الثلاثاء 30-04-2024

القرار بقانون والضرورة القصوى

×

رسالة الخطأ

فيحاء عبد الهادي

القرار بقانون والضرورة القصوى
فيحاء عبد الهادي
2022-03-01
أثار القرار بقانون (بلا رقم)، الذي يعتبر منظمة التحرير الفلسطينية دائرة من دوائر دولة فلسطين، والذي صدر بتاريخ 8 شباط 2022، استهجاناً فلسطينياً واسع النطاق، الأمر الذي أدّى إلى التراجع عنه بإعادة إصداره، بعد محاولة إيضاح العبارة الملتبسة حول العلاقة بين منظمة التحرير الفلسطينية ودولة فلسطين، بحيث تصبح "دعاوى منظمة التحرير الفلسطينية في حكم دعاوى الدولة، وتعامل معاملتها"، على حدّ تعبير المستشار القانوني لرئيس الدولة.
بعد هذا التخبّط الواضح، في إصدار القرار بقانون، وفي التراجع عنه، وبعد التذكير بأن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني أينما وجد، وأن الدولة الفلسطينية تمثل الشعب الفلسطيني داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967 فقط، لا يسعنا سوى أن نتساءل: متى يتمّ الفصل بين منظمة التحرير ومرجعها القانوني، النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، والدولة الفلسطينية المحتلة، ومرجعها القانوني، القانون الأساسي الفلسطيني المعدّل؟
كما أن صدور العديد من القرارات بقانون عبر الأعوام السابقة، إثر قرار المحكمة الدستورية العليا، بتاريخ 12 كانون الأول 2018، بحلّ المجلس التشريعي، استدعت تساؤلاً أكبر، حول مدى الإلحاحية، والضرورة، التي استدعت إصدار العديد من قرارات بقانون؟ خاصة تلك القرارات التي تنتهك المبادئ الحقوقية التي وردت في وثيقة إعلان الاستقلال، والقانون الأساسي الفلسطيني، والتي أكَّدت على أن مجتمعنا الفلسطيني هو مجتمع العدل والمساواة والحريات وسيادة القانون؟!
حدَّد القانون الأساسي الفلسطيني بشكل واضح، في بابه الثالث، المهمات التنفيذية لرئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، والتي تشمل إصدار القوانين بعد إقرارها من المجلس التشريعي الفلسطيني، وتنصّ المادة 43 من القانون على الحالات التي يمكن أن يصدر فيها رئيس دولة فلسطين قرارات بقانون، حيث حصرها بحالة الضرورة القصوى: "لرئيس السلطة الوطنية في حالات الضرورة، التي لا تحتمل التأخير، إصدار قرارات لها قوة القانون، ويجب عرضها على المجلس التشريعي في أول جلسة يعقدها بعد صدور هذه القرارات، وإلّا زال ما كان لها من قوة القانون".
رصدت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان القرارات بقانون التي صدرت منذ العام 2007، وراقبت الازدياد المطّرد لهذه القرارات، خاصة عام 2018، وهو العام الذي قامت فيه المحكمة الدستورية، بحلّ المجلس التشريعي (12 كانون الأول)، حيث بلغ عدد القرارات بقانون 29 قراراً.
وكان من أخطر القرارات بقانون القراران، اللذان صدرا عام 2019، بشأن تعديل قانون السلطة القضائية (رقم 16) وتشكيل مجلس قضاء انتقالي أعلى (رقم 17)، حيث تركّزت مخاوف المنظمات الحقوقية الفلسطينية في تأثير القرارين على مبدأ سيادة القانون، واستقلال القضاء، والفصل بين السلطات.
كذلك المخاوف التي أوردتها الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، حول القرار بقانون (بلا) رقم لسنة 2022، بشأن تعديل قانون الإجراءات الجزائية، وتسريع إجراءات التقاضي، الذي صدر يوم 25/01/2022، والذي ينتهك بالإضافة إلى سيادة القانون مبدأ المساواة، ما دعا الهيئة لرفع مذكرة قانونية إلى رئيس دولة فلسطين، تطالب بوقف نشر القانون في الجريدة الرسمية، وذلك خوفاً من أن يكون تسريع إجراءات التقاضي على حساب ضمانات المحاكمة العادلة والحق في الدفاع، مؤكِّدة أن تلك التعديلات، تؤسِّس لانتهاكات حقوق الإنسان وحرياته الأساسيّة، لا سيّما حقه في المحاكمة العادلة، وفي الدفاع، والحرية الشخصية.
ويأتي في ذات السياق القرار بقانون رقم (6) لسنة 2022، بشأن جواز السفر الدبلوماسي (VIP). هذا القرار الذي وسَّع صلاحيات إعطاء جواز السفر الدبلوماسي، وفتح باب الاستثناء، دون أن تكون هناك أي معايير لهذه الاستثناءات، حيث أتاح القانون للرئيس وحده حق منح جواز السفر الدبلوماسي أو سحبه، ما يفتح الباب أمام استثناءات تتركّز بيده، وتخضع لمبدأ الموالاة أو المعارضة، بينما الأصل أن يتبع القانون نظام السلك الدبلوماسي في وزارة الخارجية، كما هو متّبع في دول عديدة أخرى.
إذا كان القرار بقانون يجب أن يصدر في حالات الضرورة التي لا تحتمل التأخير، وأن يصدر بالتوافق مع القانون الأساسي الفلسطيني، وإذا كان القانون الأساسي ينصّ على أن الفلسطينيين أمام القانون سواء، وأنه لا يوجد تمييز بينهم بسبب العرق، أو الجنس أو اللون أو الدين أو الرأي السياسي أو الإعاقة، في ظل دستور يؤمن سيادة القانون والقضاء المستقل، وإذا كان القانون الأساسي ينصّ على مبدأ سيادة القانون، الذي تخضع له جميع السلطات والأجهزة والهيئات والمؤسسات والأشخاص، وإذا كان ينصّ أيضاً على الحق في التعبير، والحق في النشر، بالوسائل الممكنة كافة، فإن كل انتهاك لسيادة القضاء، وكل اعتداء على الحريات الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للإنسان، وغيرها من الحقوق والحريات العامة بسبب الاختلاف في الرأي، هو جريمة يجب التنبيه لخطورتها، ومحاولة منع وقوعها، ومحاسبة مرتكبيها.

انشر المقال على: