الجمعة 29-03-2024

ربيع العرب وخريف حكامهم

عيسى رشماوي

لست مفتونــاً بنظرية المؤامــرة، ولست ممن يضعون أمريكا والكيان الصهيوني في المقدمة كي نلهث ونسعى جميعا وراءهم، ولكن..إذا لم نقف على بعض الحقائق سنكون إما أغبياء أو متغابين، أربعة رؤساء وأنظمة عربية ينهارون جميعاً في غضون سنتين، وخامس يقاوم السقوط منذ سنة ونصف، هؤلاء الخمسة يمكن أن يقال أنهم علمانيون، أو "على الأقل" ليسوا إسلاميون، أقلهم مكث في الحكم إثنا عشر عاماً بعدما حكم "والده" ثلاثين عاماً..
من كل ما سبق، نتج لدي بضعة أسئلة: أولاً: أيعقل أن الشعب العربي في هذه الدول الخمس، قد انتفض ولأول مرة "دون أي محفز" على أنظمته الفاسدة وكان كل شعب ملهما في ثورته للثورة التالية لتتزامن جميعها في هذه المسافة الزمنية "الملفتة"؟ ثانياً: إذا كانت تلك الشعوب فعلاً قد ثارت ضمنيّاً، فهل من الصدفة أن نتاج ثوراتهم جميعاً كانت يمينية إسلامية؟ ثالثاً: كيف يحكم الإسلاميون هذه الدول ويكونون هم من قاموا بالثورات أو على الأقل دعموها بقوة، وفي نفس الوقت تبارك أمريكا هذا الربيع وتشيد بديمقراطية من كانوا قبل بضع سنوات "محور الشر" و "صناع الإرهاب" على حد تعبيرهم. رابعاً: ماذا كان نصيبنا -نصيب فلسطين- أولوية القضايا العربية ومحور الصراع العربي الإسرائيلي "فرضياً" من كل هذه الثورات؟ أذكر أننا أشبعنا من الفتاوى التي تدعوا الى إبطال معاهدات السلام وبدء الزحف الى فلسطين لتحريرها شبرا شبرا، ألم تكن كل هذه دعوات من يحكمون الآن؟ خامساً: ما هو نصيب الكيان الصهيوني من هذه الثورات؟ أتصور أني أعيش خارج الوطن العربي، وأدخل في غيبوبة لسنتين، لأصحو وأجد خمس دول عربية سقطت طواغيتها وحكمها الإسلاميون المنبوذون سابقاً، أول ما سيتبادر في ذهني هو: "أكلوها الصهاينة" !!
فهل هذا هو ما يحدث؟ او ما سوف يحدث؟ لا أنكر أنني تفاعلت -كما كلنا تفاعلنا- وتأثرت بثورة الياسمين وثورة الخامس والعشرين من يناير، بل وكانت هناك اوقات رفضت فيها النوم ليلاً كي أتابع ما يحدث بشغف وفرح، ولكن تلك الأسئلة أعلاه بدأت بالتكون يوماً بعد يوم، دون أن أراها تطرح في الإعلام العربي أو الغربي، ودون أن يكون هناك ذلك التحليل الشامل والمنطقي عن توقيت الثورات وطريقتها ونتائجها، ودعّم تكون هذه الأسئلة طريقة انهيار حكم القذافي وموته، وطريقة انهيار حكم صالح في اليمن ونحيه مرغما لا بطل، وكيفية انقسام السودان جنوبا وشمالا وتوطيد العلاقات الجنوبية الصهيونية، لقد أسلفت الحديث عن عدم إيماني بنظرية المؤامرة، ولكنني ولأول مرة "على الأقل" أرجحها.

انشر المقال على: