الخميس 23-05-2024

المبادرة وهاجس دولة غزه الانفصالية..!! ومؤقتة

×

رسالة الخطأ

اياد السراج

المبادرة وهاجس دولة غزه الانفصالية..!! ومؤقتة
اياد السراج
مقدمة:
١-"لا تخافوا من الفكر بل من فقر الذي لا يرد بفكرة او رأي بالانحراف الى مستوى الإشاعة والنميمة "
٢-"قالوا ان ليس لنا فيها ناقة ولا جمل وان الحروب الدائرة ستظل دائرة وان لا امل في صلح او سلام او حقوق او حتى حياة طبيعية وان الحل هو الهروب من هذا البلد وان نمشي الحيط الحيط طلبا للستر نحافظ على الوظيفة والراتب ونخفي مشاعرنا ونحفظ لساننا فلا يلهج الا بمدح السلطان" وانا اقف ضد كل ذلك أصر على حقي في وطني وحق المواطن في الرأي الحر.
٣-البيئة التي نعيشها مسمومة، ليس فقط بالمبيدات الزراعية والقمامة ولكن ايضا بسموم الكراهية والحقد والرغبة في الانتقام والإقصاء والقمامة السياسية. بيئة مخيفة يتم دفع البعض بالاجر للمشاركة المؤذية وهناك من يندفع لاسباب اخرى شخصية او سياسية وكأنه ينال وساما او تهنئة بالسب والاهانة للحركات الوطنية او قيادات المجتمع ولا يتم محاسبته بل وربما تشجيعه لنشر المزيد من السموم.بل ان بعض من تعرضوا للمبادرة كانوا يعبرون عن كراهية لغزة ربما بسبب هزيمة القيادة الفتحاوية او لأسباب شخصية اخرى.
يقول البعض انها السياسة ولكني اتحيز
لما كان يؤمن به حيدر عبد الشافي من ان السياسة لا تعني قلة الادب او غياب الأخلاق بالضرورة !
٤-كنت من اوائل من حذروا من الانزلاق الى ما يودي بنا الى ما نحن فيه اليوم ( دولة واحدة او ثلاث - صحيفة القدس ٧ ابريل ٢٠٠٧) حيت قلت في نهاية المقال الذي نشر قبل اشهر من الاحداث التي عصفت بنا وادت الى الانقسام:"والضفة الغربية مرشحة لتكون الدويلة الفتحاوية وأما قطاع غزة فهو المرشح ليكون الدويلة الحمساوية، ولهذا فإن خيار الدولتين سيقودنا إذا تحقق عملياً إلى ثلاث دول منها اثنتين فلسطينية ستكون الواحدة في حرب مع الآخرى – وليس مع إسرائيل – وستكون الواحدة مدخلاً لقوى ودول محيطة أو بعيدة، وستزداد الهوة بين أفراد الشعب ".
.....
قضيت ثلاث سنوات طويلة في مساعي المصالحة ضمن نخبة من خمسون شخصا من اكثر المثقفين والوطنيين احتراما في محاولات جاهدة لرأب الصدع بالوساطة وبالتقدم باقتراحات والدعوة لاجتماعات وتلبية الدعوات وتحضير أوراق عمل والدخول في مناقشات لها اول وليس لها اخر بعيدا عن الاضواء بينما في ذات الوقت كنا ننشغل بإطفاء الحرائق الدائرة في الاعلام او في المستشفيات او نقاوم بمحاولات توفير مستلزمات الحياة بسبب الحصار الجائر والتآمري على غزة .ويقينا اننا كنا جميعا نتمنى بل تتلهف على كلمة او ايماءة تشير الى الاستعداد عند اي من الطرفين لقبول اقتراح او الموافقة على فكرة. وكم مرة تفائلنا وطارت بنا ما تشبه النشوه مثل ما حدث في اجتماعنا بالمرحوم عمرو سليمان الذي كان يمسك من مكتبه في المخابرات المصرية بالملف الفلسطيني كله وملف الصراع مع اسرائيل حيث فاجئنا ووافق معنا على فكرة جمع الطرفين في غزة لمناقشه ملاحظات حماس على الوثيقة المصرية والتوقيع عليها. لكننا سريعا صدمنا بالرد من فلسطين بل ومن شرم الشيخ وقبل سماع الاقتراح ! وللحق فقد كانت الصدمة الاكتشاف ان عمرو سليمان كان يبدو اكثر حرصا على فلسطين من بعض قياداتنا.
ومع الايام تناقص عدد المتحمسين وازداد عدد اليائسين من أية مصالحة. كان واضحا ان القرار بالمصالحة كان اما غائبا او مرتهنا خارج الساحة الوطنية وكانت السياسة هي الهروب من القرار بوضع الشروط او بإلحاق الذنب بالطرف الاخر.
خلاصة القول انه يعد تلك التجربة في الانقسام والمصالحة وجدت ان الوقت قد جاء لتقديم مبادرة جادة تقوم على الدروس المستفادة.
كان استنتاجي الاول اننا في محاولاتنا الجادة لم نأخذ مصلحة الأطراف بالاعتبار وأننا اعتبرنا ان مصلحة الوطن اهم من مصالح الفصائل وكان ذلك حالة حالمة زائده وعدم واقعية سياسية فلم نكن بصدد مظاهرة وطنية بل اتفاق سياسي يراعي كل طرف فيه مصالحه والتي يراها من زاويته مصلحة وطنية عليا.
الشئ الهام ايضا اننا أدركنا ان هناك لاعبين أساسيين في المنطقة لا بد من مباركتهم او رضاهم او سكوتهم وتلك حقيقة الوضع السياسي الذي نعيشه. اسرائيل لاعب رئيسي وكذلك امريكا من بعيد لكن مصر هي الأهم خاصة الان.
مصر مبارك لعبت دورا رئيسيا ولكنه كان معقدا محكوما بطبيعة العلاقات مع بقية اللاعبين، فنظام مبارك كان طرفا في حصار غزة ولكنه كان يدفع في اتجاه المصالحة. الوضع تغير الان وتغيرت طبيعة العلاقات المصرية مع الاخرين وفي رأيي ان هذا هو اهم تطور سياسي في المنطقة منذ عصور وسيكون مردوده على قضيتنا هاما وربما يحسم موضوع المصالحة.
اللاعب الهام الاخر هو اسرائيل ،فهي ولو من باب التخريب والاستفادة من عقم العرب وانقسام الفلسطينيون فانها تستطيع منع الفلسطينيين من الحركة ووضع قياداتهم في السجون كما فعلت وتفعل. ان محاولة جذب اسرائيل لا يعني التسليم بالحقوق ولا يعني انتهاء الصراع الا بنيل الحقوق المشروعة والمشرعة دوليا. وقد يقول احدهم بأن المقاومة المسلحة هي الطريق الوحيد واللغة التي تفهمها اسرائيل، ويطالب اخر بالمقاومة الشعبيه، وبالمقاطعة المحلية والدولية. وكل ذلك شرعي، لكننا بصدد المصالحة الفلسطينية وليس من الحصافة ان نهدد اسرائيل في وثيقة المصالحة بالحرب. لكننا نعرض عليها هدنة طويلة الأجل لأن الطرفين غير قادرين على حسم الصراع وربما تتغير الامور خلال عقدين او ثلاث وتظهر اجيال قادرة على التعايش والسلام . وبالمقابل فان لنا شروطا على اسرائيل مثل فك الحصار وحرية الحركة ووقف الاستيطان والدخول في مفاوضات للوصول الى حل شامل.
لب القضية هو اقامة الدولة الفلسطينيه على حدود ١٩٦٧ على غزة والضفة والقدس الشرقية وبقرار من الامم المتحدة. وتطالب المبادرة حماس بدعم ابو مازن في هذا المشروع التاريخي الهام.
المبادرة تقترح ان تعلن الحكومة االمتوافق عليها من غزة وبوجود ابو مازن على رأسها وبهذا نضمن او نأمل في موافقة الطرفين . بوجود ابو مازن وهو يمثل شرعية المنظمة ومباركة مصر وموافقة امريكا وإسرائيل تكون غزة والضفة وحدة واحدة وحين يصدر قرار الامم المتحدة بالعضويه تصبح القدس بعد اتفاق السلام مهيئة لتكون العاصمة.
وجد الكثيرون في المبادرة أفكارا تستحق التقدير وناقش معي بعض السياسيين من حماس وفتح وغيرهم من المثقفين الذين أقدرهم واحترم اراؤهم كل هذه الأفكار بعد ان قرأوها بعناية وزادوا عليها او انتقدوا اجزاء منها اما باتصال شخصي او عبر الاعلام. تسائل البعض عن سر التوقيت واقول ان سر التوقيت هو ما يحدث في مصر وهو في رأيي بالغ الأهمية ولا بد لنا من التحالف الاستراتيجي مع النظام الديمقراطي الجديد.
وتسائل البعض عن علاقة مشروع الدكتور فياض للانتخابات في الضفة حتى صارت هناك شكوكا باننا امام مشروعين للانفصال ، واحد في غزة واخر في الضفة . والحق ان لي شرف صداقة سلام فياض واعتبره من خير السياسيين الوطنيين وبيننا حوار ممتد يشمل كل القضايا. لكن ليس هذا مجال الحديث عنه ولا علاقة مباشرة لذلك مع افكار المبادرة حول المصالحة.
وتسائل البعض ان كان جرى تقديم المبادرة للإسرائيليين أيضاً . لقد ناقشت المبادرة مع عدد من الأصدقاء الأوروبيين الذين وجدوا فيها ما يعيد الامل في وحدة الفلسطينيين والسلام مع اسرائيل. وكان الخوف دائماً ان يترك الفلسطينيون للتطرف الاسرائيلي فرصة إفشال المبادرة هذه او غيرها كما جرت العادة! ان لدي صداقات عديدة ومتميزة مع يهود في اسرائيل والعالم وكان منهم أساتذة لي في الطب وفي مدرسة الدفاع عن حقوق الانسان اتشرف بها لانها تقوم على اساس الاحترام لشعبي والدفاع عن حقوقه ولكني افضل ان يتم بحث المبادرة اولا في غزة ورام الله والقاهرة.
ونسي البعض ان غزه هي أيضاً جزء من الوطن وان السلطة ابتدأت فيها وانها كانت مقر ابو عمار وأنها ورام الله تظلان مواقع مؤقتة لحين العودة للقدس.
فهل يكون الاعلان عن الحكومة الوطنية فيها انفصاليا ( لان فيها حماس )والإعلان في رام الله وحدويا (لان فيها فتح)؟ لقد نصت المبادرة على اهمية المصالحة ليس من اجل حماس او فتح ولكن للوطن كله كوحدة واحدة.
وجد بعض الأخوة ان المبادرة لم تجرم حماس لما فعلته بالانقلاب في غزة. حماس تقول ان الانقلاب ضد الشرعية الديمقراطية والانفلات الامني كانت الاسباب الرئيسية(مثلما قام المجلس العسكري الطنطاوي بمحاولة منع ألرئيس من الحكم فقام الرئيس بانقلابه) .ورأى آخرون ان المبادرة لم تتعرض لابو مازن لتعريضه الوضع الفلسطيني للمخاطر قبل وبعد الانقسام. وأنصار ابو مازن يردون بانه لم يعط الفرصة لمعالجة التدهور في غزه . لكن لن تكون تلك مبادرة للمصالحة لو حشرنا فيها انتقادات لهذا الطرف وتقريعات للطرف الاخر وهو ما نأمل من الجميع الابتعاد عنه لمعالجة سموم البيئة السياسية.
ان علينا ان نحترم فتح كما نحترم حماس لتاريخهم ونضالهم وشهد ائهم واسراهم ولما يمثلونه من ثقل وطني هو الأهم وبغض النطر عن شئونهم الداخلية ودون التعرض لانتهاكات حقوق الانسان لأننا نعتقد ان هذه الحالة المزرية هي إفراز للانقسام الذي بمعالجته تستقيم الامور ان شاء الله. وانه من تحصيل الحاصل لكي تنجح اية مفاوضات ان تكون المساواة بين الطرفين هي القاعدة.
ان هذه المبادرة ما هي الا اجتهاد شخصي لا تدعي الكمال وتدعو الى تطويرها او نقدها او التقدم بما هو افضل وكلي ثقة في جرأة المثقف الفلسطيني الحر الذي يحمل الرأي ولا يخشى قطع راتب او حظوة ولا يجامل إلسلطان.
ويحذر بعض الاخوة من فشل هذه المبادرة بسبب اسرائيل وربما لاسباب اخرى او ان تنتهي عمليا بقيام الدولة المؤقتة في غزة ولكن تبقى المسؤولية على أكتاف الفلسطينيين انفسهم وان يرفضوا الإملآت وارتهان القرارت او الهروب من اتخاذها . ان على الجميع ان يفكروا وان يعملوا لدحر الانقسام وإلا فإننا ماضون نحو الانزلاق الى الانفصال والتردي والى ما أسوأ. انها مسؤولية القيادة امام شعبها اولا ثم انها مسؤولية المثقفين الاحرار.
ان الهم الوطني ثقيل بالاحتلال والانقسام على الجميع رئيساً وشعبا وفصائل ولسنا بصدد الدخول في سوق المزايدات الوطنية.
واستعيد للجميع قصة النبي سليمان الذي تنازعت امرأتين بين يديه على أمومة طفل فحكم بقطعه الى نصفين وارتاعت إحداهن صائحة وهي ترتعد "اتركوه لها ولا تقتلوه" فعرف سليمان انها الام الحقيقية.

انشر المقال على: