السبت 04-05-2024

الجيش.. بين ضغوط الإسرائيليين والاستعداد للضفة الغربية بعد رحيل عباس

×

رسالة الخطأ

موقع الضفة الفلسطينية

الجيش.. بين ضغوط الإسرائيليين والاستعداد للضفة الغربية بعد رحيل عباس

شخصت هيئة الأركان العامة بشكل متأخر التسونامي الذي يتوجه بالتدريج نحو الحادث الذي أصيب فيه جندي حرس الحدود برئيل حداريا شموئيلي بنار فلسطيني على حدود القطاع قبل أسبوعين. موت برئيلي متأثراً بجروحه الاثنين الماضي زاد حدة قوة العاصفة. ومثلما في قضية اليئور أزاريا التي اندلعت في 2016 يحوم هنا أبضاً خطر على علاقات الجيش الإسرائيلي مع جنوده، ومع آبائهم، وبالأساس مع كل المجتمع الإسرائيلي. أحد الفروق الرئيسية بين القضيتين هو أن بنيامين نتنياهو، بكونه رئيس حكومة، أظهر الجبن وترك قادة الجيش وحدهم أمام غضب الجمهور في قضية أزاريا، يوجد الآن في المعارضة، وهناك أعفى نفسه تماماً من أي مظهر لرجل الدولة.

في القضية الحالية اجتمعت مشاعر الجمهور القديمة (التي تقول إن الجنود في الميدان يتركون لمصيرهم بسبب انغلاق النيابة العامة) مع الهستيريا التي لا أساس لها في الشبكات الاجتماعية والتهكمية الإعلامية والمصالح السياسية. السيرك الذي افتتح هنا يحرض الجنود ضد قادتهم ويهدد قدرة الجيش على أداء مهماته ويمس بمكانته في أوساط الجمهور. هكذا ظهرت طلبات بقطع رؤوس قادة قبل أن يتبين تماماً ما هو مصدر الخطأ الذي أدى إلى موت الجندي. يجب أن لا نندهش من إشارة العائلة الثاكلة إلى قائد اللواء القطري كمسؤول عن الخطأ، وتقول إنه حدث لأنه “أراد أن يكون هناك هدوء السبت، قبل أن يحصل على ترقيته”.

النقاش الصاخب يخدم نتنياهو، الذي يحاول من خلاله انتقاد رئيس الحكومة. عليك أن تكون مؤمناً بتزامن الفرص كي تفترض بأن هذه القضية حركت البيبيين المتعصبين الذين اهتموا بمرافقة نتنياهو في كل صراعاته ضد جهاز القانون. هناك عدد من الأشخاص الذين انقضوا على العائلة الثاكلة للطيار تام فركش قبل سنة، ظهروا هذا الأسبوع أبضاً على هامش جنازة شموئيلي، وبعد ذلك في مظاهرة صاخبة قرب المجمع التجاري عزرائيلي في تل أبيب. وسجل في الجنازة هجوم على قائد المنطقة الجنوبية، اليعيزر طوليدانو. وسُمعت في المظاهرة وعبر الشبكات الاجتماعية دعوات لرفض الأوامر والتحريض على قتل بينيت. وللحفاظ على الفوضى، تحتاج العصابة إلى دماء.

المدعي العام العسكري الأول، الجنرال شارون ايفيك، كان أحد أهداف الهجوم المفضلة في أعقاب القضية الجديدة. في حفل وداع لايفيك، دافع عنه رئيس الأركان أفيف كوخافي وبحق. تم تحديد موعد تسريح ايفيك الذي عمل بشكل جيد عندما صمم على استنفاد التحقيق والحكم في قضية ازاريا. وخلافاً لادعاءات اليمين ضده، التي تردد صداها من قبل بينيت نفسه (“الجنود يخافون من المدعي العسكري أكثر من السنوار”)، وضع أيفيك أمام رئيس الأركان رزمة دفاع قانوني واسعة مكنت الجيش من العمل بحرية حتى في العملية الأخيرة في قطاع غزة. ولكن كوخافي لم يكتف بالثناء الذي أغدقه على المدعي العام العسكري المسرح. فقد تطرق رئيس الأركان أمس، وبتأخير كبير وبشكل علني، إلى تفاصيل الحادث وأوضح بأنه لم يتم التخلي عن الجنود.

سؤال العشرة ملايين

تم أول أمس تقديم ملخص التحقيق العسكري في حادثة غزة لكوخافي، واليوم سيتم عرضه على عائلة شموئيلي. ويكشف هذا الملخص أخطاء تكتيكية في استعداد القوات، وأهمها أن الجمهور الفلسطيني انقض على سور الفولاذ، وعندها تم إرسال قناصة حرس الحدود نحو فتحات إطلاق النار في الطرف الثاني للسور. ووجد هؤلاء القناصة أنفسهم في موقف متدن نسبياً، ومكشوف لإطلاق النار من الاتجاه المعاكس للفتحات.

بأثر رجعي، يعتقد الجيش أنه كان من الأفضل إبعادهم إلى الوراء، إلى خط مواقع أعلى يسيطر بشكل جيد على الأرض. في المقابل، الادعاء بشأن تقييد أيدي الجنود هو ادعاء لا أساس له من الصحة. في الحادثة أطلقت 43 رصاصة من بنادق القناصة، أصيب فيها 35 فلسطينياً وقتل اثنان، أحدهما ولد ابن 12 سنة. أما الاتهامات حول اختفاء القادة وتركهم الجنود لمصيرهم فلا أساس لها من الصحة. فقد كان قائد اللواء بجانب شموئيلي عندما أصيب. عملية الفتك العامة التي حدثت ضد القادة خطيرة ومثيرة للغضب. جميع سلسلة القيادة في الجنوب نمت في الميدان، واكتسبت تجربة من القتال في المناطق [الضفة الغربية] ولبنان.

تنطوي الأحداث التي تجري على الجدار على خطر آخر، وهو أن الضجة التي في وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية ستحث الحكومة وهيئة الأركان على اتخاذ خط متصلب أكثر، هدفه جباية ثمن ومعاقبة الفلسطينيين على موت الجندي. وإذا كان على إسرائيل استخدام قوة عسكرية زائدة في غزة مرة أخرى فالأفضل أن تفعل ذلك لاعتبارات سياسية موضوعية وليس بسبب تطلع المدنيين للانتقام.

ظروف غزة بقيت معقدة. حماس تصمم على إعادة الوضع إلى سابق عهده، عشية بداية عملية “حارس الأسوار” في 10 أيار. وتتعلق العقبة الرئيسية بالعشرة ملايين دولار، من بين الثلاثين مليون دولار، التي اعتادت قطر على تحويلها إلى القطاع في حقائب نقدية كل شهر. قانونياً، لا يمكن أن تشكل الأمم المتحدة قناة لتحويل هذه الأموال، التي استهدفت دفع رواتب موظفي حماس. والسلطة الفلسطينية والإمارات يرفضان المشاركة في ذلك، رغم استكشافات إسرائيلية.

يريد بينيت بلورة اتفاق جديد لتشغيل معبر رفح بالتنسيق مع الأمريكيين والمصريين، ويتوقع أن يزور مصر في أقرب وقت بدعوة من السيسي. ثمة قلق إسرائيلي تقلق من ألا يقوم المصريون بالمراقبة على المعبر، وحماس تستغل ذلك لإدخال مواد بناء وسلاح، تفيدها في إعادة بناء قوتها العسكرية.

يقف الوضع في غزة أبضاً على خلفية قرار بينيت أول أمس تعيين ر.، نائب رئيس الشاباك الحالي، رئيساً جديداً للشاباك. يقدر بينيت أن الوضع في غزة هش وقد يؤدي إلى مواجهة عسكرية أخرى خلال بضعة أشهر. في عملية الاستعداد الطويلة التي قام بها وقبل أن يقرر التعيين، تأثر بالمبادرة التي أظهرها ر. الذي شغل معظم وظائفه في قسم العمليات في الجهاز. وثمة اعتبار آخر يتعلق بالقدرة على العمل بتناغم مع القيادة الأمنية. راكم ر. علاقات عمل قريبة وجيدة مع كبار الضباط في الجيش، ويريد بينيت خلق أجواء عمل نظيفة بقدر الإمكان من الاحتكاكات الشخصية الزائدة.

حل جيد للجميع

في الوقت الذي يتركز فيه الاهتمام على القطاع، تضع السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية نفسها في شرك أصبح من الصعب عليها الخروج منه. للسلطة مشكلة شرعية حادة مع الجمهور في الضفة الغربية، التي تفاقمت عقب عملية حارس الأسوار. وينظر إلى القيادة القديمة على أنها غير ناجعة وفاسدة وتقمع المعارضة الداخلية (في قضية موت نزار بنات، معارض النظام) وأنها قريبة جداً من إسرائيل. لكل هذه الأسباب وعلى خلفية ما اعتبر في المناطق كإنجاز لحماس في حرب غزة، تبقى السلطة متخلفة في المنافسة الداخلية مع حماس.

إن غياب الشرعية يقود أجهزة الأمن الفلسطينية إلى عجز يصل إلى درجة الشلل. وتستعد الخلايا الإرهابية في الضفة لتنفيذ عمليات إرهابية، لذا يتم جر الجيش والشاباك إلى هذا الفراغ، ويزيدان نشاطاتهما في مناطق “أ”. وعندما يدخل منفذو الاعتقالات إلى عمق الميدان، خصوصاً في مخيمات اللاجئين شمالي الضفة، فإنهم يواجهون بمعارضة متزايدة من قبل فلسطينيين مسلحين. وعندما يتكبد الفلسطينيون خسائر في الأرواح، مثلما حدث في جنين، تتعرض السلطة لمزيد من الانتقاد الداخلي بذريعة أنها لا تدافع عن أمن مواطنيها. النتيجة هي تشدد أكثر ورفض لتعميق التنسيق الأمني.

يجب التذكير بأن رئيس السلطة محمود عباس أوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل في أيار 2020، على خلفية “صفقة القرن”. وعندما تم استئنافه بعد فوز بايدن في تشرين الثاني الماضي تمت الأمور باعتدال إزاء التحدي الذي وضعته حماس. عملية غزة وضعت عقبة أخرى أمام استمرار جوهري للعلاقات. و برزت في هذه الأثناء قضية بؤرة “أفيتار” التي أخلتها حكومة بينيت في تموز. ولكن مئات الفلسطينيين يواصلون التظاهر هناك أسبوعياً ويصطدمون مع قوات الجيش التي تحرس المباني في المكان. هنا تتطور منافسة محلية أخرى بين السلطة الفلسطينية وحماس، من سيقود الاحتكاك الشعبي مع إسرائيل. استورد الفلسطينيون من غزة فكرة “خلايا الإزعاج الليلية” للتظاهر حول البؤرة.

على خلفية هذه التوترات، جرى ليلة الأحد لقاء أول منذ بضع سنوات بين الرئيس محمود عباس ووزير الدفاع بني غانتس، في رام الله. وأصدر بينيت بعد اللقاء بياناً غريباً، هدأ فيه منتقديه من اليمين، تحت غطاء “حاشية رئيس الحكومة”، بأن “ليست هناك عملية سياسية مع الفلسطينيين، ولن تكون في المستقبل”. عملياً، جرى اللقاء بينهما بمعرفة بينيت وموافقته. الحل الذي تم التوصل إليه مريح لجميع الأطراف في حكومة التناقضات التي تصمد بصعوبة. قد يتحمل غانتس المسؤولية عن العلاقات مع الفلسطينيين؛ وقد يتعهد بينيت لناخبيه بأن العلاقات لن تتطور، لا سمح الله، وتصل إلى مفاوضات حول السلام؛ وعباس أيضاً الذي لا يميل في سنه هذه إلى خطوات بعيدة المدى، سيفضل التركيز على الحصول على مزيد من التسهيلات الاقتصادية.

المشكلة هي أن هذه التسهيلات غير كافية. فعندما تضعف سيطرة السلطة، وتتجاوزها حماس في الاستطلاعات، فإن المزيد من الأحداث العنيفة ستكون مضمونة. الضفة توفر ساحة لعب مريحة لجميع التنظيمات الفلسطينية، وعدد العمليات بدأ في الازدياد. الحدود المخترقة من الأردن والجدار المخترق على طول الخط الأخضر تسمح بإدخال المزيد من السلاح للمنطقة. وبدون تحسين التنسيق الأمني بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية وإسرائيل سيتعاظم الإرهاب. وحقيقة أن كل ذلك يحدث تحت سلطة زعيم عمره 85 سنة، لا تساهم في الاستقرار.

بقلم: عاموس هرئيل

هآرتس 3/9/2021

انشر المقال على: