الجمعة 26-04-2024

تحول العلاقة بين حماس والإخوان من الشرعية إلى العرفية

×

رسالة الخطأ

د.عقل صلاح

تحول العلاقة بين حماس والإخوان من الشرعية إلى العرفية د.عقل صلاح يتناول هذا المقال نبذة تاريخية عن حركة حماس، وارتباطها بجماعة الإخوان المسلمين في مصر بالاعتماد على كل من بنود ميثاق الحركة عام1988 السابق والمذكرة التعريفية للحركة عام1993 السابقة والوثيقة السياسية الجديدة عام2017 وتصريحات قادتها بين الماضي والحاضر. تعود الأصول التاريخية لحركة حماس إلى جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين التي تأسست على يد الشيخ الشهيد أحمد ياسين، والتي كانت فرعًا من أفرع حركة الإخوان المسلمين في مصر التي أسسها الشيخ الراحل حسن البنا عام 1928 (1). فتوضح حماس صلتها بجماعة الإخوان المسلمين في المادة الثانية من ميثاقها السابق بأن “حركة المقاومة الإسلامية جناح من أجنحة الإخوان المسلمين بفلسطين. وحركة الإخوان المسلمين تنظيم عالمي، وهي كبرى الحركات الإسلامية في العصرالحديث” (2). إن علاقة حركة الإخوان بفلسطين تعود لعام 1935، عندما أرسل الشيخ البنا شقيقه عبد الرحمن ومحمد الحكيم لفلسطين لنشر الدعوة فيها، ومن ثم أنشأ الإخوان أول فروعهم في مدينة حيفا عام 1936، ثم في مدينة غزة (3)، وفي عام 1943 أسسوا جمعية المكارم في القدس التي كانت البداية الحقيقية لوجود الإخوان في فلسطين (4)، ومن ثم انتشرت فروعهم في جميع أنحاء فلسطين حيث وصل عدد الفروع عام 1947 إلى خمسة وعشرين فرعًا. وكانت جميع الفروع تخضع لإشراف الحركة الأم في القاهرة. لقد نشط الإخوان في حملات التعبئة والإعداد الشعبي للجهاد ضد اليهود قبل عام 1948، وفي حرب 1948 شاركت جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين ومصر في الجهاد ضد العدوان الصهيوني (5). ولكن بعد نكبة 1948 واحتلال إسرائيل للجزء الأكبر من فلسطين، ضمت الضفة الغربية إلى الأردن بشكل رسمي عام 1950، بينما رفضت مصر ضم قطاع غزة وإنما سيطرت على القطاع بوساطة الحكم العسكري، وقد كانت علاقة النظام المصري تجاه فرع الإخوان في القطاع – الذي تم تشكيله من القيادة المحلية عام 1949 تحت مسمى جمعية التوحيد – مرهونة بالعلاقة بالحركة الأم. فمحاولة اغتيال الرئيس عبد الناصر في عام 1954 أدت إلى تعرض الحركة في كل من مصر وقطاع غزة للاضطهاد والتعذيب مما دفع إخوان غزة للعمل بسرية، ووصلت حملة الرئيس عبد الناصر ضد الإخوان ذروتها في 1965 فقام باعتقال الآلاف من قيادات وأنصار الإخوان في مصر والقطاع ومن ضمنهم الشيخ أحمد ياسين، إضافة لإعدام عدد من قادة الإخوان في مصر وعلى رأسهم سيد قطب (6). لقد اتخذ عمل الإخوان في الضفة منحى تربويًا وسياسيًا، في حين غلب على عمل الإخوان في القطاع الطابع العسكري المقاوم (7). فقد قام بعض من أعضاء الإخوان في القطاع بتشكيل مجموعتين سريتين هما شباب الثأر وكتيبة الحق. فقد رأى شباب المجموعتين أن تشكيل تنظيم عسكري بعيدًا عن الأطر الأيديولوجية لمقاومة الاحتلال سيحيد العداء الناصري للإخوان ويخرجهم من مأزقهم السياسي، فقدم الشهيد خليل الوزير – أحد أعضاء كتيبة الحق – مذكرة خطية في 1957 لقيادة الإخوان، إلا أن الإخوان أهملوا المذكرة، غير أن المجموعتين تابعتا العمل وانتهى الأمر بتلك المجموعتين بتكوين النواة الأولى لحركة التحرير الوطني “فتح” ما بين عامي 1958 و1959. وفي عام 1960 تبنى الإخوان موقفًا معارضًا من قيام حركة فتح متخذين قرارًا رسميًا بعدم تبني مشروعها لأنه يختلف تمامًا عن مشروع الإخوان (8). وفي المادة الأولى من الباب الأول من الميثاق السابق تحدد الحركة منطلقاتها الفكرية، فتبين أن منطلقاتها تنبع من الدين الإسلامي، فهو مرجعها، وإليه تحتكم في جميع تصرفاتها. ولم تكتف الحركة بتحديد هويتها العقائدية بالإسلام وإنما بينت بأنها تتبع المنهج العقائدي لجماعة الإخوان المسلمين. فقد حددت شعارها بأن ” الله غايتها، والرسول قدوتها، والقرآن دستورها، والجهاد سبيلها، والموت في سبيل الله أسمى أمانيها” (9)، وهو نفسه شعار جماعة الإخوان المسلمين (10). فيعرفها الشيخ ياسين بأنها “حركة ربانية يوحدها الإسلام والإيمان والجهاد، لا فرق بين داخل وخارج أو ضفة وغزة، فالكل في خندق واحد، الكل ينفذ من جانبه ما أنيط به لتحقيق المشروع الإسلامي، والذي يبدأ بتحرير الإنسان، ثم تحرير الأرض، ثم إقامة نظام الله وتطبيق منهجه وشريعته، وهذا المشروع وحدة واحدة لا يتجزأ” (11). حركة حماس الجديدة: ويهمنا في ها السياق أن نشير إلى أن حماس عرفت نفسها في الوثيقة السياسية الجديدة الصادرة في نيسان/ابريل2017 في باب التعريفات من الباب الأول والبند الأول بأنها حركة تحرر ومقاومة وطنية فلسطينية إسلامية، هدفها تحرير فلسطين ومواجهة المشروع الصهيوني، مرجعيتها الإسلام في منطلقاتها وأهدافها السامية(12). لاغية في تعريفها هذا ارتباطها الفكري والتنظيمي بحركة الإخوان المسلمين الأم. فحماس حذت حذو حزب النهضة التونسي والفكر الجديد للشيخ راشد الغنوشي الذي فك ارتباطه في جماعة الإخوان المسلمين المصرية التي فشلت فشلًا ذريعًا في الحكم. ولعل فك الارتباط بجماعة الإخوان جاء نتيجة للعديد من الضغوط الذاتية والموضوعية وأهمها: اغلاق المنفذ الوحيد للقطاع، وسياسة الرئيس المصري عبد الفتاح السياسي تجاه غزة. من الممكن أن الحركة لغت الارتباط الشرعي (الرسمي العلني) وأبقت على الارتباط العرفي (السري) لحين حدوث تغير استراتيجي في الواقع الإقليمي لتعلن مرة ثانية عن الزواج الشرعي الذي لم يلغ بطلاق شرعي وإنما تحول للزواج العرفي جبرًا وقصرًا وإنحناءً لعاصفة الحصار المطبق على القطاع ومشروعها السياسي وحفاظًا على استمرارها في الحكم. لقد حرصت الحركة في الوثيقة الجديدة على تعريف نفسها دون ذكر علاقتها بالاخوان المسلمين، على عكس الميثاق السابق الذي أكد في غالبية بنوده على أن حركة حماس هي فرع من أفرع حركة الإخوان المسلمين. فهل كل ماضي وارتباط حماس الفكري بالحركة الأم تم شطبه في سطرين في الوثيقة الجديدة؟ ولماذا لم تذكر حماس أصولها التاريخية التي تعود لجماعة الإخوان المسلمين؟ بالنسبة لكون حركة حماس فرع من أفرع الإخوان حسب ما ورد في الميثاق السابق، ينفي خالد مشعل – رئيس المكتب السياسي لحركة حماس- وجود أي علاقة تنظيمية مع الإخوان المسلمين في حوار له مع غسان شربل، فعند سؤاله عن علاقة الحركة بالإخوان في كل من الأردن ومصر وسوريا ولبنان، أجاب مشعل “بأن الحركة لديها علاقات بالإخوان في كثير من الأقطار، وبغيرها من الحركات الوطنية والقومية والإسلامية، وهي علاقات تواصل وتنسيق وتعاون وليست علاقات تنظيمية”، ويضيف مشعل ” نحن حركة فلسطينية قائمة بذاتها في فلسطين، ولها قضيتها التي تنشغل بها، لكننا منفتحون على أمتنا العربية والإسلامية وعلى مختلف قواها وتنظيماتها بما فيها الإخوان المسلمين” (13) . لكن رغم ذلك تجدر الإشارة إلى أن حماس شاركت في اجتماع الإخوان المسلمين في قطر أواخر عام 2016 الذي دعا له الشيخ يوسف القرضاوي وشارك فيه راشد الغنوشي، وقيادات من الجماعة في مصر، موجودون في تركيا، ومسؤولين في الجماعة من دول أخرى. بحث الاجتماع إمكانية تفعيل مجلس سياسي خاص بالجماعة، يمثله شخص من كل دولة لتنسيق المواقف بشأن الأزمات التي تعصف بالمنطقة، وأن خالد مشعل قد يتولى مسؤولية تنظيم وتفعيل هذا المجلس.(14) وهذا يؤكد بشكل قاطع على أن حماس مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بجماعة الإخوان المسلمين العالمية وأن ما تصرح به للاعلام هو فقط من أجل التساوق السياسي مع الأحداث الجارية على الساحة الإقليمية. ويرجح أن يكون مشعل هو الرئيس المستقبلي للمجلس السياسي للإخوان. وفي أعقاب إعلان حركة الإخوان في مصر تنظيمًا ارهابيًا، صرح قادة حماس تصريحات متناقضة حول علاقتهم بالإخوان المسلمين. فيبين سامي أبو زهري “إن الإنتماء الفكري لحركة حماس لفكر جماعة الإخوان المسلمين لا يعني انتماءها التنظيمي لها لأن حماس حركة تحرر وطني فلسطيني وليست مصرية”(15). بينما يصرح القائد البارز في الحركة صلاح البردويل تصريحًا مناقضًا بأن “حركة حماس هي حركة الإخوان بشحمها ولحمها”(16). وأكد فوزي برهوم –الناطق الرسمي باسم الحركة- “أن حماس لا تنسلخ عن جلدها، فهي تنتمي للمدرسة الفكرية لجماعة الإخوان ولا يعيبها هذا الإنتماء” مضيفًا ” بأن حماس حركة وطنية فلسطينية إسلامية مقاومة في فلسطين، لا تتدخل في أي شأن عربي أو مصري، وصراعها مع الاحتلال في فلسطين” (17) وعلق الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية محمد جمعة على تصريحات قادة الحركة بأن حماس لا تنتمي للإخوان المسلمين من الناحية الفكرية فقط، ولكن يوجد تداخل تنظيمي بين الحركتين فمجلس الشورى لحماس يضم عشرة قيادات من تنظيم الإخوان العالمي من ضمنهم ثلاثة قيادات من إخوان مصر (18). في هذا الصدد، أن محاولة قادة حماس للتنصل من الإنتماء التنظيمي لحركة الإخوان في ظل الظروف التي يمر بها تنظيم الإخوان بمصر، حتى لا يجري عليهم ما جرى في عهد الرئيس الراحل عبد الناصر. فحظر تنظيم الإخوان في مصر في أعقاب ثورة يونيو عام 2013 انعكس بشكل سلبي على علاقة حماس بالنظام المصري، يمكن تفسير هذا التناقض في التصريحات لقادة الحركة بأنه سياسة تكتيكية براغماتية تتمثل بتكامل الأدوار وكأن الحركة تمسك العصا من المنتصف فهي من ناحية لا تستطيع الانسلاخ عن الحركة الأم، ومن ناحية أخرى لا تستطيع الإعتراف بأنها مرتبطة تنظيميًا بها في ظل الأحداث السياسية الحاصلة على الساحة المصرية خوفًا من أن يعيد التاريخ نفسه. وبهذا الصدد، يؤكد أحمد يوسف أن وضع حركة الإخوان المسلمين على قائمة الارهاب والجدل حولها امتد ليطال حركة حماس، فحرك شبهة الارهاب حول عملها المقاوم من ناحية وكون ارتباطها بالإخوان من ناحية أخرى (19). ويهمنا في هذا السياق أن نشير إلى أن أول حزب مرتبط بالإخوان قام بتطويع أفكاره لتتلاءم مع النظام هو حزب العدالة والتنمية المغربي، فوصل للسلطة بدون ثورة أو إراقة الدماء. ولعل زيارة حركة حماس للقاهرة في ظل محاكمة النظام المصري للمرشد العام للاخوان المسلمين واعضاء مكتب الارشاد مثال آخر على أن سياسة حماس تحكمها المصالح وليس المبادئ. حيث تحاول حركة حماس إعادة إحياء العلاقة مع الجانب المصري عبر زيارة وفد من الحركة للقاهرة في حزيران/مارس 2016 وذلك من أجل فك الحصار المفروض على القطاع وفتح معبر رفح. مما سبق يتجلى بأن الحركة تسعى بقوة مع جميع الأطراف لاعادة العلاقات لأنها تعيش أزمة حقيقية في القطاع فلا المصالحة الفلسطينية تحققت ولا مشاكل غزة حلت ولا الحصار تم فكه، حيث أن الحركة قد عجزت عن تقديم الخدمات العامة وعن دفع رواتب الموظفين، وذلك لأن علاقاتها مع محور الاعتدال – قطر وتركيا والسعودية- لم تحقق لها شيئا، فتركيا أعادت علاقتها مع إسرائيل متنازلة عن رفع الحصار عن القطاع كشرط لاعادة العلاقة، وقطر تنصلت من تقديم المساعدات المالية لحل مشكلة موظفي حكومة حماس، والسعودية منشغلة في تمتين علاقتها مع إسرائيل. لقد قدمت حماس تنازلات واقعية بناء على التغيرات الإقليمية من أجل تكييف علاقاتها مع الخريطة الجديدة للشرق الأوسط (20). إن المتتبع مسيرة حماس السياسية يلحظ مسألة في غاية الأهمية، وهي أن الثابت في مسيرتها هو المصلحة الحزبية، على اعتبار أن سياستها منبثقة من الإسلام، بينما يظهر أن المتغير هو ما قيل عنه ذات يوم، إنه من الثوابت والاستراتيجيات التي لا تساهل فيها، ولا حياد عن أصولها، لكن الأحداث والتحالفات والاصطفافات السياسية في الوطن العربي ما بعد ما يطلق عليه الربيع العربي تظهر بوضوح تذبذباً سياسياً واضحاً في موقف حماس وولاءاتها واصطفافاتها، ما يدفع إلى الاعتقاد أن حماس تنتمي إلى مشروع سياسي تغلب عليه المصلحة والتعاطي مع كل فرصة تخدم ذلك المشروع السياسي، بصرف النظر عن مدى مشروعية تلك الفرص وانسجامها مع الثوابت الأساسية، والمعتقدات الدينية التي تضبط إيقاع برنامجها السياسي، وتحالفاتها وعلاقاتها ومواقفها المتعددة. أوضحت مسيرة حركة حماس بجلاء مدى البراغماتية التي يتسم بها السلوك السياسي للحركة، وقدرتها على تطويع المبادئ لصالح ما تراه مفيداً لها في لحظة معينة، ومن مظاهر ذلك قبولها بدولة على حدود الـ67 واستبدال الارتباط الشرعي مع الحركة الأم.بالارتباط العرفي.

انشر المقال على: