو عادل» في عزّ حرب 1967، في عِزّ عازة الزلام، تجوّز عليّ وقال لي: وين ما إلكِ أهل روحي دوّري على أهلكِ! أنا هيني تجوَّزِت وخلص».
لم تجد أمامها حلاً سوى أن تشمِّر عن ساعديها وتستقلّ اقتصاديًا لتربّي أبناءها بكرامة، دون حاجة لأحد: «كان يعطيني 10 ليرات في الشهر، اشّو بِدهم يساووا؟ لَ 7 انفار؟ أنا في إيدي الخياطة، أخيّط الطبّة بـ 10 قروش، أخيِّط، أقول لبناتي: إنتن حوسِن يَمّا في الدار وأنا بَخَيِّط، أخيّط أخيّط، أهدّب حطّات للزلام، كنت أوفِّر، وصار معي شوية مصاري، صار عندي دكّانة وصرت أبيع. الله يسَّر لي، صرت أبني، بنيت مطبخ في الدار، عاودت بنيت غرفة، وطوّرت الدكّانة، ومليتها».
*****
ختمت «رشيدة الفضيلات» حديثها بسؤال استنكاري مؤلم حدّ البكاء:
«لوقت إيش العرب بدها تظلّها نايمة ومش صاحية لحالها؟ «وأردفت: «يا مِن درى في القدس نلتقي»؟
موعدنا أيتها الغالية في القدس، وفي عراق المنشية، وسلمة، ولوبيا، والكويكات، والعلمانية، والطنطورة.
سوف نعود وإن طال الزمن، وسوف نعيد بناء القرى المدمَّرة، ونستعيد حياتنا الجميلة؛ بعد تحرير أرضنا المغتصبة، وحينها، حينها فقط سوف نردّد معك ما كتبتِه وأنشدتِه في نهاية روايتك: «سلام يا سلام/ للقدس أحلى سلام/ لغزة أحلى سلام/ سلام يا سلام/ للخليل أحلى سلام/ لفلسطين أحلى سلام».

انشر المقال على: