السبت 04-05-2024

تقريرالأسرى في سجون الاحتلال بين عشق الوطن وعشق المحبوبة

×

رسالة الخطأ

موقع الضفة الفلسطينية

تقريرالأسرى في سجون الاحتلال بين عشق الوطن وعشق المحبوبة

 

أحلام عيد

 

 


عاصم وصمود

 
فلسطين المحتلة _ خاص بوابة الهدف
 

شَهدَ التاريخُ منذُ الأزل الآلاف من قصصِ الحب العظيمة التي صنع خلالها المحبون المعجزات من أجل محبوباتهم، بدءاً من راعي الأغنام الذي جعلته عشتروت سارقاً، ومروراً بأنطونيو وكليوبترا، وأبولو ودافني وغيرها الكثير من القصص التي باتت خالدة، وفي واقعنا الفلسطيني شهدنا قصصاً في العشق كادت تفوق هذه الأساطير عظمة، وبالأخص في سجون الاحتلال الصهيوني، فمن بين فصول القهر والمعاناة التي يعيشها الأسير، تشرق صفحات من الحب والأمل، ينتزع خلالها الأسير لحظات من السعادة رغم أنف السجان، وتمتزج في ثناياه المشاعر الثورية مع مشاعر العشق، لينهض تماماً كطائر فينيقي، وينفث الحياة في عتمة السجن وظلماته، ويضرب أروع الأمثلة في العشق والوله، ويغدو بهذه المشاعر الممزوجة حراً وإن قيّده زرد السلاسل، وتثبت قصص الأسرى، بأن الثوريين أشد العاشقين ضراوة في الحب فمن أخلص لوطنه لا يمكن أن يخذل محبوبته.

صمود وعاصم

روح عاصم الكعبي، المفعمة بالأمل والحب والثورة، والتي عجز ظلام السجن وقسوته عن قهرها، روحه الحرّة المؤمنة بالحياة والمؤمنة بالحب -التي تمسك بها رغم سنوات أسره الطويلة- كانت الدافع لصمود سعدات للارتباط به دون أي تردد أو خوف رغم صعوبة هذا النوع من العلاقات الإنسانية، فمن يملك القدرة على قهر أعتى أوجه الإجرام والإرهاب قادرٌ لا محالة على قهر أي صعوباتٍ من شأنها أن تحول بينه وبين محبوبته، فهذه شيم العاشقين، يحاربون حتى الرّمق الأخير، ويبلغون غاياتهم لا محالة.

وحول قرار الارتباط بأسير، قالت صمود سعدات: "نماذج كثيرة جدًا وعميقة لفتيات ارتبطن بأسرى وهم داخل السجن، هي التي ألهمتني ودفعتني أيضاً لاتخاذ قرار الارتباط، كنموذج سناء ووليد دقة، شيرين وصلاح "أبو علي"، هذه النماذج كانت أمام ناظري عندما قررت خوض التجربة، إضافةً لوالدتي التي صبرت طويلاً ولا زالت تنتظر لحظة تحرر والدي".

بدأت قصة صمود سعدات مع حبيبها الأسير عاصم الكعبي من خلال عملها في مؤسسة تعنى بشؤون الأسرى؛ وقرروا الارتباط وخوض التجربة وتحدّيها بكل ما تحملَه من صعوبات، حتى جاء أخيراً يوم عقد القران، تبعثرت مشاعر صمود فرغم سعادتها بارتباطها بعاصم، إلّا أن بينهما مسافات بحجم وطنهما المسروق، بينهما ألف حاجز، بوابات تفتيش وعساكر وسلاسل، وغصةٌ أخرى ربما تؤلم صمود منذ سنوات لكن في هذا اليوم تضاعف الألم والحنين والشوق لوالدها الأسير القائد أحمد سعدات الذي لم يكن حاضراً بجوارها هو الآخر في يومها المميز.

واستدركت صمود خلال حديثها مع بوابة الهدف "لكن كان لديّ قرار باتجاه أن يكون الفرح حاضراً رغم غياب والدي وعاصم، لأننا شعب نصنع الفرح من هذه المواقف كوننا أصحاب رسالةٍ إنسانيّة مؤمنة بالحق، فخلال صراع مشاعري المتناقضة ما بين حزنٍ على بعد الأحبة وما بين سعادتي بارتباطي بشريك حياتي انتصر الفرح وكان تاريخُ عقد قراني من أجمل تواريخي، ويومٌ شاركني فيه أحبةٌ لنا من كل بقاع الأرض".

وحول سنوات انتظارها الطويلة، قالت صمود إنّ "العلاقات عن بعد تحتاج لجهد ومشاعر من نوع خاص، ودائمًا تحتاج أن تتغذّى على الأمل والأمنيات، وما زاد الأمر صعوبة، هو قرار الاحتلال بحرماني من زيارة عاصم في السنة والنصف الأولى من ارتباطنا بحجة المنع الأمني"، وتابعت "في النهاية تمكّنّا من أن نلتقي بعدد من الزيارات شعرنا خلالها أن الصورة التي كانت في أذهاننا عن بعضنا البعض قد نقلت للواقع".

وأضافت "كان لقاؤنا الأول في تاريخ 18/11/2019 حيثُ الزيارة الأولى لي والتي كانت من أصعب لحظات حياتي، حيث تملّكني شعورٌ بالقهر، فرغم هذا الشوق للقاءِ عاصم وما يحمِله من مشاعر إلا أنني لم أتمكّن من السلام عليه أو احتضانه كون الزيارات تتمُ من خلفِ زجاجٍ محكم وسماعة هاتف".

وأشارت إلى أنّ هناك مواقف صعبة كثيرة مرّت وأشدها صعوبة، يوم وفاة والد خطيبها الذي يقبع في الأسر، حيث توفي قبل ١٠ أشهر من تحرره، وهذا الموقف الصعب على عاصم ووجوده في السجن وحرمانه من وداع أبيه كانت محطة صعبة أخرى ولون آخر من العذاب والتنكِيل النفسيّ الذي يمارِسهُ الاحتلال بحق الأسرى.

وتابعت القول: "رغم كل ما مررنا به من صعوبات استطعنا أن نُحيي هذا الحب بمشاعرنا الصادقة والقوية وعشنا خلال هذه الفترة نستعد للحظة الحرية الحقيقية لقلبينا وتحرّرِ عاصم من الأسر".

حياة أخرى

جاءت لحظةُ اللّقاء الأول بعاصم خارج أسوار السجن، اللّحظة التي وصفتها صمود بأنّها "لا تنسى حيث امتزجت فيها مشاعر الترقب، التوتر، والفرح، والتي يشعر فيها الإنسان بإنسانيته وأن سنين الانتظار قد مضت وولت وأن الحياة أمامنا لنعيش ما كنّا نرسمه من أحلام وأمنيات، هذه اللّحظة أنستنا كل الصعوبات وكأن الكون قد فتح ذراعيه لنا لاحتضاننا ومنحنا حياة أخرى".

12.jpg
وقالت "رغم سعادتي الغامرة التي لم تغادرني -وأنا انتظر عاصم على حاجز الظاهرية- غصّة تفكيري في والدي المعتقل، وتساؤلي ألم يحن الوقت لي لأن أعانق شمسي!، لكنّ الأمل كان يواسي نفسي ويشدُد من عزيمتها فما دام حلمي بلقاء عاصم قد تحقّق لن يطول تحقّقُ حلمي بلقاء والدي".

وأردفت صمود: "أسرانا بشر، من حقهم أن يعيشوا مشاعر الحب والارتباط بكل تجلياته، لما يضفيه الحب في حياة الأسير من معنى مختلف للحياة القاسية التي يعيشها، فالحب يمنح الأسير روح جديدة، والأسرى الذين ضحّوا بحياتهم من أجلنا، جديرون بقلوبنا ووقتنا ومشاعرنا".

هبة ومنذر

رغم وجودِ منذر صنوبر في الأسر والحكم عليه بأربعة مؤبدات، إلّا أنّه استطاع أن يخترق قلب هبة عيّاد ويتيمها عشقاً، استطاع أن يأسر قلبها ويحكم عليه بالحب الأبدي، بوعيه وثقافته وشخصيته الكاريزماتية تمكّن منذر من إيقاع هبة في شراك حبه.

تعرّفت هبة على منذر في الأسر خلال زياراتها لشقيقها الأسير محمود، تغازلت أعينهم بصمت دون اكتراثهم بأعين السجّان التي ترقبهم، تلاقت قلوبهم وتحادثت دون أن تتحادث أفواههم، لتدرك وتيقن أن منذر هو فارسها الذي باتت تأمل أن يرتبط اسمها باسمه.

عند الحديث عن قصّتها ومنذر ترفض هبة وصفها "بالمضحية"، فهي لا ترى في قرار الارتباط بأسير محكوم علية بالمؤبد أية تضحية، فمنذر منحها الحياة والسعادة والفرح، ومنحها ما لم يستطع أي رجل على وجه المعمورة أن يمنحها إياه، فهي ترى بارتباطها بمنذر انتصاراً لها ولحلمها الذي راودها لسنواتٍ طويلة.

34.jpg
وقالت هبة "لطالما حلمت بأن أرتبط بإنسان لا يكن لي مجرد زوج، بل رفيق وصديق يفهمني ويقدر مشاعري وهذا ما وجدته في منذر، الذي نفخ في صدري الحياة، وخلال عشر سنوات من الارتباط بمنذر تعلمت الصبر وتحدي المستحيل".

عند اتخاذها قرار الارتباط واجهت هبة ضغوطات اجتماعية كبيرة، حيث نصحها البعض بالتراجع عن هذه الخطوة، وعن ربط مصيرها بمصير مجهول لأسير يقبع في الأسر، "غداً يذهب شبابك وجمالك، وسيخرج منذر للبحث عن أخرى"، ستفقدين حقك بالإنجاب ولن تحققي غريزة الأمومة لديك"، عبارات تكررت على مسمع هبة التي لم تستمع إلّا لصوت حبها الكبير لمنذر، ولثقتها العالية به.

وتغلّبت هبة على هذه الضغوطات من خلال إيمانها بحبّها وقناعتها بأنّ هناك آلاف الأزواج الأحرار يتخلون عن نسائهم عند كبرهِنّ أو لظروفٍ واهنةٍ أخرى، "لقد ارتبطت بمنذر عن قناعة، فسواء تزوجنا وهو داخل الأسر أم خارجه، مشاعرنا الصادقة هي معيار نجاح أو فشل العلاقة".

وأشارت هبة إلى أنّها ومنذر ابتاعا منزلاً لهم على أمل أن يجمع هذا المنزل بينهما يوماً، كما أفادت بأنّها تسعى للإنجاب من منذر عبر النّطف المهربة، وتحقيق حلمها بتكوين أسرة صغيرة وإنجاب أبناء يشبهون والدهم ولديهم نفس حبه وعشقه الوحشي للوطن".

وتحدّثت هبة خلال حديثها عن المعاناة الشديدة التي يواجهها أهالي الأسرى عند توجههم لزيارة ذويهم في المعتقل، حيث تقوم شرطة الاحتلال بإرهاقهم بعمليات التفتيش المشددة، وتضعهم في غرف ضيقة من الباطون حتى يكادوا لا يستطيعوا التنفس.

وتابعت "تفاصيل الزيارة صعبة للغاية، فبعد فترات طويلة من الاشتياق، تتم الزيارة من وراء ساترٍ زجاجي، في مشهدٍ تتجلى فيه أقسى صور الإجرام وانعدام الإنسانية، ورغم ذلك هذه السواتر وسماعة الهاتف لا تستطيع حجب حبنا ومشاعرنا الصادقة"

وكشفت هبة عن خدعتها التي تمارسها في كل زيارة، حيث تكون آخر من يدخل لقاعة الزيارة، من أجل تشويق منذّر وتجديد مشاعرِ الحبِ بداخله، وتتابع: "لا يوجد في قلبي أي حب ينافس حب منذر، فهو بالنسبة لي العالم كله".

وجدّدت هبّة ثقتها بالمقاومة الفلسطينيّة التي ستتمكّن لا محالة من القيام بصفقات تبادل، يتم خلالها الإفراج عن منذر وعن كافة الأسرى داخل سجون الاحتلال الصهيوني.

تعزيز صمود

وفي محادثةٍ مع الباحثة في قضايا المرأة وسيلة طعمة نوّهت إلى أنّ هناك دوافع نفسيّة تتجلّى لدى الفتيات اللّاتي يقدمنَ على خطوة الارتباط بأسير، حيث يؤمنّ بأن الارتباط بأسير يعني ارتباطهن ببطل له تاريخٌ نضاليٌ مشرّف.

وأفادت بأنّ العدو الصهيوني ينتهكُ اتفاقيةَ جنيف بحقوق الأسرى والتي تنص على السماح باللّقاءات العائلية، مشيرةً إلى أنّ القانون الدولي ترك تحديد طبيعة اللّقاء وفقاً لأعراف الدولة، ودولة الاحتلال تسمح لسجنائها "الإسرائيليين" باللّقاءات الزوجية وعليها السماح بذلك للمعتقلين الفلسطينيين.

وأوضحت طعمة أنّ ارتباط الأسير وزواجه، له وقع إيجابي عليه كما يرفع من معنوياته ويعزّز صموده، خاصّة في حال إنجابه لطفل -وإن كان عبر النّطف المهربة- حيث يرى الأسير في تحقيق ذلك إنجاز وانتصار بانتزاع حقه الإنساني والتغلب على السجّان ويحقق امتداده على اعتبار أنّ الولد وكيل لوالده داخل وخارج السجن، كما أنّ وجود الطفل ينعش الحياة الزوجية بين الأسير وزوجته.

واقترحت طعمة تشكيل لجنة نسويّة تابعة لوزارة الأسرى، تكون مهمتها معالجة المشاكل الكبيرة التي تعاني منها زوجات الأسرى في الصعدِ المختلفة، مشددةً على ضرورةِ توفير الدعمِ النفسي والاقتصادي، علاوةً على توفير الفرص أمامهن لإتمام مسيرتهنّ التعليمية -حيث بلغت نسبة زوجات الأسرى اللّاتي حصلن على مستوى تعليمي أدنى من "الثانوية العامّة" 87%-، إضافةً لتنظيم البرامج التوعوية والتثقيفية، وتوفير مشاريع صغيرة قادرة على إعالتهنّ، خاصة في ظل عدم ثبات مخصصاتِ الأسرى المالية وضمان استمراريتها.

كما شدّدت على ضرورة تكثيف الجهود الدوليّة وجهود وزارة الأسرى والمؤسسات الحقوقيّة ومؤسسات السلطة من أجلِ انتزاع حق اللّقاءات العائلية الذي كفلته "اتفاقية جنيف بشأن معاملة الأسرى"، والسّماح للأسرى بنقل النّطف المهربة دون معاناةٍ عبرَ الصليبِ الأحمر الدولي.

نصر حتمي

وتبقى قضية الأسرى من أسمى القضايا الإنسانية التي عرفها التاريخ، فهم من نّاضلوا وكافحوا وأفنوا زهرات شبابهم خلف قضبان السجون، في سبيل عزة الوطن وحمله إلى برّ الأمان، حيث بلغ عدد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال حتى ديسمبر 2021 نحو (4600) أسير، يعيشون ظروف اعتقال صعبة يمارس فيها العدو الصهيوني شتّى أنواع الظلم والتنكيل، ويحرمهم من أدنى حقوقهم الإنسانية.

ويؤمن الوعي الجمعي الفلسطيني بأنَ أسرانا البواسل هم خط المواجهة والتصدي الأوّل في وجه العدو الصهيوني وجرائمه المتصاعدة بحق قضيتنا الوطنية، وبحق أبناء شعبنا في شتّى أماكن تواجدهم، فبصدورهم العارية يلاطمونَ المخرز وبإرادة لا تلين يواجهونَ بطش العدوّ وإجرامه، مؤمنينَ بأنّ النصر قادمٌ لا محالة.

 

انشر المقال على: