الخميس 02-05-2024

المناضلة وداد يوسف قمري: باقية في الذاكرة الشعبية الجماعية

×

رسالة الخطأ

فيحاء عبد الهادي

المناضلة وداد يوسف قمري: باقية في الذاكرة الشعبية الجماعية

 

فيحاء عبد الهادي

 

 

 

«وعيي السياسي تشكَّل من أكثر من مصدر، وتطوَّر نتيجة نضالي داخل التنظيم. أنا باتصوَّر إحنا ناضلنا أنا والصبايا اللي كانوا معي من أجل نكسر حاجز إنّه بِصِرش المرأة تشتغل مع الرجل. العامل الرئيسي هو أنفسنا، طوّرنا وعينا السياسي، وأنا في بداية عملي كثير تأثرت بالحكيم (د. جورج حبش)، تعلمت منه، بس العامل الرئيسي أنا». وداد يوسف قمري ---- حين تذكر المناضلات الفلسطينيات اللواتي كرَّسن حياتهن للنضال السياسي والاجتماعي منذ الخمسينيات، وحين نبحث عن أسماء نساء استقرّت عميقاً في الذاكرة الفلسطينية الشعبية الجماعية؛ يلمع اسمها، وحين تذكر القياديات الفلسطينيات، اللواتي عملن بصمت وصدق وشفافية ونكران ذات منذ الستينيات يبرز اسم ابنة القدس؛ ابنة فلسطين؛ «وداد يوسف قمري»؛ المرأة الشجاعة، والمناضلة القدوة، والصديقة الدافئة، والإنسانة الجميلة. مذ عرفتها؛ تمتعت بتواضع جمّ، وصدق، وإخلاص، وحيوية، وسعة أفق، بالإضافة إلى ثقافة ووعي سياسي، وتنظيمي، وإيمان بالمساواة، وبقدرات المرأة الفلسطينية اللامحدودة على العمل في كافة ميادين النضال. ***** فتحت «وداد يوسف قمري» خزائن الذاكرة، ضمن مشروع توثيق أدوار المرأة الفلسطينية منذ الثلاثينيات، (الذي بادرت إلى تنفيذه إدارة المرأة/ وزارة التخطيط، نهاية التسعينيات)؛ لتضيء عبر شهادتها على مرحلة ذهبية من النضال السياسي والاجتماعي للمرأة الفلسطينية: «آخر سنة من الجامعة ما كمّلتها، منذ طفولتي كنت في الدراسة متفوّقة، دائماً عندي طموحات كبيرة. انتقلنا من القدس إلى عمان في الـ 48، درست بمدرسة راهبات الوردية، بعدين انتقلنا للسلط، وكمَّلت دراستي فيها، واشتغلت مدَرّسة في وكالة الغوث من سنة 56 - 57 حتى 67 - 68، وبعدها توقفت، وفي هذه الأثناء التحقت بجامعة دمشق، درست أدب إنجليزي، لكن سنتين ما رُحتِش للجامعة، الأولى كنت معتقلة سياسياً في الأردن، كنت في حركة القوميين العرب، وسنة 67 صارت الحرب. لماذا القوميين العرب؟ المرحلة كانت مدّ قومي، أيام «عبد الناصر»، لقيت الأفكار القومية منسجمة معي، علماً أنه عمري ما كنت متعصّبة. استلمت مسؤولية الفتيات بالقدس، وامتدادها لرام الله، وبديت أشتغل مع «نهيل عويضة» في القدس، وخرجنا عن دائرة الطالبات، بدينا نروح للقرى، للمستوصفات، وتصير عملية توعية للنساء؛ توعية صحية واجتماعية، ثم التثقيف السياسي، والاجتماعات التنظيمية، وابتدعنا أساليب جديدة للاتصال، في ظل وضع سرّي وحرج، فترة ضرب الحركة الوطنية في الأردن، والكل دخل السجون، اعتقلت فترة قصيرة جداً ما تخطّتش شهر. استطعت من خلال عملي السياسي أني أشرك بالعمل النضالي معظم أفراد الأسرة البنات. كنت أشغِّل أختي تطبع نشرتنا، وأختي الثانية تكبّس الورق، ونوزِّع منشورات أنا وأمي بالليل. حرب 67، كان همّنا الرئيسي نِمنع شراء البضاعة الإسرائيلية، ونِمنَع الناس تروح على الجسر، كنا نوقف باب العامود نمنع الناس تسافر، بعدين بدأت المسائل تأخذ الشكل التنظيمي، والشكل النضالي تغيّر، لما طرح الكفاح المسلح، وبالتالي صار فيه الشغل على أكثر من صعيد. كنا نمَشّي العمل، بدون العودة للقيادة، لأن الشكل التنظيمي اللي كان سائد انتهى مع ضرب الحركة الوطنية، ومن الضروري العمل بصيغة جديدة، الحركة فيها سريعة جداً ويومية تقريباً. بِهَديك المرحلة برز دور المرأة بشكل رئيسي، معظم الشباب مختفين أو معتقلين، فكان مطلوب من النساء حركة أكبر. تواصل عملي في «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» بعد انطلاقها. في ظل بروز ظاهرة الكفاح المسلح، وانشداد الناس وتعطشها للمشاركة في الكفاح المسلح؛ صار فيه تغليب للجانب الكفاحي على الجانب التنظيمي، لكن رأيي أن بناء التنظيم بيضمن الاستمرارية للعمل حتى في ظل الكفاح المسلح. فيه مسألتين: المسألة التنظيمية كانت مهمة والعمل السياسي مهم. في الثمانينات، اجتياح لبنان اتطَوّر وضع المرأة كثير بعديها داخل التنظيمات كلها، بدأ موضوع المرأة يحتلّ مكانة نتيجة وضع المرأة النضالي. بدأ انتكاس مع أحداث الخليج وانهيار الاتحاد السوفييتي، وعكست حالة الإحباط السائدة نفسها على المرأة، وأنا بعتبر إنّه صرنا في حالة ارتداد داخل كل الأحزاب. قضايا اجتماعية بدأت تبرز وبتدلّل على هذا التراجع، إضافة لهذا، رأي شخصي، إنّه بعض القيادات النسائية متناقضة مع نفسها، بِتدافِع عن قضية المرأة من جهة؛ لكن على نفسها ما بِتمارِس هذا، فاقد الشيء لا يعطيه. بالنسبة لخطف الطائرات؛ بَعتبِر إنها حققت الهدف منها، وما عاد فيه ضرورة لاستمرارها، وهذا كان رأيي، وأصبح قرار في الجبهة. أنا بديت عكس الغير، وصلت عضو لجنة مركزية، وآخر شيء كنت فيه عضو قيادة منطقة، لجنة مركزية فرعية، بالانتخابات، بس أنا بقيت أحتلّ المراتب الأولى للقيادات النسائية، في الاتحاد، وداخل المكتب النسوي للجبهة. بعد 82 صار فيه نهضة جديدة بوضع المرأة، وخاصة لما انتقلت الجبهة إلى سورية، بفلسطين وبالمهجر برزت قيادات نسائية، لكن المرأة ما احتلت في هاي الفترة الدور الرئيسي القيادي، صار فيه حالة تردّي عكست نفسها ع الكل، بما فيها وضع المرأة في داخل التنظيم. المرأة في مجتمعنا بِتعاني من واقع متخلّف، وواقع المرأة هو نتيجة الواقع العام، وأي تخلّف من جانب المرأة بكون سببه الجانب الآخر، ديالكتيك، ما بِيجوز فصلها». ***** من أطلّ على مسيرة «وداد قمري» النضالية يعرف أنها لم ترو سوى القليل من تجربتها، لكن ما روته أضاء على شخصيتها المتواضعة والديمقراطية من جانب، وعلى دور النساء الفلسطينيات الفاعل على الصعيد السياسي والاجتماعي منذ الخمسينيات: «ما حققت طموحاتي، لو كنت حققتها كنت ما زلت أمارس عملي النضالي حتى الآن؛ مجموعة عوامل، مش كوني امرأة. ما بِدّي أذكر الأسباب، باقدَرش وبَحِبِّش أحكيها». ***** وداد يوسف قمري، ما زال الجنود في دارك في القدس، وفي فلسطين، وما زالت «الأرض تتضرّج بزهر البرقوق الأحمر، وكأنها بدن رجل شاسع، مثقب بالرصاص»، وما زال شعبك الوفي يناضل كي يطلّ الفرح المختبئ وراء الحزن. حفرتِ اسمك أيتها المناضلة في ذاكرة القدس، وفلسطين، وفي ذاكرة عائلتك وأحبائك ورفيقاتك ورفاقك، وسوف تبقى مسيرتك الكفاحية هدياً للأجيال، وحيّة في ذاكرة شعبك الفلسطيني الوفي، وذاكرة أحرار العالم.

انشر المقال على: