الاثنين 29-04-2024

الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين .. الرفض السياسي والمقاومة العملية

×

رسالة الخطأ

محمد محفوظ جابر

الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الرفض السياسي والمقاومة العملية محمد محفوظ جابر تأسست الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في 11 /12/1967 من رحم حركة القوميين العرب ، وضمت منظمة شباب الثأر التي كانت الجناح العسكري الفلسطيني في حركة القوميين العرب قبل عام 1967 وكذلك منظمة أبطال العودة التي فرزت قيادتها حركة القوميين العرب لتكون نواة للعمل الفدائي داخل منظمة التحرير الفلسطينية ؛ وأخيراً ضمت جبهة التحرير الفلسطينية التي لم تستمر في الجبهة الشعبية وانشقت عنها قبل أن تكمل عاماً واحداً في تشرين الثاني 1968 . ومن البيان الأول دعت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين إلى الوحدة بين فصائل العمل الفلسطيني المسلح وأكدت أن العدو الصهيوني لا يفهم إلا لغة العنف الثوري وأن الجماهير هي مادة المقاومة وقيادتها وأن خيارها هو الكفاح المسلح ومنذ انطلاقتها رفضت باستمرار الحلول السلمية التي تؤدي إلى الاعتراف بدولة "اسرائيل" وتفرط بالحقوق والمصالح القومية للأمة العربية في فلسطين وبحقوق عرب فلسطين في أرضهم وتصفية القضية الفلسطينية ، وأكدت الجبهة أن الطريق الوحيد لحل القضية الفلسطينية هو تحريرفلسطين بكامل ترابها . ففي 4 كانون أول 1967 أصدرت بياناً رفضت فيه قرار مجلس الأمن رقم 242 . وفي عام 1974 تشكلت جبهة الرفض الفلسطينية تحت اسم : " جبهة القوى الفلسطينية الرافضة للحلول الاستسلامية " من الفصائل التالية : الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وجبهة التحرير العربية والجبهة الشعبية ـ القيادة العامة وجبهة النضال الشعبي ومنظمة الصاعقة . وقد تزعمت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين جبهة الرفض التي عارضت قرارات دورة المجلس الوطني الفلسطيني الثانية عشر التي أقرت برنامج النقاط العشر والمتضمن إقامة دولة فلسطينية على أي جزء من فلسطين ؛ وقد تم اختيار الرفيق أبو ماهر اليماني أمين سر لجبهة الرفض . كما لعبت الجبهة الشعبية دوراً هاماً في جبهة الصمود والتصدي التي ضمت كل من العراق وسوريا وليبيا والجزائر واليمن الديمقراطية الشعبية ومنظمة التحرير الفلسطينية والتي تشكلت في تشرين الثاني 1977 بناء على دعوة معمر القذافي للوقوف ضد المخططات الإسرائيلية عقب إعلان أنور السادات في 9/11/ 1977 أمام مجلس الشعب المصري استعداده للتوجه إلى "اسرائيل " ونجحت جبهة الصمود والتصدي في اتخاذ قرار بالجامعة العربية ينص على طرد مصر منها ورفض اتفاقية كامب ديفيد الاستسلامية التي مهدت لدول أخرى عملية التطبيع مع العدو الصهيوني ولأن الجبهة الشعبية جبهة ثورية طبقت الممارسة العملية على الفكر النظري ولم يتوقف نشاطها على العمل السياسي ضد مشاريع الاستسلام بل استخدمت العنف الثوري المستند إلى أساليب حرب العصابات مستفيدة من تجارب ماوتسي تونغ في الثورة الصينية وجيفارا في الثورة الكوبية وتجربة لينين في روسيا وتجرية هوشي منه والجنرال جياب في فيتنام وجارب اخرى آخذه بعين الاعتبار الواقع الفلسطيني وخصوصيته . وكانت منظمة أبطال العودة التي تأسست في آب عام 1964قد أصدرت 8 بلاغات عسكرية لعملياتها قبل عام 1967 منها الوصول إلى مفاعل ديمونا ونسف أنابيب الغاز الذي يصله ونسف معسكر في واد الجاموس ومستودع للذخيرة في بيت جبرين وغيرها من العمليات وقدمت ثلاث شهداء في الجليل وتم أسر الرابع وكان سكران سكران اول اسير، وقد استشهد أحد مؤسسيها وهو الحاج فايز جابر في عملية عنتيبي في 1976. بينما كانت منظمة شباب الثأر وتعرف باسم الجبهة القومية لتحرير فلسطين قد أعلنت عن بلاغين عسكريين قبل اندماجها في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وقبل حرب حزيران 1967 حول تعطيل جسرين لمنع مرور القوافل العسكرية الاسرائيلية في منطقة جنين والثاني يقع بين مستعمرة أداميت وبركة عرمين علماً بأن البيان العسكري الأول للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين قد صدر بتاريخ 21/ 12 /1967 ويتضمن تعداد للعمليات التي نفذت من كمائن لجنود العدو وتدمير آليات له ......الخ وكانت أول عملية تدريب عسكري لحركة القوميين العرب هي دورة صاعقة في قاعدة أنشاص في مصر على يد ضباط مصريين أيام الرئيس جمال عبد الناصر سنة 1962 والتي خرجت قيادات عسكرية قادت العمل العسكري وتدريب الرفاق الآخرين وشكلوا الجهاز النضالي لحركة القوميين ، التي انبثقت الجبهة الشعبية منها وكان أول شهيد لها خالد أبو عيشة في 2/ 11/ 1964 . وانطلقت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بعملها المقاوم المسلح واعتبرت العمل الفدائي في الداخل المحتل هو الأساسي والعمل في الساحة الخارجية هو الرديف . وتميزت الجبهة الشعبية بعملياتها الفدائية النوعية سواء في الاشتباكات مع جنود العدو داخل الأرض المحتلة أو في زرع المتفجرات في المدن المحتلة ، وأكدت على دور المرأة في المقاومة المسلحة فكانت أول شهيدة الرفيقة شادية أبو غزالة وأخذت المرأة مكانتها القيادية مثل الرفيقة ليلى خالد والرفيقة مريم ابو دقة ، ونجحت الجبهة منذ البداية في عام 1968 في زرع قنابل في القدس وتل أبيب وكان أهمها عملية " السوبر سول " و" ليلة القنابل " في القدس ، وعملية محطة الباصات المركزية في "تل أبيب " لتستمر المقاومة . وكانت اول فصيل نفذ عمليه استشهادية في سينما حن في تل ابييب عام 1974 وشاركت الجبهة الشعبية في معركة الكرامة جنباً إلى جنب مع الفدائيين والجيش العربي الأردني دفاعاً عن الأردن في 21 آذار 1968 ؛ ولم تترك مواقعها . في لبنان كان لتنظيم الجبهة العسكري الموجود في تل الزعتر بقيادة عضو اللجنة المركزية للجبهة الشهيد أبو أمل الى جانب جماهير الشعب الفلسطينى ومقاتلى الثورة الفلسطينية من مختلف فصائل المقاومة أثر في الصمود البطولي للمخيم ، كذلك وقف مقاتلوا الجبهة مع غيرهم من مقاتلي الثورة صامدين في لبنان في آذار 1978 وابان الاجتياح الاسرائيلى للبنان عام 1982 تصدت الجبهة لجحافل العدو الصهيونى بكل قوة الى جانب القوى الوطنية اللبنانية وفصائل الثورة الفلسطينية ، ورفعت أثناء حصار بيروت شعار : " تحويل بيروت الى ستالينغراد" ، كما رفضت الانسحاب من بيروت في الفترة الأولي من الحصار مما لعب دوراً في إطالة أمد الصمود ، وانسحاب المقاومة الفلسطينية بكرامتها من بيروت ، وقبل الانسحاب من بيروت كان للجبهة الشعبية دور أساسي ، الى جانب الحزب الشيوعي اللبنانى في تأسيس جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية والمشاركة الفاعلة في عملياتها. كما شاركت الجبهة بفعالية إلي جانب قوي الحركة الوطنية اللبنانية في التصدى للاحتلال الصهيونى وأعوانه فى الأعوام 83 ، 84 ، 85 ودحره عن مناطق بيروت والجبل وصيدا. وكانت دائماً مثالاً للصمود في مواقعها وكان دائماً سلاح الوعي جنباً إلى جنب مع الأسلحة النارية فكان مبدأ أساسي لها " أن كل سياسي هو مقاتل وكل مقاتل هو سياسي " فكانت مقاومة الجبهة الشعبية المسلحة مقاومة مسلحة بالوعي ايضا . ولأن العمل في الساحة الخارجية رديف للعمل في الداخل فقد أطلق الرفيق وديع حداد شعار " وراء العدو في كل مكان " فكانت عمليات خطف الطائرات التي عرفت العالم كله على قضيتنا الفلسطينية وكانت عمليات ضرب السفارات الإسرائيلية والمؤسسات الصهيونية في العالم . وأثبتت الأيام صحة رؤية الجبهة الشعبية أثر العدوان الصهيوني عام 1982على لبنان ، وطرحت أن الخطر الأكبر القادم الذي سيواجه منظمة التحرير الفلسطينية هو " محاولات الأنظمة الرجعية العربية احتواء المقاومة الفلسطينية وتدجينها سياسيا ، وجرها إلى مستنقع التسوية السياسية التصفوية خطوة وراء خطوة بما يتفق وتحقيق أهداف ومخططات الحلف الامبريالي الصهيوني الرجعي ". وفي مواجهة زيارة رئيس منظمة التحرير عرفات إلى القاهرة وتوقيع اتفاق عمان وانعقاد الدورة 17 للمجلس الوطني ، قادت الجبهة الشعبية مع خمس فصائل أخرى "جبهة الانقاذ الوطني الفلسطيني " 1983 ـ 1987 ، وجاءت الانتفاضة الأولى سنة 1987 ليتبعها مشاركة المنظمة بمؤتمر مدريد في تشرين ثاني 1991 ويتبعها اتفاقات أوسلو الاستسلامية في أيلول 1993 حيث أعلنت الجبهة الشعبية مقاطعتها لمؤتمر مدريد ورفضها لاتفاقات أوسلو وأكدت مواصلتها النضال ضد المشاريع الأمريكية الصهيونية الجديدة لتمرير مؤامرة الحكم الذاتي وتصفية القضية الفلسطينية وهذا ما يتم الآن على الأرض وإن كانت الجبهة الشعبية قد شاركت في الانتفاضة الأولى وكانت طرفا مهما في القيادة الوطنية الموحدة وشاركت في صياغة بيانات الانتفاضة الموحدة تحت شعار "لا صوت يعلو فوق صوت الانتفاضة" وساهمت في كل النشاطات الجماهيرية وفي الانتفاضة الثانية قدمت التضحية الكبرى باستشهاد الامين العام للجبهة الشعبية القائد ابو علي مصطفى واعتقال الامين العام القائد احمد سعدات الذي تم هدم سجن اريحا من اجل اعتقاله على اثر اغتيال ابطال الجبهة الشعبية الوزير الصهيوني رحبعام زئيفي وكانت دائما إلى جانب الفصائل الأخرى في النضال من اجل الحرية والاستقلال فهي اليوم في " الانتفاضة الثالثة " تقدم الشهيد تلو الشهيد دون مشاركة الفصائل الأخرى مؤكدة على نهج المقاومة وعدم الاستسلام . وإذا كان لا بد من كلمة في النهاية فإن دراسة تجربة جيفارا "محمد الأسود " في غزة ، ودراسة تجربة " أبو منصور سعيد السويركي " في جبال الخليل ، وتجربة العمل الخارجي بقيادة وديع حداد يجب أن تدرس للجماهير الفلسطينية ؛ لأن فيها زخم المقاومة الحقيقية ضد الاحتلال الصهيوني لفلسطين .

انشر المقال على: