الاثنين 29-04-2024

التواطؤ الأيديولوجي مع الصهيونية أعلى مراحل العمالة

×

رسالة الخطأ

عصام مخول/ حيفا

التواطؤ الأيديولوجي مع الصهيونية أعلى مراحل العمالة

عصام مخول
24/12/2021
الاتحاد/ الحيفاوية
يختلف طابع المخاطر والتحديات التي تعيشها قضية الشعب الفلسطيني في المرحلة الحالية عما سبقها من مراحل، وإذا كان محور العداء للقضية الفلسطينية قد اتخذ حتى الان وعبر عقود طويلة شكل عرقلة حل القضية الفلسطينية وتهريب الالتزامات الدولية تجاه حقوق الشعب الفلسطيني من جهة، والاحتفاظ بعملية سياسية وهمية من الجهة الأخرى، فإن ما تتعرض له القضية الفلسطينية في السنوات الخمس الاخيرة وتحديدا منذ وصول إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الى البيت الأبيض، قد تركز على نقيض ذلك، في وقف العملية السياسية وتحوير موضوع الصراع من جهة، والدفع بعنف نحو "حل" القضية الفلسطينية وحسم قضايا "الحل النهائي" الجوهرية المرجأة منذ اتفاقات أوسلو، باعتبار اللحظة مواتية لفرض الحل الصهيوني نهائيا على حساب حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة والمعترف بها وفي تناقض مع طموحاته القومية، وذلك على مقاس الرواية الصهيونية والاستيطانية التوسعية وعلى مقاس مفاهيمها الجوهرية لتصفية القضية الفلسطينية وقضايا الحل الدائم: الدولة الفلسطينية المستقلة والحدود والاستيطان واللاجئين والقدس ، وإسقاط الحقوق القومية للمواطنين العرب الفلسطينيين داخل إسرائيل نفسها.
وتترافق هذه المرحلة بالضرورة مع معركة أيديولوجية شرسة تخوضها المؤسسة الإسرائيلية، ومؤسسة الاجماع القومي الصهيوني، ليس فقط لترسيخ المقولات الأيديولوجية المؤسِّسة لسياسة الرفض والاحتلال والضم وتهويد القدس وحصار غزة وتضييق الخناق على الشعب الفلسطيني ونفي حقوقه القومية في المنطقة الممتدة بين البحر المتوسط ونهر الأردن، وانما تتجاوز ذلك لنزع الشرعية عن أي رفض لمقولات الاجماع القومي الصهيوني، وعن الحق في رفض الرواية الصهيونية فيما يخص المدن التاريخية ومدن الساحل الفلسطيني داخل إسرائيل من جهة، وأي رفض لمخططات تهويد القدس العربية والتحكم نهائيا بمستقبل المناطق الفلسطينية والعربية المحتلة منذ العام 1967.
هذا هو طابع المعركة الحالية المرشحة للحسم، وفي سياق هذا الحسم كانت المؤسسة الأيديولوجية الحاكمة في إسرائيل بحاجة الى تشريع قانون القومية ليصبح مرجعية هذا النقاش، وبات مفتاح نجاحها مرتبطا بإنكار الحضور القومي للشعب الفلسطيني في فلسطين عامة، وعلى مستوى الأقلية القومية العربية الفلسطينية داخل إسرائيل بشكل خاص، وأصبح انتزاع أي اعتراف من داخل أبناء الشعب الفلسطيني بالمقولات الصهيونية المرتكزة الى قانون القومية وصفقة القرن، هو خدمة أيديولوجية وسياسية أساسية يجري تقديمها للمشروع الصهيوني المناوب (بنفس العقلية التي دفعت الاحتلال الى افتعال روابط القرى في سبعينيات القرن الماضي عكازا لتمرير مشاريعه الاحتلالية المبيتة).
وهذا هو جوهر ما تقدمه القائمة الموحدة وحركتها الإسلامية الجنوبية بقيادة منصور عباس للإجماع القومي الصهيوني والخدمة الأيديولوجية التاريخية التي تقدمها لحاجات المشروع الصهيوني في حلته الحالية، وعلى هذا يدور الصراع الحقيقي مع نهج منصور عباس وسيل تصريحاته الموالية للإجماع القومي الصهيوني دون أن يرف له جفن.

//"واقعية" منصور عباس وحركته - نسخة كاريكاتورية من "واقعية" ترامب!
ليست "واقعية" منصور عباس أفضل من واقعية صفقة القرن ودونالد ترامب في تبرير الاجماع الصهيوني في حلته الجديدة بشأن القضية الفلسطينية.
حين أعلن دونالد ترامب عن تفاصيل صفقة القرن باعتبارها "بشرى واقعية" في نوفمبر\تشرين الثاني 2020 وعلى مدار أشهر الترويج للصفقة، (وحديث الصفقات ذو شجون)، برز تأكيده على سياسته "الواقعية" التي بدأت بنقل السفارة الامريكية الى القدس انطلاقا من الواقع القائم. فإسرائيل دولة ذات سيادة، قال، وقد قررت أن تكون عاصمتها القدس الموحدة. ونحن أخذنا هذا الواقع وتبنيناه وعكسناه في صفقة القرن، وعلى أساس هذه الواقعية نقلنا سفارتنا الى القدس. ومن منطلق الواقعية ذاتها القائمة على الأمر الواقع وقيام إسرائيل منذ عشرات السنين بضم هضبة الجولان فإننا نعترف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان. واعتبر ترامب "الواقعي" بأن من شأن "نهجنا الجديد" أن يدفع الفلسطينيين خطوة أخرى نحو السلام وهو يعني بذلك التطبيع بين الرجعيات العربية وإسرائيل.. فهم (الفلسطينيون) حين يقتنعون بان الولايات المتحدة والدول التي تسير في فلكها قد حسمت مواقفها من قضايا الحل النهائي، وأن الحل النهائي هو ما يجري حسمه الان من خلال صفقة القرن، فإن ذلك سيجعلهم يتخلون عن الخطاب القديم، خطاب الحقوق القومية والرواية التاريخية وخطاب حق العودة وقرارات الشرعية الدولية وانهاء الاحتلال وحدود الرابع من حزيران 1967.
وقد تكون "واقعية" منصور عباس كما عبّر عنها في مؤتمر صحيفة غلوبس هذا الأسبوع، الى جانب سيل من التصريحات المشابهة والممارسات السياسية التي سبقتها، أكثر زيفا وأكثر ترويجا للرواية الصهيونية من أي مداخلة أخرى في مؤتمر غلوبس السنوي، وأكثر خدمة للمشروع الصهيوني الاستيطاني السائد الان، وربما أبعد من مغالطات صفقة القرن وصاحبها، وفي ذلك إشارة الى أن التواطؤ الأيديولوجي بين القائمة الموحدة بقيادة منصور عباس وبين يمين الاجماع القومي الصهيوني قد تجاوز التكتيك الى الأيديولوجيا وبات حفرة بلا قاع.. يقول النائب منصور عباس: "دولة إسرائيل ولدت كدولة يهودية".. ويضيف: "هذا هو قرار الشعب اليهودي: إقامة دولة يهودية نقطة... وهكذا ستبقى.. وكونها دولة يهودية هي مسألة وجودية بالنسبة لليهود. في مفهومهم.. وأنا أقبل ذلك وأعترف به"..
إن الفرضيات التي طرحها منصور عباس في هذه المداخلة القصيرة خاطئة تاريخيا وخاطئة سياسيا وخاطئة أخلاقيا، وصهيونية في مضامينها.. فإسرائيل لم تقم كدولة يهودية صرف لا في واقعها ولا في مفهومها. وانما قامت واكتسبت شرعيتها بقرار من الأمم المتحدة وعلى أساس قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة في 29 تشرين ثان 1947 وليس بقرار من "الشعب اليهودي". وعلى أساس هذا القرار الدولي تماما، يكتسب النضال من اجل إقامة الدولة الفلسطينية شرعيته حتى يومنا هذا. واستنادا الى هذه الشرعية الدولية فإن إسرائيل لم تقم كدولة يهودية فقط، وانما تم الاعتراف بها كدولة فيها أكثرية يهودية تشكل 55% من سكانها، وأقلية قومية عربية فلسطينية تشكل 45% من عدد سكانها. وحتى بعد أن أنجزت الحركة الصهيونية نكبة الشعب الفلسطيني وهجّرت القسم الأكبر منه، بقيت هذه دولة مع أكثرية يهودية وأقلية قومية عربية فلسطينية تشكل اليوم 20% من سكان الدولة، تصر على انتزاع حقوقها ومساواتها القومية والمدنية. فلمصلحة من يقدم منصور عباس هذه المغالطات الأيديولوجية والتاريخية ويخفي دور بريطانيا ووعد بلفور والانتداب البريطاني، وفي خدمة من يشوه منصور عباس موقع وطموحات الجماهير العربية في إسرائيل ويشوه دورها في الدفاع عن بقائها وحقوقها القومية والمدنية، في وقت تشتد فيه المعركة على ترسيخ المفهوم الصهيوني للصراع وعلى تصفية القضية الفلسطينية والقضاء على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني؟

//جماعة "لا تخلّوا ثيابها يتغبّروا.."
يخطئ حدّ الخطيئة، بعض الاكاديميين وبعض الاعلاميين والسياسيين الذين يمتنعون عن تسمية الأشياء بأسمائها حتى بعد ان تتعفن السياسات والسياسيون وتفوح رائحة سياساتهم الكريهة، تماشيا مع منهج: "لا تْخَلّوا ثيابها يتغبروا"، وهو منهج موهوم له طابع انتهازي، يدعي "موضوعية" مبتورة ومزوّرة، لا تعرف التمييز بين أهمية التعددية في مجتمع تعددي يتسع للعديد من الاجتهاد الفكري والسياسي، وبين التبرير والتزام الصمت و"الحياد" إزاء الانتقال الى تبني مواقف ومواقع "سلطان صهيوني ظالمٍ" ومفترٍ يقوم مشروعه كله على نفي حقوقنا القومية أولا، ليتسنى له اعتمادا على ذلك أن يبرر نفيه لحقوقنا المدنية أيضا والتنكر لها. إن من حق من يريد أن يلتزم موقف الحياد إزاء كل الخطوط الحمر التي تنتهك يومياً في القضايا الوطنية منذ دخول الحركة الإسلامية الجنوبية ائتلاف حكومة بينيت-لبيد، أن يلتزم حياده كما يشاء وكما يحلو له، ولكن من يعمل على تبرير ما يصدر عن نهج التواطؤ الأيديولوجي مع الصهيونية وأكثر مقولاتها عنصرية ورجعية وعداء للشعب الفلسطيني بما فيه المواطنون الفلسطينيون في إسرائيل، كأمر طبيعي وخيار مشروع، ويتعامل مع العمالة الأيديولوجية والسياسية للمؤسسة الحاكمة وللفكر والممارسة الصهيونية وللإجماع القومي الصهيوني باعتبارها مجرد وجهة نظر مشروعة، ويتأفف من التصدي لها ومواجهتها، فإنه لن يكون محايدا بل مشاركا.
إن كل تواطؤ عربي او تقدمي مع المقولات الصهيونية العنصرية التي تخرج الجماهير العربية ووزنها من الحساب عند تحديد طابع الدولة وتلغي وزنها في تحديد طابع ومستقبل وطننا وقضية شعبنا التحررية، وكل تماه عربي مع أدوات القمع التشريعية والاجرائية التي تطال حقوقنا القومية والمدنية وتطال أمننا الشخصي والجماعي، وآليات نزع الشرعية عن حقوقنا كجماهير عربية والتحريض على حقنا في المواطنة الكاملة وغير المشروطة، إن كل هذا لا يندرج في باب الاجتهاد والتعددية وانما في باب العمالة الأيديولوجية للمؤسسة الصهيونية الحاكمة ومن الضروري أن تسمى الأشياء بأسمائها وتحدد المواقف منها على هذا الاساس.
كما أن دعوة جماهيرنا العربية ولو مضمونا الى تشريع مقايضة حقوقنا المدنية بالتخلي عن حقوقنا القومية وبالتماهي مع الأيديولوجية الصهيونية اليمينية ومقولاتها السائدة، وبالتطوع للتسليم بيهودية الدولة ما يجعلنا ضيوفا في وطننا، تصب أيضا في باب العمالة الأيديولوجية والتي سرعان ما تنعكس في ممارسة سياسية. والعمالة في هذه الحالة ليست مجرد شتيمة، وانما تصوير موضوعي لحالة سياسية محدقة واجب الجميع ان يقرأ مالاتها بمسؤولية ويتصدى لها.. ولا بأس ان تغبرت ثياب بعضهم..

انشر المقال على: