تحليلات| مؤتمر وارسو: قصة فشل معلن
تاريخ النشر: 14/02/2019
الصورة نتنياهو إلى جانب وزير الخارجية اليمني، خالد اليماني، بمؤتمر وارسو اليوم (أ.ب.)
عرب ٤٨
أجمع المحللون في الصحف الإسرائيلية الصادرة اليوم، الخميس، على أن المؤتمر الدولي "للسلام والأمن في الشرق الأوسط" المنعقد، اليوم، في العاصمة البولندية، وارسو، بمبادرة الولايات المتحدة، لن يؤدي إلى نشوء تحالف دولي ذي أهمية ضد إيران، من أجل تشديد عقوبات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عليها. لكن في الوقت نفسه، يبدو أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، سيستثمر هذا المؤتمر في حملته الانتخابية، إثر مشاركته فيه وعقده لقاءات مع مسؤولين في دول عربية مشاركة في المؤتمر، مثل السعودية والإمارات والكويت وعُمان واليمن والأردن ومصر، وبعد لقائه، أمس، مع وزير الخارجية العُماني، يوسف بن علوي.
واضطر نتنياهو إلى تصحيح أقوال، أدلى بها مساء أمس، وجاء فيها أن هذا المؤتمر "هو عمليا لقاء علنيا مع مندوبي دول عربية رائدة تجلس سوية مع إسرائيل من أجل دفع المصلحة المشتركة لمحاربة إيران". لكن بعد مرور ساعتين، وإثر تصريح لوزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، بأنه "عرفنا أوهام نتنياهو دائما. والآن، باتت دول العالم وأولئك المشاركين في سيرك وارسو تعرف ذلك أيضا"، صحح مكتب نتنياهو أقواله بأن أعاد نشر أقواله وشطب كلمة "حرب" لتحل مكانها كلمة "كفاح" COMBATING.
"كلمات كبيرة وتصريحات جوفاء"
شبّه المحلل الاقتصادي في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، سيفر بلوتسكير، مؤتمر وارسو بالمؤتمر الذي عُقد في شرم الشيخ، في العام 1996، بمبادرة الولايات المتحدة. في حينه، حضر إلى شرم الشيخ مندوبون عن 30 دولة، بينها دول الخليج العربية وكذلك الصين. وأشار بلوتسكير إلى أن إدارة الرئيس بيل كلينتون أصيبت بذعر جراء احتمال خسارة رئيس الحكومة الإسرائيلية حينذاك، شمعون بيرس، في انتخابات الكنيست لصالح نتنياهو. "لقد خاف الخبراء المحيطين بكلينتون من أن من شأن خسارة كهذه أن تجلب كارثة على عملية السلام الإسرائيلية – الفلسطينية". وفاز نتنياهو حينها.
وأضاف أنه "بعد 23 عاما، وفي ظروف مختلفة، يعقد البيت الأبيض في وارسو مؤتمرا دوليا، أهدافه مشابهة لمؤتمر شرم، ضد الإرهاب وإيران وتأييدا لرئيس حكومة إسرائيلي أثناء ولايته. لكن توجد فروق بين المؤتمرين، إذ أنه لم يحضر إلى مؤتمر وارسو رؤساء دول عظمى ورؤساء حكومات، وتقاطعه الدول العظمى روسيا والصين ومن جانب عدد من اللاعبين المهمين في الشرق الأوسط، وبينهم السلطة الفلسطينية وتركيا. كما أن مصر والسعودية والأردن أرسلت سياسيين بمستوى متدن، بعد أن درست التغيب عنها".
من جانبه، وصف محلل الشؤون العربية في صحيفة "هآرتس"، تسفي بارئيل، مؤتمر وارسو بأنه "أشبه بحفلة يحضر الكثيرون من المدعوين إليها واضعين قناعا ضد الروائح الكريهة"، مشيرا إلى الخلافات بين واشنطن وقسم من الدول الأوروبية الهامة حول العقوبات، ودفعت دولا مثل ألمانيا وفرنسا إلى إرسال مندوبين بمستوى متدن، كما أن وزير الخارجية البريطاني أعلن أن سفارته في وارسو ستتابع المؤتمر.
وأشار بارئيل إلى أن "السعودية وإسرائيل والولايات المتحدة تسعى إلى تشكيل نظام تعاون دولي غاياته وصلاحياته غير واضحة. وإذا كانت النية هي إرغام إيران على إجراء مفاوضات حول اتفاق نووي جديد ولجم برنامجها للصواريخ البالستية، فهذا يعني أن هذه الدول ترى بإيران شريكا شرعيا في حوار وبالإمكان الاعتماد عليها أن تطبق اتفاقيات مستقبلية. وإذا كان الهدف تشكيل تحالف واسع، مؤيد للعقوبات، يرغم إيران على الاستسلام لمطالب الولايات المتحدة من دون مفاوضات، فإن مؤتمرا كهذا لن يعود بالفائدة، لأنه من دون روسيا والصين والعراق، قد تكون الثقوب في العقوبات أوسع مما يجعلها تنجح في ليّ ذراع طهران".
وتابع أن التفاف الدول الكبرى الأوروبية الثلاث، ألمانيا وبريطانيا وفرنسا، المؤيدات للاتفاق النووي، على العقوبات الأميركية على إيران "يوضح حجم الفجوة العميقة بين دول الاتحاد الأوروبي وواشنطن. وهكذا، ومن دون أن تقصد ذلك، تبني سياسة ترامب كتلة أوروية – روسية وتشكل اتحادا دوليا بديلا للأمم المتحدة. وهذان الكيانان سيعملان لمصلحة إيران".
ووفقا لبارئيل، فإن "السعودية وإسرائيل هما الشريكتان الأكيدتان في أية سياسة ضد إيران. لكن هذا لا يعني أن السعودية وصديقاتها في جوقة دول الخليج ستكون مستعدة لمعانقة إسرائيل، خاصة في أعقاب سياستها في الصراع مع الفلسطينيين".
ورأى بارئيل أنه "بالإمكان التقدير الآن أن رزمة الهدايا التي سيعود بها نتنياهو من وارسو، ستشمل بالأساس كلمات كبيرة وتصريحات جوفاء، من دون مضمون بما يتعلق بالتهديد الإيراني".
تقارير أمنية: "لا خطر وجوديا على إسرائيل"
شدد محلل الشؤون الأمنية في صحيفة "معاريف"، يوسي ميلمان، على أنه "على عكس الانطباع الذي يحاول نتنياهو إثارته لدى الجمهور لأهداف سياسية داخلية، فإن الوضع الإستراتيجي والاستخباري الإسرائيلي إنما تحسن وحسب والمخاطر والتهديدات تراجعت. وهي بعيدة بالتأكيد عن وصف ’تهديد وجودي’. ويدل على ذلك تقريران جديدان، الأول هو الميزان الإستراتيجي الذي قدمه للكابينيت مجلس الأمن القومي، والثاني هو التقييم الاستخباري السنوي لوحدة الدراسات في شعبة الاستخبارات العسكرية ("أمان")".
وأضاف ميلمان أن تقرير مجلس الأمن القومي يتحدث عن "تحسن وضع إسرائيل الإستراتيجي"، نتيجة "قوة كبيرة وكنوز" سياسية. وشدد هذا التقرير على أن "إسرائيل تنشيء شراكات جديدة مع الدول السنية التي تشاركها الرأي حول الحاجة إلى لجم جهود إيران التوسعية في الشرق الأوسط، والتخوف من حيازة إيران سلاحا نوويا".
وبحسب الميزان الإستراتيجي الذي يصوره مجلس الأمن القومي، فإن "تحسن وضع إسرائيل يستند أيضا إلى اقتصاد مستقر وحدود آمنة. لكن المسؤولين في مجلس الأمن القومي، وكذلك في أمان، يشددون على التحديات التي قد تقود إلى انعطافات هامة في العام 2019 وتؤثر على إسرائيل ومكانتها في الشرق الأوسط".
ويتوقع التقريران الأمنيان الإسرائيليان أنه على الرغم من أن حماس لا تريد حربا في ظل الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، إلا أنها "قد تصل إلى الاستنتاج بأنه لا خيار أمامها سوى الدخول في مواجهة مع إسرائيل من أجل كسر الستاتيكو والخروج من المأزق. والضائقة الاقتصادية في إيران النابعة من العقوبات التي تفرضها إدارة الرئيس ترامب، قد تدفع إيران أيضا إلى القيام بعدة خطوات مقلقة بكل ما يتعلق ببرنامجها النووي. لكن بموجب تقديرات أمان، لا يتوقع أن تلغي إيران الاتفاق النووي لكنها قد تدخل إلى مجالاته الرمادية. وقد يتم التعبير عن ذلك بتخصيب اليورانيوم بمستوى 20%، أو بتطوير أجهزة طرد مركزية لتخصيب اليورانيوم".
وتابع ميلمان أن تقارير الاستخبارات الإسرائيلية تتوقع أنه "في حال اضطرت إيران إلى الانسحاب من سورية، فإنها قد تحول العراق إلى خط مواجهتها مع إسرائيل. وفي سيناريو كهذا، الذي تمنعها فيه إسرائيل من نشر صواريخ في سورية، قد تنصب إيران صواريخ طويلة المدى في العراق. ويزداد القلق في جهاز الأمن الإسرائيلي من أن تحاول دول أخرى في المنطقة، إضافة إلى إيران، تطوير برنامج نووي، وعلى رأس التخوفات في إسرائيل أن تصعد السعودية على هذا المسار، وتوجد عدة مؤشرات على ذلك".