الأحد 20-04-2025

الموضوعية والذاتية وما بينهما

×

رسالة الخطأ

محمد خضر قرش – القدس

الموضوعية والذاتية وما بينهما
محمد خضر قرش
لا أعتقد أن هناك حاجة لتوضيح أو تعريف معنى الموضوعية والذاتية فهي معروفة جيدا لدى الكثير من فئات الشعب المتعلمون منهم وأنصاف المتعلمين.وكل ما نريد توضيحه هنا ولأغراض هذه المقالة فقط ،أن الموضوعية تعني الاحتكام إلى الظروف والعوامل المهنية المحيطة والقواعد العلمية في تحليل الواقع أو تقييم أي مقال أو بحث أو دراسة، استنادا إلى معايير وأسس متفق عليها ومعلومة لا يدخل في مكوناتها العامل أو الموقف الشخصي المسبق من الكاتب أو الباحث أو المقيم.وأما الذاتية فهي تغليب المصالح والعلاقات الشخصية على التقييم وتفضيلها بل وإعطائها الأولوية على جوهر ومضمون المقال أو البحث ومراجعه. فهي والحالة هذه قريبة من المزاجية ، والتي تعني إسقاط الرغبات الشخصية والمواقف المسبقة والعوامل الذاتية البحتة على واقع مغاير لها تماما بل ويتناقض معها.فالمهنية مرافقة للموضوعية وهي جزء منها والمزاجية مرادفة للذاتية لكنها لا تحل محلها. فالمزاجية والحالة هذه مرتبطة ارتباطا وثيقا بموقف الشخص نفسه الذي لا يستند إلى أية معايير مهنية أو علمية. فالموضوعية والذاتية تعبيرين أعم وأشمل من المهنية والمزاجية.
الموضوعية والذاتية في فلسطين
يكاد يندر أن تستمع لخطاب مدير عام أو تقرأ تقريرا صادرا عن مؤسسة اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية أو مالية أو مصرفية أو بحثية لا يتضمن ضرورة الالتزام بالموضوعية والمهنية والابتعاد عن المزاجية أو الذاتية. وقد أضيفت حديثا كلمات ومصطلحات جديدة على خطب المدراء العامين والتقارير السنوية الصادرة عن المؤسسات والشركات في العقد الماضي تحديدا مثل 'النزاهة والشفافية والمساءلة والحوكمة ' فبات من الصعوبة بمكان أن يخلو خطابا أو تقريرا سنويا أو دوريا من هذه العبارات. ورغم تشدق المسوؤلين بها وعشقهم غير المحدود لاستخدامها في كل المناسبات،إلا أنهم لا يطبقونها بل ويكرهون من يطالب بوضعها موضع التنفيذ ويطلقون عليه مشاكس وأحيانا عدم مسايرته للركب أو من الصعب التعامل معه.فعلى سبيل المثال لا الحصر فالنزاهة والشفافية والمساءلة والحوكمة والمهنية وقبلهما الموضوعية تقتضي أن لا يقبل أي مدير أو مسوؤل مخالفة القوانين والتشريعات وان لا يستخدمها أو يوظفها لأغراضه ومصالحه الشخصية.فحينما ينص قانون مؤسسة ما على عدم جواز تولي شخص بعينه بغض النظر عن مواهبه عضوية مجلس الإدارة لأكثر من دورتين ثم يقبل بأشغال الموقع لثلاث دورات متتالية فهذا يعتبر متناقضا مع نفسه وضد النزاهة والشفافية والحوكمة والمهنية التي يتغنى بها ويمطر المجتمع في كل المناسبات بمواعظ بضرورة التقيد والالتزام بالقوانين. فكيف تستقيم مواعظه وخطبه عن النزاهة والشفافية والموضوعية والمساءلة مع ممارساته؟ فالموضوعية والمهنية تقتضيان أن يتقبل المسوؤل النقد ويتسع صدره لملاحظات الغير وأن لا يربط بين الخلافات المهنية والشخصية. والسمة العامة المميزة لأكثر من 90% من المدراء العامين ورؤساء المؤسسات والوزراء في فلسطين ومن واقع التجربة العملية والمعايشة معهم على امتداد العقدين الماضيين فأنهم يقطعون علاقاتهم الشخصية مع من يكتب مقالا أو يوجه نقدا مهنيا لهم.وهذا الأمر بات ظاهرة مسيئة للعمل المهني والوظيفي.فعلى امتداد الأعوام الماضية تم توجيه ملاحظات نقدية منها ما هو عادي بسيط ومنها ما هو خطير وكبير في العديد من المقالات ،فكان الواجب على الوزراء والمدراء ورؤساء المؤسسات والمحافظين أن يتقبلوها بصدر رحب، لأن أمامهم حق الرد والتوضيح لكنهم وللأسف الشديد لم يستخدموا هذا الحق إلا مرة واحدة تم نشره مع التعقيب عليه قبل نحو عشر سنوات فغضب صاحبه وأزبد لأنه لم يتوقع أن يرد على ما كتب من مغالطات. ويمكن القول أن عدد المقالات النقدية في مجال الاقتصاد والمصارف والمال التي كتبت خلال العقدين الماضيين بلغت بالتقريب 400 مقال (العمل جار على تجميعها وإصدارها في كتيب صغير) .فما الذي يمنع من يعتقد أنه المشمول أو المقصود بهذا المقال أو ذاك، للرد مع إبقاء العلاقة الشخصية مع كاتب المقالات جيدة أو معقولة؟ ورغم أن عددا لا بأس به من مدراء المصارف والشركات ورؤساء المؤسسات التجارية والنقدية والمالية تخرجوا من الجامعات الغربية(الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا) التي تعلمهم وتثقفهم بضرورة الالتزام بالمعايير المهنية والموضوعية والتفريق بين ما هو شخصي ومهني وأن عليهم أن لا يخلطوا بينهما، إلا أنهم للأسف الشديد يتركونها هناك ولا يجلبونها معهم إلى فلسطين. ويا ريت الأمور تتوقف عند حد قطع العلاقات الشخصية مع كاتب المقال بل تجاوزتها في كثير من الأحيان إلى التدخل لقطع الأرزاق ونقل الخصومة إلى أبناءه خريجي الجامعات الغربية حيث تخرجوا هم. من المؤسف حقا أن تصل المزاجية والذاتية إلى هذا المستوى المتدني من العلاقات الإنسانية المستمدة جذورها من الجاهلية الأولى والمتعارضة مع كل ما درسوه وتثقفوا به وتعلموه في مساقاتهم الدراسية في الغرب. من هنا تأتي أهمية ترسيخ وتعميم الموضوعية والمهنية وجعلها المعيار الذي يجب الاحتكام إليه لدى العديد من الوزراء ورؤساء المؤسسات والمدراء العامين . ولأن معظمهم تأخذه العزة بالإثم فهو لا يلتفت إلى ما يقال ويكتب حتى لو جاء موثقا وبقرارات من المجلس التشريعي الفلسطيني. الموضوعية والمهنية تقتضي أن يعترف ويقر المسوؤلين بأخطائهم وليس في الأمر معيبة أو نقص في الكفاءة والشهادة العلمية،فمن يعمل يخطئ وهذه السمة أو الخاصية لا يمكن إلغائها لا في فلسطين ولا خارجها. فلو كان ما يفعله الوزراء ورؤساء المؤسسات والمدراء كله صحيحا لأمكن تحقيق إنجازات هائلة في كافة القطاعات والميادين. فهناك مؤسسات فشلت ومصارف أفلست من وراء التمسك بالمزاجية والذاتية. فاقتصادنا ما زال يحبو يحاول تلمس طريقه بصعوبة بالغة وصلت فيها البطالة إلى مستويات غير مسبوقة حتى في ظل وجود الاحتلال العسكري المباشر والبشع قبل أوسلو. ومفاوضاتنا السياسية تعثرت وفشلت في تسجيل ولو نقطة واحدة على امتداد العقدين الماضيين والقدس يتم تهويدها والقيادة الفلسطينية لا حيلة لها والنظامين المالي والمصرفي على كفيً عفريت. فلماذا يخاصم ويقاطع المسوؤلون والمدراء العامون كتاب المقالات الاقتصادية والسياسية وحتى الدينية والثقافية،وما الذي حققوه لشعبنا.ودعنا نقول لهم تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم حيث يقدم كل منا حجته وقرائنه لنرى من فينا الأقرب إلى الصواب.والمتمسك بالمزاجية والذاتية تراه دائما يتقبل الإشاعات ويصدقها ويتعامل معها كحقيقة معطاة as given دون أن يسمح لنفسه حتى بالاستفسار عن مدى صحتها والأخطر من هذا انه يبني عليها مواقفه إزاء الشخص (س).ومن المتفق عليه أن الإشاعة تتناقض مع الموضوعية والمهنية التي تستوجب الصراحة والشفافية.ولا أعتقد أنه من المناسب تدويخ القراء وإشغالهم بعشرات الأمثلة عن درجة تمسك العديد من الوزراء ورؤساء المؤسسات المهنية والمدراء العامين بالمزاجية رغم ادعائهم عكس ذلك. ومع الزمن تنشأ لديهم وللأسف نوع من 'الشيزوفرينيا' التي تجعل لكل واحد منهم وجهان أو جانبان أو لسانان واحد للتسويق والإعلام والترويج ولوكالات الأنباء والذي يغلب عليه الطابع التبجحي النظري لتكوين صورة عنه في أذهان الرأي العام والمجتمع المدني ونظرائه من الوزراء والمدراء العامين داخل الوطن وخارجه في الوقت الذي تتناقض فيه ممارساته العملية عما يتشدق به.فهذا النوع من الفُصام في الشخصية لا يلبث أن ينكشف من خلال احتكاك الغير به والتعامل معه عن قرب .وأتمنى أخيرا أن أختلف مع وزير أو مدير عام مهنيا وفكريا أو أوجه له نقدا ونبقى في الوقت نفسه على علاقة شخصية عادية على الأقل أو العكس كالتجانس أو الاتفاق المهني في ظل حالة عدم الاتفاق الشخصي. تلك هي الأمنية والرجاء وأبعد الله عنا 'الشيزوفرينيا' وعن غيرنا .
- See more at: http://www.jo24.net/index.php?page=article&id=84412#sthash.LR2VUe8z.xO6A...

انشر المقال على: