الأربعاء 15-05-2024

الانتخابات الإسرائيلية: برنامج واحد بلغتين

×

رسالة الخطأ

موقع الضفة الفلسطينية

الانتخابات الإسرائيلية: برنامج واحد بلغتين علي جرادات أن يعلن رئيس حزب العمل، هرتسوغ، أنه يحدد 5 سنوات للتوصل إلى "حل الدولتين"، ويحصر البناء الاستيطاني خلالها داخل "الكتل الاستيطانية" القائمة، ذلك يعني أن البرنامج الانتخابي لـ"التحالف الصهيوني" بين حزبيْ "العمل" و"الحركة" بقيادة ليفني، لا يتجاوز جوهر برنامج معسكر حزب الليكود بقيادة نتنياهو فيما يخص الصراع، وجوهره القضية الفلسطينية. فـ "لعبة" الخمس السنوات هذه، ومثلها "حيلة" حصر البناء الاستيطاني في "الكتل الاستيطانية"، تعيد للذهن قصة الـ"خمس سنوات" التي كان حددها "اتفاق أوسلو" للتوصل إلى "حل نهائي" لـ"قضايا اللاجئين والقدس والحدود والمستوطنات والمياه"، لكنها انتهت في أيار 1999 إلى فشل ذريع، ولم تفضِ إلا إلى تعميق الاحتلال والمزيد من الاستيطان والتهويد والعدوان، وإلى التمديد الواقعي لعملية التفاوض العقيمة التي لم تسفر طيلة 20 عاماً ويزيد سوى عن حقيقة مرة، جوهرها: توسيع سيطرة إسرائيل بأشكال استيطانية وعسكرية وأمنية مختلفة حتى وصلت إلى حدود 85% من أرض "فلسطين الانتدابية"، حسب التقدير السنوي لمركز الإحصاء الفلسطيني في نهاية العام 2012، ما يجعل الحديث عن "حل الدولتين" ضرباً من الخيال، فما بالك بتحقيق الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية المشروعة: الدولة والعودة وتقرير المصير، كما كفلتها قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالصراع. أن يعود حزب العمل إلى السياسة المخادعة ذاتها التي اختطها تحت قيادة رابين - بيرس قبل 20 عاماً، ذلك يعني أن "التحالف الصهيوني" هذا لا يملك برنامجاً لـ"تسوية الصراع"، بل برنامج يحاول عبثا إخراج إسرائيل مما خلفه لها فائض عنجهية سياسة معسكر حزب الليكود من توتير لعلاقتها بإدارة أوباما والحكومات الأوروبية، ومن عزلة سياسية متنامية ومقاطعة اقتصادية وأكاديمية لاحتلالها ولمستوطناتها خصوصاً، ومن عداء شعبي عالمي متنامٍ وغير مسبوق، ومن اقدام قيادة منظمة التحرير الفلسطينية مضطرة إلى التوجه إلى هيئة الأمم بخطوات متدرجة حذرة، وإن كانت لم تقطع مع خيار المفاوضات الثنائية تحت الرعاية الأميركية. وكل ذلك دون أن ننسى أن إدارة أوباما تتبنى عملياً، إنما دون إعلان، السياسة المخادعة لهذا "التحالف الصهيوني"، من خلال الدعوة إلى التراجع عما تسميه "الخطوات الفلسطينية الأحادية الاستفزازية"، وخاصة الانضمام إلى محكمة الجنايات الدولية، وفي أقله إلى إرجائها إلى ما بعد إجراء الانتخابات الإسرائيلية، وكأنها تحذر من أن يؤدي الاستمرار فيها إلى تعزيز فرص فوز معسكر حزب الليكود في هذه الانتخابات. وكأن هذا ليس تجديداً للوهم ذاته الذي نشأ مع عودة حزب العمل إلى السلطة في العام 1992، وانعكس في موافقته على ابرام "اتفاق أوسلو"، وعلى تحديد 5 سنوات للتوصل إلى "حل نهائي". أو كأنه لا يبرئ معسكر حزب العمل من مسؤوليته المشتركة مع معسكر الليكود عن إفشال نحو 25 عاماً من مفاوضات "مدريد - أوسلو". أو كأنه يمكن التمييز بين مخطط "آلون" الاستيطاني "الطولي" الذي نفذه حزب العمل في الأراضي المحتلة العام 1967 حتى خسارته للسلطة العام 1977، وبين مخطط "دبلس" الاستيطاني "العرْضي" الذي نفذه حزب الليكود، أي كأن المخططيْن لم يفضيا إلى النتيجة ذاتها: إغلاق الطريق أمام قيام دولة فلسطينية على كامل الأراضي المحتلة العام 1967. أو كأنه لا ينكر اعتباطاً أن قرار حزب العمل في العام 1967 ضم "القدس الشرقية" مهد الطريق إلى قرار حزب الليكود "توحيدها" في العام 1981 مع "القدس الغربية"، وصولاً إلى توسيع حدودها البلدية داخل أراضي الضفة الغربية، لنكون أمام ما يسمى "القدس الكبرى" أو "القدس العظمى"، (بتوصيف شارون)، الممتدة من مستوطنة "عتصيون" جنوب مدينة بيت لحم إلى مستوطنة "جفعات زئيفي" شمال مدينة رام الله. أو كأن قبول بن غوريون، (مؤسس ما بات يُعرف حزب العمل)، لقرار تقسيم فلسطين العام 1947 الذي رفضه بيغن، (مؤسس ما بات يُعرف حزب الليكود)، لم يكن قبولا تكتيكيا لنيل الاعتراف بإسرائيل دولة في هيئة الأمم، وتوطئة لاحتلال سيناء والجولان وما تبقى من أرض فلسطين في عدوان العام 1967، وهو ما يعادل ما أراده بيغن ولم يكن تنفيذه ممكناً بالمعنى السياسي في العام 1948. إزاء ما تقدم، وبناء عليه، كيف لعاقل أن يصدق بأن برنامج "التحالف الصهيوني" يشكل بديلاً سياسياً فعلياً، لا شكلياً، للهجوم السياسي والميداني الشامل لحكومات المعسكر الصهيوني التي قادها نتنياهو، بوصفه هجوماً يعكس سياسة مخططة يشحنها جنون أيديولوجي لدرجة الظن بإمكان الاعتراف بإسرائيل "الكبرى" و"اليهودية" و"القلعة" العدوانية التوسعية العنصرية المفروضة في فلسطين وعلى المنطقة بقوة السلاح وخارج كل قانون. وهو الجنون الذي بلغ منتهاه ارتباطاً بحلول موسم التنافس الانتخابي، وتمثل، أساساً، في جنون العظمة والاستعلاء لدى نتنياهو الشخص والحكومة والحزب والمعسكر، من حيث: *التصعيد السياسي ضد قيادة السلطة الوطنية الفلسطينية لدرجة السطو على عائداتها المالية بغرض إجبارها على استئناف المفاوضات العبثية إياها من دون قيد أو شرط، وعلى التراجع عن خطواتها الدبلوماسية والقانونية المتدرجة والحذرة رغم أنها لم تقطع مع خيار التفاوض الثنائي تحت الرعاية الأميركية. ذلك كأن تخيير الشعب الفلسطيني بين "تحسين شروط المعيشة" وبين الحرية والاستقلال والعودة أمر واقعي ويمكن القبول به، أو كأنه ليس سياسة قديمة بدأتها سلطة الانتداب البريطاني في ثلاثينيات القرن الماضي، وتبنتها حكومات إسرائيل منذ قيامها، إنما دون جدوى. هذا ناهيك عن تصعيد عمليات الاستيطان والتهويد، فضلا عن تصعيد الهجوم على الأسرى والتنكيل بهم. وكأن ذلك لا يساوي صب المزيد من الزيت على نار الهبات الشعبية المتلاحقة، بما ينذر بتحولها إلى فعل انتفاضي واسع وشامل، تقدم الأمر أو تأخر. *رفع وتيرة التحريض على فصائل المقاومة الفلسطينية المسلحة من خلال العودة إلى الاسطوانة المشروخة إياها: المساواة بين النضال الوطني الفلسطيني التحرري وبين العمل الإرهابي للتنظيمات التكفيرية المسلحة. وكأن ذلك ليس تهيئة لشن عدوان إبادة وتدمير جديد على قطاع غزة الذي يغلي كمرجل على وشك الانفجار أصلاً. *تصعيد سياسة الهجوم العنصري متعدد الأوجه على فلسطينيي 48، وأحدث جرائمه استشهاد اثنين وإصابة العشرات من أبناء قرية راهط البدوية في النقب. وكأن ذلك سيجني غير ما جنته هذه السياسة الفاشية على مدار عقود، أعني تعميق تمسك أبناء هذا الجزء الأصيل من الفلسطينيين بهويتهم وانتمائهم الوطنييْن وزيادة أشكال مشاركتهم وارتباطهم بنضالات باقي أبناء شعبهم في الوطن والشتات. *التصعيد العسكري ضد سورية ولبنان لدرجة الإقدام على "عدوان القنيطرة" الذي وضع الجبهة الشمالية والمنطقة بأسرها على حافة انفجار شامل. وكأن العدوان كان سيجني غير ما جنى: رد حزب الله الميداني السريع الجريء والذكي في مزارع شبعا المحتلة، كرد ابتلعته حكومة نتنياهو، ما أكد أن عنجهيتها بلا أساس واقعي، وأن محاولاتها تغيير قواعد الاشتباك القائمة كانت محض وهمٍ، وأن زمن قدرة جيشها على تحقيق انتصار سريع حاسم واضح لا لبس فيه قد ولى، وأن المقاومة اللبنانية ليست "مردوعة"، و"لا تخشى الحرب ولا تخافها ولا تتردد في مواجهتها وتحقيق النصر فيها، إن هي فُرضت عليها"، بل وأن لديها من عوامل القوة ما يؤهلها لأن تعلن صراحة ولأول مرة أنها "لم تعد تعترف بما يسمى قواعد الاشتباك وتفكيك الساحات والميادين...."، وأنها "سترد حتى على أي اعتداء أمني ولو ملتبس وغير معلن على أي كادر أو شاب من شبابها". *توتير العلاقة مع دول الاتحاد الأوروبي لدرجة التعامل مع مواطنيها اليهود كرعايا لدولة إسرائيل، وبالمثل توتير العلاقة مع إدارة أوباما لدرجة أن يتصرف نتنياهو كما لو كان رئيساً ثانيا للولايات المتحدة. يعنينا مما تقدم التشديد على أن زمن إسرائيل "الكبرى" و"اليهودية" و"القلعة" العدوانية التوسعية العنصرية قد ولى، وعلى أن برنامج "التحالف الصهيوني" المخادع لن يخرجها من ورطاتها التي أوقعها فيها فائض عنجهية حكومات معسكر حزب الليكود بقيادة نتنياهو في السنوات الأخيرة، ذلك لأننا أمام برنامج انتخابي واحد بلغتين، "ناعمة" خادعة، و"خشنة" صريحة، ليس إلا.

انشر المقال على: