الجمعة 03-05-2024

الذكرى ال٤٨ ليوم الأرض الفلسطيني

×

رسالة الخطأ

موقع الضفة الفلسطينية

الذكرى ال٤٨ ليوم الأرض الفلسطيني

 

السبت 30 مارس 2024 | 05:29 م

خاص - بوابة الهدف

 

 

كتب حاتم استانبولي*

 

في الثلاثين من آذار ١٩٧٦ انتفضت جماهير الشعب الفلسطيني داخل أراضي فلسطين المغتصبة عام ١٩٤٨. هذه الانتفاضة التي كانت إعلاناً شعبياً فلسطينياً جَمعِياً تعلن فيه بدمائها ولحمها الحي أن القضية الفلسطينية هي واحدة لشعب يواجه الإلغاء السياسي والقانوني والحقوقي لتحويله لمجموعات بشرية متناثرة في بقاع الأرض.

انتفاضة الفلسطيني المنتمي للأرض الفلسطينية من النهر إلى البحر أعلن في ذلك اليوم أن فلسطين هي القضية ولا يمكن تفتيتها كمكان عبر الزمان.

انتفاضة الأرض الفلسطينية مستمرة حتى هذا اليوم في مواجهة أكبر وأعمق وأشمل مؤامرة إجرامية ضد الإنسانية بدأت فصولها منذ أن قدم وزير خارجية بريطانيا بلفور وعداً مكتوباً لـ"اللورد الصهيوني روتشيلد" بإعطاء وطن قومي لليهود في فلسطين.

منذ ذلك الوعد بدأ تنفيذ المتدرج والتصاعدي والمتشعب فصول مؤامرة القرن التي تطلبت حرباً عالمية أولى وثانية لتحقيق المصالح المشتركة والمتداخلة لِرأس المال الصهيوني مع رأس المال العالمي من أجل فرض سيطرة كاملة على  الاقتصاد العالمي وتعميق السيطرة الصهيونية على مراكزه.

هذه المؤامرة حيكت بعقلية استعمارية استيطانية هيئت الظروف المادية المكانية في مسرح الجريمة ومحيطه لممارسة أوسع وأطول إبادة جماعية لمجموعة بشرية عبر التاريخ الإنساني وما زالت مستمرة منذ أكثر من مائة عام.

جريمة إبادة الشعب الفلسطيني تطلبت عملاً استعمارياً صهيونياً دؤوباً اتبع سياسة التقطيع والتفتيت والتهجير ومصادرة التاريخ عبر سرديات وهلوسات خرافية من خارج الوعي الإنساني.

الإبادة الجماعية  التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني منذ وعد بلفور لها خصوصية أشمل من مفهوم الأمم المتحدة الذي أقر عام ١٩٤٨ .

الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني اتخذ عن سابق اصرار من قبل حكومات استعمارية ومنظمات صهيونية سياسية ومالية وعسكرية إجرامية عبر خلق وتهيئة مكان مسرح الجريمة ومحيطه.

الإبادة الجماعية أخذت أشكال متعددة ومركبة عبر أدوات محلية وأقليمية ودولية هيئت لها الظروف المادية والقانونية والسياسية لعمليات متدرجة متصاعدة لأكبر وأطول جريمة في التاريخ الإنساني.

تطلبت الإلغاء القانوني بمعنى إسقاط الهوية الحقوقية المدنية وإلحاقها بمنظمة دولية أنشئت خصيصاً لهذه الحالة الفلسطينية الفريدة أطلق عليها وكالة الأمم المتحدة لتشغيل اللاجئيين الفلسطينيين (الأونروا).

في ذات الوقت تم إلحاق أكبر كتلة بشرية فلسطينية في الضفة و غزة إلى  النظامين الأردني (الواقع تحت الوصاية البريطانية) والمصري الأول ألغى الهوية السياسية والحقوقية المدنية والثاني حاصرها ومنع تمايزها وتمددها.

واشترك الإثنان ومن خلفيتين مختلفتين في محاصرة وإلحاق ومصادرة الهوية الحقوقية السياسية للشعب الفلسطيني ونسيان الجزء المتبقي من الفلسطينيين في مناطق الـ١٩٤٨ واعتبار أنهم أقلية عربية في إلغاء للهوية الفلسطينية.

انتفاضة يوم الأرض جاءت في ظروف تصاعد النضال الوطني الفلسطيني الجماعي وكانت إعادة طوعية نضالية لجماهير شعبنا في الـ١٩٤٨ لإِعلان أنها جزء أساسي من وحدة الشعب الفلسطيني وهويته وأهميتها وخصوصيتها تكمن أنها أعطت مدلولاً وطنياً فلسطينياً للمكان في إطار مفهوم وحدة الشعب والأرض.

رغم كل المحاولات الإجرامية الاستعمارية الصهيونية لإبادة الشعب الفلسطيني استمر الشعب الفلسطيني في مقاومتها ومجابهة المؤامرات المتنقلة في جغرافية التواجد الفلسطيني في المكان عبر الزمان.

ومع تغير وتصاعد النضال الوطني الفلسطيني بكل أشكاله كانت هنالك حقيقة تظهر أمام المستعمر الإحلالي الصهيوني أن استمرار وجوده يتطلب القضاء على كل ما يتعلق بالهوية الفلسطينية ورمزيتها بدأً بالمخيم وغطاه القانوني الدولي (الأونروا) وما تمثله من رمزية للعودة الفلسطينية إلى فلسطين المحتلة.

وعملت أدوات الاحتلال المحلية والإقليمية بشكل منهجي من أجل تدمير الرمزية الوطنية لِلمخيم الفلسطيني لتفريغ دوره بالتعاون مع بعض النظم ومحاولات أخرى من أجل تحويله إلى مكان لِممارسات خارجة عن دوره ورمزيته الوطنية من خلال أدوات مَحَلِية مشبوهة لها ارتباطات وأجندات هدفها إعطاء صورة عن المخيم الفلسطيني كمكان ومقر لأعمال مشبوهة لتوظيفها من أجل وضعه في تناقض مع المجتمعات العربية المحلية المحيطة.

إعلان صفقة القرن في اجتماع الرياض لرؤساء خمسين دولة عربية وإسلامية مع الرئيس الأميركي ترامب الذي أعلن بوقاحة عن إعلان القدس عاصمة لإسرائيل اليهودية كان هو في الجوهر إعلاناً عن آخر فصول جريمة إبادة العصر  للشعب الفلسطيني هذه الصفقة التي كانت بنودها إعلاناً واضحاً منمقاً لجريمة الإبادة الجماعية التي ترتكب في غزة والضفة الغربية.

المدقق في بنود صفقة القرن يلحظ الخيارات الموضوعة لإنهاء العمل الوطني الفلسطيني المناهض للاحتلال بكل أشكاله ويرى أن هناك خيارين لا ثالث لهما إما الخضوع والاستسلام والاندماج في الخيار الاقتصادي  أو مجابهة خيار التصفية والإبادة أما بأدوات عربية وإذا فشلت فخيار الأداة العسكرية الإسرائيلية هو الخيار النهائي. وعلى الخط الموازي ستعمل اللجان الخماسية والسداسية الوارد دورها ووظيفتها بوضوح في حطة صفقة القرن على استيعاب النتائج المترتبة على عملية الإبادة التي سوف تترتب عن تنفيذ البند المتعلق بتصفية العمل الوطني السياسي والعسكري في غزة .

المعركة الوطنية الكبرى التي يخوضها الشعب الفلسطيني الآن في مواجهة الفصل الأخير لجريمة العصر عبر مواجهته لآليات تنفيذ بنود صفقة القرن التي تأخذ أشكالاً سياسية وعسكرية محلية واقليمية ودولية في تكاتف وتعاضد أكبر هجمة صهيونية إمبريالية تأخذ أشكالاً متعددة توظف فيها جميع الوسائل والآليات السياسية والاقتصادية والعسكرية والإعلامية لإنجاز تصفية عدالة قضية العصر.

من الواضح أن ارتفاع عدد وحدة وعلنية الجرائم التي ترتكب في غزة والضفة الغربية بغطاء ودعم معلن أميركي بريطاني غَربي فاضح وغير مشروط يؤكد أن هناك إصرار أميركي صهيوني بريطاني يعتبر أن النصر على الشعب الفلسطيني هو المدخل لإعلان الانتصار على شعوب المنطقة وخياراتها من المحيط إلى الخليج وفي ذات الوقت هو يشكل حماية لوكلائها الذين يرون أن انتصار الشعب الفلسطيني سوف يزعزع أسس حكم نظمهم التابعة.

لذلك فإن معركة الشعب الفلسطيني هي معركة الشعوب وخياراتها الوطنية المستقلة في مواجهة الأدوات الامبريالية الصهيونية التي تريد إخضاع مقدرات المنطقة وتوظيفها لخدمة الاحتلال الإحلالي لفلسطين الذي يؤمن مصالح المنظومة الرأسمالية الأميركية البريطانية الغربية.

المعركة لن تتوقف وستمتد لتشمل كل القوى الفاعلة المجابهة بغض النظر عن مكانها في الجغرافية الممتدة من المحيط إلى الخليج وستشارك فيها قوى ونظم إقليمية ودولية عبر وسائل ترغيب وترهيب واستخدام الأدوات المالية الدولية لاستمرار نزيف المديونيات التي تؤدي إلى الخضوع والإذلال وزيادة الاضطهاد والقمع والفقر الذي سيؤدي إلى الفوضى لإعادة مسلسل التفتيت المجتمعي والجغرافي والسياسي والتصادم العقائدي بين المجموعات العرقية والدينية والمذهبية هذه المعادلة الذهبية الصهيونية لاستمرار دوامة عدم الاستقرار.

لقد ثبت بالملموس أن القضية الفلسطينية هي المعيار والناظم للعدالة الإنسانية وعلى جانبيها اصطفت فريق العدالة والحرية والمشاركة وفي الجانب الآخر اصطف الفريق المعادي للعدالة والحرية والمشاركة الذي يمارس الظلم والاستغلال ونهب مقدرات الشعوب.

دم أطفال ونساء ورجال فلسطين كشف زيف ادعاءات الحرية الليبرالية الرأسمالية وأدواتها  المحلية والإقليمية والدولية وهو وَحَدَ مفهوم دور الشعوب وميادينها التي دخلت في تناقض مع نظمها الخاضعة للنفوذ الصهيوني.

دم أطفال فلسطين سوف يسقط مؤامرات تعريب الإبادة الجماعية عبر تشكيل قوات عربية لتحل وتشارك في إسدال الستارة على مسرح جريمة العصر عبر تنفيذ البند الأخير في صفقة القرن.

*كاتب فلسطيني

 

انشر المقال على: