السبت 04-05-2024

الاستثمارُ الصهيونيّ في الوضع الفلسطينيّ: هل انتهت اتفاقيّةُ أوسلو فعلًا؟

×

رسالة الخطأ

موقع الضفة الفلسطينية

الاستثمارُ الصهيونيّ في الوضع الفلسطينيّ: هل انتهت اتفاقيّةُ أوسلو فعلًا؟ حاتم استانبولي الإثنين 22 نوفمبر 2021 | 07:48 ص السؤالُ الواردُ في العنوان يفرضُ سؤالًا آخر: ما هي اتفاقيّةُ أوسلو من حيثُ الجوهرُ؟ اتفاقيّةُ أوسلو؛ هي تعميمُ الاتفاقيّةِ الأُمِّ الموقّعةِ بين مصر السادات وإسرائيل بيغن؛ بيغن والساداتُ يرمزان ويمثّلان حالتين تعكس توازنَ اتجاه القوى الاجتماعيّة في كلٍّ من: مصر وإسرائيل الإحلاليّة الاستعماريّة، ويجمعهما الاتجاهُ العامُّ للتحوّل نحو اليمين في كلا المكانين، ويمثلان - من حيثُ الجوهرُ - القوى اليمينيّةَ الصاعدةَ في المجتمعين، هذه القوى التي تربطها مصالحُ رأسماليّة مشتركة، وما يميّزُهما أنّ بيغن وما يمثّله هو عاملٌ مقرّرٌ في سياسة مراكز رأس المال، في حين أنّ السادات يمثّلُ القوى الكمبرادوريّة الصاعدةَ التي تسعى إلى إعادة تموضع مصر في إطار التبعيّة التامّة لرأس المال. إعادةُ التموضعِ؛ شَرطُهُ ومَدخَلُهُ الموقفُ من إسرائيلَ الإحلاليّةِ الاستعماريّة، بما يفرضُ تحويلَ العلاقة من صراعٍ إلى تحالف، هذهِ الأرضيّةُ المصلحيّةُ التي أسّست لاتفاقيّات كامب ديفيد. إسرائيلُ أرادت الاتفاقيّةَ أن تكون مدخلًا لاستخدام مصر كحصان طروادة في العالم العربي؛ لممارسة احتلالٍ يحملُ عناوينَ متعدّدةَ الأوجه؛ سياسيّة، واقتصاديّة، وفكريّة، واجتماعيّة. سياسيًّا: تحويل الصراع على أساس أنّه صراعٌ على ما احتلّته إسرائيلُ من أراضٍ مصريّةٍ على قاعدة الاعتراف المتبادل بين الدولتين؛ تتضمّن بندًا يخصّ القضيّةَ الفلسطينيّة، تحت عنوان إقامة حكمٍ ذاتيٍّ فلسطينيّ في أراضٍ يتفق عليها بمشاركةٍ فلسطينيّة. اقتصاديًّا: العمل على تحويل الاقتصاد المصري من رأسماليّة الدولة إلى مشاركةٍ مع الكومبرادور الناشئ، على طريق إنهاء ملكيّة الدولة، مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصيّة مصلحة دور الجيش المصري. فكريًّا واجتماعيًّا: اختراق الوعي والذاكرة للمجتمع المصري من خلال إعادة استحضار التاريخ الفرعوني لمصر، ليحلّ محلّ الدور العربيّ الإقليميّ في الوعي المجتمعيّ. اتفاقيّةُ كامب ديفيد لم تكن حدودُ فعاليّتها وتأثيرها المكانيّ بين مصر وإسرائيل، بل أُريدَ منها أن تكون مشروعًا شاملًا للمنطقة والشرق الأوسط عبر الزمان؛ ليسقطَ مفهومُ أحقيّة العدالة الفلسطينيّة، لتشريع إسرائيلَ وعدوانيّتها؛ هذا المشروعُ لا يمكن أن يُكتب له الحياة إلا إذا طُوِّع العاملُ الفلسطينيُّ ودُمِجَ في منظومة كامب ديفيد. لذلك عُمِلَ على تقويض الحالة الفلسطينيّة في إطار الظاهرة العربيّة؛ من خلال عملٍ داخليٍّ استهدف الوعيَ الفلسطينيّ، لحرف بوصلته العامة وعنوانه الجامع الذي يتمثّل في تحقيق العدالة الفلسطينيّة؛ من عدالة المخيّم الفلسطينيّ بكلّ ما يحمله من معانٍ، إلى عنوان تحقيق مصالح فئةٍ عابرةٍ للقوى الفلسطينيّة، التي عمل على ربط مصالحها الكمبرادوريّة بالاحتلال، الذي حوّلها أداةً لتمرير أهدافه التوسعيّة الإحلاليّة؛ التي تهدفُ إلى إنهاء جوهر العدالة الفلسطينيّة التي مدخلُها الحريّة، وتعبيراتها وضرورتها تتمثّل عبر المشاركة الواسعة للشعب الفلسطينيّ في كلّ أماكن وجوده. اتفاقيّة أوسلو كانت ضرورةً إسرائيليّةً – مصريّة؛ عُمِلَ عليها لكسر الحلقة الرسميّة الفلسطينيّة؛ من خلال استدراج فئةٍ فلسطينيّةٍ من خارج الإجماع الفلسطينيّ ومؤسّساته الشرعيّة لتوقيعها. فالمؤسّساتُ الإسرائيليّةُ كانت تعلمُ أنّ توقيعَ الاتفاقيّة، سيدخلُ الحالةَ الفلسطينيّةَ في صراعٍ داخليٍّ لن يكتب لها الخروجُ منه، ما دامت هي تُمعِنُ في تغذيته؛ من خلال دعم تغوّل الفئة المرتبطة بها في السلطة الفلسطينيّة. لقد سعت إسرائيلُ لخلق عناوينَ جديدةٍ للصراع؛ أهمُّها تحويلُ وصف الحالة الفلسطينيّة المناهضة لها ولاتفاقيّة أوسلو، من حالةٍ تحملُ عنوانَ التحرّر الوطنيّ لحالةٍ إرهابيّة، تحملُ مفهومَ الإرهاب الإسرائيليّ، الذي عُمّم بعد ١١ سبتمبر، وأصبح مفهومًا تَبنَّتهُ السلطةُ ورئيسُها ( ياسر عرفات ) عندما أطلق موقفًا مناهضًا للإرهاب (الفلسطيني العمليات الفلسطينية بعد ١١ -٠٩-٢٠٠١)، هذا التبنّي كان مدخلًا لتوثيق التعاون الأمنيّ الذي طالما تبنّاه علنًا الرئيسُ عباس وأجهزتُهُ الأمنيّة. أمّا بخصوص تيار الإسلام السياسيّ، فقد استثمرت إسرائيلُ في تناقضه مع السلطة من جهةٍ، وأبرزته على أنّه خطرٌ يهدّد الوجودَ اليهوديَّ من جهةٍ أخرى. إسرائيلُ استثمرت في عامل الزمن لتغيير حالة الوعي العامة بالعدالة الفلسطينيّة؛ لتحويل الصراع الوطنيّ التحرّري إلى صراعٍ دينيٍّ لترويج نفسها على أنّها تواجه مع كلّ العالم (المتحضّر) الإرهابَ الإسلاميَّ الذي يستهدف المجتمعات المتحضّرة. الحالةُ الفلسطينيّةُ المأزومة: ما هي سماتُ الأزمة الفلسطينيّة؟ إنّ السمةَ العامةَ للأزمة الداخليّة الفلسطينيّة؛ نشأت عندما برز الخلافُ حول مفهوم العدالة الفلسطينيّة وسبل تحقيقها، وتحديدًا عندما جُزِّئَ هذا المفهومُ وفُكِّك؛ ارتباطًا بتجزئة المكان المرتبط بتحقيق العدالة الإنسانيّة الفلسطينيّة، هذهِ الفكرةُ التي أدخلت الحالةَ الفلسطينيّةَ في تعارضاتٍ وتناقضاتٍ حولَ حلّ أزمة إسرائيل وعدوانيّتها؛ هنا يكمنُ جوهرُ الأزمة. وحلُّ هذا التعارض في إطار الفكرة يكمنُ في العودة لتعريف العدالة الفلسطينيّة وسبل تحقيقها؛ العدالةُ الفلسطينيّةُ في الجوهر هي عدالةُ المخيّم الفلسطيني، بما تحمله من معانٍ حقوقيّةٍ وتاريخيّةٍ وإنسانيّةٍ وسياسيّةٍ واجتماعيّةٍ مرتبطةٍ بالمكان عبرَ الزمان. إسقاطُ جوهر العدالة الفلسطينيّة (عدالة المخيم)، عبر فكرة الحلّ المرحليّ الذي هو حلٌّ في إطار تطبيق التفسير البريطانيّ للقرار الأمميّ ٢٤٢، الذي صدر عقب هزيمة حزيران، حيث (تَلعَبُ) إسرائيلُ في إطاره (٢٤٢)، الذي يتحدّث عن أراضٍ أُحتِلَّت عام ١٩٦٧، (غير معرّفة)؛ الأساس القانونيّ الذي بُنِيَت على أساسِهِ صفقةُ القرن، التي تتحدّث عن سلطة حكمٍ ذاتيٍّ فلسطينيٍّ في إطار مفهوم الأمن للدولة اليهوديّة. إسقاطُ جوهر العدالة الفلسطينيّة أَعطى النّظمَ الرسميّةَ العربيّةَ المبرّراتِ؛ لإعلان تعميم مفهوم كامب ديفيد، عبرَ اتفاقيّاتٍ فرديّةٍ وجمعيّةٍ من وادي عربة إلى إبراهام. هذهِ الاتفاقيّاتُ التي تعكسُ تداخلَ المصالح الرأسماليّة النفعيّة وتشابكها، بين نظم هذه الدول التي يجمعها عِداؤها لتحقيق العدالة لشعوبها مع عدوانيّة إسرائيلَ الإحلاليّةِ تجاهَ تحقيق العدالة الفلسطينيّة. إعادةُ الاعتبار للعدالة الفلسطينيّة (عدالة المخيّم) هي المدخلُ لحلّ الأزمة الفلسطينيّة الداخليّة، وإسقاطُ مفهوم المساومة التاريخيّة (أوسلو) هو المدخلُ لإسقاط عدوانيّة إسرائيل الإحلاليّة التاريخيّة. إنّ العودةَ لشعار الدولة الفلسطينيّة الديمقراطيّة هو المدخلُ للحلّ الإنسانيّ الذي يحقّق العدالةَ والمساواةَ والمشاركة؛ بعيدًا عن أيّ شكلٍ من أشكال التمييز أو أحقيّة ملكيّة المكان على أساس الفكرة التي تتناقض مع جوهر العدالة الإنسانيّة، هذا الشعارُ الذي يحملُ تحقيقًا للعدالة الإنسانيّة، ويخرجُ القضيّة الفلسطينيّة من إطار التجاذب حولَ الأحقيّة الإلهيّة، التي لا يمكن أن تتحقّق مفاعيلُها دنيويًّا، ولا يملكُ أحدًا؛ فردًا أو مجموعاتٍ حقًّا يُمَكِّنُهُ من مصادرة الأحقيّة الإلهيّة في الحساب. إنّ أهميّة إعطاء البعد القانونيّ أولويّة يُخضِعُ إسرائيلَ وقادتها للمحاسبة على الجرائم التي ارتكبتها قبل وبعد جريمة النكبة. في حين أنّ المساومةَ التاريخيّة (اتفاقيّة كامب ديفيد وبناتها) هي التي أعطت إسرائيلَ العدوانيّةَ مخرجًا لتلميع نفسها وتطهيرها من الجرائم التي ارتكبتها، وترتكبها بحقّ الشعب الفلسطينيّ. السؤالُ الآخرُ المهمّ: لماذا إسرائيلُ تسمحُ بمرور الأموال ال قطر يّة إلى غزة التي تحكمُها حماس الإرهابيّة؟ في الجوهر هي تستثمرُ في التفتّت والتشرذم الفلسطينيّ؛ ووجودُ الإسلام السياسيّ يعطيها الشحناتِ للترويج أنّ الصراعَ دينيٌّ وليس وطنيًّا، وحلُّهُ يتحقّق بين أبناء إبراهيم، وعليه؛ فإنّ اتفاقيّةَ أوسلو لم تنتهِ، بل أُعيدَ تطويرُها بما يخدم التنفيذ التدريجيّ لسلسلة صفقة القرن، بقفّازاتٍ ناعمةٍ عربيّة – فلسطينيّة - إسرائيليّة. اتفاقيّةُ أوسلو ليست مجرّد نصوصٍ مجرّدة، بل هي نصوصٌ تعبّر عن تداخلِ المصالح الاقتصاديّة وتشابكها، وتعبيراتها السياسيّة بين قوى مركز رأس المال وأدواته وأتباعه. وجوهرُ اتفاقيّة أوسلو سيكونُ المدخلَ القانونيَّ والسياسيَّ والأمنيّ، لتنفيذ حلقات صفقة القرن من خلال البوّابة الخلفيّة.

انشر المقال على: