الثلاثاء 30-04-2024

المؤامرة المقدَّسة على باب الخليل!

×

رسالة الخطأ

غسان ابو نجم

المؤامرة المقدَّسة على باب الخليل! غسان ابو نجم تابعنا قبل يومين مشهد استيلاء المستوطنين بحماية الشرطة على فندق بترا الصغير، أحد المباني التي جرى تسريبها في ما عُرِف بقضيّة أوقاف باب الخليل في القدس القديمة. مشهد مؤلم متوقَّع لم يفاجئنا ولم يفاجئ أيًّا ممّن تابع أداء بطركيّة الروم الأرثوذكس (وعلى وجه التحديد أداء ثيوفيلوس ومحاميه) في إدارة ملفّ محكمة صفقة باب الخليل ("صفقة القرن"!)، ولاحظَ تعمُّدها أن تخسر القضيّة في غياب تامّ لكلّ مسمَّيات اللجان الرسميّة التي نجزم بأنّها لا تملك وثائق المحكمة ومداولاتها، ولم تكن على اطّلاع على كلّ ما يدور في أروقتها سوى ما كان يصلها من مستشاري البطركيّة، على الرغم من تحذيرات المجلس المركزيّ ومجموعة الحقيقة والأطر الوطنيّة كافّةً أنّ هنالك مؤامرة تُحاك تهدف إلى تصفيةِ شاملة للوقف الأرثوذكسيّ وخلقِ واقع جديد في ظلّ ضياع سياسيّ. حزننا كبير على خسارة فندق البترا الصغير كمقدّمة لسلسلة خسارات متتابعة. سيستيقظ أهالي حارة النصارى والبلدة القديمة وباب حطّة وسلوان صبيحة يوم قريب ليكونوا أوّل شاهد على مشهد الخيانة التي اقترفها الجالسون على عرش بطركيّة الروم الأرثوذكس بمختلف تسمياتهم الغربيّة، ليدركوا عندذاك أنّ طرود عيد الميلاد وبعض التَّقْدِمات ما هي إلّا قبلة يهوذا الذي دعاه المعلّم ليكون تلميذًا فأمسى غاشًّا فأسلمه، وأنّ تلك المشاريع والهِبات والتَّقْدِمات ما هي إلّا لتبييض صفحةِ مَنْ خان الأمانة. ولكن حزننا الأكبر هو على كلّ من يردّد شعار "الحفاظ على الوجود المسيحيّ في القدس"، وأوهمته بيانات التضليل التي تنطق بها ماكنة البطركيّة الإعلاميّة وشركة علاقاتها العامّة ومستشاريها، وأوهم نفسه وحاول إيهام الآخرين بأنّ ثيوفيلوس هو خير المدافعين عن الأوقاف الأرثوذكسيّة والحفاظ عليها، على الرغم من أنّ قائمة الصفقات الأطول وتسارُعها شهِدَها عهدُ ثيوفيلوس بتوقيعه ومصادقة محاميه المقيم في لندن، وما يزيد هذا الحزنَ عجز النائب العامّ الفلسطينيّ في متابعة الشكوى حاملة الرقم 4585/1 منذ آب 2017 ضدّ المتّهَم ثيوفيلوس بعد تقديم جميع المستندات والوثائق وأسماء الشهود، وعلى الرغم من صدور مذكّرة حضور بحقّ المتّهَم تسلَّمَها ثيوفيليكتوس منتصف حزيران 2021 بعد تدخُّلات الجهات الأردنيّة الحامية له. غضبنا على كلّ الشرفاء الذين استغفلهم ثيوفيلوس في أستوديو البطركيّة، ليلتقط معهم الصور التذكاريّة، وثمّة منهم مَن تغنّى بالزيارة ونشر صورها وقد ضاقت الضحكات على الوجوه في الصور الملتقَطة، دون أيّ خجل من رهبة الدخول إلى بوّابة باب الخليل وقد سقطت عمدان كبريائه التي يعلوها فندق الإمـﭘريال بأيدي المستوطنين. اطمأنّت القلوب هناك في صالون البطركيّة، وجرى تبادل أوهام النصر وتباكي الذئاب ودعاء البسطاء بالعمر المديد، بينما كانت حجارة مباني القدس تَقْطر دمًا ودمعًا على وداع عهد عربيّ حافظ عليه الآباء والأجداد. يستطيع المرء أن يفهم أنّ المستعمِر، الغريب الدار واللسان، لا تهمّه هُويّة مَن يستأجر حقوق العقار أو يمتلكه لاحقًا، ولا يهمّه أن تبقى هُويّة القدس عربيّة، لأنّه هو نفسه ليس عربيًّا، ولعلّ ذلك أفضل له مادّيًّا ومعنويًّا، وبالنسبة له لا غضاضة في ذلك ما دام عَلم دولة اليونان يرفرف فوق بطركيّة الروم الأرثوذكس، إيمانًا منهم بأنّها إرث هيلينيّ وجب الحفاظ عليه! ولكن ما لا نستطيع فهمه هو تلك المواقف الصادرة عن سلطة رام الله ولجنتها الرئاسيّة التي ما لبثت تُثْني وتُشيد بمن هو متّهَم أصلًا لدى نائبها العامّ، وبدفاعه (!) عن الأوقاف الأرثوذكسيّة، حتّى لَيُخيَّل للمرء أنّ الحديث يدور عن صلاح الدين الأيّوبيّ! تحزّ بنا وتحزننا بعض المواقف الخجولة الصادرة عن هيئات العمل الوطنيّ والشخصيّات الوطنيّة والدينيّة؛ فالقدس لا تحتمل ولا تغفر ولا تنسى. أمَا آن الأوان لندرك أنّ الحفاظ على القدس وعروبتها ليس شعارًا، وإنّما هو حرب بكلّ تكتيكاتها التي لم يدرك المستوى الرسميّ إلّا جانبًا واحدًا منها هو الـﭘراغماتيّة والـﭘروتوكول؟! لهؤلاء نقول: لا نتشرّف بجهلكم الحقيقة وعدم مسؤوليّتكم؛ فأنتم من أضعتم القدس وكسرتم مقرَّرات المؤتمر الوطنيّ لدعم القضيّة الأرثوذكسيّة (أكتوبر 2017)، بل حاربتم شعبكم كذلك. فهنيئًا لكم بصور تذكاريّة تطايرت فيها ضحكات كادت تصل سماء القدس من أقدم وأقدس عتبات بلدتها القديمة. كلّ عاقل يدرك أنّه في كلّ صفقة تُعْقَد بين طرفين هنالك مَن باع وقبض الثمن، وهنالك من اشترى ودفع الثمن، وهنالك سمسار ومحامٍ، وأنّ كلّ تسريب ينكِر فيه منفِّذُه جريمتَه ويَعزوها إلى من سبقه. أمّا صفقة باب الخليل، فقد كانت الأكثر تآمرًا وخداعًا وخيانة، إذ رعتها أثواب يدّعون قدسيّتها يلبسها أدعياء دين في مؤامرة مقدّسة على القدس وهُويّتها! ولكن يبقى الأقوى هو مَن يدرك الحقيقة. ومَن يعرف الحقَّ يحرّره الحقّ، ويبقى الجاهل ينتظر الدبس... أمّا القدس فلا تنتظر أحدًا؛ فهي تثأر لمغتصِبيها وإنْ بعد حين.

انشر المقال على: