الأربعاء 15-05-2024

جَدَل وَنَقد (3): دروس في الثَورة وأخلاقيّاتها

×

رسالة الخطأ

محمد كناعنة أبو أسعَد / فلسطين

جَدَل وَنَقد (3): دروس في الثَورة وأخلاقيّاتها

يقول جوزيف ستالين "لا يمكنك القيام بالثورة بقفاز حريري"، "ولن يكون بإمكانكَ القيام بثَورتكَ وأنتَ ترتدي القفازات البيضاء" بحسبِ لينين/ فالثَورة ليسَت تَرف فكري وحتمًا ليسَت لُعب في ملعب أسعار البَسكويت والمواصلات ولا حتى أسعار البيوت وغيرها، الثَورة هي السير الحثيث في دروبِ الموت والحَياة، أو كما قالَ ماو تسي تونغ الثائر الصيني العظيم: "الثورة ليست حفل عشاء أو كتابة مقال أو رسم لوحة أو عمل تطريز" وهي "ليسَت هَدفًا بحَدِّ ذاتِها" كما ذهبَ في قَولهِ ارنست ماندل الماركسي الألماني، وليسَ بالإمكان إحداث أي تغيير إجتماعي حقيقي وجذري في المجتمع من غير الثَورة، فالثَورة هي أداة التغيير ووسيلتهُ وليسَت هَدفًا بحدِّ ذاتهِ ومن الخَطَأ بطبيعة الحال تحويلها إلى هَدَف، حينها ستفقد مُبَرِّر وجودها ما عدا كونها مًرتَعً للمُرتَزقة، فالثَورة هي الصراع بينَ الماضي والمُستقبل والطَريق إلى إنجازها ليسَ مفروشًا بالورود.
وليسَ غريبًا لماذا أسوق هذا الكلام على لسان مفكرين وقادة عظام من الماركسيين، شعبنا الفلسطيني يخوض ثَورتهُ ضدَّ الإحتلال الكولونيالي في فلسطين منذُ أكثَر من مئةِ عامٍ، ومنذُ نصفَ قرن والثَورة الفلسطينية الحَديثة تخوض صراعًا مريرًا من أجل العَودة والحرية والتحرير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وحينَما سيطَرَ على الثَورة فكرة الحل المرحلي غابت شموليّتها وغاصت في تفاصيل التفاوض والتنازل والتفريط، وهنا يُطرح السؤال: هل الثَورة مُلكٌ لِمن فَرّطَ بالفكرة والهَدف؟ حتمًا هي مُلك الشَعب وليسَ هناك من هو قادِر على إنقاذها من براثن عصابة التفريط غيرَ الشَعب، وحتى ذلكَ الحين تبقى هناكَ قبضة من الثَوريين تتَمَسَّك بجمرتها الحارقة ولا تتنازل.
عُذرًا على إطالة المُقدّمة، هذه الرسالة إلى الرفاق الماركسيين اليساريين القوميين الثَوريين، وخاصة من يلعب ليلَ نهار على وتَر التخوين لفريق من شعبنا، فريق آثَرَ أن يحمل الراية ويمضي، آمنَ بالثَورة وأصولها وإرتباطاتها الفكرية ولم يتنازل، عن قناعة ومع سبقِ الإصرار والتَرصُد، ولم يكُن خيارنا بالإنحيازِ إلى شعبنا بثَورتهِ وأهدافهِ العادلة تَرفًا فكريًا أو نزقًا أو هربًا من جحيم الكنيست إلى نعيم البترو دولار أو الأنجزة وجمعيات اللهط والسرقة والأسرلة والصهينة والتجنيد للخدمة المدنية والشرطة الصهيونية وأذرعها المُختلفة، هذه الصناديق والمؤسسات والجمعيات معروفة بالإسم والعناوين لكلّ من "ينشَط" ضدّ الخدمة المدنية والتجنيد للأجهزة الأمنية، وهي جميعها اليَوم تقفُ في صف "ثَورة" الكنيست العظيمة وتُحارب أصواتنا ويحاربوننا بها رفاق الدرب والمصير، وللأسَف.
نحنُ نعيش في وطننا وليسَ لائقًا من أحَد تحميلنا عبءَ معنى ما يُذكر في محاولات تفنيد فكرة المُقاطعة من مُهاترات سياسية، فليسَ بالإمكان لمجموعة فلسطينية صغيرة مهما كانت أن تسعى للإنعزال، ذلك وأنتُم تعلمون بأنَّ الإحتلال لن يتعامل معنا كما يتعامل مع المجموعات اليهودية المُنعزلة في مجتمع الإستيطان، فهناك مجموعات أخرى من المتدينين ممن لا يعترفون برموز الدَولة من منطلقات دينية توراتية بحت، وهؤلاء منهم من يجلس في الكنيست حتى، فهل تتعامل معهم دولة الإحتلال كما قد تتعامل مع الفلسطيني حامل البطاقة الزرقاء والمواطنة "الإسرائيلية" بفعلِ الإحتلال ونتائجِهِ، الأجدى يا رفاق أن نتوَّحد حول الفكرة لا أن نبحث لبعضنا عن التعجيزات، ولكنَّنا هنا مختلفون جدًا في المَوقف، وهل تقبلون منا تخوينكُم إن أنتُم ذهبتُم إلى الكنيست، أو قلتُم ببرنامجِكَ بأنَّ "إسرائيل" تُجَسّد حق تقرير المصير لليهود في فلسطين، هل معقول أن نذهب لنبحث لأنفسنا عن مدارس وبنوك خارج إطار دولة الإحتلال، طبعًا لا ولن نفعل، فالإحتلال هو المسؤول عن كل تفاصيل معيشة الشعب الواقع تحتَ وطأتهِ، ولكن من المعقول يا رفاقنا في الجبهة أن نبحث عن طُرق وبدائل لتنظيم أنفسنا كمجموعة قومية تحتَ الإحتلال، وهذا ما لَم نستَطع التوافق عليهِ في إطار لجنة المُتابعة العُليا للجماهير العربية في البلاد، وليس فقط على موضوعة إنتخاب اللجنة مباشرة من الجمهور والذي تعارضهُ الجبهة بشدة وحتى اللجان المُحيطة وأهمها لجنة متابعة قضايا التعليم والتي أصرت الجبهة على رفض إدراجها في إطار لجنة المتابعة وفتح أبواب اللجنة لتكون كإحدى اللجان الأخرى وغيرها من اللجان، فهل تدعونا كطائفة أن ننعزل، لا نحنُ لسنا طائفة ولسنا من دُعاة الإنعزال، وبالتأكيد تيار المُشاركة لا ينوي بحسب هذه المُعادلة الذهاب بعيدً في إندماجهِ في مشروع المواطنة حَدَّ الدعوة والإنخراط في جيش الإحتلال، أعلم جيدًا أنَّ هذه المُقاربة تُغضب أخوتنا من الأحزاب المُشاركة، فهل لنا أن نحترم عقول بعضنا البَعض في حواراتنا.
تقول إحداهُنَّ ما يلي:
"إحنا هون والصورة بتمثل وحده انتو مش عارفين حالكو شو بدكو انتم ضياع للوسط العربي باصله انتم خلقتم فقط للخراب لانو مدفوعلكو في مؤسيات خفيه بتشغلكو بكرا بذوب الثلج وبلان المرج وعليكم ان كان عندكم كرامه يا مقاطعين ان تنفوا نفسكم وشخصياتكم وتنقلعوا لان الارض ليست ارضكم والله يغضب ع كل مقاطع لانكم نجسه يا ربع الخراب والفساد انتم ابناء ليبرمان ونتنياهو احنا ما بدنا اياكوا اصلا لانكم لا تنظرون الى الامام الله يطعمكم تتهجروا وتعيشوا النكبه كمان مرة بلكي صحيتوا هاي اذا صحيتوا"...
حتى عربي الست ما بتعرف تكتب، مش إشكالية، المهم هي بتقول إحنا ما بدنا إياكو أصلا، شو يا عمي صايرين توزعوا بطاقات إقامة وهويات ومواطنة من ورانا، نحنُ أبناء ليبرمان ونجسة، هاد كلام رفيقة يا رفاق، طيب مش عيب؟ مش كان لازم واحد يرد ويقلها عيب، لكن يلي ما بيعرف العيب بيعمله.
واحد بيكتب أنه في إكتشاف جديد إسمه الكنيست مؤسسة صهيونية! وبيستغرب طبعًا بإستهزاء، يعني لو سمحتم الكنيست مؤسسة شو؟ غير إنها صهيونية، الأمر الأكيد بالموضوع أنه الكنيست هي صهيونية وكل حزب أو عضو كنيست بيدخل عليها لازم يعترف بأنه "إسرائيل" دولة يهودية وديموقراطية بحسب البند 7 (أ) من قانون أساس إنتخابات الكنيست...
البعض بيقول بأسلوب الوشاية ومحاولة الإيقاع بشبابنا المقاطعين المُتحمسين وهم من خيرة الشباب المناضلين وممن يحملون أرواحهم على أكفهم، البعض يقول إذا تم الإعلان عن الكفاح المُسلَّح فنحنُ سَنُقاطع، هذا أسلوب الجرجرة بالكلام هو أسلوب رخيص وتافه ويصل حدَّ الوشاية والإيقاع بالشباب والصبايا،
غَريب أمرَ بعض المُزاودين على موقف المقاطعة، قال شو: لَمَّا يصير في كفاح مسلح منقاطع. مش على أساس إحنا شعب واحد وأنتم جزء من الحركة الوطنية الفلسطينية بحسب إدعاءاتكم، يعني ما في كفاح مسلح عند شعبنا!!! بلاش مزاودات والكفاح المسلح قبالكم فما في حاجة للكلام ع الفيس بوك بتقدروا تروحوا من غير كلام ومن غير مزاودات، وإحنا نضالنا وكفاحنا شعبي وجماهير وثوري وعنيف ومش مسلّح. يعني بإختصار يلي بده كفاح مسلح يتشلَّح ويسافر وهو يدندن وين عَ رام الله، وما حدا يخاف المقاطعة في رام الله رح تسلّموا لَ"دولَتهِ".
ولكن الأخطر بأنَّ هناكَ من هُم بمقام المسؤولين في البلَد، والصَراحة طز بهيك مسؤولين، بعضهم حامل شهادة الدوك وآخرين بروف ومنهم بسموه أديب وبينه وبين الأدب ربنا ومنهم من يقال لهُ أستاذ وهو فعلًا أستاذ بحسب المعنى التُركي للكلمة،)هذا الكلام لا يشمل من يدعم المُشاركة، إنَّما من يهاجم ويطعن في المقاطعة، نحترم رأي الجميع ومن يطعن بنا فلا إحترام لهُ عندنا)، يخرُج علينا هؤلاء مُسَلَّحين بوطنية زائفة مُلفَّعة بالوحدة، ويتهمون المُقاطعين بالعمالة تارة والخيانة والإنضواء تحتَ لواء اليمين وليبرمان، ومنهم من يُسهب في شرح خطورة وجودنا بينَ الناس وقد يصل الأمر بهم يَومًا إلى المُطالبة بطردنا من البلاد، ولا أترّدَّد في القَول بأنَّ منهم من كانَ يَرفع صور شمعون بيريس "بطل" مجزرة قانا على جدران بيتهِ ومنهم من كانَ مُعاديًا للحركة الطلابية الوطنية في الجامعات ومنهم من يتاجر بإسم القضية وقراها ولاجئيها ومنهم من يتاجر بإسم طلابها ومنهم من يتاجر بإسم لغتنا وكلماتنا العربية ومنهم من كانَ ناشطًا جدًا في حملات الأحزاب الصَهيونية وبصراحة نقول: جيد وجميل جدًا أن يتوب هؤلاء ولكن ليسَ لدرجة المزاودة على الوطنيين والمناضلين والمقاتلين في سبيل الوطن والأمة، فموقفنا ليسَ محصورًا هنا، في بقعة الكنيست ومحيطها السياسي، هو موقف عُروبي قومي يساري جذري يبدأ من الجليل والمثلث والنقب والساحل ويمتد إلى القدس والضفة وغزة والشتات وليسَ إنتهاءً بقوى الثَورة في الوطن العربي وقوى التحرّر حول العالَم.

انشر المقال على: