السبت 04-05-2024

حركة القوميين العرب ... مسيرة نضال

×

رسالة الخطأ

غازي الصوراني

حركة القوميين العرب ... مسيرة نضال
غازي الصوراني

الثلاثاء 25 يناير 2022 | 08:10 ص
بوابة الهدف الإخبارية
بداية المسيرة :
وحدات التاريخ/ القصة: وحدة الزمن: يبدأ في آذار 1949، حين تم تشكيل "كتائب الفداء العربي" وينتهي في حزيران 1970، حين تم تكريس "تصفية" حركة القوميين العرب شكلاً ومحتوى واسماً، وبالتالي فنحن حيال ثلاثة عقودٍ ونيِّف من الزمان المضطرب والمثير في حياة العرب الحديثة ووحدة المكان، حيث المشرق العربي بما في ذلك الجزيرة العربية الطبيعية، برهاناته العاصفة في العقود الثلاثة التي خلت، هو مسرح تطورات هذا التاريخ/ القصة وأفعاله وأحداثه وانفعالاته وأفكاره وتجربته الدرامية المرّة ودماء ضحاياه.
ووحدة الحدث: فلسطين ووحدة العرب وتحررهم، وأن يكون لهم رأس في العالم ذكرى.
الظهور الأول لـ "حركة القوميين العرب":
"كتائب الفداء العربي":
رُغم أن وثائق "حركة القوميين العرب" لا تُشير من قريب أو بعيد إلى صلتها بـ "كتائب الفداء العربي" فإنه يمكن اعتبار "الكتائب: بمثابة الظهور الفعلي الأول لـ "الحركة"، إذ ليست "هيئة مقاومة الصلح مع إسرائيل" التي نشطت "الحركة" خلف واجهتها في الطور التأسيسي سوى امتداد عميق لـ "كتائب الفداء العربي" التي كان "مقاومة الصلح مع إسرائيل من ابرز أهدافها، ويفسر ذلك أن "الحركة" ركَّزت في طورها التأسيسي على "مسألة العنف" أو "بناء منظمة كفاحية مسلحة تقارع العدو من خلال العنف"، فينتمي شعار "الثأر" الذي تبنته "الحركة" في إطار منظومتها الرمزية الثلاثية: وحدة، تحرر، ثأر إلى العقلية القومية الفدائية لـ "الكتائب".
فممن تشكلت "الكتائب"؟ وكيف؟ وما أبرز عملياتها؟
تشكَّلت "كتائب الفداء العربي" في اجتماع توحيدي انعقد في بيروت (آذار 1949) من اتحاد ثلاث "مجموعات" قومية فدائية شابة، هي مجموعة بيروت التي قادها كل من جورج حبش وهاني الهندي، وكانت تضم عدداً من النشطاء القوميين في جمعية "العروة الوثقى" في الجامعة الأمريكية ببيروت، والمجموعة السورية التي كان نقطة بيكارها جهاد ضاحي طالب الحقوق في الجامعة السورية بدمشق، وكان معظم أعضائها من طلاب الجامعة السورية، والمجموعة المصرية التي قادها الفدائيان المصريان المحترفان: حسين توفيق ابن وكيل وزارة الدفاع المصرية يومئذ وعبد القادر حفيد أحمد عرابي.
كان للدكتور قسطنطين زريق بوصفه مستشار جمعية العروة الوثقى، الدور الأبرز والفعال، الذي ارتبط إلى حد بعيد ببروزه كأحد أهم المفكرين القوميين العرب الشباب في أواخر الثلاثينات، إذ أصدر زريق عام 1939 كتابه الأول "الوعي القومي" الذي سيغدو مرجعاً تكوينياً من مراجع أجيال عديدة من القوميين العرب.
كان زريق في البداية ينتقي أعضاء الحلقة ويصطفيهم، إذ انه وهو المؤمن بنظرية النخبة قد طمح إلى أن يلعب مستفيداً من وضعه كمستشار للجمعية، دور مرشد للشباب القومي، إذ رأى في الحلقة التي شكلها في إطار "الجمعية" نواة لحركة قومية عربية لا بد لها أن تتشكل بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وبهذا المعنى كان زريق على وعي "حركي" مسبق بإمكانية تسييس حلقته القومية الثقافية وتطويرها إلى نواة حزب قومي، وقد دعا علناً وبوضوح عام 1948 إثر النكبة الشباب القومي إلى تشكيل هذا الحزب.
كان المناخ الفكري والأيدلوجي لهذه الحلقة في النصف الأول من الأربعينات شديد التأثر بالنظرية التاريخية الألمانية، ومن هنا كانت الحلقة مُسلّمة بان لكل أمة خصائص تاريخية تنفرد بها عن الأمم الأخرى، وبان للأمة العربية رسالتها المنبثقة من تلك الخصائص، والواقع أن مفهومي شخصية الأمة العربية ورسالتها هما من المفاهيم المركزية في "الوعي القومي" لزريق، وقد تأثر بهما عفلق لاحقاً لا العكس.
تأثر زريق بمفهومه عن شخصية الأمة ورسالتها بالرومانسية الألمانية التي تقول بأن لكل أمة رسالة يعينها الله أو القدر أو التاريخ، وان الأمة توجد لكي تحقق هذه الرسالة.
وفي ضوء واقع التجزئة القومية العربية إلى دول، حرص زريق على تقديم درس الوحدة الأوروبية في ضوء النموذجين الألماني- البروسي والايطالي، وكان بسمارك وغاريبالدي وماتزيني يحضرون روحياً في نقاشات الحلقة إلى جانب فيخته ونيتشه وشبنغلر وبرغسون.
ووسط هول "الكارثة" لم يتأخر الأستاذ –المرشد عن توجيه "الحلقة" إذ لن ينتظر يوم 30 /10/ 1948 حين تم طرد آخر فصائل "جيش الإنقاذ" (جيش المتطوعين العرب) من الجليل الأعلى، واستكملت النكبة دورتها المأساوية الأولى، لينتهي الفصل الدرامي الأول من المواجهة العربية –الإسرائيلية عام 1948، بل سيبادر في آب من العام نفسه إلى نشر كتابه "معنى النكبة" الذي سيشكل بدوره مرجعاً تكوينياً لأجيال عديدة من القوميين العرب.
وربما كان زريق أول من استخدم كلمة "النكبة"، ففي هذا الكتاب الخطير بكل المعايير، يطرح زريق بوصفه مرشداً قومياً عربياً، تحليلاً عميقاً للكارثة يهدف إلى تحديد طريق "محاربة الصهيونية واستئصال جذورها والتغلب التام عليها" ويرى أن المعركة ضد الصهيونية "لا تتم في معركة واحدة بل تتطلب حرباً مديدة الأفق، بعيدة الأجل وان السبيل إلى الغلبة التامة النهائية عليها هو تبدل أساسي في الوضع العربي وانقلاب تام في أساليب التفكير والعمل والحياة بكاملها، فما أحرزه الصهيونيون، لم يكن بسبب تفوق قوم على قوم، بل يعود إلى تميز نظام على نظام، سببه أن جذور الصهيونية متأصلة في الحياة الغربية الحديثة، بينما نحن لا نزال في الأغلب بعيدين عن هذه الحياة متنكرين لها، مستنتجاً بحق أن الخطر الصهيوني لا يتصدى له ويرده إلا كيان عربي قومي متحد تقدمي، ولا يتم ذلك إلا بانقلاب أساسي في الحياة العربية، وبانقلاب أساسي في نظم العيش.
يمكن القول باختصار أن زريق ربط بوضوح "رد الخطر الصهيوني" بتحقيق" الوحدة العربية"، وهو ربط أساسي في وعي "الكتائب" وفي "حركة القوميين العرب" عموماً، وهو يشير إلى الوحدة العربية باسم "كيان عربي قومي متحد" وتصور زريق "الحرب المديدة الأفق" من اجل استئصال جذور (الصهيونية) والتغلب التام عليها" بقيام مثل هذا الكيان –كيان الدولة القومية الحديثة، التي تحقق "انقلاب" المجتمع العربي من أوضاع العصور الوسطى حسب تعبيره إلى أوضاع العصر الحديث، وبناء المجتمع القومي الصناعي العلماني التقدمي، أي انه ربط إستراتيجية تلك الحرب بما يمكن تسميته بالحداثة وفق مفهوم القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين لها.
ويحدد نقطة الانطلاق لها بمبادرة "الفئة المختارة المبدعة" من الأمة التي حققت الانقلاب في صميمها على حد تعبيره بـ "تشكيل" أحزاب ومنظمات محكمة تقوم على عقيدة صافية موحدة، وترتبط بولاء صحيح متين، تخضع كافة نزعاته له، وان تبرز إلى الوجود الزعامة الحقيقية، وان تُولِّد أولئك الأفراد الذين يبنون الدول ويخلقون الأمم ويصنعون التاريخ، وظهر الأستاذ –المرشد في ذلك وكأنه يدل الحلقة على الطريق، ويعطي إشارة البدء لتحولها إلى "منظمة محكمة".
ومن هنا أخذت "الحلقة" القومية في بيروت –ومن ابرز شخوصها د. جورج حبش- تتحول بسرعة، كما باتت توصف في الجامعة الأمريكية، تحت وطأة آثار النكبة وضغوطاتها المأساوية، من حلقة قومية أيدلوجية تربوية تقتصر على الدور التكويني، إلى نوع من إطار "لتشكيل منظمة قومية فدائية سرية شبه عسكرية تأخذ على عاتقها "قطع رؤوس الخونة".
واتصلت الحلقة من خلال جورج حبش رئيس جمعية "العروة الوثقى" بالأستاذ –المرشد زريق وفاتحته بأمر تشكيل منظمة فدائية سرية، فاختارت شكل حركات الشباب على الطريقتين الألمانية والايطالية في القرن التاسع عشر، وأعادت إنتاجه في شكل منظمة قومية طلابية فدائية سرية شبه عسكرية، تعبد فكرة الأمة، وترى الأمة قدراً والوحدة مصيراً، وتعتبر طريق الوحدة طريقاً وحيداً لاستعادة فلسطين.
كان هاني الهندي طالب العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية، مهندس التعارف والاتصال واللقاء ما بين المجموعات الثلاث: البيروتية والسورية والمصرية، وفي الجامعة الأمريكية تعرف على عصبة "القوميين" الثمانية الذين سيؤسسون بعد حلِّ "الكتائب" "حركة القوميين العرب"، وشكَّل هاني الهندي لاحقاً في قيادة "الحركة" أحد أطراف الرباعي القيادي المتماسك الذي كان أقرب إلى قيادة داخل القيادة، وهذا الرباعي هو: جورج حبش، وهاني الهندي ووديع حداد وأحمد الخطيب.
النواة المُؤَسِّسة: تألفت النواة القيادية المؤسسة لما سيعرف لاحقاً باسم "حركة القوميين العرب" من ثمانية طلاب قوميين، على أهبة التخرج من الجامعة الأمريكية في بيروت، كانوا جميعاً من نشطاء جمعية "العروة الوثقى" وقيادييها، ومن "مريدي" حلقات قسطنطين زريق ونبيه أمين فارس.
كان أهم شيء اتفقت عليه النواة هو اختبار بناء ما يمكننا تسميته بـ "أخوية" قومية سرية، تُكثِّف بحد ذاتها مجتمعاً قومياً نخبوياً مصغراً، لا نجد تعبيراً مناسباً عنه أفضل من تعبير "مجتمع المؤمنين".
تميزت هذه "الأخوية" القومية تبعاً لذلك، بما يتميز به أي "مجتمع مؤمنين" أي بالمسلكية الطهرانية، والسمو القومي الروحي، والتزمت الإيماني، والانضباط التام، فكانت أدق تفاصيل الحياة الشخصية من زواج أو سفر تحتاج إلى قرار جماعي، وتعبيراً عن ذلك بقي جورج حبش في بيروت صيف عام 1951 رغم تخرجه نزولاً عند قرار النواة، ووصل تزمت "الأخوية" حداً أنها تحت هول كارثة فلسطين كادت أن تعتبر الضحك جريمة، وقد روى لنا جورج حبش كيف أن النواة كانت تنظر إلى مسرات الحياة اليومية الاعتيادية نظرتها إلى إثم يرتكب ورأت فيها "ضحكاً في المأتم، وسفهاً في المصيبة، وتهتكاً في الذل، وقهقهة في العار! أناشيد غرام مبتذلة رخيصة!! وفخفخة فارغة مخرِّبة مجرمة! مآدب وحفلات وسكر وفجور! كأن شيئاً في دنيا العرب لم يقع.
فمن هو مرشد "القوميين العرب" في طورهم التأسيسي؟
المرشد الروحي: من قسطنطين زريق إلى علي ناصر الدين:
يذهب بعض الدارسين إلى أن دور زريق أهم مما يوصف به عادة وانه وَجد في "الحركة" الوعاء الملائم لتجسيد أفكاره.وكان زريق على وعي حركي مُسبق بضرورة تحول حلقته القومية-الأيدلوجية إلى حلقة سياسية منظَّمة ودعا بُعيد النكبة مباشرة الشباب إلى تشكيل "منظمة مُحكمة" لـ "استئصال الصهيونية" تقوم على عقيدة صافية موحدة، وترتبط بولاء صحيح متين، تخضع كافة نزعاتها له وتولد أولئك الأفراد الذين يبنون الدول ويخلقون الأمم ويصنعون التاريخ وتعمل بوصفها الأداة التي توحِّد نزعات الأمة، وتصلِّب عودها، وتبعث روحها و"تصهرها كلها في قالبٍ واحد، وتُخرجها امةً موحَّدة النزعات، متماسكة الأجزاء، تقف في وجه الأحداث كتلة واحدة.
وقد اعترفت الحركة طوال طورها القومي التقليدي بسلطة زريق المعنوية، فكان على كل مرشح لعضويتها أن يدرس كتابيه الهامين: "الوعي القومي" (1939) و"معنى النكبة" (1948) جنباً إلى جنب مع كتب ساطع الحصري.
وفي هذا السياق اتصلت النواة التي تُحكم سيطرتها على جمعية "العروة الوثقى" عام 1951 بعلي ناصر الدين (1892-1974) فاختارت دون تردد منهجه العاطفي المؤثر منهجاً تاماً لها، ويتلخص هذا المنهج في الترسيمة التالية التي تشكل الوحدة الباراديغمية المولدة لكل أفكار ناصر الدين في المحاضرة وهي: "أن شيئاً واحداً بعينه، يمحو العار، وليس يمحوه أي شي على آخر، على الإطلاق هو الثأر".
لقد غذَّى ناصر الدين فكرة النواة عن تصميم "الحركة" في شكل مجتمع عقائدي مُصَغَّر، يقوم على شكل "الأخوية" أو "مجتمع المؤمنين" أي على نموذج الحارس القومي الذي يفني في الأمة كما يفني الصوفي في الله.
وكانت النواة المؤسٍّسة تعتبر السلوك القومي الطهراني وفق فهمها المثالي لها أبرز ما يميزها عن البعث واحد دوافع فكرة "الحركة" نفسها، ويعني السلوك الطهراني هنا أن يَهبَ العضو نفسه بشكل مطلق للعمل القومي، ويفسر ذلك تهيب عناصر الجيل الأول في الحركة حتى من مشاهدة فيلم سينمائي، أو من أية شبهة توحي بانغماسهم بمغريات الحياة اليومية، وكان ذلك تدريباً لاهوتياً صعباً إذا ما عرفنا أن معظم الجيل الأول كان من أبناء "الذوات" و"العائلات" الذين ولدوا أساساً في بيئات "مترفة" قادرة على تلبية الملذات.
حققت النواة خلال الفترة الفاصلة ما بين صيف 1951 وأوائل عام 1954 ثلاثة نجاحات مهمة نسبياً بالنسبة لها، في لبنان و الكويت والأردن.
ففي لبنان تمكنت النواة من السيطرة على جمعية "العروة الوثقى" في بيروت - الجامعة الأمريكية وضمان استمرارها كـ"جمعية قومية" في حين أسس أحمد الخطيب مع عدد من الشخصيات القومية في الكويت النادي الثقافي القومي .
أما في الأردن ففتح الدكتور جورج حبش حال عودته في أوائل عام 1952 عيادة شعبية في شارع الملك طلال في عمَّان تقدم خدماتها الطبية بشكل شبه مجاني لأبناء المخيمات، ثم لحق به الدكتور وديع حداد اثر تخرجه حوالي منتصف العام وانضم إلى عيادة حبش.
وتشكيل فرع حركة القوميين العرب عام 1953، وكان أهم عمل للفرع الجديد هو إصداره مجلة "الرأي" التي تم ترخيصها باسم الدكتور أحمد الطوالبة (أردني) .
لَعِبَت مجلة "الرأي" دوراً أساسياً في التعبير عن تطور "الحركة" في طورها الأول، وكانت هذه المجلة توزَّع مجاناً في الضفة الغربية، وشنت حملة قاسية ضد حلف بغداد ودعاة الأحلاف والنفوذ البريطاني في الأردن، مما دفع السلطات الأردنية إلى إيقافها عن الصدور في آب 1955 بعد ثمانية شهور فقط من ظهورها، ولكنها صدرت مرة ثانية في دمشق بعد ثلاثة شهور تحت الاسم ذاته، حيث دعت إلى إسقاط "الحكم الرجعي" في الأردن، وتولى هاني الهندي عضو النواة المُؤَسِّسة للحركة رئاسة تحريرها.
بعد مؤتمر عمَّان عام 1954 بقليل الذي تقرر فيه تأسيس فروع لـ "الحركة" في الأقطار العربية، تشكلت لجنة رباعية مؤلفة من الدكتور جورج حبش وحمد الفرحان ومن عضوين آخرين، وقد صمَّمت هذه اللجنة مبادئ الحركة التنظيمية وبنيتها الهرمية.
تمَّ على هذه الشاكلة نقل الفكرة إلى عمل وتشكيل "الحركة" كتنظيم قومي مركزي، فترك حامد الجبوري (عراقي) وصالح شبل (فلسطيني) عمَّان حيث كانا يساعدان جورج حبش على بناء "الحركة" في الأردن، وأسسا بشكل جنيني فرعاً عراقياً للحركة عام 1955 في حين عاد نُشطاء "الحركة" في جمعية "العروة الوثقى" إلى عرينهم في "الجمعية" وبدؤوا بمحاولة استيعاب "منظمة الشباب القومي العربي" في كلية المقاصد البيروتية التي كان يرأسها محمد كشلي، أما احمد الخطيب في الكويت فأسس فرعاً صلباً سيلعب دوراًَ استراتيجياً في الحياة السياسية في الكويت خصوصاً وفي الخليج والجزيرة العربية عموماً، بينما عاد هاني الهندي إلى دمشق وتولى تحرير "الرأي" التي أخذت تصدر منها إثر عمان.
واجهات "الحركة" في الطور التأسيسي: عملت "الحركة" خلال طورها التأسيس، من خلف عدة واجهات، أهمها: جمعية "العروة الوثقى" في الجامعة الأمريكية ببيروت، والنادي الثقافي العربي، وهيئة مقاومة الصلح مع إسرائيل.
المؤتمر التأسيسي الأول: الشباب القومي العربي:
بعد أسابيع قليلة من فشل العدوان الثلاثي على مصر، كرّست "الحركة" التزامها بالتوجهات الجماهيرية التحررية التي ستحمل اسم "الناصرية"، فبادرت النواة المؤسسة إلى عقد المؤتمر الأول لـ"الحركة" في 25 كانون الأول 1956 ببيروت، وكان هذا المؤتمر في حقيقته اجتماعاً قيادياً مصغراً، غير أن "الحركة" تعتبره بمثابة مؤتمره الأول.
أقر المؤتمر لأول مرة حمل اسم تنظيمي محدد يميّز "الحركة" سياسياً كحزب مستقل عن الأحزاب القومية الأخرى، وأصدرت "اللجنة التنفيذية القومية" المنبثقة عن هذا المؤتمر "بيانها إلى الشعب العربي" دعت فيه إلى رفع شعار "وحدة مصر وسورية والأردن".
عملت هذه اللجنة كقيادة قومية جماعية لـ"الحركة"ن وتألفت من أحد عشر عضواً هم: جورج حبش (فلسطيني) ووديع حداد (فلسطيني) وصالح شبل (فلسطيني) وحامد الجبوري (عراقي) وهاني الهندي (سوري) وأحمد الخطيب (كويتي) والحكم دروزة (فلسطيني) ومصطفى بيضون (لبناني) وثابت المهايني (سوري) ومحسن إبراهيم (لبناني) وعمر فاضل (ابن مغترب عربي في الكاميرون).
ويشير الدكتور حبش إلى أن اسم "حركة القوميين العرب" قد تم إقراره في المؤتمر الأول (25 كانون الأول 1956 في بيروت)، حمل هذا الاسم في عموم التنظيم القومي فحملت "الحركة" اسم "حركة القوميين العرب".
كان الفكر التنظيمي لـ"الحركة" من الناحية الإجرائية أو العملية هو فكر قيادتها المؤسسة، من هنا كان هذا الفكر محكوماً بمفهوم هذه القيادة للحارس القومي الحديدي، الذي يفنى في الأمة، كما يفنى الصوفي في الله، ويفسر ذلك أنها لم تُعنَ بـ"الكمية" حسب تعبيرها بل بـ"النوعية"، فحاولت أن تبني في إطارها المخصوص مجتمعاً مكثّفاً قائماً بحد ذاته، لا نجد وصفاً أدق له من وصف "مجتمع المؤمنين" أو مجتمع "الأخوية" العقائدية.
وفي هذا المنظور رأى بعض "القوميين" أن "حركتهم" كانت تعلم "الأخلاق"، كدرس ثابت من دروسها، والواقع أن عضو "الحركة" بالنسبة للمجتمع، كان في فهم القيادة المؤسسة اقرب إلى "الكاهن" بالنسبة للمؤمنين الكثالكة، فما كان يصح له أن يكون فاسقاً أو منحرفاً، فكادت المسلكية الشخصية وأخلاقياتها أن تكون درساً يُعلمّ ويراقب وتُصحّح تمارينه وتعطى له العلامات التي تتدخل في تحديد مستوى كفاءة العضو.
بهذا المعنى قامت "الحركة" على نظام الطاعة، وهو ما عبرت عنه نظريتها التنظيمية التي حملت اسم "المركزية المرنة".
وبينت "الحركة" أن "المركزية المرنة" "اقرب بطبيعة الحال إلى المركزية" يحكمها نظاما السرية والطاعة.
ولا تختلف "المركزية المرنة" هنا من الناحية الإجرائية عن التطبيق الإجرائي الفعلي لمبدأ "المركزية الديمقراطية" في الأحزاب الشيوعية.
فكما هو الأمر في الحزب الشيوعي تقريباً، كان عضو "الحركة" يُعزل على مختلف المستويات، وكان على كل عضو أن يكتسب اسماً حركياً مستعاراً، وإلا يسعى لمعرفة أية تفصيلات تتعلق بحياة مسؤوله، فمكان عمل هذا المسؤول وعنوان منزله واسمه الصريح هي كلها أمور يجهلها أعضاء المرتبة التي يكون مسؤولاً عنها، كما أن شخصية المسؤول باسمه الحركي هي محور ترتيب اللقاء أو الاجتماع، ولان هذا الأمر مخالفة لطبيعة الإنسان بوصفه إنسانا، فان "الحركة" كانت تستدرك ذلك، بإلحاحها على "تمويت" العضو لأي معرفة له بالمسؤول عنه، وبضرورة التعود على مخاطبته باسمه الحركي وليس باسمه الحقيقي، أي بشكل تتحول فيه إجراءات السرية إلى عادة، ومن هنا نشأ في "الحركة" ما يمكن تسميته بعبادة السرية التي تكتنف إلى الآن كثيراً من الأعضاء رغم حل "الحركة" وموتها كصيغة تنظيمية.
الهرم التنظيمي: كانت "حركة القوميين العرب" هرماً تنظيمياً تراتبياً، تحكمه العلاقات العمودية، وتخضع فيه القيادات أو المراتب الدنيا إلى القيادات أو المراتب العليا، وبموجب تلك البنية الهرمية التي تقوم على المركزية الإدارية التنفيذية، عُزل الأعضاء عمودياً وأفقياً عن أية علاقات أو معلومات لا تعتبرها "الحركة" ضرورية للمرتبة التي هم فيها، فكان الهرم التنظيمي يتدرج من "الخلية" إلى "الرابطة" فـ"الشعبة" فـ"قيادة الإقليم" فـ"لجنة الإدارة" (المكتب السياسي لاحقاً) فـ"اللجنة التنفيذية القومية" فـ"المؤتمر القومي".
1- الخلية:
تُعتبر "الخلية" الوحدة الأساسية في "الحركة"، إذ أنها صلة الوصل ما بينها وبين الجماهير، وتتألف كل "خلية" من ثلاثة إلى سبعة أعضاء وفق تنظيم جغرافي (خلايا الأحياء) أو مهني (خلايا العمل)، وتجتمع كل "خلية" أسبوعياً، وتناقش جدول أعمال مقرر يتضمن البريد الوارد (الخطي أو الشفهي) من المراتب العليا، وجوانب سياسية وفكرية وتنظيمية، ومالية، وما تم انجازه من عمل خلال الأسبوع المنصرم وخطة الأسبوع القادم.
كان عضو "الخلية" وهو ما يعادل العضو العامل يقود "الحلقات" أو "الأنصار" ويخضع هؤلاء "الأنصار" أو "الأصدقاء" إلى مرحلتين هما: مرحلة ما قبل التركيز ومرحلة التركيز.
وتشمل مرحلة ما قبل التركيز دراسة ما يتم ترشيحه للعضوية دراسة كاملة من مختلف الجوانب، وزجه في المجالات العملية التابعة للحركة مباشرة أو جزئياً، سيما منها الأندية الثقافية، ثم تأتي مرحلة التركيز التي تقوم على مخطط مدروس ومتكامل يتم بموجبه إشراك العضو المرشح في مجالات معينة أو تكليفه ببعض المهام وتوجيهه ومراقبته من دون أن يطلع على أي سر من أسرار الحركة، وكانت "الحركة" تقوم أحياناً بتكليفه بمهام وهمية للتأكد من مدى دقة تنفيذه لها وجاهزيته.
ومن هنا كانت "الحلقة" نوعاً من "مصفاة" أي يعبر منها عدد من المنتسبين المؤقتين، ويتم تنظيم من تثبت كفاءته منهم، وافترض بمدة الاختبار أن تكون ستة أشهر إلا أنها قد تطول عملياً إلى ما هو أكثر من ذلك.
والواقع أن عضو الخلية كان يتعلم آليات الاتصال، وكيفية استغلال مهرجان، وكيفية تنظيم الأعضاء المرشحين وفق نشرات داخلية وتوضيحية يتم نقاشها في الخلايا بشكل منتظم، ويعد بذلك كي يكون إداريا حزبياً من نوع خاص في مجال مرتبته.
2- الرابطة:
وتتكون من ثلاثة إلى سبعة أعضاء تعينهم الشعبة، وقد تكون رابطة جغرافية (في حي أو قرية أو عدة أحياء أو قرى أو ناحية) أو مهنية (في مؤسسة أو شركة أو معمل أو عدة شركات) وتنفذ خطط "الحركة" في مجال عمل مرتبتها، وتقود عمل "الخلايا".
3- الشعبة:
وتعادل نوعاً من قيادة الفرع، غير انه يوجد في محافظة واحدة أكثر من شعبة.
وقد اعتمدت "الحركة" في بعض الأقطار على سياسة تنظيم "وجوه" بارزة في المحافظة أو المدينة ووضعها في الصدارة أي في موقع الشعبة، غير انه لم يكن ضرورياً أن تكون هذه الوجوه رغم وظيفتها الرسمية على دراية تامة بتفاصيل العمل، فكان هناك أحيانا أشبه ما يكون بجهاز خاص في كل شعبة.
4- قيادة الإقليم:
وتضطلع بوظائف قيادة قطر ية لـ"الإقليم" أو "القطر"، ويتم تعيينها من قبل اللجنة التنفيذية القومية، وقد نصت بعض التعديلات التنظيمية اللاحقة على أن يكون مسؤول الإقليم معيَّناً من قبل المؤتمر الإقليمي.
5- لجنة الإدارة:
وتعتبر بمثابة مكتب سياسي منبثق عن اللجنة التنفيذية القومية، تضم المتفرغين الذين يقودون العمل في عموم التنظيم القومي، وينفذون قرارات "اللجنة التنفيذية".
6- اللجنة التنفيذية القومية:
وهي بمثابة قيادة قومية لـ"الحركة" تميزت بهيمنة رباعي: الدكتور جورج حبش والدكتور وديع حداد والدكتور أحمد الخطيب وهاني الهندي عليها، الذين مثّلوا القيادة المؤسسة لـ"الحركة"، وقد ظلت هذه القيادة مسيطرة على "الحركة" حتى مؤتمر 1963.
ومنذ أواخر الخمسينات، قسمت "اللجنة التنفيذية" أعمالها بين ثلاث لجان:
أ‌- المكتب السياسي: وهو (لجنة الإدارة سابقاً).
ب‌- اللجنة الفكرية:
ت‌- اللجنة المالية:
7- المؤتمر القومي:
اعتبر المؤتمر القومي أعلى سلطة في "الحركة" وكان يجتمع دورياً مرة في السنة.
الأطوار الأيدلوجية الثلاثة:
يُمكن القول في منظور التطور الأيدلوجي لـ: "حركة القوميين العرب"، من ظهورها الجنيني في آذار 1949 تحت اسم "كتائب الفداء العربي"، أن الخطاب النظري "الحركي"، قد مرّ بثلاثة أطوار أيدلوجية متميِّزة، هي الأطوار القومية التقليدية، والاشتراكية العربية، والماركسية.
أخذت "الحركة" بدءاً من عام 1959 على وجه التحديد، تواجه من داخلها أول تحد أيدلوجي وسياسي لتكوينها القومي التقليدي، وذلك اثر تقرير "اللجنة الفكرية" التي كان يترأسها محسن إبراهيم .
كان هذا التقرير في مختلف وجوهه، انقلاباً أيدلوجيا وسياسياً، طرح إعادة النظر جذرياً ببنية الخطاب القومي التقليدي لـ"الحركة" وبمنطلقاته النظرية – السياسية، فطالب باستبدال شعار "الثأر" بشعار أساسي من نوع "تحرير فلسطين"، ونقض مطابقة الحركة ما بين اليهودي والصهيوني، ورفض نظرية المرحلتين مؤكداً على التشابك بينهما، وأكد على ضرورة إعادة النظر بمبدأ الوحدة بأي ثمن، وجعل الموقف من الوحدة رهناً بمضمونها السياسي، ومن هنا يمكن اعتبار هذا التقرير نوعاً من إرهاص مبكر بالطور الاشتراكي العربي الذي ستدخله "الحركة" اثر الانفصال السوري.
وكان من ابرز معالم هذا الإرهاص عام 1959، هو إدانة "الاتحاد الهاشمي" من دون تردد ووصفه بـ"الاتحاد المزيف" الذي جاء، رداً وحدوياً، ممسوخاً على البناء الوحدوي السليم، والذي قام بقيام الجمهورية العربية، وتكتلاً رجعياً للوقوف في وجهها، وما هو المهم هنا ليس إدانة هذا "الاتحاد" وحسب، بل الأساس النظري – السياسي الجديد الذي يطلق منه، إذ تحدد "الحركة" لأول مرة بوضوح أن "للوحدة العربية الحقيقية طريق واحد: ذلك هو طريق الشعب، وهدف واحد: ذلك هو مصلحة الشعب"، فتربط ما بين "التجزئة والاستعمار" وتؤكد أن "الوحدة العربية بحد ذاتها ثورة تحررية كبرى، وان كل خطورة وحدوية تتضمن طاقة تحررية معينة"، وبهذا المنطلق الأيدلوجي – السياسي الجديد حددت "الحركة" موقفاً حاسماً من اتحاد ولايات جنوب الجزيرة العربية أو ما سمي بـ"اتحاد الإمارات" وأصدرت في تشرين الأول 1959 وثيقتها المهمة "اتحاد الإمارات المزيف" مؤامرة على الوحدة العربية".
كان فرع "الحركة" في اليمن حين أصدرت وثيقة "اتحاد الإمارات المزيف" قيد التأسيس، إذ تمكنت قيادة إقليم "الحركة" في مصر، من تنظيم عدة روابط طلابية عربية، في "الحركة".
وكانت أول دورة إعداد قيادة "الحركة" لعدد من الخريجين بهدف إعدادهم لتأسيس فروع لـ"الحركة" في أقطارهم، هي الدورة السرية التي أجرتها في دمشق عام 1959 وحاضر فيها جورج حبش والحكم دروزة وهاني الهندي وغيرهم.
لا تصدر أهمية هذه الوثيقة عن إدانة "اتحاد الإمارات" بقدر ما تصدر عن انطلاقها من مبدأ وحدة اليمن الطبيعة وتحررها في إطار الوحدة العربية، وتشمل الطبيعة وفق ذلك إقليم اليمن (بشماله وجنوبه)، وجنوب الجزيرة العربية، بما فيه مسقط وعمان وساحل عمان المسمى حالياً بالإمارات العربية المتحدة.
من هنا طرحت الوثيقة "وحدة قوى النضال الشعبي في اليمن المحتل وفي إقليم اليمن جنوبه وشماله، وفي جنوب الجزيرة والخليج، في وحدة نضالية متماسكة"، ويفسر ذلك تفسيرها الرمزي لهذه الوحدة بشعار "وحدة نضالية متماسكة من عدن إلى البحرين ".
أما العنصر المهم، فيتحدد في تركيز الوثيقة على: "توضيح الأساس القومي العربي والإطار القومي العربي للمعركة التي تخوضها في هذا الجزء من الوطن العربي"، ومن هنا فإنها تعتبر معركة اليمن المحتل والجنوب الكبير عامة، جزءاً لا يتجزأ من معركة الوحدة العربية الشاملة"، فـ"ليست أبداً معركة إقليمية محلية، أنها جزء من معركة قومية شاملة"، "تخوضها الأمة العربية ضد الاستعمار والتجزئة والاغتصاب اليهودي".
مفاجأة الانفصال:
فاجأت حركة 28 أيلول 1961 الانفصالية قيادة الجمهورية العربية المتحدة، ووجدت "حركة القوميين العرب" نفسها وسط الصراع، ورغم تواضع قوتهم التنظيمية في سورية عشية الانفصال، فان نواتهم الصلبة التي لم تحل نفسها، فقد تمكنت من التحريض على بعض التظاهرات احتجاجاًَ على الانفصال.
كانت التظاهرات المنظمة الوحيدة في الأيام الأولى هي التظاهرة التي حرض عليها "القوميون العرب"، وشكل الفلسطينيون قوامها.
كانت "حركة القوميين العرب" في مختلف الوجوه، أهم منافس حزبي وسياسي للبعث في كل من العراق وسورية، عشية حركتي 8 شباط و 8 آذار 1963، ففي العراق توسعت خلايا "الحركة" عشية ثورة 14 تموز 1958 إلى أكثر من 5000 عضو خلية وآلاف من أعضاء الحلقات عشية حركة 8 شباط 1963، في حين أن عدد الأعضاء العاملين (تنظيم الفرق) في البعث صبيحة 8 شباط هو 980 عضواً عاملاً وعدد الأنصار (التنظيم الحلقي) هو 30,000 نصيراً.
من هنا شكلت "الحركة" عشية 8 شباط، قوة يحسب حسابها، ففي بغداد مثلاً كان الطابع العام للرصافة وفيها الاعظمية بعثياً في حين كان الطابع العام للكرخ "حركياً"، توسعت خلايا "الحركة" خلال الانفصال بشكل مذهل، ووصل عدد أعضاء خلاياها عشية 8 آذار إلى عدة آلاف.
تكيفت "حركة القوميين العرب" بسرعة مع الوقائع الجديدة، فأعلنت في 17 آذار 1963 برنامج "وحدة اتحادية" يقوم على شعار: "وحدة اتحادية جدية بين الجمهورية العربية المتحدة والعراق" حلَّ مكان شعارها السابق: "وحدة سورية ومصر أولا ثم العراق".
ويتكلم برنامج "الحركة" لغة جديدة، لم يألفها الخطاب القومي التقليدي لـ"الحركة"، فتبنى "البرنامج" مبادئ "الوحدة الاتحادية" وأكد على تأسيس الوحدة على الإيمان بالدور التاريخي الحاسم للجماهير المنظمة، وإطلاق حرية التنظيمات الحزبية والنقابية الملتزمة بالاتجاه القومي الاشتراكي وحجب الحرية عن القوى الرجعية والشعورية واللا قومية، والسير بنضال الجبهة القومية الممثلة لتحالف الجماهير في طريق انجاز الثورة.
وتصور "البرنامج" صيغة الدولة الاتحادية، على أساس دولة واحدة ذات سيادة قومية واحدة ورئاسة واحدة، تمثل فيها الخارجية والدفاع والأمن القومي والسياسة الاقتصادية والمالية والتربوية والثقافية وقوانين العمل شؤوناً اتحادية، وتخضع السلطة التنفيذية الاتحادية إلى رقابة هيئة تشريعية منتخبة، يتحقق فيها تمثيل ديمقراطي حقيقي.
برزت "حركة القوميين العرب" بفضل كفاءتها التنظيمية والدعاوية، بوصفها من ابرز ممثلي مفهوم "الجبهة القومية".
الالتحام بالناصرية:
لم يستطع البعث أن يدرك عمق التغيرات البنيوية التي عصفت بـ"حركة القوميين العرب" بعد الانفصال وحوَّلتها من "أخوية" قومية تقليدية نخبوية ومغلقة، تضم بضع مئات من أبناء "العائلات" إلى منظمة طليعية صلبة ذات حضور جماهيري وسياسي تضم الألوف من أبناء الفئات الوسطى والعمالية .
تمكنت "الحركة" خلال فترة الانفصال من استيعاب الألوف من أبناء الفئات الوسطى والعمالية فرأت شرائح واسعة منها في "الحركة" إطارا تنظيمياً متماسكاً وصلباً للعمل الفعال ضد الانفصال، تفتقد إليه التكتلات الناصرية الأخرى، التي كانت بالفعل رخوة وغير متجانسة.
ترتبط الصياغة النظرية لراديكالية "حركة القوميين العرب" باللجنة الفكرية (الثقافية) للحركة التي كانت تُمثل إلى جانب لجنة الإدارة (المكتب السياسي لاحقاً) واللجنة المالية، اللجان المركزية الثلاث التي يتفرع إليها عمل اللجنة التنفيذية القومية، وهي بهذا المعنى هيئة سرية مرتبطة بالقيادة القومية مباشرة، وتعمل كمجلس أيدلوجي استشاري.
وتتمثل أهمية التقرير الذي رفعته "اللجنة الفكرية" إلى القيادة القومية عام 1959 في انه أول بادرة من بوادر المراجعة النقدية للبنية القومية التقليدية لـ"الحركة"، إذ طرح لأول مرة أسئلة تطال الصلاحية النظرية لمفاهيم "الحركة"، وفي مقدمتها نظرية "المرحلتين" التي "تفصل" ما بين مهام مرحلة "النضال القومي" (في سبيل الوحدة والتحرر والثأر) وبين مهام مرحلة "النضال الاجتماعي" (في سبيل المجتمع الاشتراكي الديمقراطي)، فأكد على الترابط ما بين المرحلتين.
ففي ضوء الدروس المستخلصة من تجربة "الانفصال" المرة، لا تعود "الثورة العربية المعاصرة" هنا "ثورتين" "منفصلتين" بل ثورة واحدة مركبة، تتمثل بالمضمون الطبقي الاشتراكي للقومية العربية، وبذلك لا يمكن الفصل المرحلي ما بين "القضية السياسية" و"القضية الاقتصادية"، وتعني "القضية الاقتصادية" هنا "القضية الاشتراكية.
وفي إطار ذلك لا يمكن بناء الاشتراكية من دون اشتراكيين، ومن دون حزب اشتراكي يحوِّل الجماهير من قوة اشتراكية بالقوة إلى قوة اشتراكية بالفعل، إذ لا يمكن بناء الاشتراكية دون العزل السياسي للطبقات المستغلّة، وبذلك تتكلم الحركة لأول مرة في أدبياتها عن رجعية طبقية داخل المجتمع القومي نفسه، بعد أن كانت تحصر صفة الرجعية بالعمالة للاستعمار.
وبكلام آخر، إذا كان المفهوم التقليدي لـ"الحركة" يقوم على "الفصل" ما بين النضال القومي والنضال الاشتراكي في مرحلتين "مستقلتين"، فان مؤدّى التحليل الجديد هو الربط العضوي ما بينهما، فتصبح قضية الوحدة هنا قضية الجماهير الشعبية الكادحة لا قضية كل طبقات الأمة، ويحقق النضال القومي وحدته واشتراكيته في آن.
الطريق إلى فلسطين عبر عمان: (البحث عن فيتنام شمالية)
كان تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية أخطر تحدٍ واجه الملك حسين وقد عارضت أجهزة الملك في البدء عقد المؤتمر الفلسطيني الأول في القدس ، ثم وافقت على عقده على أن تكتب عبارة القدس –المملكة الأردنية الهاشمية وليس فلسطين.
في أيار عام 1965 انعقد المؤتمر الفلسطيني الثاني في القاهرة، وبمناسبة انعقاد هذا المؤتمر أعدت "قيادة العمل الفلسطيني في حركة القوميين العرب" مذكرة مطولة، تطالب فيها بتحويل منظمة التحرير الفلسطينية إلى منظمة ثورية تقوم على تنظيم شعبي يستوعب المنظمات الثورية الفلسطينية العاملة والتنظيمات الشعبية المهنية وينظم من هو غير منظم من الفلسطينيين، ويتسلح بتنظيم عسكري يقوم على جيش نظامي وجيش شعبي، وتنبثق أجهزته القيادية على مختلف مستوياتها عن طريق الانتخابات.
انتهزت الحركة الطريق المسدود فعلياً ما بين الملك والمنظمة، وطالبت الشقيري بان تشق المنظمة طريقها خارج مؤتمرات القمة ببناء التنظيم الشعبي والتشكيلات الفدائية، وإقامة حوار حقيقي مع المنظمات الفلسطينية.
تحرير عمان "الأردن أولاً والأردن آخراً":لم يكن الملك مخطئاً في تقدير خطورة ما أسماه بـ"العناصر الحزبية المتطرفة" من قوميين وعرب وبعثيين على استقرار كيانه ومصيره، إذ ما أن عادت الحرب العربية الباردة بين المعسكرين الرسميين العربيين "الراديكالي" و"المحافظ" حتى أخذت هذه العناصر تطرح "تحرير عمان" أولا، بل ستقرر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير في 25/10/1966 دعمها "بكل ما أوتيت من قوة وعزم لكل التحركات الشعبية في الأردن التي تقف الآن للحكم القائم بالمرصاد"، وذهب غسان كنفاني إلى "أن ساحة الأردن ليست جهة ضرورية فحسب، وإنما هي جبهة فلسطين الوحيدة" وان كل شهيد فلسطيني نفقده على الحدود مع إسرائيل، قبل الانتهاء من حكاية الأردن هو هدر سيحاسبنا عليه التاريخ، وكل فدائي –كي نكون أكثر حسماً يخطو نحو الحدود مع إسرائيل الآن لا يكون قد خطا نحو طريق الفداء الحقيقي، فـ"الطريق إلى عمان هو ثلثا الطريق إلى تل أبيب" ومن هنا "لا ينبغي أن يكون هناك أي اعتراض على وحدة الضفتين، بل على العكس فان إرادة التغيير يجب أن تنطلق من تكريس هذه الوحدة.
إن حركة القوميين العرب ربطت منظورها بـ"تغيير جذري في النظام الأردني" يزيل "الجدار الأردني أمام فلسطين" ويحول الأردن إلى "فيتنام شمالية تعتبر الحرب حربها جملة وتفصيلاً" كما يحول الفلسطينيين إلى "فيتكونغ".
نشوء حركة القوميين العرب في شمال اليمن:
إذا ما استثنينا "الاتحاد اليمني" الذي تمركزت وجوهه في القاهرة، وحاول أن يشكل هيئة معارضة للإمام، فان القوى السياسية الحديثة المنظمة في اليمن المستقل (شمال اليمن) عشية إسقاط الإمامة، وإعلان الجمهورية، كانت محصورة في ثلاث تنظيمات.
وهذه التنظيمات هي الاتحاد الديمقراطي الشعبي الذي تألف من الشيوعيين، أما التنظيم الثاني فكان البعث وعلى رأسه محسن العينين وتأسس في شمال اليمن عام 1958 في حين تأسس في الجنوب عام 1956، وكان له نفوذ تنظيمي وسياسي مهم في المؤتمر العمالي بعدن، أما التنظيم الثالث، فكان حركة القوميين العرب.
بات متفقاً عليه أن الخلية الأولى لحركة القوميين العرب قد تشكلت في منطقة الشيخ عثمان عام 1959 بعدن، ثم نشأت بعد قليل خلية مماثلة في شمال اليمن، غير أن الحركة سرعان ما بدأت تنافس النفوذ العمالي للبعث في مؤتمر عدن العمالي الذي كانت جل قيادته وعماله من شمال اليمن، فتمكنت خليتها في شمال اليمن من السيطرة إبان حكم الإمامة على نقابة العمال الوحيدة في شمال اليمن، وبفضل هذه السيطرة تمكنت الحركة في تعز من تشكيل لجنة شعبية استولت على المدينة عشية إعلان الجمهورية في 26 أيلول 1962.
ومثلما حققت الحركة نجاحاً مهماً بتنظيم سياسي مجرب في صفوفها هو قحطان محمد الشعبي احد القادة المؤسسين لـ"رابطة الجنوب العربي"، فإنها نظمت في الشمال وإبان حكم الإمامة وجهاً، اجتماعياً وعائلياً وثقافياً بارزاً هو عبد الكريم الارياني، وكان لتنظيم الحركة في الشمال والجنوب يومئذ قيادة إقليم واحدة.
ومن خلال الطلاب الحركيين إلى كلية صنعاء العسكرية تشكل نفوذ الحركة في أسلحة الصاعقة والمظلات والمدفعية، وظهرت أهمية هذا النفوذ إبان حصار صنعاء عام 1968.
وفي ضوء نموذج الثورة الجزائرية أدخلت حركة القوميين العرب عنصراً جديداً على الفكر السياسي اليمني "الحديث" هو عنصر الكفاح المسلح كأسلوب وحيد لتحرير اليمن الطبيعية وتحقيق وحدتها، فانفردت عن سائر القوى اليمنية بتبني هذا العنصر، وتقصد به الحركة حرب عصابات متكاملة تنطلق من اليمن المستقل (المملكة اليمنية) كإقليم –قاعدة في ثورة متصلة تشمل كافة مناطق جنوب الجزيرة والخليج العربي في معركة واحدة وهو ما يتطلب "جبهة نضالية قومية تديرها قيادة قومية مخلصة" وتجعل مصلحة المعركة هي الأساس الأول والمقياس الأول للعمل.
كانت "الحركة" في عام 1960 قد طرحت مشروع "التجمع القومي"، ويعكس هذا المشروع وبشكل واضح وجهة نظر حركة القوميين العرب أكثر من أي فصيل آخر، وقد تطور هذا المفهوم، في آذار 1961، بإعداد دراسة عن واقع الحركة التحررية في إقليم اليمن وسبل العمل "لبناء حركة ثورية تحررية سليمة"، وقد قدم قحطان الشعبي يومئذ وثيقته التي تتمحور حول تكوين "جبهة قومية" تكون إطار الوصول "إلى تنظيم ثوري واحد"، وتضم "فقط كل العناصر القومية المخلصة" و"تستبعد بالطبع العناصر العميلة ودعاة الانفصالية.
وفي 19 آب 1963 وبدعم من الجمهورية العربية المتحدة، تم تشكيل قيادة "الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل" من 12 عضواً، بينهم ستة ممثلين لحركة القوميين العرب وستة ممثلين لقطاع القبائل.
في مطلع عام 1964 نقلت الجبهة عملياتها إلى داخل عدن، واستهدفت المؤسسات الحكومية وبيوت الضباط الانكليز ونواديهم، وتصفية المخبرين وضباط المخابرات، فقد اتسعت الجبهة في عدن نفسها، وأنهكت الانكليز وحطمت فعالية جهاز أمنهم السري بتصفية الجبهة للمخبرين وضباط المخابرات على مدى عام 1965، ومهاجمة الأهداف الانكليزية والحكومية الاتحادية، وبلغ مجموع العمليات عام 1965 وفق المعطيات الانكليزية 286 عملية، وظهر مع نهاية هذا العام أن كل شيء تقريباً قد أفلت من قبضة الانكليز وفي 22-25 حزيران منه، عقدت الجبهة القومية مؤتمرها القطري الأول في مدينة تعز.
كان مؤتمر الجبهة القومية أول مؤتمر يعقده فرع من فروع حركة القوميين العرب، اثر مؤتمر شباط القومي للحركة في شباط 1965 في بيروت، إذ اقر هذا المؤتمر لأول مرة في تاريخ الحركة، "نقل مركز الثقل من المركز إلى الأقاليم".
فأصبح بالتالي لفرع الحركة في جنوب اليمن (الجبهة القومية)، مؤتمر قطري أو إقليمي، وما يعادل لجنة مركزية ومكتباً سياسياً، وذراع عسكري ميليشياتي هو الجيش الشعبي وذراع ضارب هو الفدائيون، وميثاق وطني.
عبر الميثاق من الناحية الأيدلوجية عن الترابط ما بين النضال ضد الاستعمار البريطاني وضد الحكام الإقطاعيين من سلاطين وأمراء ومشايخ وبرجوازية استقلالية، وكان هذا التعبير صيغة راديكالية في شروط اليمن عن الربط الذي أخذت تقيمه حركة القوميين العرب ما بين النضال القومي والنضال الطبقي، والتأكيد على المضمون الطبقي لشعاراتها القومية.
من هنا انتقلت عمليات الجبهة القومية من عمليات إنهاك إلى مواجهات والتحام مباشر في عدن نفسها، وخوض معارك الشوارع ضد الدوريات والمشاة، والجديد في هذه العمليات هو وضعها في إطار عصيان مدني سياسي، فعرضت الجبهة القومية عضلاتها بقوة في إضرابي 19 ك2 و8 شباط 1967.
توجهت الجبهة القومية هذه الإستراتيجية بالاستيلاء في 20 حزيران 1967 على حي كريتر في عدن، والاحتفاظ به لمدة أسبوعين، وشكل هذا الاستيلاء عنصراً حاسماً في تحويل الجبهة نحو المرحلة الأخيرة في إستراتيجيتها وهي إسقاط عدن انطلاقا من إسقاط السلطنات الواحدة تلو الأخرى وتدمير الحكومة الاتحادية، وتم هذا الاستيلاء في ظل السخط الحاد على الهزيمة التي ألحقتها إسرائيل بالعرب في 5 حزيران 1967.
كان الانكليز يدركون الضعف السياسي والإداري للحكومة الاتحادية، إلا أن انهيارها بهذا الشكل وتساقطها الذريع كان فيه كثير من المفاجأة، والواقع أن الجيش الاتحادي في الأطراف لم يقاوم الجبهة القومية حين شرعت بإسقاط السلطنات بل ساعدها ضمناً، وعزا جعفر عوض وعبدالله الخامري ذلك إلى التنظيم السري للجبهة داخل الجيش الاتحادي، وأدى ذلك إلى اعتراف بريطانيا رسمياً في 6 ت2 بالجبهة القومية ممثلاً شرعياً وحيداً لشعب جنوب اليمن، واعترف جيش الاتحاد بالجبهة، وكان ذلك يعني بدء بريطانيا لمفاوضات الاستقلال ومغادرة البلاد.
الثورة العُمانية وتطوراتها 1959-1975:
أدى اندلاع الحرب العربية الباردة بين المعسكر القومي التقدمي العربي بقيادة الجمهورية العربية المتحدة والمعسكر الرجعي بقيادة المملكة العربية السعودية اثر ثورة 26 أيلول 1962 في اليمن، إلى الإجهاز التام على الوفاق المصري –السعودي ضد بريطانيا، وفي سياق تلك الحرب، تمكنت حركة القوميين العرب، لا سيما فرعها النافذ والنشيط في الكويت –حيث توجد نسبة مهمة من العمال العُمانيين، الذين ينحدر معظمهم في الحقيقة من قبيلة المهرة في ظفار من صياغة برنامج سياسي راديكالي لـحكومة المنفى العُمانية، إذ تم في أيلول 1963 تشكيل جبهة تحرير عُمان، وحددت برنامجها السياسي بتحرير عمان داخلا وساحلا من الاستعمار البريطاني، واعتبارها جزءا لا يتجزأ من الوطن العربي الأكبر الممتد من الخليج إلى المحيط، وتنظيم الكفاح الشعبي في عمان بما ينسجم مع هذه الأهداف، والعمل لإقامة دعائم الجمهورية العربية العمانية.
جبهة تحرير ظفار:
قرر فرع الخليج والجزيرة العربية لحركة القوميين العرب، في اجتماع داخلي انعقد عام 1964 في الكويت التحضير لشن الكفاح المسلح في منطقة ظفار، وبهدف إقامة جسر يصل بين الكفاح المسلح في جنوب اليمن وبينه في عمان والخليج العرب.
أخذت الحركة تسرب كوادرها المدربة إلى مسقط وصلالة عاصمة ظفار إلا أن أجهزة السلطان وجهت في نيسان وايار1965، ضربة استباقية، واعتقلت ما يزيد على الستين مقاتلاً في مسقط وصلالة، ثم اعترضت سفينة حربية إيرانية في شهر أيار من هذا العام شحنة أسلحة في طريقها إلى ظفار واستولت عليها.
سحبت الفصائل الثلاث كوادرها من المدن إلى الجبال وعقدت في الأول من حزيران 1965، في وادي نحيز في المنطقة الجبلية الوسطى من ظفار المؤتمر التأسيسي لـ "جبهة تحرير ظفار" وانبثق عن المؤتمر لجنة تنفيذية مؤلفة من 18 عضواً، كان بينها يوسف علوي احد قادة الجمعية الخيرية الظفارية ومحمد احمد الغساني (حركي) وهو من سكان صلالة عاصمة ظفار وسيمثل هذان الكادران لاحقاً الجناحين المتصارعين في الجبهة (التحق يوسف علوي بأجهزة أمن السلطان ثم أصبح وزيراً للخارجية).
يثير بيان إعلان الكفاح المسلح (9 حزيران 1965) في ظفار، أسئلة عن الهوية الأيدلوجية السياسية لـ"جبهة تحرير ظفار"، إذ تميز هذا البيان بلغته القومية المشرقية الصرفة، التي تعيد إنتاج البلاغة القومية الأيدلوجية للخطاب الحركي المشرق.
المؤتمر الإقليمي الأول لفروع الخليج والجزيرة العربية:
انعقد في سياق هذا التجذير اليساري، في 30/ 12/ 1967 في بيروت، أول مؤتمر إقليمي من نوعه لفروع حركة القوميين العرب في الخليج والجزيرة العربية (السعودية، الكويت، البحرين، قطر، عُمان الداخل، وعُمان الساحل)، وشارك في المؤتمر مراقبون عن الجبهة القومية في جنوب اليمن (عبد الله الاشتر) ومندوب "حركي" من جبهة تحرير ظفار ومندوباً كويتياً يمثل قيادة الإقليم في الكويت.
وناقش المؤتمر على مدى ثلاثة أيام "مستقبل الحركة الثورية في الخليج" وتحدد هدف المؤتمر على المستوى التنظيمي من خلال المشاورات التي سبقته بتشكيل قيادة مستقلة لإقليم الخليج والجزيرة العربية عن قيادة الكويت.
تبنى المؤتمر الاشتراكية العلمية والكفاح المسلح لتحرير المنطقة وإسقاط الأنظمة العشائرية، واعتبر الخليج والجزيرة من الناحية التنظيمية إقليماً واحدا، شكل له مكتبين سياسيين:
1- مكتب سياسي للخليج يشكل القيادة الفعلية الداخلية للخليج .
2- مكتب سياسي يكون القيادة الفعلية لجميع مناطق العمل داخل السعودية .
مؤتمر "حمرين" وتحويل جبهة تحرير ظفار إلى الجبهة الشعبية لتحرير الخليج العربي المحتل:
انعقد هذا المؤتمر في السياق الذي تواترت فيه المؤتمرات اليسارية لفروع حركة القوميين العرب، ولا سيما منها المؤتمر الرابع للجبهة القومية (آذار 1968) في جنوب اليمن ومؤتمر دبي الاستثنائي (23 تموز 1968 واستغرقت أعمال هذا المؤتمر عشرين يوماً (من 1-20 1968) في وادي حمرين في المنطقة الوسطى من ظفار وحضره 65 مندوباً يمثلون جبهة تحرير ظفار، ومراقب عن الحزب الشيوعي الصيني، في حين انشق عنه الانفصاليون الظفاريون بقيادة يوسف بن علوي.
وكان أهم قرار اتخذه المؤتمر إعادة بناء الجبهة على أسس راديكالية جديدة، هو تغيير اسم "جبهة تحرير ظفار" ذي المضمون القبلي الانفصالي إلى اسم الجبهة الشعبية لتحرير الخليج العربي المحتل.
وشهدت أعوام 1968،1970 تكثيفاً كمياً ونوعياً لعمليات الجبهة، سقطت فيها ظفار برمتها في أيدي الجبهة، باستثناء العاصمة صلالة هنا بالنسبة لريفها تشبه ما كانته عدن بالنسبة لريفها، غير أن قاعدتها الحصينة كانت هنا معرضة للهجمات، وللضحايا أحياناً، وفي الأماكن المحررة أقامت الجبهة الشعبية نوعا من إدارة جمهورية عسكرية، إذ عبأت القادرين على حمل السلاح اما في جيش التحرير الشعبي أو في الميليشيا، ووجدت في المحافظتين الخامسة والسادسة من جنوب اليمن قاعدة مأمونة لمشافيها ومدارسها ومنشآتها الخدمية.
تم انقلاب القصر في 23 تموز 1970، ورحل سعيد بن تيمور وأصبح ابنه قابوس سلطاناً، كما أصبح شقيقه طارق بن تيمور رئيساً للحكومة.
استوعب السلطان عدداً كبيراً من معارضيه بما فيهم كوادر أساسية في الجبهة، أما بقية المعارضين فعقدوا عام 1993 مؤتمراً في المنفى، قرروا فيه شطب كلمة التحرير من اسم الجبهة، وتسميتها باسم جديد هو "الجبهة الشعبية الديمقراطية العمانية".
أثر هزيمة 5 حزيران 67 على قيادة الحركة:
موضوعات 5 حزيران:
أربكت الطبيعة الفاقعة للنكسة حركة القوميين العرب، ولم يتم تجاوز هذا الارتباك إلا في الاجتماع القيادي الموسع الذي عقدته اللجنة التنفيذية القومية للحركة (أواخر تموز 1967) وأصدرت فيه أول تقرير رسمي يتضمن تحليلاً طبقياً للنكسة، حمل عنوان "الثورة العربية أمام معركة المصير" وعرفت اشكالياته باسم "موضوعات/5/حزيران"، كان هذا التقرير وفق مفهوم التقرير في الحركة متفقاً عليه ما بين فريقي القيادة المركزية الراديكالي والتقليدي إلا انه وفي سياق الصراع الداخلي الحاد ما بينهما، حاول كل منهما أن يستملكه أيدلوجيا وسياسياً وتنظيمياً، إلا أن جورج حبش يعتبر نفسه مسؤولاً عن هذا التقرير، إذ يؤكد حبش من خلالها أن اللجنة التنفيذية القومية قد وضعت تقرير تموز 1967 أساساً، كي تضع حداً نهائياً لنمط مقالات محسن إبراهيم التي تعكس إستراتيجية "الالتحام بالناصرية" وما خلفته تلك الإستراتيجية من ربط ذيلي للحركة ودورها بالإستراتيجية الرسمية للجمهورية العربية المتحدة وخنق كل المبادرات التي كانت تحاول تجاوز هذا الإطار.
التحليل الطبقي للنكسة: (موضوعات 5 حزيران):
ناقشت الوثيقة (تقرير تموز 1967 الذي أعده جورج حبش) ما سمته بـ النكسة العسكرية في حول الأيام الستة، ورأت أن النكسة لا تكمن في الهزيمة العسكرية بقدر ما تكمن في اضطرار حركة الثورة العربية إلى إيقاف الحرب مع إسرائيل عند حدود جولة الأيام الستة وعدم المضي فيها بحيث تتحول إلى حرب شاملة ضد الاستعمار بكل قواعده ومصالح كل القوى المرتبطة به.
أولاً:
فسرت الوثيقة عجز قيادة الثورة العربية عن ذلك، بتكوينها الطبقي والأيدلوجي والسياسي البرجوازي الصغير، فحكم هذا التكوين مواجهتها "المتقطعة" و"المتذبذبة" لإستراتيجية الاستعمار الجديد الهجومية بقيادة الولايات المتحدة.
ثانياً:
من هنا استنتجت الوثيقة نظرياً في ضوء تحليلها الطبقي للنكسة، انه إذا كانت البرجوازية الصغيرة، قد أدت دورها إبان مواجهة الاستعمار القديم على حد تعبير الوثيقة فإنها "لم تعد مؤهلة لممارسة دور القيادة على رأس الحركة الثورية العربية في هذه المرحلة الجديدة من نضالها" فقد كانت "حرب التحرر الوطني الطويلة النفس مع الاستعمار" تتطلب إحداث تحولات هامة في مسيرتها، يقوم على بناء نظام اشتراكي، قادر بالتصنيع الثقيل على حماية استقلاله الاقتصادي، وتوسيع إطار الديمقراطية، السياسية الشعبية لتمكين جماهير الطبقة العاملة والعناصر المثقفة الملتزمة بالاشتراكية العلمية أساساً من خوض معركة بناء الأساس المادي للاشتراكية وعلى تحويل أجهزة الدولة إلى أداة ضاربة في يد الجماهير الكادحة تلتزم بأيدلوجية الطبقة العاملة.
ثالثاُ:
يتطلب ذلك ضرورة انتقال مقاليد القيادة إلى الطبقات والفئات الاجتماعية الكادحة الأكثر جذرية والملتزمة بـ الاشتراكية العلمية أيدلوجية الطبقة العاملة وتحت هذه القيادة سوف يكون على البرجوازية الصغيرة وكل العناصر والقوى الوطنية والتقدمية أن تسهم بدورها في معركة التحرر الوطني.
رابعاً:
وفي إطار محايثة التقرير ما بين الولايات المتحدة وإسرائيل، فانه يربط مهام معركة التحرر الوطني الراهن بـ إزالة العدوان بالدخول في مرحلة الصدام النهائي الحاسم، مع الاستعمار الجديد، وجر هذا الاستعمار إلى تفجير الحرب الشاملة معه وخلق أكثر من فيتنام واحدة بإتباع أسلوب الكفاح الشعبي المسلح والعنف الثوري المنظم وتحقيق وحدة القوى الثورية العربية قطرياً وقومياً.
خامساً:
من هنا دعا التقرير على المستوى العالمي إلى تعميم نموذج الثورة على الغرار الفيتنامي في العالم الثالث.
مشروع التجذير اليساري للحركة:
شكل تقرير تموز الأساس النظري لإعادة بناء حركة القوميين العرب وتجذيرها يسارياً، من هنا أقرت اللجنة التنفيذية القومية في أوائل كانون الثاني 1968 برنامج التطور الديمقراطي الذي يحدد آليات ووظائف عملية إعادة البناء اليسارية تلك، ويقوم هذا البرنامج على أربع نقاط:
1- طرح موضوعات 5 حزيران على جمهرة الأعضاء في كل الأقطار لاستثارة حوار واسع حولها في صفوفهم.
2- التقدم انطلاقاً من تلك الموضوعات بصوغ تحليل طبقي سياسي للأوضاع القطرية المتنوعة واستخراج برنامج يحدد مهمات النضال الوطني الديمقراطي وأساليب الكفاح المتطابقة مع الظروف الموضوعية السائدة في كل قطر.
3- التقدم عملياً على طريق ممارسات سياسية طبقية جديدة متناقضة للممارسات السياسية السائدة التي كان يفرزها التكوين الطبقي الأيدلوجي البرجوازي الصغير للحركة.
4- الانطلاق عبر ذلك كله نحو تصفية البنية التقليدية للحركة وإحداث عملية فرز تنظيمي حاسمة في صفوفها، وتأهيل الاستقطابات اليسارية للتحول إلى فصائل ماركسية لينين ية جديدة.
لم يطرح برنامج التطور الديمقراطي الداخلي إذن حل حركة القوميين العرب، بل إعادة بنائها تنظيمياً في نوع من فيدرالية تنظيمية قومية، ملتزمة أيدلوجياً بـ الاشتراكية العلمية أيدلوجية الطبقة العاملة.
أقرت القيادة هذا البرنامج، الذي يعني فعلياً إحداث فرز تنظيمي وأيدلوجي قطبي في الحركة ما بين العناصر التي تقبل التجذير اليساري للحركة والعناصر التي تتحفظ على ذلك أو لا تقبله، وفي هذا الصدد، نشير إلى دور القيادة المؤسسة –جورج حبش خصوصاً- التي تؤكد أنها هي أصلاً المسئولة عن صياغة موضوعات 5 حزيران التي يجب أن يعاد بناء الحركة وفقاً لها.
لذلك فإن الوفاء الحقيقي للقائد الراحل الحكيم جورج حبش في الذكرى الرابعة عشر لرحيله عن دنيانا من ناحية وتجسيد الالتزام الذاتي والموضوعي بمبادئ التحرروالنهوض الوطني والقومي التقدمي والثورة الاشتراكية الديمقراطية التي أطبقها الحكيم في كل أرجاء وطننا العربي من ناحية ثانية، يتطلب من كافة الرفاق اليساريين الماركسيين في بلدان الوطن العربي عموماً ورفاقنا في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين خصوصاً، أن لا نتواصل مع مسيرة القائد الراحل وأفكاره ومبادئه الثورية التقدمية الوحدوية فحسب بل أيضاً نجسد بوعي وعبر الممارسة الروح والأخلاق الرفاقية الثورية التي تحلى بها القائد الحكيم وحرص على ان يكون الحزب الثوري الماركسي في كل قطر عربي حضناً دافئاً لكل رفاقنا استناداً والتزاماً واعياً مخلصاً للأخلاق الثورية والعلاقات الرفاقية الديمقراطية لضمان تقدم وانتشار الحزب في اوساط الجماهير الشعبية، كمنطلق رئيسي بما يمكننا من تحقيق مقومات النهوض لأحزاب وفصائل اليسار على طريق تحقيق واستعادة دورها الطليعي لكي نعيد معاً تأسيس وبناء الحركة الاشتراكية العربية كإطار تنظيمي وسياسي وفكري يلتحم بالجماهير الشعبية الفقيرة في فلسطين وكل أرجاء هذا الوطن العربي لتحقيق أشواقها وأهدافها في التحرر والديمقراطية والعدالة الاجتماعية بآفاقها الاشتراكية وبناء المجتمع العربي الاشتراكي الموحد.
بشكل أساسي اعتمدت هذه الدراسة على المراجع التالية:
هاني الهندي - حركة القوميين العرب ( الكتابين الأول والثاني) - مؤسسة الأبحاث العربية -بيروت- ط1- 2001.
محمد جمال باروت - حركة القوميين العرب – المركز العربي للدراسات الاستراتيجية – دمشق - ط1 - 1997

انشر المقال على: