الاثنين 29-04-2024

تراجعُ الاهتمامِ العالميّ بإسرائيل...!

×

رسالة الخطأ

أكرم عطا الله

تراجعُ الاهتمامِ العالميّ بإسرائيل...!
أكرم عطا الله
الأربعاء 15 ديسمبر 2021 | 07:41 ص

هل تشعرُ إسرائيلُ أنّ الولاياتِ المتّحدةَ ألقت بها تحت عجلاتِ القطار، كما قال أحدُ الإسرائيليّين ذات يومٍ، وهو يتابعُ عودةَ مفاوضات فيينا مع إيران؟

تبدو تل أبيب كمن تقفُ وحدَها أمامَ معضلةٍ كانت رأسَ أولويّاتِها للعقدين الماضيين، إذا لم تكن أكثرَ، واقتربت من الاستيلاءِ على البيتِ الأبيض، ووصلت به إلى حافةِ الحربِ ضدّ طهران في أسابيعه الأخيرة، كان ذلك ربيعًا إسرائيليًّا في واشنطن استمرّ أربعَ سنواتٍ قبل أن تحمل الإدارةُ الأميركيّةُ ظلَّ أوباما وطاقمه ومنهجه.

في خطوةٍ صبيانيّةٍ - كما علّقت الصحافةُ الإسرائيليّةُ - أعلن رئيسُ وزراء إسرائيلَ الجديد مقاطعةً لممثّل الولايات المتّحدة في الملفّ مع إيران روبرت مالي. هذا الرجلُ الخبيرُ والمجرّبُ، الذي كاد أن يعيّن مسؤولًا للملفّ الفلسطينيّ الإسرائيليّ لتثورَ إسرائيلُ ضدَّ ذلك، فيذهب به البيتُ الأبيضُ إلى الملفّ الأصعب، الذي يشكّلُ أزمةَ إسرائيلَ على امتداد السنوات الماضية، وكانت تلك أزمةً وها هي تنتهي بمقاطعته ليس بسببٍ سوى أنّ الرجل خبيرٌ بهذا الملفّ، ولا تستطيع إسرائيلُ خداعَهُ، ويعرف ماذا يفعل منذ عهد أوباما.

ما الذي تريدُهُ إسرائيل؟ هل تريدُ منعَ إيران من الوصول للسلاح النووي؟ ليس هناك أفضل من الاتفاق الذي حرّضت ترامب على الانسحاب منه، وبعدها تقدّمت إيرانُ في المشروع، وهو ما يعدُّهُ الكثيرون في إسرائيلَ خطأً استراتيجيًّا تحمّل مسؤوليّتَهُ نتنياهو؛ لأنّه الوسيلةُ الوحيدةُ لتقييد إيران ومراقبتها، ولم يعد الانتقادُ خافيًا، أعلاهم صوتًا كان رئيسُ الموساد السابق أفرايم هليفي الذي قال "إنّ خطوةَ دفع الولايات المتّحدة للخروج من الاتّفاق كانت مصيبةً دبلوماسيّةً من أسوأ المصائب التي كانت في القرن الحالي" ويرى هليفي أنّ دولته ترتكبُ خطأً أكبرَ وهي تضعُ العصي في دوليب الأميركان، عندما يتوجّهون إلى خوض مفاوضاتٍ بل ينبغي الحديثُ معهم؛ كي يأخذوا بعين الاعتبار أمورًا تبدو مهمّةً لهم.

بعد أن تمكّنت إسرائيلُ من تحريض العالم بدعايةٍ مطوّلةٍ ومكثّفةٍ، لبست فيها طويلًا ثوبَ الضحيّة. يشكو رئيسُ وزرائِها الجديدُ من أنّ دولته قلقةٌ من عدم إبداء المجتمع الدوليّ ما يكفي من الصلابة إزاء الانتهاكات الإيرانيّة؛ مهدّدًا أنّ إسرائيلَ ستدافع عن نفسها بقواها الذاتيّة في مواجهة إيران، بغض النظر عن نتائج المباحثات. والغريب أنّه يتحدّث كدولةٍ تخضعُ للتهديد، فيما بدا يرى العالمُ أو على الأقل الجيل الجديد، أنّ إسرائيلَ ليست ضحيّةً بل دولةٌ تحتلُّ شعبًا آخرَ بقوّة السلاح والقمع، هذا التناقضُ بين الخطاب والواقع آخذٌ بالانكشاف أكثر، وهنا مأزقُ إسرائيلَ أنّ كلّ هذا الصراخ لم يعد يثيرُ أحدًا في العالم، ليس كما الماضي حين كان العالمُ يهرعُ لمجرّد تصريحٍ تشعرُ فيه إسرائيلُ بالقلق حتى من فلسطينيٍّ عابر.

لا يمكنُ فصلُ الهاجس الإسرائيليّ في الملفّ النوويّ عن تطوراتِ الزمن وتقدّمه، فتراجع مكانة إسرائيل في العالم، وحتى في الولايات المتّحدة، ليس فقط في النقابات، التي رأينا أنّ جزءًا من مؤتمراتها بات يشهدُ حضورًا للفلسطيني مزاحمًا للقوّة اليهوديّة، لكن أيضًا في الكونجرس والجناح التقدّميّ في الحزب الديمقراطيّ الآخذ بالاتّساع، الذي يقوده بيرني ساندر، ولحسن الحظّ أن ساندر يهوديٌّ يجرّم إسرائيلَ من متعتها بتوجيه تهمةِ غير الساميّة ضدّ ذلك الجناح.

تل أبيب لا تبحث عن منع إيران من امتلاك السلاح النووي، فهذا يتكفّل به الاتّفاقُ، كما قال رئيس الموساد متحدّيًّا نتنياهو ومن بعده نفتالي بينيت، لكنها تريد تحطيم إيران وتدميرها لا تريد أن ترى من يعارضها في هذه المنطقة، وتلك أصبحت لعبةً صغيرةً أمام قضايا العالم ومصالحه وأزماته الصحيّة والاقتصاديّة، وصعود قوى جديدةٍ وتراجع أخرى من غير الممكن أن يبقى العالمُ أمام كلّ تلك التغيّرات مسكونًا بقصة إسرائيل ومصالحها غير الأمنيّة؛ لأنّ تلك تتكفّل بها الولاياتُ المتّحدة، لكن إسرائيل تريد القضاء على أية بؤرةٍ تعارضُ وجودَها في المنطقة، أو على الأقل تزاحمها في المنطقة فهي تريد الاستفراد بالشرق الأوسط.

أجرت إسرائيلُ هذا الشهر تدريباتٍ عدّةً، وخصوصًا في المنطقة الشمالية الوعرة بعد أن تمّ إقرار الميزانيّة إذ بلغت موازنة الأمن فيها 17.6 مليار دولار، سمحت للجيش أن ينطلق في برامجه التي كان يجمّدها بحجة نقص التمويل بما فيها التجسّس والتدريب، ولكن هل حقًا جرى التدريبُ هذا الشهر للهجوم على إيران أو كما يقول رئيس الوزراء إنّ إسرائيل ستدافع عن نفسها؟

لسوء حظّها أن تلك أيضًا باتت لعبةً باهتةً لكثر تَكرارِها منذ مطلع القرن وهي تتصرّف كأنّها تقول: أمسكوني، وإلا ضربت. فلو لديها من الإمكانيّات للتصرّف وحدهما لما انتظرت كلّ هذا الوقت، ولها سوابقُ في ذلك.

بينيت يعودُ إلى المدرسة الإعداديّة، هكذا عنونت صحيفة هآرتس إحدى افتتاحياتها وهي تقيّمُ قرار رئيس وزرائها بمقاطعة روبرت مالي، كأن عليه أن يتعلّم السياسة كتلميذٍ أصغرَ من إجادةِ اللعبةِ، ولم يتمكّن من فهم الحركةِ الدوليّة وأولويات العالم، صحيحٌ أنّ إسرائيل لعقودٍ تحوّلت منذ إقامتها إلى الطفل المدلّل للعالم على حساب دماء الفلسطينيين والعرب وأرضهم، لكن هناك ما يشي في السنوات الأخيرة بأنها لم تعد كذلك، وإن لم يكن بهذا الوضوح؛ فإنّ هناك مؤشراتٍ يمكن رصدُها ومنها:

التلكؤ الذي حصل في الكونجرس بدعم مشروع القبّة الحديديّة وصعوبة إقراره، وهذا حدثٌ جللٌ في مؤسّسة ٍكانت مواليةً بالكامل بلا حساب، ولكن أصبح هناك من يحسب ويدقّق ويعارض.
المظاهرات التي جابت العالم بمئات آلاف ضدّ إسرائيل أثناء حرب أيار على قطاع غزة ومنها في الولايات المتّحدة وبريطانيا؛ وهما الدولتان الأكثر تأييدًا لإسرائيل.
اتّساعُ حملةِ المقاطعة وتجرّؤ شركة مثل بن آند جيري على وقف استثماراتها في المستوطنات.

ردة فعل الولايات المتّحدة والاتّحاد الأوروربيّ على ضفتها، ولكنّها ردة فعلٍ مختلفة على تصنيف إسرائيل لستِّ مؤسّساتٍ حقوقيّةٍ فلسطينيّةٍ ووصفها بمنظّماتٍ إرهابيّة.
الكثيرُ يمكنُ رصدُهُ بما فيه المصطلحاتُ التي أصبحت تستخدمُ بعد أن كانت محرّمةً ضدّ إسرائيل، ومنها مصطلحُ الأبرتهايد هذا يعني أنّ هناك نموًّا متصاعدًا في الرأي العام لصالح الفلسطينيّين، بغض النظر عن تثاقل حركة النظام الرسميّ، ولكن بعد سنواتٍ ستكتشف إسرائيل أنّها لن تعود طفلَ العالمِ الذي اعتادَ الصراخَ ليهرعَ العالمُ للاستجابة.

انشر المقال على: